مقالات وبحوث مميزة

الخطاب الإصلاحي والإشكاليات المتجذرة

 (قراءة موضوعية)
الشيخ الدكتور سلطان بن عبد الرحمن العميري
29 جمادى الآخرة 1431هـ

 
إن الناظر في واقعنا المعرفي اليوم يدرك بأدنى نظر أنه يعاني من الضعف في جوانب كثيرة من مشروعه الإسلامي الكبير الذي يتمنى أن يسود العالم كله.
وذلك راجع إلى أن عصرنا الحاضر فرض إشكاليات معرفية وفكرية وعملية بلغت الغاية في الكثرة، والنهاية في الصعوبة والغموض والتعقيد.
وإذا ما بحثنا عن أفضل السبل في الخروج من ذلك الضعف والارتقاء بالمشروع الإسلامي البنّاء فسنجد أن من أفضلها: التوجه إلى تفتيت الإشكاليات وتفكيك مركباتها؛ حتى يسهل علينا نحن الإسلاميين إدراك عمقها والوصول إلى الرؤية الناضجة فيها.
 
ومن مقتضيات ذلك: إبراز التخصصات الفكرية والإصلاحية، والحرص على إفراد كل دائرة من دوائر الضعف بطائفة من المفكرين للتخصص فيها،  ووسمها بعلم يخصها وفكر يضم مسائلها، ويتعمق في إشكالياتها، ويؤصل مبادئها ويحدد آلياتها، وهذا ما فعله علماء الإسلام منذ تشكلات الفكر الإسلامي؛ فإنه لما تعدّدت فيه المسائل وتنوّعت فيه القضايا، أفردوا لكل نوع منها علماً يخصه، فظهر لنا علم التفسير، وعلم الفقه، وعلم أصول الفقه وعلم العقيدة ، ونحو ذلك.
وهذا كله يؤكد لنا مشروعية التخصصات العلمية والفكرية والعملية والدعوية، شريطة ألاّ نفتقد وضوح المرجعية الإسلامية، وألاّ نقع في التعصب والاحتقار المقيت، الذي يؤدي إلى المشاحّة بين التخصصات المشتركة والمصارعة بينها في تكوين المشروع الإسلامي الكبير.
 
ومن الظواهر الصحية التي غدت بارزة في الفكر الإسلامي: ظهور خطابات متخصصة في مجالات لم تكن مفردة باسم يخصها من قبل؛ فقد ظهرت في ساحتنا الخطابات المختصة بالنوازل الفقهية بجميع تنوعاتها،  والخطابات المختصة بقضايا المقاصد، والخطابات المختصة بالقضايا الفكرية الحديثة.
 
ومن الدوائر التي ظهر التخصص فيها: الدائرة المتعلقة بشؤون النهضة والتنمية والحضارة، ومتعلقاتها السياسية والاجتماعية، ولا شك أن هذه الدائرة من أهم الدوائر التي تحتاج الأمة فيها إلى بناء وإصلاح وتأصيل شرعي وفكري، وتستوجب أن تنفر طائفة من المؤمنين للتخصص فيها والغوص في بحرها والتعمق في إشكالياتها.
 
وإن المسلم الحريص على التكامل في مشروعه الإسلامي الكبير سيسعد كثيراً حين يجد طائفة من المؤمنين – من المفكرين وطلبة العلم - اتجهوا في تغطية هذه الدائرة، وقصدوا إلى التخصص في إثارة موضوعاتها وتحمّل مشاقها وتبعاتها؛ لأنهم بذلك يرفعون الملامة عن عموم الأمة، ويسعون إلى تحقيق القدر الكفائي الواجب على كل الأمة، ويسعون في بناء جانب هام من جوانب المشروع الإسلامي الكبير.
 
والمتحتم علينا نحن طلبة العلم والمفكرين الذي تخصصوا في جوانب أخرى من المشروع الإسلامي أن نتعامل مع ذلك التخصص، ومع من تخصص فيه – وصفاً وتقييماً ونقاشاً ونقداً – على أنه تجربة تخصصية مشروعة، مثلها مثل أي تخصص آخر مشروع.
 
لا يصح لنا أن نتعامل معه على أنه تخصص غير مشروع، ولا أنه فكر دخيل على المشروع الإسلامي، ولا أنه يمثل ظاهرة من ظواهر التأثر بالفكر الغربي. كل ذلك لا يصحّ لنا أن نتعامل به؛ لأنا إن فعلنا ذلك سنتنكّر للتكامل في المشروع الإسلامي.
 
كما أن المتحتم على المتخصصين في دائرة النهضة والتنمية والحضارة أن يتعاملوا بنفس الطريقة، وأن يبادلوا الأطراف الأخرى العاملة في بناء المشروع الإسلامي الاحترام والتأييد، حتى نرتقي معاً ونحقق الأمل سوياً.
 
هذه تَقْدمة منهجية هامة في كيفية التعاطي مع ما يُسمّى بمشروع الإصلاح، بتمظهراته العديدة، إذا تمثلناها وجعلنا معانيها حالة ملموسة في واقعنا الفكري سترتقي خطاباتها، وتتجه نحو النضج والالتزام بالقيم المنهجية الصحيحة.
وبما أن خطاب الإصلاح يُعدّ تجرية تخصصية مشروعة، فمن الواجب علينا النصح له والسعي في تقييمه وإصلاح ما فيه من خلل؛ لأننا بذلك نتعاون في بناء مشروعنا الإسلامي الكبير.
 
ولأجل تحقيق هذا الغرض كانت هذه القراءة النقدية التي تقصد إلى إبراز أهم الإشكاليات المنهجية الواقعة في الخطاب المهتم بالنهضة والحضارة، وهذه الإشكاليات أدّت في -تصوّري- إلى ظهور بقع رمادية في صورته، وضبابية في بعض مستنداته، وتعثّر في بعض مسيرته، مع أن هذا الخطاب تتبناه عقول كبيرة، لا يشك أحد في مشربها الإسلامي، ولا في قصدها، ولا في حرصها ولا في ديانتها، وبالتالي فالكلام ليس متوجهاً إلى أشخاصهم، وإنما إلى نتاجهم.
وليس من أساليب المنهجية الصحيحة الناضجة أن نبتدئ في تقييم الأفكار بتقييم قائليها، بل الواجب ابتداء الانطلاق إلى الأفكار نفسها؛ إذ هي محل القبول والرد والصحة والفساد والمدح الذم.
 
وقبل الخوض في تلك الإشكاليات لا بد لنا من التنبيه على أن المقصود بوجود تلك الإشكاليات وجودها بشكل ظاهر في جملة الخطاب الإصلاحي لا في كل نتاج من نتاجاته.
 
الإشكالية الأولى: خفوت النَّفَس الشرعي؛ فالمتابع لنتاج الخطاب المختص في النهضة والحضارة ومتعلقاتها يتبدّى أمام ناظريه ضعف النفس الشرعي فيه، وخفوت المنطلقات الشرعية التي تمثل البنية التحتية للمشروع،  ومن المعلوم أن المشاريع الإسلامية العميقة التي يُراد منها إنقاذ المجتمعات من كل مخالفة شرعية، والتي تقصد إلى بناء رؤية شرعية ناضجة، وتروم إلى أن تتجذر في مجتمع إسلامي تسود فيه الحالة التي كان يعيشها الرعيل الأول، لابد أن تتشبع بالروح الإسلامية غاية التشبع، ويظهر ذلك جلياً في تقريراتها وتأصيلاتها.
 
ولا أقصد هنا بالنفس الشرعي أن تكون المقالات والبحوث محشوة بالآيات والأحاديث فحسب، فهذا الأمر مع أهميته ليس هو المقصود هنا، وإنما المقصود أن تتشرب بحوثنا وأفكارنا بالروح الشرعية التي تجعلها خاضعة لمنطقاتها ودلالاتها ومقتضياتها في كل تفاصيلها، وأن نسعى إلى استقراء نصوص الشريعة، ونحرر الدلالات والأصول والمبادئ التي اشتملت عليها، مما هو دال على مشروعية "الفكرة الحضارية في الإسلام"، ويحدد مكوناتها.
 
وقد تسبب هذا الخفوت في حدوث إفرازات معرفية وتعاملية وفكرية كانت محل انتقاد ومثار تساؤلات حول مدى تأثير المستندات الشرعية في بناء بعض أفكار هذا الخطاب، وتسبب أيضاً في وقوع مصادرات لبعض القضايا التاريخية، كقول بعضهم: إن الفكر الإسلامي تمّت صياغته في العصر العباسي، ثم لم يزل يقلد ما صيغ في ذلك العصر، ومن يطالع كتب ابن حزم أو ابن تيمية أو الشاطبي ونحوهم من المحققين يجد أن هذا التوصيف غير متطابق مع الواقع، فإنهم تجاوزوا نتاج القرن الثاني والثالث، ولم يتوقفوا على مجرد تقليده فقط،  بل توجّهوا إلى نصوص الشرع مباشرة، وتعاملوا معها تعاملاً مباشراً.
 
وهذا الخفوت هو أحد أهم الأسباب – لا كلها- التي جعلت عدداً من المهتمين بالخطاب الشرعي يقول: إن الخطاب الإصلاحي ينطلق – أو هو متأثر – بمستندات غربية لا إسلامية، أو يقول: إن الخطاب الإصلاحي لديه تعالٍ على النصوص الشرعية وعدم تعظيم لها.
 
ونحن هنا لسنا في سياق إثبات هذه الانتقادات لدى الخطاب الإصلاحي أو نفيها، وإنما في سياق إبراز تجلّيات الخفوت الشرعي في الخطاب الإصلاحي.
 
الإشكالية الثانية: المبالغة والتهويل في الأفكار ؛ فحين يطالع القارئ بعض نتاج الخطاب الإصلاحي يدرك بشكل ظاهر المبالغة في تصوير أفكاره وتعظيمها إلى درجة عالية، فيخيل بعضهم للقارئ بأنه لا نجاة له إلاّ بأفكاره، وأنه لا طريق للغد المنشود إلاّ بمنهجيته، ومن أجل سيطرة الروح الغالية عليه أخذ يتخذ مواقف ليست معتدلة من كل من ينازعه، وهذا ما دعا بعض النقاد إلى وصف الخطاب الإصلاحي بأنه يسعى إلى صناعة الأعداء، فمثلهم -عنده - كمثل قوم صنعوا سفينة، وطلبوا من الآخرين الركوب معهم، ووصفوا من رفض الركوب بكل ذميمة، ولم يقدّروا أعذارهم؛ فلم يقدروا من اعتذر لأن لديه سفينة أخرى، أو من اعتذر بأنه لا يثق بسفينتهم حتى الآن،  أو أن لديه تحفظات عليها.
 
وهذا ما يفسر لنا  موقف بعض المتبنّين للخطاب الإصلاحي من الخطاب السلفي؛ فإنك تلمس فيه التشنج والقصد إلى الذم، حتى إنه يصل إلى درجة الاستفزاز، فلا يكاد يكتب مقالاً أو بحثاً إلاّ وفيه التعرض للخطاب السلفي من قريب أو من بعيد.
 
وفي تصوري أن عدداً من المتبنين للخطاب الإصلاحي ساعد بقدر كبير على صناعة الجو المشحون في واقعنا الفكري، حتى إنه ليُخيّل للقارئ أنه يعتقد أن الخطوة الأولى لمشروعه هي مواجهة الخطاب السلفي، مع جزمي بأن كثيراً منهم لا يعتقد ذلك، ولكن خطابهم هو الذي تسبب في حدوث ذلك الاعتقاد.
 
وتُعدّ المبالغة بصورتها السابقة أحد الأسباب – لا كلها – التي جعلت بعض نقاد الخطاب الإصلاحي يقول: إنه يبعض الوحي، وأنه يغالي في بعض جوانبه إلى درجة جحد الأبواب الأخرى، وأنه يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، أو يقول: إنه يعاني من اختلال مقاييس الأولويات، ويخالف فيها النصوص الشرعية، التي دلت على أن العقيدة من أهم ما يجب أن يحافظ عليه المسلم، أو يقول: إنه يحقر من التخصصات الأخرى، ولا يلقي لها بالاً ويعدها من الفضول، أو يقول: إنه يعاني من الأحادية الإصلاحية، فلا يرى إصلاحاً إلاّ عن طريق السياسة فقط، أو يقول: إنه يقلب الموازين فيحوّل الوسائل إلى غايات والغايات إلى وسائل، كما حوّل الحرية إلى غاية بدل تحكيم شرع الله تعالى.
 
ولا أريد هنا أن أؤكد وجود هذه الانتقادات لدى الخطاب الإصلاحي أو أنفيها، وغاية ما أريده تلمّس بعض الأسباب التي أدّت إلى أن يتصور النقاد تلك الأقوال.
 
وتُعدّ تلك المبالغة أيضاً أحد الأسباب في ظهور لغة الهمز واللمز والاتهام المتبادل بين الطرفين – الخطاب الإصلاحي وبعض نقاده -، وهي كلها أعراض مرضية لا تبشر بمستقبل مشرق.
 
الإشكالية الثالثة: الانطلاق من النقد؛ فالقارئ لنتاج الخطاب الإصلاحي يُخيّل إليه أن بعض أفراد الخطاب غلب عليه الجانب النقدي والاشتغال بركام الآخرين، والبدء باستثارة المخالفين ومواجهتهم، والتنقيب عن أخطاء الآخرين وتسليط الأضواء عليها، وهذا لا شك أنه مخالف لمنهجية البناء الصحيحة؛ فالمشاريع الإسلامية البنّاءة تحتاج أول ما تحتاج إلى بناء الأسس الشرعية والفكرية، وتثبيتها، وفي تصوّري أن هذا لم يحصل في الخطاب الإصلاحي، بل إنه تجاوز إلى النقد اللاذع للخطاب المتهم بالعقيدة أو بالفقه أو بغيرهما من مكونات المشروع الإسلامي الكبير في أحيان كثيرة، وهذا الحال أوقعهم في تناقض منهجي؛ وذلك أن الخطاب الإصلاحي – كما أعلن عن نفسه- يتبنى قضايا التعايش والنهضة، ولكننا نُفاجأ بأن التعايش يخبو أو يختفي في التعاطي مع مقالات ومواقف المختصين بالعلوم الشرعية.
 
الإشكالية الرابعة: المراوحة في خانة الاحتجاج، وهذه الإشكالية هي نتيجة ضرورية للإشكالية السابقة، فالمتابع لأطروحات الخطاب الإصلاحي يجد أنها طرقت أبواباً كبيرة، وطالبت بتغطية صحارى واسعة، ولكننا نُفاجأ بأنه لم يقدم لنا مشروعات متكاملة في تصوراتها وآلياتها وتطبيقاتها وتفصيلاتها، تتناسب مع حجم الأصوات المرتفعة التي أحدثها، ولا مع قدر  الذم الذي وجّهه إلى المخالفين له.
 
فلم نشهد دراسات نهضوية وحضارية وسياسية تؤصل للمشروع الإسلامي الذي يدعون إليه، ولم نشهد ممارسات عملية في الواقع تتناسب مع حجم ما أحدثوه من ضجيج.
 
وهو يعيب كثيراً على الخطاب المختص بالأمور الفقهية والعقدية بأنه لم يقدم دراسات تغطي احتياجاتنا، وإذا نظرنا في واقع الخطاب الإصلاحي نجده يعاني مما نقد به الآخرين، فلو ألقينا نظرة على أهم القضايا المتعلقة بالحضارة والنهضة التي أعلن التخصص فيها، والتي نحتاج فيها إلى دراسات واسعة تسعى مع الدراسات السابقة في العالم الإسلامي إلى تغطية الحاجة الملحة في بناء مشروعنا الإسلامي، ومن تلك القضايا: مفهوم الحضارة في الإسلام ومبادئها، والأسس والأصول التي تقوم عليها الفكرة الحضارية في الإسلام، ومكونات الفكرة الحضارية في الإسلام وحدودها، وطبيعة الفكرة الحضارية ومدى ارتباطها بخصوصيات الأديان، والدراسات التاريخية للحضارة وتطوراتها في الإسلام وتشكلاتها عبر التاريخ، والمفاهيم الحضارية الأخرى ومدى تطابقها مع مبادئ الإسلام، وغيرها من قضايا الحضارة والنهضة التي لا يمكن أن نكوّن رؤية ناضجة لمشروعنا الحضاري والنهضوي إلاّ بتناولناها بالدارسة والتأصيل، إذا نظرنا في ذلك كله فلا نجد الخطاب الإصلاحي قدم فيها ما يكفي، ولا ما يقارب قدر الكفاية.
 
وكذلك لو ألقينا نظرة على الإشكاليات المعرفية والشرعية والواقعية المتعلقة بالجانب السياسي فلا يختلف عن الحال في الجانب الحضاري.
 
ونحن هنا لا نريد أن نقول بأنهم لم يقدموا شيئاً أبداً؛ لأنا إذا قلنا ذلك وقعنا في الظلم الذي حرمه الله على عباده، ولكن المقصود أن ما قُدّم لا يقارب فضلاً عن أن يساوي الضجيج الاحتجاجي الذي صنعوه في ساحتنا الفكرية، ولا يرفع عنهم اللوم الذي يوجّهونه إلى غيرهم.
 
وإذا كان الحال كذلك فإنه يجب علينا أن نتفهم جوانب الخلل التي اشتركت كل الأطياف الإسلامية فيها، وألاّ يشغب بعضنا على بعض بأنه هو السالم من النقص دون غيره، ولا داعي للضجيج الاحتجاجي الذي نلمسه من بعض الخطاب الإصلاحي على الخطاب السلفي، وكأن الخطاب السلفي هو الذي تسبب في وقوع النقص، أو أنه هو الذي يعادي كل تطور وتقدم!! وهذا لا يعني أنا نبرّئ كل المتبنين للخطاب السلفي من الخطأ، ولكن وجود الخطأ من بعضهم لا يسوّغ التجني على كل الخطاب.
 
وهذا كله يحتم علينا أن يسعى كلٌّ من جهته في تغطية ما تخصص فيه على أكمل وجه وأبين طريق، حتى نحقق الروح الإسلامية التي يسعى الكل للوصول إليها.
 
الإشكالية الخامسة: التعالي على النقد؛ فالقارئ يلحظ بوضوح التعالي لدى بعض الخطاب الإصلاحي على ما وُجّه إليه من نقد وتساؤلات، فكم كُتب من مقال في نقد منظومته، وكم  كُتب في بيان الأخطاء العملية في نظرياته، وكم كُتب في بيان الموقف من طريقة سيره، ومع هذا لم نشهد كتابات علمية رصينة تبين للناس حقيقة منطلقاتهم وتدفع ما وُجّه من نقود إليهم، إلاّ ما نجده من ردود متفرقة ومبعثرة، وفي تصوّري أن هذا الحال لا يخدم فكرهم، بل لا يزيده إلاّ التباساً.
 
ونحن نعلم أن المختصين بالخطاب الإصلاحي ليسوا سواءً؛ فهو يتسم بتنوعات كبيرة وتباينات واسعة، وهذا التنوّع يحتم على الصنف الناضج أن يحاول جمع كل من وجه إلى خطابهم من انتقادات وملاحظات، ويبين فيها موقفه بوضوح، سواء في الموقف من التاريخ الإسلامي، أو في الموقف من المخالفين، أو في بعض الآراء والأفكار نفسها.
 

هذه هي أبرز الإشكاليات المنهجية – في تصوري- التي يعاني منها خطاب الإصلاح، وهي حاضرة فيه بوضوح، وبقاؤها فيه لا يخدم المشروع الإصلاحي الذي نروم الوصول إليه، ولا يخدم المشروع الإسلامي بجملته؛ لأنها ستؤدي إلى إفرازات مضرة بفكرنا.