قراءة ونقد

الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة - عرض وتحليل
book
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
عنوان الكتاب: الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة – عرض وتحليل
الناشر: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي- مكة المكرمة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1430هـ
عرض ونقد: القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية
كتاب هذا الشهر يتناول قضية كثر فيها الخلاف وهي قضية إحياء الآثار والحفاظ عليها وجواز زيارتها وقد حاول المؤلف تتبع هذه الأماكن وحصرها وإثبات تواترها مبينا حكم زيارتها وفيما يلي عرض للكتاب مع بيان أهم المؤاخذات عليه:
أولا: العرض
تناول المؤلف هذه الدراسة من خلال ستة فصول هذا بيانها:
الفصل الأول: التأصيل في التدوين للأماكن المأثورة في مكة المكرمة:
تناول هذا الفصل من خلال نقطتين الأولى رسالة التابعي الجليل الإمام أبي الحسن البصري رضي الله عنه والثانية من خلال نماذج من مواقف السلف الصالح من الأماكن المأثورة
الفصل الثاني: المتواتر من الأماكن المأثورة في المدونات التاريخة:
تناول في هذا الفصل المتواتر من الأماكن المأثورة في مؤلفات السيرة النبوية ومدونات التاريخ المكي الخاص ثم المتواتر من الأماكن المأثورة في مكة المكرمة سواء المنثور منها أو المنظوم
الفصل الثالث: المتواتر من الأماكن المأثورة في المدونات الفقهية:
عرض فيه لهذه الأماكن المأثورة في كتب المناسك ثم قام بالتحليل العلمي للعناوين الفقهية في كتابات الفقهاء للأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة.
الفصل الرابع: شواهد التواتر المحلي للأماكن المأثورة في مكة المكرمة:
تكلم فيه عن مظاهر التواتر المحلي معتبراً أن من طرق الإثبات النقل بالتوارث ثم تكلم عن عناية الملك عبد العزيز آل سعود بالأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة.
الفصل الخامس: آراء العلماء في زيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة:
استعرض أقوال المعارضين لزيارة الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة مع ذكر أدلتهم ثم ذكر رأي المؤيدين لزيارة هذه الأماكن.
الفصل السادس: الواقع المعاصر للأماكن المأثورة في مكة المكرمة:
ذكر فيه المندثر من الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة في الوقت الحاضر مثل منزل السيدة خديجة ودار الأرقم ومولد علي بن أبي طالب إلى غير ذلك وبعدها تكلم عن الباقي من هذه الأماكن المأثورة في الوقت الحاضر مثل مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد الراية ومسجد الإجابة ومسجد البيعة إلى غير ذلك.
وختم الكتاب بلاحقين اللاحق الأول في تراجم العلماء المذكورين في بحث الأماكن التاريخية المأثورة كالأزرق والفاكهي وابن الجوزي وغيرهم وأما اللاحق الثاني فهو وثائق الدراسة.
ثانيا: النقد
أجهد المؤلف نفسه في بيان الأماكن المأثورة في مكة المكرمة محاولا تتبعها في الكتب التاريخية والفقهية وغيرها ليثبت تواترها ولكن يبقى الانتفاع بها مترتباً على الإجابة على هذا السؤال وهو هل تشرع زيارة هذه الأماكن وهل يشرع أن تهيأ لتصبح مزارات يقصدها الناس وتكون ضمن برامج زياراتهم هذا هو الذي سيكون محلا للنقد في المقام الأول بغض النظر عن ثبوت هذه المزارات أو عدم ثبوتها.
ومن المآخذ على الكتاب:
أولا: تسمية هذه الأماكن المأثورة بأنها متواترة فكيف تكون متواترة وفيها خلاف ونضرب على ذلك مثالا بأحد هذه الأماكن وهو مكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدعي المؤلف أنه لا خلاف عليه. يقول الرحالة أبو سالم العياشي: (والعجب أنهم عينوا محلا من الدار مقدار مضجع وقالوا له موضع ولادته صلى الله عليه وسلم ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرها وعلى القول بأنه فيها ففي أي شعابها وعلى القول بتعيين هذا الشعب ففي أي الدور وعلى القول بتعيين الدار يبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار بعد مرور الزمان والأعصار وانقطاع الآثار). ثم قال مستبعدا صحة تحديد ذلك المكان: (والولادة وقعت في زمن الجاهلية وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة سيما مع عدم تعلق غرض لهم بذلك وبعد مجيء الإسلام فقد علم من حال الصحابة وتابعيهم ضعف اعتناقهم بالتقييد بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي لصرف اعتنائهم رضي الله عنهم لما هو أهم؛ من حفظ الشريعة والذب عنها بالسنان واللسان). نقلا من كتاب (التبرك أنواعه وأحكامه) (ص 356).
ثانيا: يقول المؤلف (ص 134): (يستخلص من هذا أن كل مكان حل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مكان مبارك ولا يخالف في هذا مسلم جاهل فضلا عن عالم عاقل... ثم يقول نقلا عن القرطبي: (وحيث تعليل كونها مباركة نتيجة لهذا يكون الدعاء فيها مستجابا بإذن الله عز وجل).
وهذا كلام عجيب، وبناء عليه فكل مكان حل فيه الرسول فهو مبارك يستحب الدعاء عنده وهو مظنة الإجابة فهل يقول بذلك أحد، ولا أدل على ذلك من أنه لا يعلم أحد من الصحابة تتبع الأماكن التي حل فيها النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا على كثرتها إلا ابن عمر ومع ذلك لم يكن قصده التبرك بها إنما كان حريصا على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك خالفه غيره من الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون المهديون.
ثالثا: يقول (ص 135) نقلا عن ابن حجر ومؤيداً له، قوله: (وقد تقدم حديث عتبان وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين). والأدلة على المنع من ذلك مبسوطة في مظانها من كتب أهل السنة.
رابعا: يقول المؤلف في (ص 136): (ثبوت زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض كبار أصحابه لغار حراء فقد جاء في صحيح مسلم تحت عنوان باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما الحديث التالي بروايته عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) وبسند آخر إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسكن حراء.......) انتهى. وأعاد المؤلف الإشارة إلى ذلك ص 139 فقال في معرض ذكر حجج المؤيدين لزيارة الأماكن النبوية المأثورة: (ثبت صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض كبار صحابته زيارة غار حراء وذلك متوافر في دواوين السنة النبوية). انتهى.
 وكلام المؤلف يوهم أن صعود النبي صلى الله عليه وسلم لحراء يعني إلى الغار وهذا فيه تلبيس ففرق بين جبل حراء وبين غار حراء الكائن في ذلك الجبل الذي هو أطول جبل بمكة وهو ظاهر من قول الراوي (كان على جبل حراء) وأيضا يقال: إن هذا الحديث حجة عليكم فمع أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد جبل حراء لكن لم ينقل أحد من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخله أو وقف أمامه هو أو أحد ممن معه أو قال: نزل الوحي علي فيه أو كنت أتعبد فيه إلى غير ذلك.  
خامسا: يقول (ص 137) ناقلا عن عفيف الدين ميرغني فيما نقل عن الحسن البصري من قوله في إجابة الدعاء عند بعض هذه الأماكن المأثورة، قال: (واعلم أن الحسن البصري رضي الله عنه ذكر الإجابة في هذه الأماكن والظاهر أنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف لأنه تابعي جليل بل سيد التابعين..... )
قلت: وهذا كلام عار عن التحقيق فالحسن البصري سواء قلنا رفعه أم لم يرفعه فمراسيله غير مقبوله عند غير واحد من أهل العلم كابن سيرين والإمام أحمد وابن سعد بل نُقل عن أحمد أن مراسيل الحسن من أضعف المراسيل، والمؤلف نفسه نقل بعد ذلك (ص 144) ما ينقض كلامه فقد نقل بحثاً للفلواروي وفيه: (واعلم أن هذا الأثر [يقصد قطع عمر للشجرة] أولى ألا يقبل عند أهل الحديث فعندهم المراسيل والمنقطعات وآثار الصحابة كل هذا ليس بحجة). انتهى
سادسا:  قوله (ص 140) وعدم فعله لا يدل على الكراهة...إنه ليس من الضروري أن يوجد نص من كتاب أو سنة على الاستحباب ذلك أنه مما هو مقرر فقهاً أن المندوب كما يستفاد من أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام فكذلك كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته. ثم ذكر كلام ابن القيم وفيه قول عائشة: وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
وهذا عجيب من المؤلف وفيه فتح لباب البدع فمن أين يستفاد الاستحباب إذا لم يرد في كتاب أو سنة نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك العمل خشية أن يفرض على أمته إذن فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وإنما منعه من المداومة عليه الخوف من أن يفرض ثم إذا كان الشيء وجد مقتضاه وانتفى المانع منه ثم لم يفعله النبي ولا أصحابه من بعده وهم أتبع الناس له فهل يقول المؤلف بمشروعيته بعد ذلك فما قرره المؤلف فيه نظر.
سابعا: وتحت عنوان (الحديث المتصل لا يعارض بالحديث المنقطع) (ص 141) ذكر أن حديث قطع عمر لشجرة الرضوان مقطوع لا يقاوم ما ورد متصلاً في البخاري من أنها عميت عليهم ونقل كلاما مطولاً للفلواروي والذي ذكر فيه ما جاء في البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها. وعن ابن عمر قال: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة.
وإن سلمنا بضعف الأثر – وقد صحح إسناده ابن حجر- فكما يقول الشيخ الألباني في (تحذير الساجد) (ص 126، 127): لئن كنا خسرنا هذه الرواية المنقطعة كشاهد فيما نحن فيه من البحث بعد التأكد من ضعفها فقد كسبنا ما هو أقوى منها مما يصلح دليلاً لما نحن فيه وهو حديث المسيب هذا وحديث ابن عمر: فقد قال الحافظ في شرحه إياه: (والحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم الأمر إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: (كانت رحمة من الله) أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى).
ثامنا: ثم ينقل عن الفلواروي (ص 145) قوله: (فيا من يعزو إلى حكيم الأمة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يهدم الآثار وينهى الناس عن الصلاة في المآثر وحرق دار كتب الأسكندرية وغير ذلك من الخرافات والأباطيل ألا تنظرون كيف كان أمير المؤمنين يعظم آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكان يتمنى أن يتخذ مقام إبراهيم مصلى (أي آثار قدميه) فلبى الله دعوته وقال {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت....) انتهى
وهذا ليس فيه حجة، وذلك للآتي:
 أولا: لأن هذا حكم خاص لا يجوز أن يقاس عليه غيره سواء أريد بالمقام مقام إبراهيم عند الكعبة أو المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى فقد خصت هذه الأماكن بعبادات لا يشركها فيها غيرها والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، فالحكم شرع بنص القرآن لا بمجرد تمني عمر رضي الله عنه.
ثانيا: أن عمر رضي الله عنه ورد عنه النهي عن تعظيم آثار الأنبياء والغلو فيها فإن لم يثبت قطعه للشجرة فقد ثبت عن المعرور بن سويد أنه قال: (خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] فلما قضى حجه ورجع والناس يتبدرون، فقال: ما هذا ؟ فقال: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعاً! من عرضت له منكم فيها الصلاة، فليصل، ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل). وسنده على شرط الشيخين.
وأخيرا، فإن المؤلف وإن ذكر أنه يرفض الممارسات المخالفة للتوحيد والمغالاة بالتجاوز عن الحد المشروع إلا أن دعوته إلى وجوب المحافظة على هذه الآثار واعتبار التفريط فيها خيانة للأمانة وضياع للمعالم التاريخية ويحيل تاريخنا الإسلامي إلى أسطورة مع تجويز زيارة هذه الآثار= فإن ذلك كله وسيلة لما ذكر في الكتاب أنه يرفضه، وهذا مما لا يوافق عليه فهو نفسه يقول: إن زيارة هذه الأماكن إذا خلت مما يخدش العقيدة هي في الأصل على الجواز. ومعلوم أن فتح هذا الباب لا بد وأن يؤدي إلى ما يخدش العقيدة فهل يتمسك بمباح يجر إلى إخلال بأصل الدين وهو التوحيد.
وينظر تفصيل هذه المسألة في:
·        اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية
·        كتاب (التبرك أنواعه وأحكامه) للدكتور ناصر الجديع

مقال له أيضا باسم (مسألة السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة أماكن السيرة النبوية كغار حراء وجبل أحد وغيرهما)