الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّلُ: حُكمُ المرورِ بين المُصلِّي وسُترتِه


لا يجوزُ المرورُ بين المُصلِّي والسُّترةِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي جُهَيمٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو يعلَمُ المارُّ بين يديِ المُصلِّي ماذا عليه، لكان أنْ يقِفَ أربعين خيرًا له مِن أنْ يمُرَّ بين يديه، قال: أبو النَّضرِ: لا أدري، أقال أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنةً )) رواه البخاري (510)، ومسلم (507).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
قوله: ((ماذا عليه)) معناه: لو يعلَمُ ما عليه مِن الإثمِ، لاختارَ الوقوفَ أربعين على ارتكابِ ذلك الإثمِ، فدلَّ على النَّهيِ الأكيدِ، والوعيدِ الشَّديدِ في ذلك ((شرح النَّووي على مسلم)) (4/225)
2- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا صلَّى أحَدُكم إلى شيءٍ يستُرُه مِن النَّاسِ فأراد أحَدٌ أنْ يجتازَ بين يديه، فليدفَعْه، فإن أبى فليُقاتِلْه، فإنَّما هو شيطانٌ )) رواه البخاري (509)، ومسلم (505).
ثانيًا: من الإجماعُ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على كراهيةِ المرور بين المصلِّي وسُترته، وأنَّ فاعِلَ ذلك آثمٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 30).
فرعٌ: حُكْمُ المرورِ بين يَدَيِ المُصَلِّي في المسجِدِ الحرامِ
اختلف العلماءُ في جوازِ المرورِ بين يَدَيِ المصلِّي في المسجِدِ الحرامِ على قولينِ:
القول الأول: يجوزُ المرور بينَ يديِ المصلِّي في المسجدِ الحرامِ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة [2626] - وخصَّ الحنفيَّة الجوازَ بالطائفينَ، وبما إذا كان المرورُ عند الكعبة أو خَلْفَ المقامِ وحاشِيَة المطاف، قال ابن عابدين: (ذكر في حاشية المدني لا يُمنَعُ المارُّ داخل الكعبة وخَلْف المقام وحاشية المطاف؛ لِمَا روى أحمد وأبو داود عن «المطلب بن أبي وداعة أنَّه رأى النبيَّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُصَلِّي مِمَّا يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة» وهو محمولٌ على الطائفين فيما يظهَرُ؛ لأنَّ الطواف صلاة، فصار كمن بين يديه صفوفٌ من المصلين) ((حاشية ابن عابدين)) (1/635) (2/501). والحنابِلَة [2627] - ((الفروع)) لابن مفلح (2/257)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/210). ، واختاره ابنُ بازٍ [2628] - قال ابن باز: (أمَّا المسجِدُ الحرام فلا يَحْرُم فيه المرور بين يَدَيِ المصلي، ولا يقطَعُ الصَّلاةَ فيه شيءٌ من الثلاثة المذكورة ولا غيرها؛ لكونِه مَظِنَّة الزحام ويَشُقُّ فيه التحرُّز من المرور بين يدي المصلي، وقد ورد بذلك حديثٌ صريح فيه ضَعْفٌ، ولكنه ينجبِرُ بما ورد في ذلك من الآثار عن ابنِ الزبير وغيره، وبكونه مَظِنَّة الزحام ومشقة التحرُّز من المار) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/92). ، وذلك لأنَّ الناس يكثرون بمكة لأجلِ قضاءِ نُسُكِهم، ويزدحمون فيها، فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على النَّاس [2629] - ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/180).
القول الثاني: لا يجوزُ المرور بينَ يديِ المصلِّي في مكَّة ولا في غيرها، وهو مذهب الشافعية [2630] - لم يَسْتَثْنِ الشافعيةُ المسجدَ الحرام من التحريم، قال النووي: (إذا صلى إلى سترةٍ حَرُمَ علي غيره المرورُ بينه وبين السترة، ولا يحرُمُ وراء السترة). ((المجموع)) (3/249) وقال ابن حجر: (المعروف عند الشافعية أنْ لا فرق في مَنْعِ المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها، واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة، وعن بعض الحنابِلَة جوازُ ذلك في جميع مكة) ((فتح الباري)) (1/576). وهو رواية عن أحمد [2631] - ((الفروع)) لابن مفلح (2/258)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/69). ، واختاره البخاريُّ [2632] - قال ابن رجب: (اختلف العلماءُ في حكم مكَّةَ في السترة: هل حكمُها كحكم سائرِ البلدان، أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنَّ حكمها في سترة الصلاةِ حُكْمُ سائر البلدان، وهو اختيارُ البخاري وقول «...» والشافعي، وحكي رواية عن أحمد) ((فتح الباري)) (2/640)، وينظر: ((فتح الباري)) (1/576). وابنُ عثيمينَ [2633] - قال ابنُ عثيمين: (إذا كان المصلي إمامًا أو منفردًا فإنَّه لا يجوز المرور بين يديه لا في المسجِدِ الحرامِ ولا في غيره؛ لعموم الأدلة، وليس هناك دليلٌ يخصُّ مكة، أو المسجد الحرام؛ يدلُّ على أنَّ المرور بين يدي المصلي فيهما لا يضرُّ ولا يأثَمُ به المارُّ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/325). ، والألبانيُّ [2634] قال الألباني: (...والحديثان وما في معناهما مُطْلقانِ لا يختصَّانِ بمسجدٍ دون مسجدٍ، ولا بمكان دون مكانٍ؛ فهما يشملان المسجدَ الحرام، والمسجدَ النبويَّ من باب أَوْلى؛ لأن هذه الأحاديث إنَّما قالها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مسجده، فهو المراد بها أصالةً، والمساجد الأخرى تبَعًا، والأثران المذكوران نصَّان صريحان على أنَّ المسجد الحرام داخل في تلك الأحاديثِ، فما يقال من بعض المُطَوِّفين وغيرهم أنَّ المسجد المكي والمسجد النبوي مستَثْنَيان من النهي لا أصْلَ له في السنَّة، ولا عن أحد من الصحابة، اللهُمَّ سوى حديثٍ واحدٍ رُوِيَ في المسجد المكي لا يَصِحُّ إسناده، ولا دلالة فيه على الدعوى) ((حجة النبي)) (ص: 22).
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي جُحَيفةَ، قال: ((خَرَجَ رسولُ اللهِ بالهاجِرَة، فصَلَّى بالبطحاءِ الظُّهْرَ والعَصْرَ ركعتينِ، ونصَبَ بين يديه عَنَزَةً، وتوضَّأَ، فجعل النَّاسُ يتمسَّحونَ بِوَضُوئِه )) [2635] رواه البخاري (501)، ومسلم (503)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نصب سُتْرَةً حينما صلَّى بالبَطْحاء وهي بمكَّة [2636] ينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (2/640).
ثانيًا: من الآثار
1- عن صالحِ بنِ كَيْسانَ، قال: رأيتُ ابنَ عُمرَ يصلِّي في الكعبة، فلا يَدَعُ أحدًا يمرُّ بين يديه، يبادِرُه- قال: يَرُدُّه [2637] رواه أبو زرعة الدمشقي في((التاريخ)) (526)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (23/367)، وعلقه البخاري مختصرا باب (يرد المصلي من مر بين يديه) صحح إسناده الألباني في ((حجة النبي)) (22)
2- عن يحيى بنِ أبي كثير، قال: رأيتُ أنسَ بنَ مالكٍ في المسجدِ الحرامِ قد نَصَبَ عَصًا يصلِّي إليها [2638] رواه ابن أبي شيبة (2853)، وابن جرير في ((تهذيب الآثار)) ت. علي رضا (281)، وابن المنذر في الأوسط (2427) صحح إسناده الألباني في ((حجة النبي)) (22)

انظر أيضا: