الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثاني: فَضْلُ صَلاةِ التَّطوُّعِ


أوَّلًا: تكميلُ الفرائضِ
ما نَقصَ من الفرائضِ، فإنَّه يُجبَر من النوافلِ ويُكمَّلُ بها يومَ القِيامةِ قال ابن تيمية: (التطوُّع يُكمل به صلاةُ الفرض يوم القيامة، إنْ لم يكن المصلِّي أتمَّها، وفيه حديث مرفوع رواه أحمد في "المسند"، وكذلك الزكاة وبقيَّة الأعمال) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 426). وقال ابن رجب: (قد وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ تدلُّ على أنَّ نقص الفرائض يُجبَر من النوافل يومَ القيامة). ((فتح الباري)) (3/360). وقال ابن عثيمين: (من حكمة الله عزَّ وجلَّ ورحمته بعباده أنْ شرَع لكل فرض تطوعًا من جنسه؛ ليزداد المؤمن إيمانًا بفِعل هذا التطوع، ولتكمل به الفرائض يوم القيامة؛ فإنَّ الفرائض يعتريها النقص، فتُكمل بهذه التطوُّعات التي من جنسها، فالوضوء: واجب وتطوُّع، والصلاة: واجب وتطوُّع، والصدقة: واجب وتطوُّع، والصيام: واجب وتطوُّع، والحج: واجب وتطوُّع، والجهاد: واجب وتطوُّع، والعِلم: واجب وتطوُّع، وهكذا). ((الشرح الممتع)) (4/5).
الدليل من السُّنَّة:
عن أنسِ بنِ حَكيمٍ الضبيِّ، أنَّه خاف زمنَ زيادٍ أو ابنِ زياد، فأتى المدينةَ فلَقِي أبا هُرَيرَةَ فانتسبني، فانتسبتُ له، فقال: يا فتى، ألَا أُحدِّثُك حديثًا لعلَّ اللهَ أنْ يَنفعَكَ به؟ قلت: بلىَ رحمِكَ الله- قال يُونُس: وأحسبه قدْ ذكَر النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به الناسُ يومَ القيامةِ من الصَّلاةِ، قال: يقول ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائكتِه - وهو أعلمُ -: انظروا في صلاةِ عَبدي، أتمَّها أم نَقَصها، فإنْ كانت تامَّةً كُتبتْ له تامَّةً، وإنْ كان انتقص منها شيئًا قال: انظروا، هل لعبدي من تطوُّعٍ، فإنْ كان له تطوُّعٌ، قال: أتمُّوا لعبدي فريضتَه من تطوُّعِه قال ابن رجب: (اختلف الناسُ في معنى تكميل الفرائض من النوافل يومَ القيامة؛ فقالت طائفة: معنى ذلك أنَّ مَن سهَا في صلاتِه عن شيءٍ من فرائضها أو مندوباتها كُمِّل ذلك من نوافله يوم القيامة، وأمَّا مَن ترك شيئًا من فرائضها أو سُننها عمدًا، فإنَّه لا يُكمل له من النوافل؛ لأنَّ نيَّة النفل لا تنوبُ عن نيَّة الفرض، هذا قولُ عبد الملك بن حبيب المالكي وغيرِه. وقالت طائفة: بل الحديث على ظاهرِه في ترْك الفرائض والسنن عمدًا وغير عمْد، وإليه ذهب الحارث المحاسبيُّ وغيره، وهو قولُ طائفةٍ من أصحابنا، وابن عبد البر، إلَّا أنَّهم خصُّوه بغير العامد. وحمَله آخرون: على العامد وغيره، وهو الأظهرُ - إنْ شاء الله تعالى). ((فتح الباري)) (3/362، 363). وقال أيضًا: (معنى هذه الأحاديث - إنْ صحَّ منها شيء -: أنَّ النوافل يُكمل بها نقص الفرائض، فلا يَسلم له شيءٌ من النوافل حتى يُكمل نقص الفرائض؛ ولهذا شبَّهه بالتاجر الذي لا يخلص له ربحٌ حتى يستوفي رأسَ ماله، ويَظهر هذا في المضارِب بمالِ غيرِه؛ ولهذا يقول الفقهاء: إنَّ ربحه وقايةٌ لرأس المال. ومن هنا؛ قال طائفةٌ من السلف - منهم: ابن عباس وأبو أمامة -: إنما النافلة للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّة؛ يعنون: أنَّ غيره تُكمل فرائضه بنوافله، فلا يخلص له نافلةٌ، فنوافله جبراناتٌ لفرائضه). ((فتح الباري)) (3/364). ، ثم تُؤخَذُ الأعمالُ على ذاكم )) رواه أبو داود (864) واللفظ له، وأحمد (2/425) (9490)، وابن ماجه (1425) مختصرا صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (864).
ثانيًا: كثرةُ السجود سببٌ في مرافقةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجَنَّة
الدليل من السُّنَّة:
عن رَبيعةَ بن كعبٍ الأسلميِّ، قال: ((كنتُ أبيتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأتيتُه بوَضوئِه وحاجتِه، فقال لي: سلْ، فقلت: أسألُك مرافقتَك في الجَنَّةِ، قال: أو غيرَ ذلك؟! قلتُ: هو ذاك! قال: فأعنِّي على نفْسِكَ بكثرةِ السُّجودِ )) رواه مسلم (489).
ثالثًا: كثرةُ السُّجودِ سببٌ في دخولِ الجَنَّةِ، ورفْعِ الدرجاتِ، وحطِّ الخَطيئاتِ
الدليل من السُّنَّة:
عن مَعدانَ بن أبي طلحةَ اليَعمُريِّ، قال: ((لقيتُ ثوبانَ مولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلتُ: أخبِرْني بعملٍ أعمَلُه يُدخلني اللهُ به الجَنَّةَ - أو قال: قلتُ: بأحبِّ الأعمالِ إلى الله - فسَكَت، ثم سألتُه فسكَت، ثم سألتُه الثالثةَ، فقال: سألتُ عن ذلِك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: عليكَ بكثرةِ السُّجودِ للهِ؛ فإنَّك لا تسجُدُ للهِ سَجدةً، إلَّا رفَعَك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً؛ قال معدان: ثم لقيتُ أبا الدَّرداءِ، فسألته، فقال لي مِثلَ ما قال لي ثوبانُ )) رواه مسلم (488).
رابعًا: تقرُّب العبدِ إلى اللهِ سبحانه وتعالى بالنوافلِ سببٌ لمحبَّةِ اللهِ سبحانه وتعالى للعبدِ
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
في الحديثِ القُدسيِّ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: ((... وما يزالُ عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافلِ حتَّى أُحبَّه... )) رواه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

انظر أيضا: