مقالات وبحوث مميزة


 

إضاءاتٌ في طريقِ البِناءِ الفِكريِّ المُتوازِنِ

الشيخ الدكتور سُلطان العميري

22 ربيع الأول 1432هـ

 

تُمثِّلُ هزيمةُ حُزَيْرانَ سنةَ 67م مُنعطَفًا حادًّا في تاريخِ الفِكرِ العربيِّ المعاصِرِ؛ فقد أضحَتْ أطيافٌ عديدةٌ مُقتنعةٌ بأنَّ التخلُّفَ العربيَّ نابعٌ منَ الداخلِ، ومن ثَمَّ فالإصلاحُ والخروجُ منَ الأزمةِ لا بُدَّ أنْ يكونَ مُنطلِقًا ابتداءً منَ القواعدِ الداخليةِ لا منَ المُعسكَراتِ الخارجيَّةِ.

فقامَتْ -نتيجةً لتلك القناعةِ- مشاريعُ فكريَّةٌ عِملاقةٌ مُتوجِّهةٌ نحوَ التُّراثِ تبحَثُ في موادِّه، وتُنقِّبُ في أرضيَّتِه، وتُحلِّلُ في أفكارِه، وتُفكِّكُ في مَضامينِه, وقطعَتْ شوطًا كبيرًا في سبيلِ الظَّفَرِ بما يُمكِنُ أنْ يكونَ مُخلِّصًا للأمَّةِ العربيةِ ممَّا هي فيه من أزَماتٍ, وقد تنوَّعتْ تلك المشاريعُ في مناهجِها ومبادئِها ومُنطلَقاتِها, وبالتالي في نتائجِها ومُستخلَصاتِها.

ثم شهِدَ الفِكرُ العربيُّ مُنعطَفًا حادًّا آخَرَ جعَلَ لتلك المشاريعِ حُضورًا مُكثَّفًا في الوسَطِ الثقافيِّ, وانتشارًا واسعًا لدَى الأجيالِ الشبابيَّةِ, وغدَتْ تُمثِّلُ المادةَ الفِكريَّةَ التي يُبنى عليها ما يُسمَّى بالفكرِ العربيِّ, فأوَّلُ ما يتبادَرُ إلى الذِّهنِ عندَ سَماعِ هذا المُصطلَحِ (الفكرُ العربيُّ) هو تلك المشاريعُ التي انصبَّتْ على التُّراثِ الإسلاميِّ بمناهجِها المختلِفةِ, مع أنَّ الفكرَ العربيَّ أوسعُ منها بكثيرٍ!

 

وذلك راجعٌ إلى أنَّ تلك المشاريعَ نالَتْ نصيبًا عاليًا منَ الدعوةِ، وحظًّا وافرًا منَ الترويجِ، وقدرًا كبيرًا من الاستدعاءِ والتجميلِ والتحسينِ.. مع خُلُوِّ السَّاحةِ الفِكريَّةِ منَ المشاريعِ المُنافِسةِ التي تُلبِّي حاجِياتِ العُقول المُتسائلةِ.

وهذا النوعُ منَ الدَّعوةِ عادةً ما يُؤدِّي إلى حالةِ فُقدانِ التوازُنِ في عقليَّةِ المتلقِّي لتلك المشاريعِ, فهي تُوَصِّلُ إلى استغراقٍ عميقٍ في تلقِّي الأفكارِ المُتضمَّنةِ, وتَؤولُ إلى ضَعفٍ شديدٍ في الحاسَّةِ النَّقديَّةِ لدى المتلقِّي, وتَنتهي إلى خُفوتٍ ظاهرٍ في ثَوَرانِ التساؤلاتِ المشروعةِ حولَ مَنهجيَّةِ البحثِ وآليَّاتِ التحليلِ المُتَّبَعةِ في تلك المشاريعِ.

فإذا اجتمعَتْ هذه الأحوالُ النفْسيَّةُ مع ما تُعانيهِ تلك المشاريعُ نفسُها من إشكاليَّاتٍ مَعرفيَّةٍ وتسرُّباتٍ مَنهجيَّةٍ طافحةٍ, فإنَّه سيُؤدِّي بالضرورةِ إلى إحداثِ أضرارٍ جَسيمةٍ في كِيانِ الفكرِ العربيِّ المعاصِرِ, ليس أقلَّها شُيوعُ التقليدِ, واختفاءُ النَّقدِ والتجديدِ، وضَحالةُ الحيويَّةِ والإبداعِ, وتحريفُ الحقائقِ، وتضليلُ المفاهيمِ.

والأساساتُ البِنائيَّةُ للمَسيرةِ الفِكريَّةِ تُبنى على الانفصالِ التامِّ في عقليَّةِ القارئِ عن تلك المشاريعِ, وتتطلَّبُ الحِرصَ الشديدَ على التوازنِ في التعامُلِ معها, وتتطلَّبُ أيضًا الوعيَ بالتساؤلاتِ المَنهجيَّةِ التي تُحاكَمُ إليها الموادُّ المُكوِّنةُ لها, وتستوجِبُ استحضارَ الإشكاليَّاتِ النَّقديَّةِ التي تُضْفي على ذِهنيَّةِ المتلقِّي والقارئِ الاستقلالَ وعدمَ الذَّوَبانِ في أوديةِ تلك المشاريعِ.

ومنَ المُهمِّ أنْ نُشيرَ إلى أنَّ الخِطاباتِ المُنصبَّةَ على التُّراثِ مُكوَّنةٌ من موادَّ معرفيَّةٍ ثلاثٍ, وكُلُّ مادَّةٍ منها تدورُ حولَها تَساؤلاتٌ نَقديَّةٌ تحتاجُ إلى أجوبةٍ واضحةٍ ومحدَّدةٍ, وتتطلَّبُ فَحصًا مَنهجيًّا ومَعرفيًّا صارمًا.
 

أمَّا المادَّةُ الأُولى: فهي الآليَّاتُ والمناهجُ التي تُمثِّلُ الأرضيَّةَ والقاعدةَ الصُّلبةَ للعَمليَّةِ النَّقديَّةِ, والغالبُ عليها أنَّها مُستعارةٌ ومنقولةٌ منَ الفِكرِ الغربيِّ, وهذه المادَّةُ تتطلَّبُ الفحصَ المَعرفيَّ من جِهاتٍ عديدةٍ:

 

1- التحقُّقُ من إمكانيَّةِ نَقلِ المناهجِ الفكريةِ من مَحاضنِها الأصليَّةِ إلى محاضِنَ أُخرى مُختلفةٍ عنها في الخلفيَّاتِ والطبيعةِ والتاريخِ.

2- التحقُّقُ منِ اكتمالِ بناءِ تلك المناهجِ والانتهاءِ من جميعِ مُتطلِّباتِها, والتأكُّدُ من أنَّها في مَحضَنِها الأصليِّ انتهَتْ من طَوْرِ البناءِ والتكميلِ.

3- التثبُّتُ من فَهمِ الناقلِ لها، واستيعابِه لمَضمونِها، وإدراكِه لحقيقتِها ولمسارِها وتفاصيلِها ومُستلزَماتِها.

4- التحقُّقُ من سلامةِ تطبيقِ المستعيرِ وتنفيذِه لأجِنْدتِها على الأرضيَّةِ الأُخرى بشكلٍ يَتوافقُ مع مُقتضَياتِها.

5- التأكُّدُ من صِحَّتِها في نَفسِها واستقامتِها، وانضباطِها في مُقدِّماتِها ومراحِلِها, والتحقُّقُ منَ المواقفِ النَّقديَّةِ التي أُقيمَتْ حولَها في الأرضيَّة الأصليَّةِ.
 

وأمَّا المادَّةُ الثانيةُ: فهي المادَّةُ التُّراثيَّةُ, وتُعدُّ بمَثابةِ الموادِّ الخامِ التي تُطبَّقُ عليها تلك المَنهجيَّاتُ والآليَّاتُ, وهي تتطلَّبُ الفَحصَ المَعرفيَّ من عِدَّة جِهاتٍ:

 

1- البحثُ في نوعِ المصادرِ والمراجعِ التي تمَّ الاعتمادُ عليها في الوُصولِ إلى المادَّةِ التُّراثيَّةِ, والتأكُّدُ من قيمتِها العِلميَّةِ.

2- التحقُّقُ من صِحَّةِ المادَّةِ التُّراثيَّةِ وسلامتِها منَ الخطَأِ والتحريفِ.

3- التوصُّلُ إلى كَيفيَّةِ التعامُلِ مع المادَّةِ التُّراثيَّةِ وإجراءاتِ العَرضِ لمُحتواها.

4- التثبُّتُ من فَهمِ المادَّةِ التُّراثيَّةِ بشكلٍ صحيحٍ، والإدراكُ الصحيحُ لمضمونِها الحقيقيِّ المتوافِقِ مع مَنظومتِها المعرفيَّةِ.

5- التأكُّدُ منِ استيعابِ جميعِ الشواهِدِ التُّراثيَّةِ التي لها ارتباطٌ وعَلاقةٌ بموضوعِ البَحثِ.

 

وأمَّا المادَّةُ الثالثةُ: فهي النتائجُ المَعرفيَّةُ التي تم استخلاصُها, وهذه المادَّةُ تتطلَّبُ الفحصَ من عِدَّةِ جِهاتٍ:

1- مدى اتِّساقِ النتيجةِ مع العقلِ، واستقامتِها مع مبادئِه وأُصولِه الفِطريَّةِ.

2- مدى توافُقِ النتيجةِ مع التاريخِ التُّراثيِّ, واتِّساقِها مع طَبيعتِه ومَجرَياتِه ومَراحلِه ومَشاهدِه وتَطوُّراتِه.

3- مدى مُوافقةِ النتيجةِ لأُصولِ الشريعةِ, ومُطابقتِها لمُقتَضَياتِ دَلالاتِ النُّصوصِ المَوثوقةِ.

 

الخِطاباتُ المُضادَّةُ:

 وقد شهِدَ الفِكرُ العربيُّ في المقابِلِ نُموًّا ظاهرًا لخِطاباتٍ قامَتْ بالفحصِ المَنهجيِّ لتلك المشاريعِ، ومارسَتْ عَمليَّاتٍ نَقديَّةً هامَّةً كشفَتْ فيها عنِ الأخطاءِ المعرفيَّةِ التي تَشرَّبَتْها, وأظهرَتْ مواطنَ الخلَلِ الفِكريِّ التي استشْرَتْ في جَسدِها, وأثارَتْ حولَها تساؤلاتٍ مَنهجيَّةً تضرِبُ في الأعماقِ, وقامَتْ بمُساءلةٍ مَعرفيَّةٍ جادَّةٍ للمَنهجيَّاتِ والآليَّاتِ المُتَّبَعةِ فيها, ومارسَتْ عمليَّاتٍ تَمحيصيَّةً عَلَنيةً لموادِّها المَعرفيَّةِ ونتائجِها الفِكريَّةِ.

 

وقد تنوَّعَتْ تلك الخطاباتُ المُضادَّةُ, فمنها ما هو مُتضمَّنٌ في غيرِه, سواءٌ كان ذلك الغيرُ مُؤلَّفاتٍ بَحثيَّةً عامَّةً، أو مَجَلَّاتٍ عِلميَّةً, ومنها ما هو مُستقِلٌّ بنفسِه, وهذا النوعُ منه ما هو خاصٌّ بفحصِ اتِّجاهٍ، أو مشروعٍ مُحدَّدٍ, كمِثلِ النَّقدِ الذي قامَ به جورج طرابيشي لمشروعِ الجابري, أوِ النَّقدِ الذي قامَ به لنَقدِ مشروعِ حسن حنفي, وكمِثلِ النَّقدِ الذي قامَ به طيب تيزيني لنَقدِ مشروعِ الجابري, ومنها ما هو عامٌّ يتناولُ القضايا المَنهجيَّةَ في التعاملِ مع المشاريعِ الحَداثيَّةِ بشكلٍ عامٍّ.

 

ويَبرُزُ التنوُّعُ فيها أيضًا من جِهةٍ أُخرى, فقدِ اشترَكَ في تلك العمليَّةِ التَّمحيصيَّةِ أطيافٌ مُختلِفةٌ؛ منهم مَن يَدينُ بدِينِ الإسلامِ، ومنهم مَن يَدينُ بدِينِ النَّصرانيَّةِ, ومنهمُ الإسلاميُّ ومنهمُ العِلمانيُّ, ومنهم مَن هو بينَ بينَ, فكلُّ هؤلاء جمَعَ بينَهمُ النَّقدُ المُوجَّهُ إلى الخِطابِ الحَداثيِّ المُسلَّطِ على التُّراثِ الإسلاميِّ.

 

وإبرازُ تلك الخِطاباتِ، وتَسليطُ الأضواءِ على مَضامينِها من أَقْوى ما يُحدِثُ التوازُنَ الفِكريَّ في التعاطي مع تلك المشاريعِ العِملاقةِ, ومن أصلَبِ ما يُؤدِّي إلى تنميةِ الوعيِ النَّقديِّ لدى القارئِ بشكلٍ ناضجٍ وقويٍّ.

 

وسنقومُ بعرضِ جُملةٍ من تلك الخطاباتِ التي توجَّهَتْ إلى المشروعِ الحَداثيِّ بالنقدِ، ولا بُدَّ أنْ نُنبِّهَ على أنَّ اختيارَ مؤلِّفٍ بعينِه لا يَعني تأييدَ كلِّ ما جاءَ فيه من أفكارٍ, ولا يَتعرَّضُ لاتجاهِ مُؤلِّفِه بمدحٍ، أو ذمٍّ, وليس القصدُ من عَرضِه بيانَ كلِّ ما تَضمَّنَه, ولا عرضَ كلِّ أفكارِه , ولا مدحَ طريقةِ البحثِ ومَنهجيَّتِه... كلُّ هذه الأمورِ غيرُ مقصودةٍ.. وإنَّما المقصودُ توضيحُ فكرةِ الكِتابِ بشكلٍ مُختصَرٍ جِدًّا، وإبرازُ بعضِ المضامينِ النَّقديَّةِ التي اشتَمَلَ عليها.. حتى يَتَسنَّى الاستفادةُ منه بالقدرِ المناسبِ.

 

الكتابُ الأوَّلُ: إشكاليَّةُ تأصيلِ الحَداثةِ في الخِطابِ النَّقديِّ العَربيِّ المُعاصرِ, ومُؤلِّفُه: عبدالغني بارة.

وقامَ هذا الكتابُ بتسليطِ الأضواءِ على الصُّعوباتِ التي تقِفُ في طريقِ توضيحِ مَفهومِ الحَداثةِ وتأسيسِها, واحْتَوى على مُناقَشةٍ مُطوَّلةٍ لقضيةِ استعارةِ المناهِجِ الغربيَّةِ, وبيانِ الإشكاليَّاتِ المَنهجيَّةِ والمَعرفيَّةِ التي ترتبِطُ بها, واحْتَوى أيضًا على حَشْدِ نُصوصٍ كَثيرةٍ تضمَّنَتِ اعترافاتِ عددٍ من كِبارِ المُفكِّرينَ العرَبِ بالأزمةِ المَنهجيَّةِ التي يَعيشُها الخِطابُ العربيُّ جَرَّاءَ الاقتراضِ الشديدِ منَ الفِكرِ الغربيِّ.

 

وتضمَّنَ الكِتابُ أيضًا أوجُهًا نقديَّةً هامَّةً وجَّهَها عددٌ منَ المُفكِّرينَ العربِ إلى خِطابِ الحَداثةِ تتعلَّقُ ببِنيةِ المناهجِ والآليَّاتِ التي تم تفعيلها في مَشروعِهم.

 

الكِتابُ الثاني: القراءةُ الجديدةُ للنَّصِّ الدينيِّ, ومؤلِّفُه: د. عبدالمجيد النجار.

احْتَوى هذا الكتابُ على مادَّةٍ شَرعيَّةٍ وتاريخيَّةٍ، تم التأصيل من خلالِها لطبيعةِ النَّصِّ الدِّينيِّ، والتأكيدِ على أنَّه نصٌّ إلهيٌّ, وليس مُجرَّدَ مُنتَجٍ ثَقافيٍّ, وقرَّرَ من خِلالها مَوثوقيَّةَ النصِّ الدينيِّ وسلامتَه منَ النَّقصِ ودُخولِ الخلَلِ فيه, وأوضَحَ مَوضوعيَّةَ النصِّ الدِّينيِّ، واستقرارَ دَلالاتِه ومَعانيه ومَضامينِه الحُكميَّةِ.

 

وأبانَ عمَّا في القراءةِ الجديدةِ التي قامَ بها الخِطابُ الحَداثيُّ من إشكاليَّاتٍ مَنهجيَّةٍ ومُخالَفاتٍ دينيَّةٍ وتَجاوزاتٍ للمبادئِ العَقليَّةِ، وقفَزَ على الحقائقِ التاريخيَّةِ.

 

الكِتابُ الثالثُ: استقبالُ الآخَرِ, الغَربُ في النَّقدِ العربيِّ المُعاصِرِ, ومؤلِّفُه: سعد البازعي.

ويُقدِّمُ هذا الكتابُ صورةً للنَّقدِ العربيِّ المعاصِرِ, ويَكشِفُ عنِ التَّحدِّياتِ والمُشكِلاتِ التي يُعاني منها, ويُؤكِّدُ على أنَّها أكثَرُ منَ المُنجَزاتِ وأوسعُ منها.

واستُهِلَّ الكِتابُ بشرحِ مَعالمِ الإشكاليَّاتِ المَنهجيَّةِ في الخِطابِ العَربيِّ, وكشَفَ عن مِقدارِ التَّهالكِ والارتماءِ في أحضانِ الفِكرِ الغَربيِّ، ودَرَجةِ الإعجابِ والتقليدِ التي وصَلَ إليها.

ثم أكَّدَ على أهميَّةِ الخُصوصيَّةِ السِّياقيَّةِ للنَّقدِ الغَربيِّ, وعلى ارتباطِها العُضويِّ بالأرضيَّةِ التي نَبتَتْ فيها.

 

وقدَّمَ الكِتابُ مادَّةً نَقديَّةً قويَّةً, يُمثِّلُ الوُقوفُ عليها تِرسانةً هامَّةً في التعامُلِ مع الخِطابِ العَربيِّ المعاصرِ.. فقد حشَدَ مواقفَ عددٍ من كِبارِ المُفكِّرينَ العربِ الذين وقَفوا ضِدَّ الاقتراضِ المَحمومِ منَ الفِكرِ الغربيِّ, وكشَفَ عن أنَّ عددًا منَ المناهجِ المُستعارةِ لم تَكتملْ بعدُ في مَوطِنها الأصليِّ, وأبانَ عنِ الأغلاطِ التي وقَعَ فيها المُقترِضونَ حينَ نقَلوا المناهجَ الغربيَّةَ, سواءٌ في فَهمِها، أو في نَقلِها، أو في تصويرِها, أو في مِقدارِ وطَريقةِ اقتِراضِهم, وأوضَحَ أيضًا الآثارَ العِلميَّةَ التي تَنتُجُ عنِ الاستهلاكِ للمُنتَجِ الغَربيِّ.

 

الكتابُ الرابعُ: التَّيَّارُ العِلمانيُّ الحديثُ, وموقِفُه من تفسيرِ القرآنِ, ومؤلِّفُه: منى الشافعي.

يَظهرُ في هذا المؤلَّفِ استغراقٌ في العرضِ، ويَظهَرُ فيه خُفوتٌ في تحليلِ مَقالاتِ العِلمانيَّةِ وتحريرِ مواقفِهم, وكثُرَتْ فيه المباحثُ الاستطراديَّةُ.

ومع هذا فقد كشَفَ تشكيكَ الخِطابِ العِلمانيِّ في مَصدريَّةِ القرآنِ وثُبوتِه، وأظهَرَ مِقدارَ التحريفِ الذي مارسَه على التفسيرِ، والتجاوُزاتِ المَنهجيَّةِ التي وقعَ فيها.

 

وكشفَ أيضًا عنِ المُراوغةِ العِلمانيَّةِ في نَشرِ أفكارِهم، وشرحِ طريقتِهم وأساليبِهم في إضفاءِ الشرعيَّة عليها, وأبانَ عنِ التجاوزاتِ في المادَّةِ التُّراثيَّةِ التي قامَتِ العِلمانيَّةُ بتَحليلِها، وأوضحَ الخلَلَ المَنهجيَّ الذي وَقَعوا فيه، وأزالَ الغِطاءَ عن غِيابِ الموازينِ، وتَحديدِ المعاييرِ العِلميَّةِ في التعامُلِ معَ الموادِّ التُّراثيَّةِ والشرعيَّةِ.

وجمَعَ الكتابُ قَدْرًا كبيرًا منَ التناقُضاتِ المَعرفيَّةِ التي وقَعَ فيها بعضُ الخِطابِ العِلمانيِّ.

 

الكتابُ الخامسُ: العِلمانيُّونَ والقرآنُ الكريمُ, ومؤلِّفُه: د: أحمد الطعَّانُ.

ويُعَدُّ هذا الكتابُ موسوعةً ضخْمةً, جمَعَ فيه مؤلِّفُه قَدْرًا كبيرًا من تقريراتِ الخِطابِ الحَداثيِّ ومَواقفِهم, وحشَدَ فيها جُملةً كبيرةً من نُصوصِهم ومَقالاتِهم, وهو يُعَدُّ خَزينةً كبيرةً تقدمُ خِدمةً عاليةً لمَن يَقصِدُ الوقوفَ على حقيقةِ المَشروعِ الحَداثيِّ, ولكنَّ ذلك الجمعَ على حسابِ النَّقدِ والتمحيصِ, فقد بدَتْ هذه المُهمَّةُ خافتةً.

وقد كشَفَ الكِتابُ عن تناقضاتٍ عديدةٍ وقَعَ فيها الخِطابُ الحَداثيُّ, وكشفَ أيضًا عن الانتقائيَّةِ في التعاملِ مع التُّراثِ, وتصفيةِ بعضِه لحسابِ بعضٍ, كما فعَلَ مع الشافعيِّ لحسابِ الشَّاطبيِّ.

 

وأشارَ إلى عمليَّاتِ التزويرِ التي مورِسَتْ في الأحداثِ التاريخيَّةِ والفِكريَّةِ, وأشارَ إلى شُذوذاتٍ مورسَتْ خرَجَ بها الخطابُ الحَداثيُّ عنِ المعقولِ، وعن قَطعيَّاتِ الشريعةِ, وقام بعمليَّةٍ نَقديَّةٍ احتوَتْ على المقارَنةِ بينَ المادَّةِ التُّراثيَّةِ كما هي في المصادرِ الأصليَّةِ، وبينَ حُضورِها في المُنتَجِ الحَداثيِّ, وأبانَ مدى التخليطِ الكبيرِ الذي وقَعَ.

وشرَحَ الطريقةَ الخاطئةَ التي مورِسَتْ في الاقتراضِ منَ الفِكرِ الغربيِّ, ممَّا يُجَلِّي ظاهرةَ الاستلابِ الفِكريِّ الذي يعيشُه الخِطابُ العَربيُّ بشكلٍ ظاهرٍ.

 

الكتابُ السادسُ: تجديدُ المَنهجِ في تقويمِ التُّراثِ, ومُؤلِّفُه: د. طه عبدالرحمن.

يقومُ هذا الكتابُ على الجانبِ البِنائيِّ من حيثُ الأصلُ, فالمَقصِدُ الأصليُّ له هو اكتشافُ الآليَّاتِ والمناهجِ التي تَشبَّعَ بها التُّراثُ, ومُحاولةُ تَجديدِها، وتسليطُ الأضواءِ عليها، وبيانُ فاعليَّتِها, وكان من ضروريَّاتِ العمليَّةِ البِنائيَّةِ المرورُ على المشاريعِ التي تناولَتِ التُّراثَ بالدرسِ لتَقييمِها وفَحصِها, وتقديمِ نظْرةٍ فاحصةٍ حولَها, انكشَفَ من خلالِها جُملةٌ منَ الإشكاليَّاتِ المَنهجيَّةِ التي تُعاني منها تلك المشاريعُ.

وكان التركيزُ على مشروعِ الجابري بشكلٍ مُكثَّفٍ, لمُبرِّراتٍ عديدةٍ تظهرُ من خلالِ قراءةِ الكِتابِ.

وقامَ المؤلِّفُ بمُحاكَمةٍ واسعةٍ شمِلَتْ قطاعاتٍ مُتعدِّدةً من مُكوِّناتِ النَّقدِ الحَداثيِّ, فانطلقَ من تأكيدِ جهلِ الحَداثيِّينَ بالثُّراثِ، ودلَّلَ على ذلك, وأبرَزَ الآفاتِ الكُبرى التي تشبَّعَتْ بها مشاريعُهم.

وقد أَولى الآليَّاتِ المَنهجيَّةَ التي قامَ عليها النَّقدُ الحَداثيُّ مزيدَ اهتمامٍ, وبيَّن أنَّها لا تَتناسَبُ مع طبيعةِ التُّراثِ العَربيِّ, وفَضلًا عن ذلك؛ فإنَّ نَقْلَها لم يَسلَمْ منَ التحريفِ والتغييرِ, حيثُ إنَّ الناقلَ لها لم يتمتَّعْ بالفَهمِ الجيِّدِ لها، ولم يستوفِ واجباتِ التَّرجمةِ والنَّقلِ, وبيَّنَ أنَّ الآليَّاتِ التي اعتمَدَ عليها الجابري لا تُمثِّلُ نَسَقًا مُتكامِلًا، حيثُ إنَّها تُؤدي إلى مُقتضَياتٍ مُتناقضةٍ.

 

الكتابُ السابعُ: رُوحُ الحَداثةِ, ومؤلِّفُه د: طه عبدالرحمن.

أرادَ المؤلِّفُ في هذا الكتابِ أنْ يؤسِّسَ لحَداثةٍ إسلاميَّةٍ لا تعتمدُ على المُنطلَقاتِ الغربيَّةِ، وإنَّما تَنبُعُ منَ الأُصولِ الإسلاميَّةِ, وحاوَلَ أنْ يَشرَحَ رُوحَ الحَداثةِ التي يَرى أنَّها تُمثِّلُ القِيَمَ الإسلاميَّةَ بشكلٍ مُكثَّفٍ.

ويُعَدُّ الكِتابُ في جُملتِه نَقدًا إجماليًّا لظاهرةِ الاقتراضِ منَ الفِكرِ الغَربيِّ, وتقييمًا منهجيًّا لحالةِ الاستهلاكِ الكُبرى التي وقعَ فيها الخطابُ الحَداثيُّ.

 

وقد عقَدَ المُؤلِّفُ فصلًا تناوَلَ فيه القراءةَ الحَداثيَّةَ للنصِّ الدينيِّ, وكشفَ عن خِطَطِها واستراتيجيَّاتِها, ونقَدَ من خلالِه فكرةَ التأنيسِ للنصِّ الدِّينيِّ، وقطْعِ صِلَتِه باللهِ تعالى, ونقَدَ كذلك عَقْلنةَ النصِّ وإزالةَ الجانبِ الغَيبيِّ منه, ثم تناوَلَ فكرةَ التاريخيَّةِ التي تُعَدُّ مُرتكَزًا هامًّا للقراءةِ الجديدةِ بالنقدِ والتفكيكِ.

 

وانتَهى بعدَ قراءةٍ مُطوَّلةٍ إلى أنَّ الخطابَ الحَداثيَّ يُعاني من فَقدِ القدرةِ على النَّقدِ؛ حيثُ إنَّه لم يكُنْ لدَيْه تصوُّرٌ تامٌّ للموضوعِ, ويُعاني أيضًا من ضَعفِ التصوُّرِ للمَنهجيَّاتِ التي نقَلَها, وكشَفَ عن أنَّه نقَلَ مَنهجيَّاتٍ ما زالتْ في طَورِ البناءِ، ولم تَكتملْ بعدُ, وأنَّه نقَلَ أفكارًا عبارةً عن وسائلَ نَقديَّةٍ أشبَهَ بالمَوْجاتِ الفِكريَّةِ الزائلةِ منها بالمُنجَزاتِ العِلميَّةِ الراسخةِ.

 

ولا بُدَّ منَ التنبيهِ على أنَّ هذا الكتابَ والذي قبلَه، يتَّصِفُ بالصُّعوبةِ في العِبارةِ، والتَّعقيدِ في التركيبِ, والدِّقَّةِ العاليةِ في الترتيبِ، والتركيزِ الشديدِ في الألفاظِ, بحيثُ يَصعُبُ فَهمُه والاستمرارُ في قراءتِه, ولكنْ يُمكِنُ التغلُّبُ على هذه الإشكاليَّةِ بالاطِّلاعِ على كتابِ "حِواراتُ المستقبلِ" للمؤلِّفِ نَفسِه؛ فإنَّ هذا الكتابَ يُعَدُّ كالمَدخَلِ لفِكرِ طه عبدالرحمن؛ لأنَّه عبارةٌ عن حِواراتٍ دارَتْ بينَه وبينَ كبارِ القَريبينَ منه, وقد قرَّبَ فيها أفكارَه ومُصطلَحاتِه بشكلٍ جَيِّدٍ وسهلٍ في نفسِ الوقتِ.

 

الكتابُ الثامنُ: الحَداثيُّونَ العَرَبُ في العُقودِ الثلاثةِ الأخيرةِ والقرآنُ الكريمُ, ومؤلِّفُه: د. الجيلاني مفتاح.

قامَ المؤلِّفُ في كِتابِه برصدٍ تاريخيٍّ للخطابِ الحَداثيِّ العربيِّ, وأوضَحَ مَراحِلَه التي مرَّ بها, ومدارسَه واتجاهاتِه، وأبانَ عن موقفِ الحَداثيِّينَ منَ القرآنِ وعُلومِه, وكشَفَ عن منهَجِهم في فَهمِ القرآنِ, وجمَعَ عددًا من تطبيقاتِهمُ العَقَديَّةِ والفِقهيَّةِ, وهو في كلِّ ذلك يُقدِّمُ أَوجُهًا نقديَّةً يكشِفُ فيها عنِ الخلَلِ الغائِرِ في الخطابِ الحَداثيِّ.

وفي تشخيصِ المُمارَساتِ المَنهجيَّةِ الخاطئةِ لدى الحَداثيِّينَ العرَبِ كشَفَ عنِ: المُجازَفةِ وغِيابِ الدليلِ, وانتشارِ التناقُضِ والتصادُمِ الكثيفِ, والتمويهِ والمُراوغةِ, والانتقائيَّةِ وغِيابِ الاتِّساقِ, والقَفزِ على الحقائقِ التاريخيَّةِ, فَضلًا عنِ المُجاوَزةِ الظاهرةِ لقَطعيَّاتِ النصوصِ الشرعيَّةِ.

 

الكتابُ التاسعُ: ظاهرةُ التأويلِ الحديثةُ في الفكرِ العربيِّ المعاصِرِ, ومؤلِّفُه: د. خالد السيف.

قامَ المؤلِّفُ برَصدٍ تاريخيٍّ لظاهرةِ التأويلِ، وتتبُّعٍ لمسيرتِهِ التاريخيَّةِ والجُغرافيَّةِ, وتتبُّعٍ لنُموِّها في الفكرِ العربيِّ وتطوراتِها وتَشكُّلاتِها, وجُذورِها التي استُمِدَّتْ منها.

والكتابُ في جُملتِه يُعَدُّ عَرضًا شَيِّقًا لأبرزِ الأفكارِ التي قامَتْ عليها القراءةُ الحَداثيَّةُ للنصِّ الشرعيِّ, إلَّا أنَّه يظهرُ فيه الاستغراقُ في الشرحِ والبيانِ على حِسابِ النَّقدِ والتفكيكِ لكثيرٍ منَ المضامينِ التي تم عَرضُها في الكتابِ.

 

ويقِفُ القارئُ له على بيانٍ جيِّدٍ للإشكاليَّاتِ المَنهجيَّةِ التي وقعَتْ فيها القراءةُ الحَداثيَّةُ, ومنها: ظاهرةُ الإسقاطِ المَنهجيِّ التي لم يُراعِ فيها التناسُبَ بينَ طبيعةِ المناهجِ المُستعارةِ، وبينَ طبيعةِ الأرضيَّةِ المُطبَّقةِ عليها, ومنها: المبالغةُ والتجاوزاتُ في ادِّعاءِ النتائجِ, ومنها: نَقلُ مناهجَ وآليَّاتٍ لم تكتملْ بعدُ، ولم يُحسَمِ الأمرُ فيها, ومنها: الكشفُ عن أثَرِ غِيابِ التدليلِ على الأفكارِ والدَّعاوى, ومنها: مخالفةُ الأسُسِ النظريَّةِ التي قامَتْ عليها القراءةُ الجديدةُ للمبادئِ الفِطريَّةِ.

 

الكتابُ العاشرُ: المَرايا المُحدَّبةُ, ومؤلِّفُه: د. عبدالعزيز حمودة.

يُعَدُّ هذا الكتابُ أوَّلَ ثُلاثيَّةِ الدكتور عبدالعزيز حمودة التي قامَ فيها بنَقدٍ مُوسَّعٍ للخِطابِ الحَداثيِّ العربيِّ المعاصِرِ, والكتابُ الثاني منها يحمِلُ اسمَ: (المَرايا المُقعَّرةُ), وحمَلَ الثالثُ اسمَ: الخروجُ منَ التِّيهِ, وقد كشَفَ فيها المؤلِّفُ عنِ الإشكاليَّاتِ المَعرفيَّةِ والمَنهجيَّةِ المُتجذِّرةِ في بِنيةِ الحَداثةِ, وتُعَدُّ هذه الثُّلاثيَّةُ موسوعةً ضَخْمةً تحتاجُ إلى دِراساتٍ مُطوَّلةٍ تكشِفُ ما تضمَّنَتْه من قِيَمٍ نَقديَّةٍ ومبادئَ تَمحيصيَّةٍ.

 

ولعلَّ من أبرزِ ما تَضمَّنَه كتابُ (المَرايا المُحدَّبةُ): كَشفَه عن أساليبِ الخِطابِ الحَداثيِّ الدَّعْويَّةِ؛ حيثُ يَقصِدُ إلى الغموضِ في العباراتِ والألفاظِ، والتكلُّفِ في المُصطلَحاتِ، والمُراوَغةِ المُتعمَّدةِ, وإظهارَه للتناقضاتِ العديدةِ التي وقَعَ فيها, واكتشافَه للانتقالاتِ التي يقومُ بها الحَداثيُّونَ من مشروعٍ إلى مشروعٍ مُناقضٍ له من غيرِ أيِّ مُبرِّرٍ, وتِبيانَه كيف أنَّهم استعاروا مناهجَ غَربيَّةً نَقدَها الغربُ نَفسُه وتَجاوزَها بمراحلَ مُتقدمةٍ, وحَشْدَه للأزَماتِ التي يعيشُها الخطابُ الحَداثيُّ, سواءٌ الأزمةُ في المُصطَلحِ نفسِه، أو في نَقلِه واستعارتِه، أو في فَهمِه واستيعابِه.

 

ويتضمَّنُ الكتابُ أيضًا جَمعًا للأدلَّةِ العقليَّةِ الواقعيَّةِ التي يُثبِتُ من خلالِها بُطلانَ نظريَّةِ التفكيكِ التي نادى بها عددٌ منَ الفلاسفةِ الحَداثيِّينَ, ويشتمِلُ الكتابُ أيضًا على حشدٍ كبيرٍ لأقوالِ عددٍ من كبارِ المُفكِّرينَ العربِ أقرُّوا فيها بالمأزِقِ المَنهجيِّ الذي وقعَ فيه الخطابُ الحَداثيُّ.

 

الكتابُ الحاديَ عشَرَ: القرآنُ الكريمُ والقراءةُ الجديدةُ, دراسةٌ تحليليَّةٌ نَقديَّةٌ لإشكاليَّة النصِّ عندَ محمد أركون, ومؤلِّفُه: د. الحسن العباقي.

يقِفُ الكتابُ من أوَّلِ صفَحاتِه وَقفةً جادَّةً وصارمةً مع المشروعِ الأركونيِّ, ويواجِهُه بأسئلةٍ واعتراضاتٍ شرعيَّةٍ وتاريخيَّةٍ وعقليَّةٍ عديدةٍ, يكشِفُ من خلالِها القَفَزاتِ الهائلةَ التي وقعَتْ من أركون في بناءِ مشروعِه النقديِّ, وهو كتابٌ نقديٌّ تساؤليٌّ من أولِه إلى آخرِه, ويكادُ يستوعبُ الموادَّ الثلاثَ المُكوِّنةَ للمشاريعِ النقديَّةِ.

فقد وقَفَ مع أركون في كثيرٍ منَ المضامينِ المَعرفيَّةِ التي نسَبَها إلى التُّراثِ، وبيَّنَ كيف أنَّ توصيفَه لها لم يكنْ صحيحًا, وخاصًّة ممَّا ادَّعى فيه أركون بأنَّها منَ اللامُفكَّرٍ فيه.

وقامَ بحصرِ تعاملاتِ أركون معَ القرآنِ الكريمِ، وقدَّم حولَها تساؤلاتٍ مَنهجيَّةً تضربُ في العُمقِ, وتكشفُ مِقدارَ الخلَلِ المَنهجيِّ الذي وقعَ فيه.

 

وحكام النتائج التي توصَّلَ إليها إلى العقلِ والمبادئِ الفِطريَّةِ، وكشَفَ عن مُخالفتِها الظاهرةِ لذلك.

وأظهَرَ في أثناءِ الكِتابِ عددًا غيرَ قليلٍ منَ التناقُضاتِ التي وقَعَ فيها أركون, وبيَّنَ أبعادَها على فكرِه ومشروعِه.

 

الكتابُ الثانيَ عشَرَ: الغارةُ على التُّراثِ الإسلاميِّ, ومؤلِّفُه: جمال سلطان.

يحتوي هذا المؤلَّفُ –مع صِغَرِ حجمِه- على مادَّةٍ عِلميَّةٍ جيِّدةٍ تساعدُ بشكلٍ كبيرٍ على انعتاقِ عقليَّةِ القارئِ من ذلك الزَّخَمِ الكبيرِ الذي أُحيطتْ به المشاريعُ الحَداثيَّةُ، فقد جمَعَ عددًا من الاعتباراتِ التي تُؤكِّدُ قيمةَ التُّراثِ, وضرورةَ الصَّرامةِ المَنهجيَّةِ في التعاملِ معه، وسلَّطَ الأضواءَ على الأمورِ التي تُبرِزُ خُصوصيَّاتِ التُّراثِ الإسلاميِّ عن غيرِه, وأشارَ إلى آثارِ القَفزِ على هذه الخُصوصيَّةِ، ونبَّهَ على غِيابِ الأبجديَّاتِ المَنهجيَّةِ في الدِّراساتِ التُّراثيَّةِ المعاصرةِ، وأَوْلى قضيةَ الإسقاطِ المَنهجيِّ اهتمامًا خاصًّا، وضربَ أمثلةً على التزويرِ التاريخيِّ في تلك الدِّراساتِ...

 

في تصوُّري أنَّ الوقوفَ على هذه المُؤلَّفاتِ، واستخلاصَ ما اشتملَتْ عليه من رُؤًى نقديَّةٍ من أقْوى ما يُؤسِّسُ العقليَّةَ النَّقديَّةَ, ومن أصلَبِ ما يُحققُ التوازنَ الفكريَّ في التعاملِ مع المُنتَجِ الحَداثيِّ. وبلا شَكٍّ فهناك مؤلَّفاتٌ أُخرى تحتاجُ إلى إبرازٍ، وتتطلَّبُ تسليطَ الأضواءِ عليها, ولعلَّ ذلك يكونُ في مُناسَباتٍ أُخرى، إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.