قراءة وتعريف

الصراع بين الأخباريين والأصوليين داخل المذهب الشيعي الاثني عشري
book
أحمد قوشتي عبد الرحيم
عنوان الكتاب: الصِّراع بين الأَخباريِّين والأُصوليِّين داخِلَ المذهب الشِّيعي الاثْنَي عَشْري
اسـم المؤلف: أحمد قوشتي عبد الرحيم
النـاشــر: تكوين للدراسات والأبحاث - لندن
سنة الطبع: الطبعة الثانية - 1436هـ
عدد الصفحات: 144

التعريف بموضوع الكتاب:
إنَّ المتتبِّعَ لمسيرةِ التشيُّع منذ نشأتِه الأولى وعَبْرَ مراحلِ تطوُّره المتتابِعَة، يلحَظُ كَثْرةَ ما أصاب المذهبَ من الانشقاقات والتَّشظِّي والاختلافاتِ الجوهريَّة التي أنتجتْ عددًا كبيرًا جدًّا من الفِرَق في القديم والحديث؛ بحيث لم يَجِدْ مؤرِّخو الشِّيعة وكتَّابُها مَناصًا من الاعتراف بتلك الظاهرة.

وكتابُ هذا الأسبوع، يتحدث عن هذا بين مدرسة الأَخباريِّين ومدرسة الأُصوليِّين داخلَ المذهب الإمامي الاثنَي عَشْري، الذي يرى المؤلِّفُ أنَّه ليس خلافًا جزئيًّا أو ثانويًّا محدودَ الآثار، وإنَّما هو خلافٌ جوهريٌّ داخِلَ بِنْيَةِ المذهب الإمامي الاثنَي عَشْري وأركانه ورِجاله، كما أنَّه لم يكُن مجرَّدَ نزاعٍ بين أصحاب المَسْلَكينِ على نطاقِ المحافل العلميَّة، بل تسرَّبَ إلى أوساط العامَّة، فأُرِيقَت دماءٌ وهُتِكَتْ أعراضٌ، كما امتدَّ أثرُ هذا الخلاف إلى الجانب السياسيِّ.

وذكَر المؤلِّفُ أنَّ الدارسَ للمذهب الاثنَي عَشْري لن يكون بوُسْعِه أن يَفهمَ أصولَ المذهب ومعتقداتِه على الوجه الأكمل إلَّا إذا ألمَّ بآراء المدرستين ونشأتهما وطبيعة الصِّراع بينهما، وأبرزِ أوجه الاختلافات المنهجيَّة بينهما، فيَجدُرُ بالدَّارس معرفةُ ذلك، خصوصًا في ظِلِّ ما يحدُثُ اليومَ من صِراعٍ شديدٍ بين أهل السُّنَّة والجماعة والمحاولاتِ المحمومةِ من قِبَل الشِّيعةِ لنَشْرِ المذهبِ الشيعيِّ عَقَديًّا وفِكْريًّا، والتمدُّد والسيطرة سياسيًّا وعسكريًّا.
وأبان المؤلِّفُ كذلِك أنَّ أوَّلَ مراحلِ المواجهة لهذا التمدُّد الشِّيعي هو مرحلةُ الفهمِ والمعرفةِ والإحاطة الواضحةِ بأفكارِ هذا المذهبِ وأصولِه وحقيقةِ آرائه، بعيدًا عن التعصُّبِ وتزييفِ الحقائقِ واختلاقِ الآراء والأقوال.
وجاءَ هذا الكتاب محاولةً من المؤلِّف لبيان هذه الأمور، وقدْ جاء مشتمِلًا بعد المقدِّمة، على ثلاثة مباحث، وخاتِمة.

المبحث الأوَّل: خصَّصه للتعريف بالأخباريَّة، وعِلَّة التَّسمية بهذا الاسم، وذَكَرَ أنَّ خصومَهم الأصوليِّين قد أطلقوا عليهم لقبَ الحَشَويَّة للتنفيرِ منهم، وإظهارِهم في صورة المُعادِين للعقل والدَّاعين إلى الجمود ورَفْض الاجتهاد.
كما ذَكَر المؤلِّفُ تعريفَ الأصوليَّة، وسببَ التسمية بهذا الاسم، ثم تَطرَّق إلى أبرزِ رجال الأخباريَّة والأصوليَّة؛ فمِن أشْهَرِ أعلام المدرسة الأخباريَّة على سبيل المثال: ابن بابويه القُمِّي، والكليني مؤلِّف كتاب الكافي، ونِعمة الله الجزائري، ومحمد باقر المجلسي مؤلِّف بحار الأنوار، ومحسن آل عصفور.
ومِن أبرز أعلام المدرسة الأصوليَّة: المفيد، والطوسي، والشريف المُرتضَى، والخوئي، والخميني، والسيستاني.
وهناك شخصياتٌ شهيرةٌ اختلفتِ الآراءُ في تصنيفهم، ومن أبرزهم: يوسف البحراني صاحِب كتاب الحدائق الناضرة.

وتحدَّث المؤلِّفُ أيضًا عن نشأة الانقسام داخلَ المذهب الاثنَي عَشْري إلى أخباريِّين وأصوليِّين، ذكَر فيه أنَّ ابن أبي عقيل العماني (329هـ) وابن الجنيد (381هـ) هما مِن أوائل مَن أحدثوا انقلابًا فقهيًّا وأصوليًّا في الفِكر الشيعي حينما قرَّرا مبدأَ الاجتهاد، ثمَّ جاء بعدهم الحِليُّ (726هـ) وأحدَثَ انقلابًا أشدَّ أثرًا، وعلى منوالِه سار كُلُّ من جاء بعده من الأصوليِّين، وخَلُصَ المؤلِّفُ إلى أنَّ هذا الانقسامَ الواقِعَ قديمُ الجذور في المذهب الاثنَي عَشْري، لكنَّ الصراعَ اشتدَّ مع ظهورِ زعيم الأخباريِّين ومجدِّد مذهبهم: محمد الأسترابادي (ت 1033هـ).

وتناول المؤلِّفُ في المبحثِ الثاني: طبيعةَ الصِّراع بين الأخباريِّين والأصوليِّين، الذي أخذ بين المدرستين أشكالًا وأطوارًا شتَّى، وجمَع بين الرُّدود العلميَّة وتأليف الكُتُب والمصنَّفات الكثيرة، وتبادُل التُّهَم، وإطلاق أوصاف الطَّعْن والتجريحِ مِن كُلِّ فريقٍ على مخالفيه، وكان بعضُ طَلَبةِ الأخباريِّين في العراق إبَّان عصر شيخ الأصوليِّين البهبهاني إذا أراد حَمْلَ كتاب للأصوليِّين حمَلَه مع منديله حتى لا يَمَسَّه مباشرةً! وقد وصل الصراعُ إلى درجة التكفير الصريح واللَّعْن، واستباحة الدِّماء والتحريض لدَى الحكَّام، ولم يقتَصِر هذا الأمْرُ على نطاق المحافل العلميَّة، بل تعدَّاه إلى أوساط العامَّة، فسُفِكَت دِماءٌ، وأُوذِيَ أناسٌ كثيرون.

وعَرَضَ المؤلِّفُ في المبحث الثالث: أبرزَ الاختلافاتِ المنهجيَّة بين الأخباريِّين والأصوليِّين من ستِّ نواحٍ، كالتالي:
أولًا: الموقف من ادِّعاء تحريفِ القرآن الكريم؛ فقد اختلف الأخباريُّون والأصوليُّون في هذه المسألة على قولين؛ فقال جُلُّ الأخباريِّين وعددٌ من علماء الأصوليِّين بوقوعِ التحريف في القرآن الكريم زيادةً أو نقصانًا، ونفَى جماهيرُ الأصوليِّين وقوعَ التحريف، ويَرَون سلامةَ القرآن من أيِّ زيادة أو نقصان.

ثانيًا: حُجِّيَّة ظواهر القرآن الكريم، وأنَّه دار خلافٌ شديد بين المدرستين حولَ هذه المسألة، وهل يجوز التعويلُ على ظواهِر القرآن واستنباطُ الأحكام منها؟ فقد تَبنَّى أكثرُ الأخباريِّين القولَ بأنَّ ظواهِرَ القرآن غيرُ حُجَّة، وأنه لا يجوزُ استنباطُ الأحكام منها إلَّا بعدَ معرفة تفسيرِها من كلامِ الأئمَّة المعصومين عندهم؛ لأنَّهم قد اختُصُّوا دون بقيَّة الخَلْق بفَهْم القرآنِ ومَعرفة تأويله، وبناءً على ذلك لم يَجِدْ بعضُ الأخباريِّين حَرَجًا من أن يَحكي إجماعَ المذهب الشيعيِّ على تقديم قَوْلِ الإمامِ على ظاهرِ القرآن، وذهب بعضُ غُلاتِهم إلى مَنْع فَهْم أيِّ شيءٍ من ظواهر القرآن حتى ما كان مُحْكمًا واضحًا. أمَّا الأصوليُّون فقالوا بجواز الأخْذِ من ظواهر القرآن والتعويل عليها، وإنْ كان هذا لا يُنافي الرُّجوعَ لأقوال الأئمَّة لا سيَّما في النصوصِ المتشابهة، أو التي تحتاج لبيانٍ وتفسير.

ثالثًا: تقسيمُ أحاديث السُّنة، وحُجِّيَّة الكتب الأربعة عند الشيعة، فبَيَّن المؤلِّفُ أنَّ السُّنَّة لدى الشِّيعة لا تقتصرُ على ما صدَر عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بل تشملُ كذلك جميعَ ما صدَرَ عن الأئمَّة المعصومين عندهم، وهم الأئمَّة الاثنا عَشَر، وليس بين الأخباريِّين والأصوليِّين اختلافٌ حولَ المفهوم السَّابق للسُّنَّة، وإنَّما اختلفوا في أمرين أساسيَّين:

الأمر الأوَّل: الموقِفُ من تقسيم الأحاديث، وهل تنقسمُ إلى صحيحٍ وضعيفٍ فقط، أم أنَّها تنقسم إلى أكثر من ذلك؟
فقسَّم الأصوليون الأخبارَ إلى أربعة: الصَّحيح، والحسن، والمُوَثَّق، والضَّعيف، ورفَض الأخباريُّون هذا التقسيمَ واقتصروا على تقسيمه إلى صحيحٍ وضعيف.

الأمر الثاني: الموقف من صحَّة ما جاء في الكتُبِ الأربعة المعتَمَدة عندَ الاثنَي عَشْرِيَّة.
فذهب الأخباريُّون إلى القطعِ بصحَّة جميعِ ما جاء في تلك الكتب وتلقِّيها بالقَبول والعمل، وذهب الأصوليُّون إلى أنه ليس كلُّ ما في تلك الكتب صحيحًا أو مقبولًا.

رابعًا: الخلاف حول حُجِّيَّة الإجماع، وأوْضَح أنَّه يتحقَّق الإجماعُ لدَى المذهب الشيعي الاثنَي عَشْري إذا عُلِمَ اندراجُ قَوْل الإمام في عداد القوم المجتمِعين، فالنَّظَرُ عندهم في الإجماع إلى الإمام لا إلى غيره.
ويَتبنَّى الأخباريون وجماعةٌ من الأصوليين القولَ بعدم حجِّيَّة الإجماع، أما جماهيرُ الأصوليين فهم يرونه حُجَّةً ومَصدرًا شرعيًّا ثالثًا بعد الكتاب والسُّنَّة.

خامسًا: الموقف من الدليل العقلي والاجتهاد والتقليد، فقدِ اختلفَ الأخباريُّون والأصوليون حول هذا الأمر؛ فيرى الأصوليُّون أنَّ العقل حُجَّةٌ شرعيَّةٌ ومصدرٌ معتبَرٌ في أصول الدِّين وفي استنباط الأحكام الشرعيَّة، وذهب الأخباريُّون إلى خلافِ ذلك، فرَفضوا اعتبارَ العقل مصدرًا مستقِلًّا ودليلًا معتبَرًا.

سادسًا: الموقف من وِلاية الفقيه، حيث حدَثَ خلافٌ كبيرٌ داخلَ المذهبِ الشِّيعي الاثنَي عَشْري حول نظرية ولايةِ الفَقيهِ التي تَعني إيجادَ دور متقدِّمٍ للفقيه في الحياةِ العامَّة باعتباره قائدًا للأمَّة ومُرشدًا لها، وقد نشأتْ وتطوَّرت على يدِ عَدَدٍ من رجال المدرسةِ الأصوليَّة، ووصلتْ إلى قمَّة نُضجها وتطبيقها العمليِّ على يد الخُميني.
وأمَّا المدرسة الأخباريَّة فهي تُعارِض مبدأَ ولاية الفقيه؛ لأنَّها ترفُضُ أصلًا فكرةَ الاجتهاد، وتَقْصُر وظيفةَ العالِم على استخراج الأحكام من الأَخْبار وما نُقِلَ عن الأئمَّة المعصومين.

وفي خاتمةِ هذا الكتاب ذكَر المؤلِّفُ أبرزَ النتائج التي انتهى إليها، وهي عَشرةٌ؛ منها:
- أنَّ الاختلافَ بين الأخباريِّين والأصوليِّين يُعَدُّ خلافًا منهجيًّا متعلِّقًا بأصول أساسيَّة في الاستدلال والتلقِّي والتعامل مع مصادر الدِّين وكيفيَّة الاستنباط منها، لكنَّه مع ذلك لا يُخْرِج المدرستين من الاندراج في عِدادِ المذهب الاثنَي عَشْري؛ نظرًا لاتِّفاقهما على الثابت الأهمِّ والأساسي عندهم، وهو نظريَّةُ الإمامة وما يدور في فَلَكِها.
- أنَّ الصِّراعَ بين الأخباريِّين والأصوليَّين كان يتأَرْجَح بينَ مَدٍّ وجزر، لكنَّ الغَلَبَة في الحِقْبة المعاصِرة قد تحقَّقت للمدرسةِ الأصوليَّة التي صارَ يتبنَّاها الغالبيَّةُ العظمى من الشِّيعة.

والكتاب جيد وننصح بقراءته.