الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني:حكم الجَهْرِ في صَلاةُ اللَّيل


يُخيَّر المنفرِدُ بين الجهرِ والإسرارِ في صلاة اللَّيل، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/72)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/161). ، والحَنابِلَة يُخيَّر المتنفِّل ليلًا عند الحنابلة بين الجهر والإسرار، وإنْ كان الأفضَلُ له مراعاةَ المصلحة؛ فإنْ كان الجهرُ أنشطَ له في القراءة، أو كان بحَضْرَته مَن يستمِعُ قراءته، أو ينتفِعُ بها، فالجهر أفضلُ، وإن كان قريبًا منه من يتهجَّد، أو من يستضِرُّ برفْع صوتِه، فالإسرارُ أَوْلى. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/440)، ((المغني)) لابن قدامة (2/102). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابن حزم: (الجهرُ والإسرار في قراءة التطوُّع ليلًا ونهارًا: مباح للرجال والنساء؛ إذ لم يأتِ منعٌ من شيء من ذلك، ولا إيجاب لشيء من ذلك في قرآن ولا سُنَّة. فإن قيل: تخفض النساء؟ قلنا: ولِمَ ولم يختلف مسلمان في أنَّ سماع الناس كلامَ نساء رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مباحٌ للرجال، ولا جاء نصٌّ في كراهة ذلك من سائر النِّساء؟!). ((المحلى)) (2/99). ، وأبو الوليدِ الباجيُّ قال الباجيُّ: (وأمَّا النوافل التي لا تتقدَّر كصلاة الليل وغيرها، فمَن شاء أن يجهرَ فيها جهر، ومَن شاء أن يُسِرَّ فيها أسرَّ) ((المنتقى))‏ (1/161). ، وابنُ عُثَيمين سُئِلَ ابنُ عثيمين: عندما يصلِّي الإنسانُ لوحده في صلاة جهريَّة، هل يجهَرُ بالقراءة؟ أو هو مخيَّر؟ فأجاب بقوله: (يقول العلماءُ رحمهم الله تعالى: إنَّ الإنسان إذا صلَّى وحده في صلاةِ اللَّيلِ فهو مخيَّرٌ بين أن يجهَرَ بالقراءة، أو يُسِرَّ بها، ولكنْ إذا كان معه أحدٌ يصلي فلا بُدَّ من الجَهْرِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/145). , وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة قالت اللَّجنة الدائمة: (الأمرُ بالجهر بالقراءة في صلاة الليل فيه سَعةٌ، فإنْ كان الجهر أنشطَ للمصلِّي، أو كان معه من يأتمُّ به، فالأفضلُ الجهر، وإنْ كان الإسرارُ أنشطَ، أو أنه يتأذَّى في الجهر مَن حوله، فالأفضل له الإسرار) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (7/232).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن عبدِ الله بن أبي قَيسٍ: سألتُ عائشةَ كيفَ كانتْ قراءةُ رسولِ اللهِ؟ فقالت: ((كلُّ ذلك كان يَفعَلُ، ربَّما أسرَّ، وربما جهَرَ )) رواه أبو داود (1437) واللفظ له، والترمذي (449)، والنسائي (3/224). قال الترمذيُّ: حسن صحيح غريب. وصحَّحه موفَّق الدِّين ابن قدامة في ((الكافي)) (1/155)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/71): رجاله رجال الصَّحيح. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1437)، وحسَّنه على شرط مسلم الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (1548).
2- عن غُضَيفِ بنِ حارثٍ قال: ((قلتُ لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: أرأيتِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُوتِرُ أولَ اللَّيلِ أو آخِرَه؟ قالت: ربَّما أوتر في أوَّل اللَّيل، وربَّما أوترَ في آخرِه، قلتُ: الله أكبر! الحمدُ لله الذي جعَل في الأمرِ سَعةً، قلت: أرأيتِ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَجهَرُ بالقرآنِ ويَخفِت به؟ قالت: ربما جهَر به وربَّما خفَت، قلت: الله أكبر! الحمدُ الله الذي جعَل في الأمر سَعةً )) رواه أبو داود (226)، وأحمد (6/47) (24248). صحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (3/392)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (226)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1594).

انظر أيضا: