الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرابع: التَّهنِئةُ بالعِيدِ


لا بأسَ بالتهنئةِ بالعيدِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة قال ابنُ عابدين: (قال المحقِّق ابنُ أمير حاج: بل الأشبهُ أنَّها جائزةٌ مستحبَّة في الجملة، ثم ساق آثارًا بأسانيدَ صحيحة عن الصحابة في فِعل ذلك، ثم قال: والمتعامل في البلاد الشامية والمصريَّة: عيد مبارك عليك، ونحوه، وقال: يمكن أن يُلحق بذلك في المشروعيَّة والاستحباب لِمَا بينهما من التلازُم؛ فإنَّ مَن قُبلت طاعتُه في زمان، كان ذلك الزمان عليه مباركًا، على أنه قد ورد الدعاءُ بالبركة في أمور شتَّى، فيُؤخذ منه استحبابُ الدعاء بها هنا أيضًا) ((حاشية ابن عابدين)) (2/169)، وينظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/171). ، والمالِكيَّة [6636]  ((التاج والإكليل)) للمواق (2/199). قال ابنُ قدامة: (عليُّ بنُ ثابت: سألتُ مالكَ بنَ أنس منذُ خمس وثلاثين سَنَة، وقال: لم يزلْ يُعرف هذا بالمدينة) ((المغني)) (2/296). وقال النفراويُّ: (ما سُئل عنه الإمامُ مالك رضي الله تعالى عنه من قول الرَّجُل لأخيه يومَ العيد: تَقبَّل الله منَّا ومنك، يُريد الصومَ وفِعلَ الخير الصادر في رمضان، غفَر الله لنا ولك؟ فقال: ما أعرِفه ولا أُنكره. قال ابن حبيب: معناه لا يعرفه سُنَّة ولا يُنكره على من يقوله؛ لأنَّه قولٌ حسن؛ لأنَّه دعاء، حتى قال الشيخ الشبيبي: يجب الإتيانُ به؛ لِمَا يترتَّب على تركه من الفتن والمقاطعة، ويدلُّ لذلك ما قالوه في القيام لمن يَقدَم عليه، ومثله قول الناس لبعضهم في اليوم المذكور: عيد مبارك، وأحياكم اللهُ لأمثاله، ولا شكَّ في جواز كلِّ ذلك، ولو قيل بوجوبه لَمَا بَعُد؛ لأنَّ الناس مأمورون بإظهار المودَّة والمحبَّة لبعضهم) ((الفواكه الدواني)) (2/652، 653). ، والشافعيَّة [6637] قال الشربينيُّ: (قال القمولي: لم أرَ لأحدٍ من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيدِ والأعوام والأشهر، كما يفعله الناسُ، لكن نقَل الحافظ المنذريُّ عن الحافظ المقدسيِّ: أنه أجاب عن ذلك بأنَّ الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه أنه مباحٌ لا سُنَّة فيه ولا بِدعة، وأجاب الشهابُ ابن حجر بعدَ اطلاعه على ذلك بأنَّها مشروعةٌ، واحتجَّ له بأنَّ البيهقيَّ عقَد لذلك بابًا فقال: باب ما رُوي في قول الناس بعضهم لبعض في العيدِ: تقبَّل الله منَّا ومنك، وساق ما ذُكِر من أخبار وآثار ضعيفة، لكن مجموعها يحتجُّ به في مِثل ذلك، ثم قال: ويحتج لعمومِ التهنئة لِمَا يحدُث من نِعمة، أو يندفع من نِقمة بمشروعيَّة سجودِ الشُّكر والتعزية، وبما في الصَّحيحين عن كعبِ بن مالكٍ في قصَّة توبته لَمَّا تخلف عن غزوة تبوك أنَّه لَمَّا بُشِّر بقَبول توبته، ومضى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليه طلحةُ بنُ عُبَيد الله فهنَّأَه) ((مغني المحتاج)) (1/316)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/56). ، والحَنابِلَة [6638]  ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/60). قال ابنُ قُدامة: (قال أحمدُ: لا بأسَ أن يقولَ الرجلُ للرجل يومَ العيد: تقبَّل الله منَّا ومنك. وقال حربٌ: سُئِل أحمدُ عن قولِ الناس في العيدين: تقبَّل الله ومنكم. قال: لا بأسَ به، يَرويه أهلُ الشام عن أبي أُمامة. قيل: وواثلة بن الأسقع؟ قال: نعم. قيل: فلا تكره أنْ يُقال هذا: يوم العيد. قال: لا. وذكر ابنُ عَقيل في تهنئة العيد أحاديث، منها: أنَّ محمدَ بن زياد، قال: كنتُ مع أبي أُمامة الباهلي وغيره من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكانوا إذا رجَعوا من العيد يقول بعضُهم لبعض: تقبَّل الله منَّا ومنك. وقال أحمد: إسنادُ حديث أبي أُمامة إسنادٌ جيِّد... ورُوي عن أحمدَ أنه قال: لا أَبتدي به أحدًا، وإنْ قاله أحدٌ ردَّدتُه عليه) ((المغني)) (2/295). وقال ابنُ تيميَّة: (أمَّا التهنئةُ يومَ العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقِيَه بعد صلاة العيد: تقبَّل الله منَّا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك، فهذا قد رُوي عن طائفةٍ من الصحابة أنَّهم كانوا يفعلونه، ورخَّص فيه الأئمَّة كأحمد وغيره. لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحدًا، فإنِ ابتدأني أحدٌ أجبتُه؛ وذلك لأنَّ جواب التحيَّة واجبٌ، وأمَّا الابتداء بالتهنئة فليس سُنَّة مأمورًا بها، ولا هو أيضًا ممَّا نُهي عنه؛ فمَن فعله فله قدوة، ومن ترَكه فله قدوة ) ((مجموع الفتاوى)) (24/253).
الأدلَّة:
أولًا: من الآثار قال الطحاويُّ: (لا يُعلم عن أحدٍ من الصحابة في ذلك كراهةٌ ولا إباحةٌ، غير ما رُوي عن أبي أُمامة وواثلة... وقد كان بكَّار بن قُتيبة، والمزنيُّ، وأبو جعفر بنُ أبي عمران، ويونس بن عبد الأعلى يُهنِّئون بالعيد، فيردُّون مثلَه على الداعي لهم) ((مختصر اختلاف العلماء)) (4/385).
1- عن مُحمَّد بن زِيادٍ الأَلْهانيِّ، قال: (رأيتُ أبا أُمامةَ الباهليَّ يقول في العيدِ لأصحابِه: تَقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكُم) رواه زاهرُ بن طاهر في ((تحفة عيد الفطر)) كما عزاه السيوطي ((الحاوي في الفتاوي)) (1/ 94) جوَّد إسناده الإمام أحمد كما في ((المغني)) (3/294)، وحسن إسناده الألباني في ((تمام المنة)) (355).
2- عن جُبَيرِ بنِ نُفيرٍ، قال: (كان أصحابُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا الْتَقَوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضهم لبعضٍ: تَقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكم) رواه زاهر بن طاهر في ((تحفة عيد الفطر)) كما عزاه السيوطي في ((الحاوي في الفتاوي)) (1/ 94) حسَّن إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/517)، وصحَّح إسنادَه الألباني في ((تمام المنة)) (354).
ثانيًا: عمومُ الأدلَّةِ في مشروعيَّةِ التهنئةِ لِمَا يَحدُثُ مِن نِعمةٍ، أو يَندفِعُ من نِقمةٍ، ومِن ذلك: ما جاءَ في قِصَّة كعبِ بنِ مالكٍ لَمَّا تَخلَّفَ عن غزوةِ تبوك، فإنَّه لَمَّا بُشِّرَ بقَبولِ تَوبتِه ومضَى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قامَ إليه طلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ فهَنَّأَه ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/316).

انظر أيضا: