الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثَّاني: الطَّهارةُ لسُجودِ الشُّكرِ


لا يُشتَرَطُ [3232] قال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا سُجودُ التِّلاوةِ والشُّكرِ: فلم يَنقُلْ أحَدٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أصحابِه؛ أنَّ فيه تسليمًا، ولا أنَّهم كانوا يُسَلِّمونَ منه؛ ولهذا كان أحمَدُ بنُ حَنبلٍ وغَيرُه مِنَ العُلَماء لا يَعرفونَ فيه التَّسليمَ. وأحمَدُ في إحدى الرِّوايتينِ عنه لا يُسَلِّمُ فيه؛ لعَدِمِ وُرودِ الأثَرِ بذلك. وفي الروايةِ الأخرى يُسَلِّمُ واحدةً أو اثنتينِ، ولم يثبُتْ ذلك بنَصٍّ بل بالقياسِ، وكذلك مَن رأى فيه تسليمًا مِنَ الفُقهاءِ، ليس معه نصٌّ) ((مجموع الفتاوى)) (21/277). وقال: (فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسَمِّ ذلك صلاةً، ولم يَشرَعْ لها الاصطفافَ وتَقَدُّمَ الإمامِ، كما يُشرَعُ في صلاةِ الجِنازةِ وسَجدَتَي السَّهوِ بعد السَّلامِ، وسائِرِ الصَّلَوات) ((مجموع الفتاوى)) (21/277). وقال ابنُ قدامة: (ولا يَسجُدُ للشُّكرِ وهو في الصَّلاةِ؛ لأنَّ سَبَبَ السَّجدةِ ليس منها؛ فإن فعَلَ بطَلَت صلاتُه، إلَّا أن يكونَ ناسيًا أو جاهلًا بتحريمِ ذلك) ((المغني)) (1/449). لسُجودِ الشُّكرِ الطَّهارةُ، وهو قَولُ بَعضِ المالكيَّةِ [3233] قال الحطَّابُ: (ويقومُ مِن كَلامِ الشَّيخِ أنَّ سُجودَ الشُّكرِ على القَولِ به؛ يفتَقِرُ إلى طهارةٍ, وهو كذلك على ظاهِرِ المذهَبِ, واختار بعضُ مَن لَقِيناه مِنَ القُرويِّينَ عَدَمَ افتقارِه إليها؛ لِمَا أنَّه إذا ترَكَه حتى يتوضَّأَ أو يتطهَّرَ أو يتيمَّمَ، زال سِرُّ المعنى الذي أتى بسجُودِه له) ((مواهب الجليل)) (2/362). ، وابنِ تيميَّةَ [3234] قال ابنُ تيميَّةَ: (ومعلومٌ أنَّ جِنسَ العبادةِ لا تُشتَرَطُ له الطهارةُ، بل إنَّما تُشتَرَطُ للصَّلاة؛ فكذلك جِنسُ السُّجودِ يُشتَرَطُ لبعضِه، وهو السُّجودُ الذي لله- كسُجُودِ الصَّلاةِ، وسَجْدَتَي السَّهوِ-؛ بخلافِ سُجودِ التلاوةِ وسُجودِ الشُّكرِ وسُجودِ الآياتِ) ((مجموع الفتاوى)) (23/166). وقال: (سَجْدَتا السَّهوِ مِن جِنسِ سَجدَتَي الصَّلاةِ، لا مِن جِنسِ سُجودِ التِّلاوةِ والشُّكرِ؛ ولهذا يُفعَلانِ إلى الكعبةِ، وهذا عَمَلُ المُسلمينَ مِن عَهدِ نَبِيِّهم، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ أنَّه فَعَلَها إلى غيرِ القِبلةِ، ولا بِغَيرِ وُضوءٍ) ((مجموع الفتاوى)) (21/293). وابنِ القَيِّم [3235] قال ابنُ القيم: (وكذلك سُجودُ الشُّكرِ مُستحَبٌّ عند تجدُّدِ النِّعَمِ المُنتظرةَ، وقد تظاهرَتِ السنَّةُ عَن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بفِعلِه في مواضِعَ مُتعَدِّدةٍ, وكذلك أصحابُه, مع ورودِ الخَبَرِ السَّارِّ عليهم بغتةً, وكانوا يسجُدُونَ عَقِبَه, ولم يُؤمَرُوا بوضوءٍ, ولم يُخبِرُوا أنَّه لا يُفعَلُ إلَّا بوضوءٍ) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/69). ، والشَّوكانيِّ [3236] قال الشَّوكاني: (وليس في أحاديثِ البابِ ما يَدُلُّ على اشتراطِ الوُضوءِ وطَهارةِ الثِّيابِ والمَكانِ) ((نيل الأوطار)) (3/127). والصَّنعانيِّ [3237] قال الصنعاني: (واعلَمْ أنَّه قد اختُلِفَ: هل يُشتَرَطُ لها الطهارةُ أم لا؛ فقيل: يُشتَرَطُ قياسًا على الصلاةِ، وقيل: لا يُشتَرَط، لأنَّها ليسَتْ بصلاةٍ، وهو الأقرَبُ) ((سبل السلام)) (1/211). ، وابنِ باز [3238] قال ابن باز: (اختلف العُلَماءُ في سجودِ التِّلاوةِ والشُّكرِ: هل يُشتَرَطُ لهما الطَّهارةُ مِنَ الحَدَثينِ؛ على قولين: أصحُّهما: لا يُشتَرَطُ؛ لِعَدَمِ الدَّليلِ على ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412). وقال: (لا تجِبُ الطَّهارةُ في سُجودِ التِّلاوةِ وسُجودِ الشُّكرِ، فلو سَجَدَتِ المرأةُ ورأسُها مكشوفٌ أو وهي على غَيرِ وُضوءٍ، فالسُّجودُ صَحيحٌ، ولا حَرَجَ في ذلك؛ كالرَّجلِ، في أصَحِّ قَولَيِ العُلَماءِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412). ، وابنِ عُثيمين [3239] قال ابنُ عُثيمين: (حُكمُ هذه المسألةِ يَنبني على الخِلافِ في سجدَتَيِ التِّلاوةِ والشُّكر؛ هل هما صلاة أم لا؟ فإن قُلْنَا: هما صلاةٌ، وجبَتْ لهما الطَّهارةُ، وإن قلنا: إنَّهما غيرُ صلاةٍ، لم تجِبْ لهما الطَّهارةُ، والمتأمِّلُ للسنَّةِ يُدرِكُ أنهما ليستا صلاةً؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يسجُدُ للتِّلاوة، ولم يُنقَلْ عنه أنَّه كان يُكَبِّرُ إذا سجَدَ، ولا إذا رَفَع، ولا يُسَلِّم، إلَّا في حديثٍ رواه أبو داودَ في التَّكبيرِ للسُّجودِ دونَ الرَّفعِ منه ودونَ التَّسليم، فمن تأمَّلَ سُجودَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للتِّلاوة أو الشُّكر؛ تبيَّنَ له أنَّه لا ينطَبِقُ عليه تعريفُ الصَّلاةِ، وعليه؛ فلا تكونُ سَجدةُ التِّلاوةِ وسَجدةُ الشُّكرِ، مِنَ الصلاةِ، وحينئذ لا يَحرُمُ على من كان مُحدِثًا أن يسجُدَ للتِّلاوةِ أو الشُّكرِ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (11/215).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ اشتراطَ الطَّهارةِ لِسُجودِ الشُّكرِ؛ ليس عليه دليلٌ [3240] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412).
ثانيًا: أنَّ السُّجودَ وَحده ليس صلاةً ولا في حُكمِ الصَّلاةِ، فلم تُشتَرَطْ له الطَّهارةُ، كأنواعِ الذِّكرِ؛ غَيرَ القُرآنِ [3241] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/412).
ثالثًا: أنَّه لم يأمُرِ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه بالطَّهارةِ له، ولا رُوِيَ عنه في ذلك حَرفٌ واحِدٌ [3242] ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/69).
رابعًا: أنَّ في تأخيرِ سُجودِ الشُّكرِ لِلطَّهارةِ زوالًا لسِرِّ المعنى الذي شُرِعَ السُّجُودُ مِن أجلِه [3243] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/362).

انظر أيضا: