الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الثَّامِنُ: الجَمْعُ لدَفْعِ الحَرَجِ والمَشَقَّة


يجوز الجَمْعُ في الحَضَرِ لدَفْعِ الحَرَجِ والمشَقَّة، وهو المنصوصُ عن أحمَدَ                     قال ابن تيمية: (وأوسَعُ المذاهِبِ في الجَمْعِ بين الصلاتين مذهَبُ الإمام أحمد؛   فإنَّه نص على أنه يجوز الجمع للحَرَج والشُّغل؛ بحديثٍ رُوِيَ في ذلك، قال القاضي   أبو يعلى وغيره من أصحابه: يعني إذا كان هناك شُغْلٌ يبيح له تَرْكَ الجُمُعة   والجماعةِ جاز له الجمْعُ). ((الفتاوى الكبرى)) (2/31).      وقد   ذكر البهوتي ثمانيةَ صور لجواز الجَمْعِ، ومن هذه الصور: (لِمَنْ له شغل أو عُذْرٌ   يبيح تَرْكَ الجمعة والجماعة) كخوفٍ على نَفْسِه أو حُرْمَتِه أو ماله، أو   تَضَرُّر في معيشة ٍيحتاجُها بترك الجَمْعِ ونحوه. يُنظر: ((كشاف القناع))   (2/6).     وقولُ طائفةٍ من الفقهاءِ وأصحابِ الحديثِ            [2] قال   النووي: ‏(وذهب جماعةٌ من الأئمة إلى جواز ‏الجمع في الحَضَر للحاجة، لمن لا   ‏يتَّخِذُه عادة. وهو قول ابن سيرين، ‏وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه ‏الخطابي عن   القفال، والشاشي الكبير ‏من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق ‏المروزي، عن جماعة من   أصحاب ‏الحديث، واختاره ابنُ المنذر، ويؤيِّده ‏ظاهِرُ قول ابن عباس: (أراد أن لا   ‏يُحْرِجَ أمَّتَه). فلم يُعَلِّلْه بمرضٍ) ((شرح النووي على مسلم))   (5/ 219).     ، واختارَه ابنُ تيميَّةَ               قال ابنُ تيميَّة:   (فظهر بذلك أنَّ الجَمْعَ هو لرَفْعِ الحَرَج، فإذا كان في التفريقِ حَرَجٌ جاز   الجمعُ، وهو وقت العذر والحاجَةِ) ((مجموع الفتاوى)) (22/88).      وقال أيضًا:   (فالأحاديثُ كُلُّها تدلُّ على أنَّه جَمَع في الوقت الواحِدِ؛ لرفع الحَرَج عن   أمَّتِه، فيباح الجمعُ إذا كان في تركه حرجٌ، قد رفعه الله عن الأمَّة، وذلك يدل   على الجَمْعِ للمرض الذي يُحْرِجُ صاحبه بتفريقِ الصلاةِ بطريقِ الأَوْلى والأحرى،   ويَجْمَع من لا يمكنه إكمالُ الطَّهارة في الوقتينِ إلا بحرجٍ؛ كالمستحاضة، وأمثال   ذلك من الصور) ((مجموع الفتاوى)) (24/84).     ، وابنُ عثيمينَ             قال ابن عثيمين: (متى   لَحِقَ المكَلَّفَ حرَجٌ في ترك الجمْعِ جاز له أن يجمع... فإذا قال قائل: ما مثال   المشَقَّة؟ قلنا: المشقَّة أن يتأثر بالقيامِ والقُعود إذا فَرَّقَ الصلاتين، أو   كان يشقُّ عليه أن يتوضَّأَ لكلِّ صلاةٍ.. والمشقَّات متعددة. فحاصِلُ القاعدة   فيه: أنَّه كلما لَحِقَ الإنسانَ مَشَقَّةٌ بتَرْكِ الجمعِ جاز له الجَمْعُ حضرًا   وسَفَرًا) ((الشرح الممتع)) (4/390).     .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: ((جمَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهْرِ والعَصْرِ، وبين المغْرِبِ والعِشاءِ بالمدينةِ، من غَيْرِ خَوْفٍ ولا مَطَرٍ))، قال: فقيل لابنِ عبَّاسٍ: ما أراد بذلك؟ قال: أرادَ أنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَه            [5] رواه مسلم (705).     .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه عَلَّلَ الجمْعَ بقوله: (أراد أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَه) فمتى لحِقَ المكَلَّفَ حَرَجٌ في تركِ الجَمْعِ؛ جاز له أن يَجْمَعَ               ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/390)، وينظر: ((شرح النووي   على مسلم)) (5/219).     .


انظر أيضا: