الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: كَنْزُ المالِ


كَنْزُ المال الذي ذمَّه الشارِعُ هو الذي لا تؤدَّى زكاتُه، فأمَّا ما أُدِّيَتْ زكاتُه؛ فليس بكَنزٍ، سواء كان مدفونًا أم بارزًا، وبه قال جمهورُ الفقهاءِ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (عن عبد الله بن دينار أنه قال: (سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ وهو يُسألُ عَنِ الكَنزِ: ما هو؟ فقال: هو المالُ الذي لا تؤدَّى منه الزَّكاةُ...اختلف العلماء في الكَنز ِالمذكورِ في هذه الآية ومعناه، فجمهورُهم على ما قاله ابن عمر، وعليه جماعةُ فُقَهاءِ الأمصارِ). ((الاستذكار)) (3/172، 173)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (6/12)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/273) ، وأكثَرُ أهل العِلم قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (سائرُ العلماء من السَّلف والخَلَف على ما قاله ابنُ عمر في الكنز). الاستذكار (3/174)، وقال النوويُّ: (قال القاضي: واختلف السَّلفُ في المراد بالكَنز المذكورِ في القرآن والحديث؛ فقال أكثرهم: هو كلُّ مالٍ وجبَتْ فيه الزَّكاة فلم تُؤَدَّ، فأمَّا مالٌ أُخرِجَتْ زكاتُه فليس بكَنْزٍ.... واتَّفق أئمَّةُ الفتوى على القول الأول، وهو الصحيحُ)). ((شرح النووي على مسلم)) (7/68).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34-35]
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَه تعالى: وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تفسيرٌ للكَنز في الآية، فكلُّ ما وجَبَ إنفاقُه ولم يُنفَقْ فهو كَنز، وإذا أدَّى الإنسانُ ما يجِبُ في ماله فليس بكَنزٍ، ولو دفنَه تحت الأرض، وعلى هذا التفسيرِ جماعةُ فقهاءِ الأمصار ((الاستذكار)) لابن عَبدِ البَرِّ (3/173)، ((طرح التثريب في شرح التقريب)) للعراقي (4/7)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/516، 517).
2- وقال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ آياتِ المواريث تدلُّ على أنَّ اللهَ جعلَ في تَرِكةِ المتوفَّى أنصباءَ لوَرَثَتِه، وهذا لا يكونُ إلَّا إذا ترك المتوفَّونَ أموالًا مدَّخرةً ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/348).
3- وقال الله تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة: 286]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ كلَّ ما اكتَسَبَه الإنسانُ فهو حقُّه ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (35/166).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دون خَمْسِ أواقٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ أوسُقٍ صدقةٌ )) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ مفهومَ الحديثِ أنَّ ما زاد على الخَمْسِ ففيه الزَّكاةُ، فلا يسمَّى ما يفضُلُ بعد إخراجِه الصدقةَ، كنزًا، وما كان دون الخَمسِ فإنه قد عُفِيَ عن الحقِّ فيه، فليس بكَنزٍ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/272).
2- عن سعدِ بنِ أبي وقَّاص رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعودني عامَ حَجَّة الوداعِ من وجعٍ اشتدَّ بي، فقلتُ: إني قد بلغ بي من الوَجَعِ، وأنا ذو مالٍ ولا يَرِثُني إلَّا ابنةٌ؛ أفأتصدَّقُ بثُلُثَي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشَّطْرِ؟ فقال: لا، ثم قال: الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كبيرٌ، أو كثيرٌ؛ إنَّك أنْ تَذَرَ وَرَثتَك أغنياءَ خيرٌ من أن تذَرَهم عالةً يتكفَّفونَ النَّاسَ، وإنَّك لن تُنفِقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللهِ إلَّا أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعَلُ في فِي امرأتِكَ )) رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن خالدِ بنِ أسلَمَ، قال: (خرجْنا مع عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، فقال أعرابيٌّ: أخبرني قولَ الله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 34] ، قال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: مَن كَنَزَها فلم يؤدِّ زكاتَها فويلٌ له، إنَّما كان هذا قبل أن تنزِلَ الزَّكاةُ، فلمَّا أُنزِلَتْ جَعَلَها اللهُ طُهرًا للأموالِ ) رواه البخاري (1404).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، قال: (سمعتُ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وهو يُسألُ عن الكَنزِ ما هو؟ فقال: هو المالُ الذي لا تُؤدَّى منه الزَّكاةُ) رواه مالك (2/361)، والشافعي في ((المسند-ترتيب سنجر)) (684)، والبيهقي (4/83) (7483). صحَّحه موقوفًا البيهقيُّ، وابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (3/10)، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/13)، والألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2/103).

انظر أيضا: