قراءة وتعريف

المآخِذُ العَقديَّةُ على كِتابِ إحياء علوم الدِّين- رُبُع العبادات، ورُبُع العادات
book
عبدالله بن عبيد العتيبي
عنوان الكتاب: المآخِذُ العَقديَّةُ على كِتابِ إحياء علوم الدِّين- رُبُع العبادات، ورُبُع العادات
النَّوع: رسالة دكتوراه - جامعة أم القرى
النَّاشر: دار الهدي النبوي – دار الفضيلة
سَنة الطَّبع: 1436هـ – 2015م
عدد الصَّفحات: 598



التعريف بموضوع الكتاب:
مِن المعروفِ أنَّ الإمامَ أبا حامدٍ الغزاليَّ رحمه الله من الأعلام البارزين في ميدان الدِّراسات الإسلاميَّة، وله جمهورٌ عريض من القُرَّاء، وهو من أذكياء العالم كما وصَفَه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة، إلَّا أنَّه قد توغَّل في كلِّ مظلمةٍ، وتهجَّم على كلِّ مشكلة، وكتَب في فُنونٍ عِدَّة لا سيَّما العقائد.

وكان مِن أشهر كُتبه وأهمِّها كتاب ((إحياء علوم الدِّين))، الذي كان من آخِر ما سطَّره قلمُه، وضمَّنه ما انتهى إليه عِلمُه وفَهمُه، فاستعرض فيه مسائلَ العقيدة على طريقةِ المتكلِّمين -الأشعريَّة- وهي خلافُ طريقة السَّلَف الذين لم يكُن الغزاليُّ خبيرًا بطريقتِهم ومَنهجِهم في أصول الدِّين، وهكذا تناول الغزاليُّ أيضًا العباداتِ الإسلاميَّةَ كالصَّلاة والصَّوم والزكاة والحجِّ وغيرها، فقرَّر مفاهيمَ خاطئة، وأنواعًا من البِدع، وممَّا لا أصلَ له في هذه العبادات.

وممَّا يُشار إليه أنَّ الغزاليَّ قسَّم كتابَه هذا على أربعة أقسام: رُبُع العبادات، ورُبُع العادات، ورُبُع المهلِكات، ورُبُع المُنجِيات، وفي كلِّ قِسمٍ منها عشرةُ كتب:
فرُبُع العبادات يَشتمِل: كِتاب العِلم، كِتاب قواعِد العَقائد، كِتاب أسرار الطَّهارة، كِتاب أسرار الصَّلاة، كِتاب أسرار الزَّكاة، كِتاب أسرار الصِّيام، كِتاب أسرار الحج، كِتاب تلاوة القُرآن، كِتاب الأذكار، كِتاب الأَوْراد.
وربُعُ العادات يَشتمِل على: كِتاب آداب الأكْل، كِتاب آداب الكَسْب، كِتاب آداب النِّكاح، كِتاب الحَلال والحرام، كِتاب آداب الصُّحْبة، كِتاب العُزلة، كِتاب آداب السَّفر، كِتاب السَّماع، كِتاب الأمْر بالمعروف، كِتاب آداب المَعيشة، كِتاب أخلاق النُّبوَّة.

وكِتاب هذا الأسبوع هو أحدُ الكتُب التي رصَدتْ أخطاءَ الغزاليِّ وتجاوزاتِه في هذين الربعين من كتابِه ((إحياء علوم الدين)).
وقد قسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مُقدِّمة، وتمهيد، وثلاثةِ أبواب، وخاتمة

ذكَر في المقدِّمة أهميَّة الموضوع، وأسبابَ اختياره، ومنهجَ البحث فيه، وممَّا ذكَره من منهجه في الكِتاب:
1- أنَّه اتَّبع نفس ترتيبَ الغزالي في كتابه الإحياء؛ لتكون أسهلَ في التناوُل والمراجعة.
2- أنَّه قام بذِكر المآخِذ والأخطاء أولًا، ثم أتْبع ذلك بذِكر التَّعقيب عليها.
3- أنَّه عرَّف بالفِرق والمذاهب والأعلام الوارد ذِكرُها في البحث، وغيرها مِن الأمور المعروفة في مِثل هذه الدِّراسات.

وفي التمهيد ذكَر التَّعريف بالغزالي وكتابه إحياء علوم الدِّين، متناولًا الحالةَ السياسيَّة والاجتماعيَّة لعصر أبي حامدٍ الغزاليِّ، ثم تكلَّم عن حياةِ أبي حامدٍ وآثارِه العِلميَّة.
ثمَّ أفرد مبحثًا لآراء العُلماء في أبي حامدٍ الغزالي وكتابِه ((إحياء علوم الدين))، فذَكر رأي الطُّرْطُوشي، وأبي عبد الله المازري، وابن العربي، وابن الجوزي، وابن تيميَّة، وذكر بعضًا من نقْدهم واعتراضاتهم على الإحياء، والتي تتلخَّص في انتِقاد الغزالي في بعضِ ما يُقرِّره ويَصِفه بالاستحبابِ والمشروعيَّة، وهو ممَّا لا أصلَ له، وكذلك حشْده الكمَّ الهائلَ من الأحاديث الضَّعيفة والموضوعة، واعتمادُه في مصادرِه على ابن سِينا، وإخوان الصَّفا، والتوحيدي، وهم ليسوا بالمرضيِّين ولا المؤتمنين على العقائد الإسلاميَّة.

وأمَّا الباب الأول فتناول فيه منهجَ الغزالي في كتابِه ((إحياء علوم الدين))، وجاء في أربعةِ فصول:

الفصل الأوَّل: تحدَّث فيه عن منهجِ الغزالي في الاستدلال، معرِّفًا المرادَ بالمنهج والاستدلال، ثمَّ ذاكرًا مُكوِّنات المنهج وطُرق الاستدلال عند الغزالي.

وفي الفصل الثَّاني: تحدَّث المؤلِّف عن مصادرِ الغزاليِّ في كتابه ((إحياء علوم الدين)) وتقويم تِلك المصادر إجمالًا، فتناول فيه المصادرَ الكلاميَّة للغزالي وأنَّ عمدته في ((الإحياء)) كانتْ على كتابَي (الإرشاد)، و(الشَّامل) للجويني، وذكر أيضًا المصادر الصوفيَّة للغزالي، وأنَّ من أهمِّها (قُوت القلوب) لأبي طالب المكيِّ، وكتُب الحارث المحاسبي، والمتفرِّقات المأثورة عن الجُنيد والشبلي، ثم تناول هذه المصادرَ بالبَحث والتقويم.

والفصل الثَّالث: جعَله للحديثِ عن أثَر ((إحياء علوم الدِّين)) في المذهبِ الأشعريِّ، وأنَّ الإحياء كان له أثرٌ كبيرٌ جدًّا في نشْر هذا المذهب، فقد عرَض الغزاليُّ العقيدةَ الأشعريَّة بطريقةٍ مُنظَّمةٍ وواضحةٍ، وبأسلوب سهلٍ مُحكَم؛ ممَّا ساعد على انتشارها وذُيوعها بين المعظِّمين لكتاب الإحياء، خاصَّةً المتصوِّفةَ منهم. كما تناول المؤلِّف أثَر كِتاب الإحياءِ في التصوُّف الفلسفي.

أمَّا الفصل الرَّابع: فكان عن المآخِذ العقديَّة العامَّة على كِتاب ((إحياء علوم الدِّين))، وذكَر مِن ذلِك استخدام الغزالي للمَنهج الكلاميِّ في تقرير العقيدة، وسُلوكه المنهجَ الصُّوفيَّ المبتدَع لتزكيةِ النَّفس وحُصولِ المعرفةِ، وكذلك تناوَل مسألة اعتماد الغزالي على الأحاديثِ الموضوعةِ والضَّعيفة، وغيرها من المسائل.

أمَّا الباب الثَّاني: فقد خصَّصه المؤلِّف للمآخِذ العقديَّة على الغزاليِّ في قِسم العِبادات، وجاء في سَبعةِ فصول:

تتكلم في الفصل الأوَّل عن المآخِذ العقديَّة على الغزالي في التنزيهات، وطريقة المتكلِّمين في التَّنزيهات وبيان انحرافِها عن طريقِ الكِتاب والسُّنَّة، ثم ذكَر التنزيهاتِ التي ذكَرَها الغزالي في مدلولِ شهادة أنْ لا إلهَ إلَّا الله، والردَّ عليه فيها.

وتحدَّث في الفصل الثاني عن المآخِذ العقديَّة على الغزالي في الصِّفات، متناولًا فيه منهجَ الغزالي في الصِّفات، وموضِّحًا أنَّه يُقرِّر ما يُقرِّره السابقون من مُتكلِّمي الأشاعرة، ويُثبت للباري عزَّ وجلَّ سبعًا من الصِّفات يُسمُّونها الصفاتِ المعنويَّة، ثم ذكَر الردَّ عليه في نفيه للصِّفات الاختياريَّة، ثم ذكَر المآخِذَ العقديَّة في الصِّفات التي تكلَّم عنها الغزاليُّ في الإحياء، مِثل: صِفة الكلام، وصِفة العلم، وصِفة الإرادة.

وفي الفصل الثَّالث: تحدَّث المؤلِّفُ عن المآخِذ العقديَّة على الغزالي في الأفعال، موضِّحًا المراد بالأفعال، ثم ذكَر بعضَ المسائل المهمَّة التي تتعلَّق بأفعال الله، وفصَّل القول فيها على ضوءِ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، فممَّا ذكرَه
1- أنَّ أفعالَ الله كلَّها خيرٌ، والشر ليس إليه.
2- أنَّ الله تعالى حكيمٌ في أفعالِه وما يَشرَعه لعباده.
3- مسألة التَّحسين والتقبيح العَقلي، وعلاقته بالتكليف.
4- مسألة أثَر قُدرة العباد في أفعالهم، وعلاقة ذلك بأفعالِ الله تعالى.
وبعدَ عَرْض هذه المسائل وتقريرها تناوَلَ المؤلِّفُ المآخذَ العقدية على الغزالي في آرائه في أفعالِ الله تعالى.

وفي الفَصل الرَّابع تناوَل المؤلِّفُ المآخذَ العقديَّة على الغزالي في السَّمعيات، فعرَّف المرادَ بالسمعيَّات عند المتكلِّمين، وذكَر المآخِذَ العقديَّة على آراء الغزالي في السَّمعيات، فتكلَّم عن رأي الغزالي في كيفية عذاب القبر، وردَّ عليه في تخصيصِه لعذاب القبر بأجزاءٍ مخصوصةٍ من البدن يعودُ إليها الإدراكُ فتحسُّ بالعذاب! وأوضح أنَّ هذا ممَّا لا دليلَ عليه، وأنَّ ظاهرَ الأدلَّة: أنَّ العذاب يقعُ على الأرواح والأبدان، وغيرها من المسائل.

أمَّا الفصل الخامس: فتناول فيه المؤلِّف المآخذَ العقديَّة على الغزاليِّ في مسائلِ الإسلام والإيمان؛ فأوضح المؤلِّفُ أنَّ الغزاليَّ قدْ قرَّر مسائلَ الإيمان بما يتوافقُ مع المذهبِ الأشعريِّ الذي يميل إلى الإرجاءِ في هذه المسألةِ، وأنَّه يرى أنَّ العمل ليس مِن حقيقةِ الإيمان في الشَّرْع، ثم بيَّن المؤلِّفُ أنَّ هذا خلافُ مذهب السَّلف الذين يرون أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد. ثم تناول المؤلِّف بالنقد حقيقةَ الإيمان عند الغزالي وردَّ قوله: إنَّ الإيمان هو التصديقُ بالقلب، وأنَّ العمل والنطق مكمِّلانِ فقط، وردَّ المؤلف بأنَّ الذي قرَّره الغزاليُّ هو مذهب الأشاعرة، وأنَّ الإيمان الشرعي الذي خوطِب به المكلَّفون مشتمِلٌ على قول اللِّسان وعمَلِ الجوارحِ واعتقادِ القلب، ثم دلَّل على ذلك من الكتاب والسُّنة وأقوال السَّلف.
وتَكلَّم المؤلِّفُ أيضًا عن منزلةِ العملِ من الإيمانِ عند الغزالي، وعن مسألةِ زيادة الإيمان ونُقصانه، وغيرها من المسائل.

وفي الفصل السَّادس: تناول المآخذ العقديَّة على الغزاليِّ في أسرارِ العِبادات، فذكر تعريف العبادة بأنَّها اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما شرَعه الله من التكاليف العِلميَّة والقلبيَّة الواجبة والمستحبَّة. ثم ذكَر شروطَ صِحَّتِها، وهي: الإخلاصُ لله، وأن تكونَ موافقةً للشريعةِ المحمديَّة، وبعدَ تقرير هذه المسائل تناول حُكمَ البِدعة في الدِّين، وممَّا ذكَره في تعريف البدعة أنَّها: (طريقةٌ في الدِّين مخترَعةٌ تُضاهي الشرعيَّة، يُقصَد بالسُّلوك عليها المبالغةُ في التعبُّدِ للهِ سبحانه).
ثم أخَذ في تبيين المآخِذِ العقديَّة على الغزالي، والبِدع العَمليَّة في العبادات التي قال بها، وبدأ بذِكر المآخِذِ على باب أسرار الطَّهارة، وممَّا انتقده المؤلِّفُ في هذا المبحث، منْع الغزالي في أدب قضاء الحاجة من استقبال الشَّمس والقمر! وبيَّن أنَّ هذا وإنْ كان قال به بعضُ العلماء إلَّا أنَّهم قالوا به على سبيلِ الكراهة وليس التحريم، وأنَّ هذا الأمر مردودٌ ولا دليلَ عليه ويردُّه قولُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم: ((إذا أتيتُم الغائطَ فلا تَستقبِلوا القِبلةَ، ولا تَستدبِروها ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا)).
ثم تناوَل المؤلِّفُ المآخذَ العقديَّة والبِدع العمليَّة في أسرار الصَّلاة، والزكاة، والصوم، والحج.

وفي الفصل السَّابع: تحدَّث المؤلِّف عن المآخِذِ العقديَّة على الغزاليِّ في آدابِ تلاوةِ القرآنِ والأذكارِ والدعواتِ والأورادِ وقيامِ اللَّيل، فبدأَ ببيانِ المنهجِ الصَّحيحِ في الذِّكر والدُّعاءِ وتلاوةِ القُرآن، ثم أخذ في ذِكْر المآخِذ العقديَّة على الغزاليِّ في ذلك كلِّه.

وخصَّ المؤلِّفُ البابَ الثَّالث بالمآخِذِ العقديَّة في قِسم العاداتِ من كِتاب ((إحياء علوم الدين))، وجاءَ هذا البابُ في ثلاثةِ فصول:

كان الفصل الأوَّل للحديثِ عن المآخِذ في كِتاب آدابِ الأكْل، وردَّ على قول الغزالي في أنَّ من الآداب بعد الأكل قِراءة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و{لِإيلافِ قُرَيشٍ}، وأنَّ هذا ممَّا لا دليلَ عليه، ومِن المآخِذ على الغزالي في كتابِ آداب النِّكاح قوله بكراهة الجِماع في أوَّل الشهر وآخِره، وأوَّل الليل، وأنَّ هذا كله ممَّا لا دليلَ عليه.

وتناول في الفصل الثَّاني المآخذ والأخطاء على الغزاليِّ في كِتاب آداب الكسْب والمعاش، وكتاب الحلال والحرام.

أمَّا الفصل الثالث، فكان لذِكْر المآخِذ على الغزاليِّ وأخطائه في كتاب السَّماع والوجد، وتكلَّم فيه عن السَّماع عند الغزالي معرِّفًا السماع في اصطلاح الصَّوفيَّة بأنه: سماعُ القصائد الشعريَّة بأصواتٍ مُطرِبة، وقد يصاحبها الضربُ على الدفِّ والشبابة والتَّصفيق ونحوها، وردَّ على ما قرَّره الغزاليُّ بأنَّ الغناءَ أشدُّ تهييجًا للوجدِ مِن القرآن! ثم أخَذَ في الردِّ على الغزاليِّ في إباحتِه للسَّماع.

ثم ختَم المؤلِّفُ الكتابَ بخاتمةٍ ذَكَر فيها أهمَّ نتائج البحث، التي منها:
- أنَّ كتاب الإحياء تعرَّض للنَّقد من قِبَل العلماءِ في حياة الغزالي، وبعدَ موتِه؛ فالغلوُّ في تعظيم هذا الكتابِ أو في شخصِ الغزالي خلافُ الهَدْي الإسلاميِّ القويم.
- أنَّ الغزاليَّ قرَّر في كتابه الإحياء كثيرًا من البِدع الاعتقاديَّة والقوليَّة والعمليَّة، حتى أصبح الإحياءُ سندًا لكثيرٍ مِن البِدع المنتشِرَة في العالم الإسلاميِّ.
- اشتمالُ كتاب الإحياء على تصوُّراتٍ خاطئةٍ حولَ عددٍ من المفاهيم، كمفهوم التوحيد، ومفهوم التوكُّل، ومفهوم الزُّهد، ومفهوم العِبادة، وغيرها.

والكتاب جيد في بابه.