الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ التاسِعُ: صلاةُ الجماعةِ لِمَن أكَل ثُومًا، أو بصلًا ونحوَهما


اختلف أهل العلم في حكم حضور المسجد لمن أكل بصلًا أو ثُومًا ونحوهما على قولين:
القول الأول: يُكرَه حضورُ المسجدِ لِمَن أكَل ثُومًا أو بصلًا، أو نحو ذلك [4272] ويلحق بهما كلُّ مَا له رائحة كريهة كالدخان وغيره. قال الطحطاوي: (قلت: فيُفْهَم منه حكم النبات الذي شاع في زماننا المسمى بالتتن؛ فتَنَبَّه، وقد كرهه الشيخ العمادي إلحاقًا له بالثُّوم والبصل بالأَوْلى، فتَدَبَّر) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 441)، ويُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (1/661)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/497). ، وهو باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/661)، وينظر: ((العقود الدرية)) لابن عابدين (2/328). ، والمالِكيَّة [4274] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/183)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/92). ، والشافعيَّة [4275] ((المجموع)) للنووي (4/206) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/236). ، والحَنابِلَة [4276] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/214)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/497).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابرٍ، قال: نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكْل البصل والكرَّاث، فغلبَتْنا الحاجةُ، فأكَلْنا منها، فقال: ((مَن أكَلَ من هذه الشجرةِ الْمُنْتِنةِ، فلا يقربنَّ مسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تَأذَّى ممَّا يَتأذَّى منه الإِنْسُ )) رواه مسلم (564).
القول الثاني: يحرمُ حضورُ المسجدِ لِمَن أكَل ثُومًا أو بصلًا، وهو قول للمالكيَّة ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (3/454)، ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/92). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/214)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/92). وهو مذهبُ الظاهريَّةِ قال ابن حزم: (ومن أكل ثومًا أو بصلًا أو كرَّاثًا، ففَرْضٌ عليه ألَّا يصلِّيَ في المسجد حتى تذهَبَ الرائحة، وفَرْضٌ إخراجُه من المسجد إن دخَلَه قبل انقطاعِ الرائحة، فإن صلَّى في المسجد كذلك فلا صلاةَ له، ولا يُمنَع أحدٌ من المسجِدِ غيرُ مَن ذَكَرْنا) ((المحلى)) (2/367). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (وقد اختلفَ العُلماءُ في أكْلِ الثُّومِ، فذهبت طائفةٌ من أهل الظَّاهِرِ القائلين بوجوبِ الصلاةِ في الجماعة فرضًا إلى تحريمِ أكْلِ الثُّوم "في وقتِ يوجَدُ ريحُه منه في المسجِدِ") ((التمهيد)) (6/415). وقال ابنُ حجرٍ: (واختُلِفَ في الكراهِيَة؛ فالجمهورُ على التَّنزيه، وعن الظَّاهِرِيَّة التَّحريمُ) ((فتح الباري)) (9/575). وقال ابنُ رجب: (ولو أكَلَه ثم دخل المسجِدَ؛ كُرِهَ له ذلك. وظاهِرُ كلام أحمد: أنَّه يَحْرُم؛ فإنَّه قال في رواية إسماعيل بن سعيد: إنْ أكَلَ وحضر المسجد أَثِمَ. وهو قولُ ابنِ جريرٍ أيضًا، وأهْلِ الظَّاهِرِ وغَيْرِهم) ((فتح الباري)) (5/290). ، واختاره ابنُ جريرٍ قال ابنُ رجب: (ولو أكَلَه ثم دخل المسجِدَ؛ كُرِهَ له ذلك. وظاهِرُ كلام أحمد: أنَّه يَحْرُم؛ فإنَّه قال في رواية إسماعيل بن سعيد: إنْ أكَلَ وحضر المسجد أَثِمَ. وهو قولُ ابنِ جريرٍ أيضًا، وأهْلِ الظَّاهِرِ وغَيْرِهم) ((فتح الباري)) (5/290). وابنُ عثيمينَ قال ابن عثيمين: (إنَّ كُلَّ إنسانٍ ذي رائحة كريهةٍ تؤذي النَّاسَ لا يَحِلُّ له أن يأتيَ إلى المسجد فيؤذيَ النَّاسَ، ودليل ذلك قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيمَنْ أكَلَ بصلًا أو ثومًا (لا يقْرَبَنَّ مساجِدَنا)، وتعليلُ هذا بأنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم، فإنَّ هذا الحديث يدلُّ على أنَّ مَن فيه رائحةٌ كريهةٌ لا يَقْرَب المسجِدَ؛ لا في وقت الصلاةِ ولا في غيرها؛ لأنَّه إن كان في وقتِ الصَّلاة فإنَّ الملائكةَ وبني آدم يتأذَّوْن بذلك، وإن كان في غير وقت الصلاة فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى به، ومعلومٌ أنَّ أذيَّة المؤمنينَ حرامٌ؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58] وبعضُ النَّاسِ يأكل البَصَل والثُّوم ويأتي ورائِحَتُه تَشَمُّها من بعيدٍ، فيدخل المسجِدَ ويصلي مع النَّاسِ ويُؤْذيهم أذيَّةً شديدةً، وهذا حرامٌ عليه ولا يحِلُّ له) ((فتاوى نور على الدرب)) (4/318-319). وقال أيضًا: (أمَّا المساجِدُ فإنَّه لا يحِلُّ له أن يحضُرَ وقد أكل بصلًا أو ثومًا وبقيت رائِحَتُهما فيه، فإن زالت الرائحةُ فلا بأس؛ لأنَّ الحُكْمَ يدور مع عِلَّتِه وجودًا وعدمًا) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 74).
الأَدِلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكْل البصل والكرَّاثِ، فغلبَتْنا الحاجةُ، فأكَلْنا منها، فقال: ((مَن أكَلَ من هذه الشَّجَرةِ المُنْتِنةِ، فلا يقربنَّ مسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تَأذَّى ممَّا يَتأذَّى منه الإِنْسُ )) رواه مسلم (564).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهَى عن قُرب المسجدِ لمن أكَل بَصَلًا أو كرَّاثًا، والنَّهيُ للتحريمِ ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/415).
2- عن معدان بن أبي طلحَةَ، أنَّ عمَرَ بنَ الخطَّاب خطَب النَّاسَ يومَ الجمعةِ- فذكر كلامًا كثيرًا-: وفيه ((إنَّكم- أيُّها النَّاسُ- تأكلونَ شجرتينِ لا أُرَاهُما إلَّا خبيثتينِ: هذا البَصَلَ والثُّومَ، ولقد رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا وجَد رِيحَهُما مِن الرَّجُلِ في المسجدِ أمَر به فأُخْرِجَ إلى البقيعِ )) أخرجه مسلم (567).
ثانيًا: أنَّ صلاة الجماعة واجبةٌ على الأعيانِ، ولا تتمُّ إلَّا بتركِ أكلِ الثُّومِ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/180). ، فكلُّ ما منع من إتيانِ الفرضِ والقيامِ به فحرامٌ عملُه والتشاغلُ به، كما أنَّه حرامٌ على الإنسان فعلُ كلِّ ما يمنعُه مِن شهودِ الجمعةِ ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/415).

انظر أيضا: