الموسوعة الفقهية

الفصل الثَّالثُ: ما يَحْرُمُ تخصيصُه بيَومِ العِيدِ


المبحث الأوَّل: صومُ يَومَيِ العِيدَينِ
يَحرُمُ صومُ يَومَيِ العِيدَينِ: عيدِ الفطرِ، وعِيدِ الأَضْحَى.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهَى عن صيامِ يومينِ: يومِ الأضحى، ويومِ الفِطر )) رواه مسلم (1138).
2- عن أبي عُبَيدٍ، مولى ابنِ أَزْهرَ، أنَّه قال: شهدتُ العيدَ مع عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، فجاءَ فصلَّى، ثم انصرَفَ فخَطَب النَّاسَ، فقال: ((إنَّ هذَينِ يومانِ، نهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صِيامِهما؛ يومُ فِطرِكم مِن صِيامِكم، والآخَرُ يومُ تأكلونَ فيه مِن نُسُكِكم )) رواه البخاري (1990)، ومسلم (1137).
3- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهَى عن صيامِ يومينِ: يومِ الفِطرِ، ويومِ النَّحرِ )) رواه البخاري (1991)، ومسلم (827).
4- عن قَزَعَة، عن أبي سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ منه حديثًا فأعجبني، فقلت له: آنْتَ سمعتَ هذا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: فأقولُ على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما لم أسمَعْ! قال: سمعتُه يقول: ((لا يَصلُح الصيامُ في يومينِ: يومِ الأضحى، ويوم الفِطر مِن رَمضانَ )) رواه البخاري (1197)، ومسلم (827) واللفظ له.
5- عن زيادِ بنِ جُبَيرٍ، قال: جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، فقال: إنِّي نذرتُ أن أصومَ يومًا، فوافَقَ يومَ أضْحى أو فِطر، فقال ابنُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أمَر اللهُ تعالى بوفاءِ النَّذرِ، ونهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ هذا اليومِ )) رواه البخاري (1994)، ومسلم (1139).
6- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صَومَينِ: يومِ الفِطرِ، ويوم الأضحى )) رواه مسلم (1140).
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: الطبريُّ [6779] قال ابنُ حجر: ( وقال أبو جعفر الطبريُّ: يُفرق بين العيد والجمعة بأنَّ الإجماعَ منعقدٌ على تحريم صومِ يومِ العيدِ ولو صام قَبْلَه أو بَعدَه) ((فتح الباري)) (4/234). ، وابنُ حزمٍ [6780] قال ابنُ حزم: (أجمعوا أنَّ صيام يومِ الفطر ويومِ النحر لا يجوز) ((مراتب الإجماع)) (ص: 40). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (أجمَع أهلُ العِلم على أنَّ صوم يومي العيدين منهيٌّ عنه محرَّم، في التطوُّع، والنذر المطلق، والقضاء، والكفَّارة) ((المغني)) (3/169). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أجمع العلماءُ على تحريم صوم يومي العيدين: الفِطر، والأضحى) ((المجموع)) (6/440). ، وابنُ حَجرٍ قال ابنُ حجر: (وفي الحديث تحريمُ صوم يومي العيد، سواء النذر والكفَّارة، والتطوُّع والقضاء، والتمتُّع، وهو بالإجماع) ((فتح الباري)) (4/239).
المبحث الثاني: زِيارةُ المقابرِ يومَ العِيدِ
تَخصيصُ يومِ العيدِ لزِيارةِ المقابِرِ، بدعةٌ مُحدَثةٌ؛ قرَّرَ ذلك ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وفي الجملة: هذا الذي يُفعل عند هذه القبور هو بعَينه الذي نَهَى عنه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقوله: لا تتَّخذوا قبري عيدًا؛ فإنَّ اعتيادَ قصد المكان المعيَّن، وفي وقت معيَّن، عائد بعود السَّنة أو الشهر أو الأسبوع، هو بعينه معنى العيد. ثم يُنهى عن دِقِّ ذلك وجِلِّه، وهذا هو الذي تقدَّم عن الإمام أحمد إنكارُه، لَمَّا قال: قد أفرطَ الناس في هذا جدًّا وأكثروا، وذكر ما يُفعل عند قبر الحُسين. وقد ذكرتُ فيما تقدَّم أنَّه يُكره اعتيادُ عبادة في وقت إذا لم تجِئْ بها السُّنَّة؛ فكيف اعتيادُ مكان معيَّنٍ في وقتٍ معيَّن؟!) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/257-258). ، وابنُ باز سُئِل ابنُ باز: هل تخصيصُ العيدين لزيارة القبور له أصلٌ؟ فقال: (لا أعلم لذلك أصلًا، وإنَّما السُّنَّة أن يزورَ القبور متى تيسَّر له ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/337). وقال أيضًا: (فإنَّ البناء على القبور، وتخصيصَ يوم معيَّن لزيارتها، واتِّخاذها أعيادًا أمرٌ منكر) ((فتاوى نور على الدرب)) (2/262). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (ويحرُم عند القبور... اتِّخاذها عيدًا، تُقصَد في أوقات معيَّنة، ومواسم معروفة، للتعبُّد عندها، أو لغيرها) ((أحكام الجنائز)) (ص: 219). ، وابنُ عثيمين قال ابنُ عُثَيمين: (ليس لتخصيص الجُمُعة والعيدين أصلٌ من السُّنَّة، فتخصيصُ زيارة المقابر في يوم العيد، واعتقاد أنَّ ذلك مشروعٌ يُعتبر من البدع؛ لأنَّ ذلك لم يرِدْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا علمتُ أحدًا من أهل العِلم قال به) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/287).
الدَّليل مِن السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَجْعَلوا بُيوتَكم قُبورًا، ولا تَجْعَلوا قبري عِيدًا )) رواه ابو داود (2042)، وأحمد (2/367) (8790)، وروى مسلم (780) الشطر الأول فقط صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (8/275)، وحسَّنه ووثَّق رواته ابنُ تيميَّة في ((الإخنائية)) (265)، وقال عنهم: مشاهيرُ، لكن عبد الله بن نافع الصائغ فيه لِين لا يَمنَع الاحتجاجَ به، وله شواهد متعدِّدة. وحسَّنه محمد ابن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (207)، وحسَّن إسنادَه ووثَّق رواته ابن القيِّم في ((إغاثة اللهفان)) (1/300)، وحسَّنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (3/314)، وجوَّد إسنادَه ابن باز في ((مجموع فتاواه)) (2/386)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2042).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اعتيادَ قَصْدِ مكانٍ معيَّن، وفي وقتٍ معيَّن، عائدٍ بعودِ السَّنَةِ أو الشَّهرِ أو الأُسبوع، هو بعَينِه معنى العيدِ ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (2/257-258).

انظر أيضا: