الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: الصِّفة الثانية


أن يصفَّ المأمومون كلُّهم خلفَ الإمام، ثم يَسجُد مع الإمامِ الصفُّ الذي يليه فقط، ويقوم الصفُّ المؤخَّرُ مواجهَ العدوِّ، فإذا نهَض إلى الثانية، سجَد الصفُّ المؤخَّرُ بعدَ قِيامِه سجدتينِ، ثم يقومون، فيتقدَّمون إلى مكانِ الصفِّ الأول، ويتأخَّر الصفُّ الأول مكانَهم، فإذا ركع، صنَع الطائفتان كما صنَعوا أوَّلَ مرة، فإذا جلسَ للتَّشهُّدِ، سجَد الصفُّ المؤخَّرُ سجدتينِ، ولحِقوه في التشهُّد، فيُسلِّم بهم جميعًا ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/529). ؛ نصَّ على هذه الصِّفة: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/83،84)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/244). وهذه الصِّفة عندهم إذا كان العدوُّ في ناحية القِبلة. ، والشَّافعيَّة قال النوويُّ: (ذكرنا أنَّ صلاة عُسْفان هذه مشروعةٌ عندنا، وبه قال مالكٌ وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوزُ، بل تتعيَّن صلاة ذات الرِّقاع) ((المجموع)) (4/423)، وينظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/301) و((الوسيط)) للغزالي (2/298، 299). واشترطوا فيها أن يكونَ العدوُّ في جِهة القِبلة، ولا ساترَ بين المسلمين وبينهم، وأن يكونَ في المسلمين كثرةٌ بحيث تقاوم كلُّ فرقة العدوَّ. ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبُهوتي (2/11)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/306). واشترَطوا أن يكون العدوُّ في جِهة القِبلة وخِيف هجومه. ، وبعضُ المالِكيَّة ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/187)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/276). وينظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/254). ، وهو مُقتضَى مذهبِ ابنِ حزمٍ قال ابنُ حزم: (قال الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ** وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ **النساء: 101-102**، فهذه الآية تَقتضي بعمومها الصِّفاتِ التي قُلنا نصًّا، ثم كل ما صحَّ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يَرغَب عن شيءٍ منه) ((المحلى)) (3/233).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((شهدتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ الخوف، فصفَّنا خلْفَه صفَّينِ، والعدوُّ خلفَه بيننا وبين القِبلة، فكبَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكبَّرْنا جميعًا، ثم ركَع وركعنا، ثم رفَع رأسه من الركوع ورَفعْنا جميعًا، ثم انحَدَر بالسُّجودِ والصفُّ الذي يليه وقام الصفُّ المؤخَّرُ في نحرِ العدوِّ، فلمَّا قضى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السجودَ والصفُّ الذي يليه انحدَرَ المؤخَّرُ بالسجودِ وقاموا، ثم تقدَّم الصفُّ المؤخَّرُ وتأخَّر الصفُّ المقدَّم، ثم رَكَع ورَكعْنا جميعًا، ثم رَفَع رأسَه من الرُّكوع ورفَعْنا جميعًا، ثم انحَدَر بالسجودِ والصفُّ الذي يليه، وقام الصفُّ المؤخَّرُ في نَحْرِ العدوِّ، فلمَّا قضى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السجودَ والصفُّ الذي يليه انحدَرَ المؤخَّرُ بالسُّجودِ وقاموا، ثم تقدَّمَ الصفُّ المؤخَّرُ وتأخَّر الصفُّ المقدَّمُ ثم رَكَع وركَعْنا جميعًا، ثم رفَع رأسَه من الركوع ورفَعْنا جميعًا، ثم انحدَر بالسُّجود والصفُّ الذي يليه الذي كان مؤخَّرًا في الركعة الأولى، وقام الصفُّ المؤخَّرُ في نَحْر العدوِّ، فلمَّا قضى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقام الصفُّ الذي يليه انحَدَر الصفُّ المؤخَّرُ بالسجودِ وسجد، ثم سَلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسلَّمْنا جميعًا )) رواه مسلم (840).
2- عن أبي عَيَّاش الزُّرَقي قال: ((كُنَّا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعُسْفانَ وعلى المشركينَ خالدُ بنُ الوليدِ، فصلَّيْنا الظهرَ فقال المشركونَ: لقدْ أصبْنا غِرَّةً، لقدْ أصبْنا غفلةً؛ لو كنَّا حملنا عليهم وهم في الصلاةِ! فنزلَتْ آيةُ القصرِ بينَ الظُّهرِ والعصرِ، فلمَّا حضرتِ العصرُ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مستقبلَ القِبلةِ والمشركونَ أمامه فصفَّ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صفٌ وصفَّ بعدَ ذلكَ الصفِّ صفٌّ آخرُ، فرَكع رسولُ اللهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وركعوا جميعًا، ثم سجَد وسجَد الصفُّ الذين يلونه وقام الآخرونَ يَحرُسونهم، فلمَّا صلى هؤلاءِ السجدتينِ وقاموا سجَد الآخرونَ الذين كانوا خَلفَهم، ثم تأخَّرَ الصفُّ الذي يليه إلى مقامِ الآخرينَ وتقدَّمَ الصفُّ الأخيرُ إلى مقامِ الصفِّ الأوَّلِ، ثم ركعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وركعوا جميعًا، ثم سجَد وسجَد الصفُّ الذي يليه وقام الآخرونَ يَحرُسونَهم، فلمَّا جلَس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصفُّ الذي يليه سجَد الآخرونَ، ثم جلَسوا جميعًا فسلَّم عليهم جميعًا، فصلَّاها بعُسْفانَ وصلَّاها يومَ بني سُلَيمٍ )) أخرجه أبو داود (1236) واللفظ له، والنسائي (1549)، وأحمد (16630). صحَّحه الطبريُّ في ((تفسيره)) (9/158)، والدارقطني في ((سننه)) (2/200)، وصحَّح إسنادَه ابنُ كثير في ((تفسير القرآن)) (2/354)، وجوَّد إسنادَه ابن حجر في ((الإصابة)) (4/143)، وقال الشوكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (4/6): رجالُ إسنادِه رجالُ الصحيح. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيق ((تفسير الطبري)) (9/131)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1236)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1258) وقال: على شرط الشيخين.

انظر أيضا: