الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: الخِنزير


الفرع الأوَّل: نجاسة الخِنزير
الخِنزيرُ نَجِسٌ نجاسةً عينيَّةً في جميعِ أجزائه، حتى ما انفصَلَ عنه كعَرقِه ولُعابه؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/48)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/63). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/31)، ((المجموع)) للنووي (2/568). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/310). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (1/320)، ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/161). ، وحُكيِ فيه الإجماعُ قال النوويُّ: (نقَل ابن المُنذِر في كتاب الإجماع إجماعَ العلماءِ على نجاسة الخِنزير، وهو أوْلى ما يُحتجُّ به لو ثبت الإجماعُ، ولكن مذهَب مالك طهارةُ الخِنزيرِ ما دام حيًّا). ((المجموع)) (2/568). وقال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ لحم الميتةِ وشَحمَها ووَدَكَها وغُضروفَها ومُخَّها، وأنَّ لحم الخنزير وشحمَه ووَدَكَه وغُضروفَه ومخَّه وعصَبَه، حرامٌ كلُّه، وكلُّ ذلك نجِسٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 23). وقال ابن رشد: (وأمَّا أنواعُ النَّجاسات، فإنَّ العلماء اتَّفقوا من أعيانها على أربعة: ميتةِ الحيوان ذي الدَّمِ الذي ليس بمائي، وعلى لحمِ الخِنزير بأيِّ سببٍ اتَّفق أن تذهَبَ حياتُه). ((بداية المجتهد)) (1/83). وقال ابن قُدامة: (وحُكمُ الخِنزير حُكمُ الكَلبِ؛ لأنَّ النصَّ وقَعَ في الكَلبِ، والخِنزيرُ شرٌّ منه وأغلَظُ؛ لأنَّ الله تعالى نصَّ على تحريمه، وأجمَع المسلمون على ذلك، وحرُم اقتناؤه). ((المغني)) (1/42).
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: 145]
وجه الدَّلالة:
 أنَّه نصَّ على أنَّ لحمَ الخنزيرِ رِجسٌ، والرِّجسُ بمعنى النَّجِس قال السعديُّ: (أي: فإنَّ هذه الأشياء الثلاثة رجس؛ أي: خبثٌ نجسٌ مُضِرٌّ، حرَّمه الله؛ لطفًا بكم، ونزاهةً لكم عن مُقاربةِ الخَبائِثِ). ((تفسير السعدي)) (1/277). وقال ابن عثيمين: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ **الأنعام: 145**؛ أي: نَجِسٌ خبيثٌ). ((تفسير سورة البقرة)) (1/198).
الفرع الثَّاني: كيفيَّةُ التطهُّر من نجاسةِ الخِنزير
نجاسةُ الخِنزير تُغسَلُ كما تُغسَلُ باقي النَّجاساتِ الأخرى؛ وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ) ((المبسوط)) للسرخسي (1/48)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/63). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/78)، وينظر: (بداية المجتهد)) لابن رشد (1/29-30). ، وقولُ الشَّافعيِّ في القَديمِ ((روضة الطالبين)) للنووي (1/32)، ((المجموع)) للنووي (2/586). ، وروايةٌ عن أحمد ((الفروع)) لابن مفلح (1/316)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/224). ، وهو اختيارُ النوويِّ قال النوويُّ: (اعلَم أنَّ الرَّاجِحَ من حيث الدليلُ أنَّه يَكفي غسلةٌ واحدةٌ بلا ترابٍ، وبه قال أكثرُ العلماءِ الذين قالوا بنجاسة الخِنزيرِ، وهذا هو المختار؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الوجوبِ حتى يرِدَ الشَّرعُ، لا سيَّما في هذه المسألة المبنيَّة على التعبُّد). ((المجموع)) (2/586). ، وابنِ حَزمٍ قال ابن حزم: (أمَّا قياسُ الخِنزير على الكلبِ، فخطأٌ ظاهر- لو كان القياس حقًّا- لأنَّ الكلبَ بعضُ السِّباعِ، لم يُحرَّم إلَّا بعمومِ تَحريمِ لُحومِ السِّباع فقط، فكان قياسُ السِّباع وما وَلَغَت فيه على الكَلبِ الذي هو بعضُها، والتي يجوز أكْلُ صيدِها إذا عُلِّمَت، أوْلى من قياسِ الخِنزير على الكَلبِ، وكما لم يجُزْ أنْ يُقاسَ الخنزير على الكلبِ في جواز اتِّخاذه وأكْل صيدِه، فكذلك لا يجوزُ أن يُقاس الخنزيرُ على الكلب في عددِ غَسْلِ الإناءِ مِن وُلوغِه). ((المحلى)) (1/123). ، وابن باز قال ابن باز: (... إذا كانت النَّجاسةُ على غير الأرض، الصَّواب: لا حاجةَ إلى سَبْعٍ إلَّا في الكَلبِ، بل بما يُزيلُ النَّجاسةَ مرةً أو أكثر، ولا يُحَدُّ بسَبعٍ). ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهيَّة)) لخالد آل حامد (1/277). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّحيح: أنَّ نجاسَتَه كنجاسةِ غَيرِه، فتُغسَلُ كما تُغسَلُ بقيَّةُ النَّجاسات). ((الشرح الممتع)) (1/418). ؛ وذلك لأنَّه لا يُوجَد نصٌّ من الشَّارِعِ يُوجِبُ غسْلَ نجاسةِ الخِنزيرِ كغَسلِ نجاسةِ الكَلبِ؛ فالأصلُ المعتبَرُ في ذلك هو زوالُ النَّجاسةِ، فمتى ما زالت، زال حُكمُها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/418).
الفرع الثَّالث: التَّداوي بالخِنزير وبأجزائِه
التَّداوي بالخِنزير وبأجزائِه لا يجوزُ قال ابن تيميَّة: (أمَّا التَّداوي بأكلِ شَحمِ الخِنزير، فلا يجوزُ، وأمَّا التَّداوي بالتلطُّخ به، ثم يغسِلُه بعد ذلك، فهذا ينبني على جوازِ مباشرة النَّجاسة في غيرِ الصَّلاة، وفيه نزاعٌ مشهور، والصَّحيح: أنَّه يجوز للحاجةِ، كما يجوز استنجاءُ الرَّجُل بيدِه، وإزالةُ النَّجاسة بيده، وما أُبيحَ للحاجة جاز التَّداوي به، كما يجوزُ التَّداوي بلُبسِ الحريرِ على أصحِّ القولين، وما أُبيح للضَّرورة كالمطاعم الخبيثة، فلا يجوزُ التداوي بها، كما لا يجوزُ التداوي بشُربِ الخَمر). ((مجموع الفتاوى)) (24/270، 271). ؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (6/33)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/144). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/170-171)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/112). ، والحنابلة ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (9/ 91)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/423)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (10/329). ، ووجهٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (9/50)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/170).
الأدلَّة: 
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((نهَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الدَّواءِ الخَبيثِ )) رواه أبو داود (3870)، والترمذي (2045)، وابن ماجه (3459)، وأحمد (8034). قال الذهبيُّ في ((المهذب)) (8/3966): إسناده صالح، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (15/193)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3870).
ثانيًا: من الآثار
عن أبي وائلٍ، أنَّ رجلًا أصابه الصَّفَر الصَّفَر: هو اجتماعُ الماءِ في البَطنِ، كما يَعرِض للمُستسقى. والصَّفَر أيضًا: دودٌ يقعُ في الكَبِد وشراسيف الأضلاع، فيَصفَرُّ عنه الإنسانُ جدًّا، وربما قتَلَه. ((النهاية)) لابن الأثير (3/36). ، فنُعِت له السَّكَر السَّكَر (بفتَح السِّين والكافِ): الخَمرُ المُعتَصِر من العِنَب. انظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/383). ، فسأل عبدَ الله عن ذلك، فقال: (إنَّ اللهَ لم يجعلْ شِفاءَكم فيما حرَّمَ عليكم ) رواه البخاري مُعلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5614)، ورواه موصولاً عبدالرزاق في ((المصنف)) (17097)، وابنُ أبي شَيبةَ في ((المصنَّف)) (7/381) واللفظ له، والطبرانيُّ (9/345) (9716). قال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (440): ذكَره البخاريُّ، وقد رُوي من حديث أمِّ سلمة مرفوعًا، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/89): رجاله رجال الصَّحيح، وصحَّح سندَه على شرْط الشيخين ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/82)، وقال أحمد شاكر في تحقيق ((المحلَّى)) (1/176): ورد موقوفًا على ابن مسعود من طريق صحيحة، وصحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (1/207)، والألباني في ((غاية المرام)) (67).

انظر أيضا: