الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: انعقادُ البيعِ بعدَ النِّداءِ الثاني للجمعة


اختَلفَ أهلُ العِلمِ في انعقادِ البيعِ بعدَ النِّداءِ الثاني للجمعة على قولينِ:
القولُ الأوَّل: يَنعقِدُ البيعُ مع كونِه يَحرُم، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (5/49)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 335). ، والشافعيَّة قال النوويُّ: (في مذاهب العلماء إذا تبايعَا بيعًا محرَّمًا بعد النداء: مذهبنا صِحَّتُه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال أحمدُ وداود- في رِواية عنه-: لا يصحُّ) ((المجموع)) (4/501). ، وقول للمالكيَّة قال ابن رشد: (واختلفوا في حُكمه إذا وقَع؛ هل يُفسخ أو لا يفسخ؟ فإنْ فُسخ فعلى مَن يفسخ؟ وهل يَلحق سائر العقود في هذا المعنى بالبيعِ أم لا يَلحق؟ فالمشهور عن مالك: أنَّه يُفسخ، وقد قيل: لا يفسخ، وهذا مذهبُ الشافعيِّ وأبي حنيفةَ) ((بداية المجتهد)) (2/169). وقال ابن جزي: (يَحرُم البيع والنِّكاح وسائرُ العقود، من جلوسِ الخطيبِ إلى انقضاءِ الصلاة، فإنْ وقعت، فاختُلف في فَسْخِها) ((القوانين الفقهية)) (1/57). ، ونُسِبَ لعامَّة أهلِ العِلمِ قال الزمخشريُّ: (عامَّة العلماءِ على أنَّ ذلك لا يُوجِبُ فَسادَ البيع؛ قالوا: لأنَّ البيعَ لم يحرمْ لعينِه، ولكنْ لِمَا فيه من الذُّهولِ عن الواجب، فهو كالصَّلاة في الأرض المغصوبةِ والثوبِ المغصوب، والوضوءِ بماءٍ مغصوبٍ) ((تفسير الزمخشري)) (4/536)، وينظر: ((تفسير القرطبي)) (18/108).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النهيَ لا يختصُّ بالعقدِ؛ فلم يمنعْ صِحَّتَه كالصَّلاةِ في الأرضِ المغصوبةِ ((المجموع)) للنووي (4/500).
ثانيًا: ولأنَّ النهيَ عن البيعِ ليس نهيًا عنه لذاتِه، بل لوقتِه ((فتح الباري)) لابن رجب (5/433).
القول الثاني: يَحرُم ولا يَنعقِدُ البيعُ، وهو المشهورُ من مذهبِ المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/553). قال ابنُ جزي: (يحرُم البيعُ والنِّكاح وسائرُ العقود، من جلوسِ الخطيبِ إلى انقضاءِ الصلاة، فإنْ وقعت، فاختُلف في فَسْخِها) ((القوانين الفقهية)) (1/57). وقال أيضًا: (النوع السَّابع «أي: من البيوع الفاسدة»: البيعُ يومَ الجمعة مِن حِين يَصعَدُ الإمامُ على المنبر إلى أن تَنقضي الصلاةُ، ويُفسخ في المشهور، خلافًا لهما) ((القوانين الفقهية)) (1/171)، ويُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/169). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (2/74)، ويُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/171). ، وداودَ في روايةٍ عنه قال النوويُّ: (في مذاهب العلماء إذا تبايعَا بيعًا مُحرَّمًا بعد النِّداء: مذهبنا: صحَّتُه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال أحمدُ وداود- في رواية عنه-: لا يصحُّ) ((المجموع)) (4/501). ، واختاره ابنُ المنذرِ قال ابنُ المنذر: (البيعُ والشراء يحرُم ويَنْفِسخ إذا باع أحدٌ إذا نُودِي للصلاة من يوم الجمعة إلى أن يفرغَ من الصلاة) ((الإقناع)) (1/105- 160). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ويُفسخ البيع حينئذ أبدًا إنْ وقع، ولا يُصحِّحه خروجُ الوقت، سواء كان التبايعُ من مُسلمَينِ، أو من مسلمٍ وكافر، أو من كافرَينِ) ((المحلى)) (3/290). ، وهو قولُ ابنِ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (وعلى هذا نقول: إنَّ البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرامٌ، وباطل أيضًا، وعليه فلا يترتَّب عليه آثار البيع؛ فلا يجوز للمشتري التصرُّفُ في المبيع؛ لأنَّه لم يملكْه، ولا للبائع أن يتصرَّف في الثَّمن المعين؛ لأنَّه لم يملكْه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأنَّ بعض الناس ربَّما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني، ثم يأخذونه على أنَّه مِلكٌ لهم) ((الشرح الممتع)) (8/190- 191).
الأدلَّة:
 أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النهيَ يَقتضِي فسادَ المنهيِّ عنه ((فتح الباري)) لابن رجب (5/434).
ثانيًا: ولأنَّه يَشغَلُ عن الصَّلاةِ، ويكون ذريعةً إلى فواتِها، أو فواتِ بعضِها؛ فلم ينعقدْ ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/180).
ثالثًا: ولأنَّه عقدٌ نُهِيَ عنه لأجْلِ عبادةٍ؛ فكان غيرَ صحيحٍ كالنِّكاحِ المحرَّمِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/41).

انظر أيضا: