الموسوعة الفقهية

المَبحَث السادس: حمْل السِّلاحِ في صَلاةِ الخوفِ


اختَلف أهلُ العِلم في حُكمِ حَمْلِ السِّلاحِ في صلاةِ الخوفِ على قولينِ:
القول الأوّل: يُستحَبُّ حمْلُ السِّلاحِ في صلاةِ الخوفِ ولا يَجِبُ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 210)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/187). ، والشافعيَّة على الأظهر ((روضة الطالبين)) للنووي (2/59)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/11). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 306)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/305)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/320). ، وبه قال أكثرُ أهل العِلم قال ابنُ قُدامة: (قال أصحابُنا: ولا يجِبُ حمْلُ السِّلاح، وهذا قولُ أبي حنيفة وأكثرِ أهل العِلم، وأحدُ قوليِ الشَّافعي) ((المغني)) (2/306). وقال ابنُ عثيمين: (قوله: «ويُستحبُّ أن يحمِل» أفاد أنَّ حمْل السِّلاح في صلاة الخوف مستحبٌّ، وهذا ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العِلم) ((الشرح الممتع)) (4/413).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
1- قول الله تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء: 102]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الأمرَ في الآية بحَمْل السِّلاح للاستحبابِ لا للوجوب؛ وذلك للآتي:
أ- أنَّ حمْل السِّلاح للرِّفقِ بهم، والصيانةِ لهم، فلم يكُن للإيجابِ، كما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا نهى عن الوصالِ رِفقًا بهم، لم يكُنْ للتحريمِ ((المغني)) لابن قدامة (2/306).
ب- أنَّ حمْلَ السلاح في الصَّلاة في غيرِ حال الخوفِ مكروهٌ، ثم ورد الأمْرُ بحَمْلِه في صلاة الخوف، والأمرُ بالشيءِ إذا ورَدَ بعدَ النهي، فإنَّه يقتضي الإباحةَ ((البيان)) للعمراني (2/525).
ج- أنَّ الغالبَ السَّلامةُ؛ فلم يكُن حملُه للوجوبِ ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/273).
2- قول الله تعالى: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء: 102]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّهم لا يَأمنون أنْ يفجأَهم عدوُّهم، فيَميلون عليهم، فاستحبَّ لهم حمْلُ السِّلاحِ، وعدمُ الغفلةِ عنه ((المغني)) لابن قدامة (2/305)،
ثانيًا: أنَّ حمْل السِّلاح ليس من أعمالِ الصَّلاة؛ فلا يجِبُ فيها ((حاشية ابن عابدين)) (2/187)، ((البناية)) للعيني (3/172).
ثالثًا: أنَّ حمْل السِّلاحِ لو كان واجبًا لكان شَرطًا في الصَّلاة، وبطَلَتْ بتركِه كسَتْرِ العورةِ ((البيان)) للعمراني (2/524)، ((المغني)) لابن قدامة (2/306).
رابعًا: أنَّ وضْعَ السِّلاحِ لا يُفسِدُ الصلاةَ؛ فلا يجِبُ حملُه كسائرِ ما لا يُفسِد تَركُه ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/273).
القول الثاني: يَجبُ حمْلُ السِّلاحِ في صلاةِ الخوفِ، وهذا مذهبُ الظاهريَّة قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقال أهلُ الظاهر: أخْذ السِّلاح في صلاة الخوف واجبٌ لأمر الله به، إلَّا لِمَن كان به أذًى من مطر أو مرض، فإنْ كان ذلك جاز له وضْعُ سلاحه) ((التمهيد)) (15/283). وقال ابنُ قُدامة: (ويُحتمل أن يكون واجبًا، وبه قال داود، والشافعيُّ في القول الآخر). ((المغني)) (2/306). ، ووجهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/423). ، وقولُ جماعةٍ من الحَنابِلَة قال ابنُ مفلح: (ويُستحبُّ حمْل سِلاح خفيف، واختارَ جماعةٌ: يجِب) ((الفروع)) (3/129). ، واختارَه ابنُ العربيِّ قال ابنُ العربي: ( إذا صلَّوا أخذوا سلاحَهم عند الخوف، وبه قال الشافعي، وهو نصُّ القرآن. وقال أبو حنيفة: لا يحملها. قالوا: لأنَّه لو وجَب عليهم حملها لبَطلَتِ الصلاة بتركها. قلنا: لم يجِبْ عليهم حملها لأجْل الصلاة، وإنَّما وجَب عليهم قوَّةً لهم ونظرًا، أو لأمر خارجٍ عن الصلاة، فلا تعلُّق لصحَّة الصلاة به نفيًا وإثباتًا، فاعلمه)) ((أحكام القرآن)) (1/622). , ومال إليه ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (ويحتمل أن يكون واجبًا، وبه قال داود، والشافعيُّ في القول الآخر، والحُجَّة معهم؛ لأنَّ ظاهر الأمر الوجوب، وقد اقترنَ به ما يدلُّ على إرادة الإيجاب به، وهو قوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ **النساء: 102**، ونفي الحرج مشروطًا بالأذى دليلٌ على لزومه عند عدَمه، فأمَّا إنْ كان بهم أذًى من مطر أو مرض، فلا يجب بغير خِلاف، بتصريحِ النصِّ بنفي الحرَج فيه). ((المغني)) (2/306). ، واختاره ابنُ عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (والصحيح أنَّ حمْل السلاح واجبٌ؛ لأنَّ الله أمَر به فقال: فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ **النساء: 102**، ولأنَّ ترْك حمْل السِّلاح خطرٌ على المسلمين، وما كان خطرًا على المسلمين فالواجبُ تلافيه والحذرُ منه). ((الشرح الممتع)) (4/413).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
1- قوله تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء: 102]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّ هذا أمرٌ، والأَمْر للوجوب ((المجموع)) للنووي (4/423)،
2- قال تعالى وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ [النساء: 102]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ رفْعَ الجُناحِ عندَ العُذرِ يدلُّ على وجوبِه إذا لم يكُن عُذرٌ ((المجموع)) للنووي (4/424).
ثانيًا: أنَّ ترْكَ حمْلِ السِّلاحِ خَطرٌ على المسلمين، وما كان خطرًا على المسلمين، فالواجبُ تلافيه والحذرُ منه؛ فإنَّهم لا يأمنون إذا وضَعُوا السِّلاحَ مِن هجومِ العدوِّ عليهم، وربَّما كان ذلك سببَ هزيمتِهم ((البيان)) للعمراني (2/524)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/413).

انظر أيضا: