الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ العاشر: تَخطِّي الرِّقابِ حالَ الخُطبةِ


يَحرُم تخطِّي الرِّقابِ حالَ الخُطبةِ، وهذا مذهب الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/164)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 339). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/545)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/509). ، واختارَه ابنُ المنذرِ قال ابن المنذر: (تخطي رقاب الناس غير جائز؛ لحديث عبد الله بن بسر، ولا فرق بين القليل، والكثير منه؛ لأن الأذى لا يجوز منه شيء أصلا، وإذا جاء فوسعوا له، فتخللهم، ولم يتخطاهم، فهو غير داخل فيما نهي عنه، والله أعلم) ((الأوسط)) (4/ 94). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (المختار أنَّ تَخطِّي الرقاب حرامٌ؛ للأحاديث فيه) ((روضة الطالبين)) (11/224). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يحرُم تخطِّي رقاب الناس) ((الفتاوى الكبرى)) (5/356). وقال أيضًا: (ليس لأحدٍ أن يتخطَّى الناس؛ ليدخلَ في الصف إذا لم يكن بين يديه فُرجةٌ، لا يوم الجمعة ولا غيره؛ لأنَّ هذا من الظلم والتعدِّي لحدود الله تعالى) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 440). ، وابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الصحيح: أنَّ تخطِّي الرقاب حرامٌ في الخطبة وغيرها؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجل رآه يَتخطَّى رقاب الناس: «اجلس؛ فقد آذيتَ»، ولا سيَّما إذا كان ذلك أثناء الخطبة؛ لأنَّ فيه أذيةً للناس، وإشغالًا لهم عن استماع الخطبة؛ إشغالًا لِمَن باشر تخطِّي رقبته، وإشغالًا لمن يراه ويشاهده، فتكون المضرةُ به واسعةً.) ((الشرح الممتع)) (5/95، 96). ، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ قالت اللجنة الدائمة: (إذا أتى المسلمُ إلى صلاة الجمعة، فلا يجوزُ له أن يتخطَّى رقاب الناس؛ لِمَا في ذلك من الإساءة إلى المصلِّين، وإشغالهم عن استماعِ الخطبة، والتشويش عليهم) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (7/102).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أبي الزَّاهريَّة، قال: كنتُ جالسًا مع عبدِ اللهِ بنِ بُسرٍ يومَ الجُمُعةِ, فما زال يُحدِّثُنا حتى خرَجَ الإمامُ, فجاءَ رجلٌ يَتخطَّى رِقابَ الناسِ، فقال لي: جاءَ رجلٌ يَتخطَّى رِقابَ النَّاسِ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُب, فقال له: ((اجلسْ؛ فقدْ آذيتَ وآنيتَ آذَيْت وآَنْيت: أَيْ آذَيْتَ الناسَ بتَخَطِّيك، وأخَّرتَ المجيء وأَبْطأْتَ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/78). )) رواه أبو داود (1118)، والنسائي (3/103)، وأحمد (4/190) (17733). قال النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/784): رُوي بإسنادين صحيحين، وقال ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/681): كلُّ رجاله ثِقاتٌ، لا نعلم فيهم جرحًا. وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/592): ضعَّفه ابنُ حزم بما لا يَقدح. وصحَّحه أحمدُ شاكر في تحقيق ((المحلى)) (5/70)، وحسَّن إسنادَه ابنُ باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (305)، وصحَّح الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1118)، وحسَّنه- على شرْط مسلم- الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (553).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ في قول رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمُتخطِّي يومَ الجُمُعة: ((آذيتَ وآنيتَ))- بيانًا أنَّ التخطِّي أذًى، وأنَّه لا يحِلُّ أذَى مسلمٍ بحالٍ في الجُمُعة وغيرِ الجُمُعة ((التمهيد)) لابن عبد البر (1/316).
ثانيًا: أنَّ في تَخطِّيه للرِّقابِ أذيةً للنَّاس، وإشغالًا لهم عن استماعِ الخُطبةِ؛ إشغالًا لِمَن باشَر تخطِّي رقبتِه، وإشغالًا لِمَن يراه ويُشاهِده؛ فتكونُ المضرةُ به واسعةً ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/95، 96).
فرعٌ: التَّخطِّي إذا وَجَدَ فُرجةً لا يَصِلُ إليها إلَّا بالتخطِّي
يجوزُ التَّخطِّي إذا وجَدَ فُرجةً لا يَصِلُ إليها إلَّا بالتخطِّي؛ نصَّ عليه المالِكيَّة لكن منَعوا من ذلك عند جلوس الإمام على المنبر ولو لفُرجة، ففي ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/85): (وجاز تخطٍّ قبل جلوس الخطيب (ش): يعني أنه يجوزُ للداخل يومَ الجمعة إلى الجامع تخطِّي رقاب الجالسين فيه قبلَ جلوس الخطيب على المنبر لفرجةٍ، ويكره لغيرها، وأمَّا بعده فيحرم ولو لفُرجة)، وينظر: ((مواهب الجليل) للحطاب (2/545)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/175)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/444). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/545)، ((البيان)) للعمراني (2/591). وقالوا: يجوز أن يتخطَّى الرجلَ أو الرجلين، أمَّا إنْ كان بين يديه خلقٌ كثير، فإنْ رجَا إذا قاموا إلى الصلاة أن يتقدَّموا جلس حتى يقوموا، وإن لم يَرجُ أن يتقدَّموا جاز أن يتخطَّى؛ ليصلَ إلى الفرجة. ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/288)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/46). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَف قال ابن رجب: (فإنْ وجد فرجةً لا يصِلُ إليها إلَّا بالتخطي، ففيه قولان: أحدهما: يجوزُ له التخطي حينئذٍ، وهو قول الحسن، وقتادة، والأوزاعي والشافعي، وكذا قال مالكٌ في التخطِّي قبل خروج الإمام، وكذا روَى معمرٌ عن الحسنِ وقتادة) ((فتح الباري)) (5/441).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه لا حُرمةَ لِمَن ترَك بين يديه موضعًا خاليًا وقعَدَ في غيرِه ((المغني)) لابن قدامة (2/260).
ثانيًا: لأنَّ تَخطِّيَهم لحاجةٍ؛ فجازَ لذلِك ((المغني)) لابن قدامة (2/260).
ثالثًا: لأنَّ الجالسِينَ وراءَها مُفرِّطينَ بتَرْكِها ((المجموع)) للنووي (4/546).

انظر أيضا: