قراءة وتعريف

مقالة التَّجسيم - دراسة نقديَّة لخطاب خصوم ابن تيميَّة المعاصرين
book
فهد محمَّد هارون
عنوان الكتاب: مقالة التَّجسيم - دراسة نقديَّة لخطاب خصوم ابن تيميَّة المعاصرين
النـاشــر: مركز الفكر المعاصر
الطبعة: الأولى
ســــــنة الطبـــــع: 1435هـ
عدد الصفحات: 429


التعريف بموضوع الكتاب:
مسألة التَّجسيم من المسائل العقديَّة التي كثُر الخلاف فيها, وتباينتِ الآراء, كما كثُر التراشق بها أيضًا, وكان ممَّن أصابتْه هذه التُّهمة شيخُ الإسلام ابن تيميَّة، بل ناله منها الحظُّ الأوفر، والنصيب الأكبر, حيث رَماه مخالفوه بهذه التُّهمة، وشنَّعوا عليه بها رغمَ براءته منها, وبُعده عنها.
وكتاب هذا الأسبوع هو دراسة نقديَّة لخِطاب خصوم ابن تيميَّة المعاصرين، الذي يتَّهمونه بمقالة التَّجسيم.

مهَّد المؤلِّف كتابه بتمهيد عرَّف فيه بابن تيميَّة بترجمة قصيرة ذكر فيها أهمَّ المحطَّات في حياة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى, ثمَّ شرَع في فصول الكتاب، وهي فصلان:
الفصل الأول: وتحدَّث فيه عن مفهوم التَّجسيم في مذاهب الفلاسِفة والمتكلِّمين, وقد تألَّف هذا الفصل من أربعة مباحث:
تناول في المبحث الأول: مفهوم التجسيم عند اللُّغوين, وفي المبحث الثاني: ذكَر مفهومه في مذاهب الفلاسفة، وخصَّ منهم أرسطو؛ وذلك لأنَّه أبرز مَن تأثَّر به الفلاسفةُ المسلِمون, كما أنَّه ممَّن وصلَنا شيءٌ من كتاباته, وقد ذكَر المؤلِّف أنَّ أبرز الخصائص الإلهيَّة التي يتناولها أرسطو ومَن جاء بعده هي أنَّ الله ثابتٌ لا متحرِّك, وأنَّه فِعل محض أو صورة مَحْضة, وأنه واحد بالعدد لا شريكَ له, وبسيطٌ لا أجزاء, جهلُه بالأشياء لا يستلزم نقصًا فيه, وأنَّه حيٌّ لكن حياته تعود إلى تعقُّله لذاته.
وأوضح المؤلِّف أنَّ أبرز ما نَلمَسه من كلام أرسطو حول الذات الإلهيَّة محاولتُه نفْي الكثرة والتعدُّد عنها, فهو يركِّز في حديثه عن بساطة الذات، ونفي التركيب وما يَقتضيه, كما أنَّه خلَص إلى أنَّ كلَّ مَن أثبت الخَلق لله، وأنَّه هو المبدِع الحقيقي لهذا العالم، فإنَّه يُعدُّ عند أرسطو مجسِّمًا مشبِّهًا.

ثم تكلَّم المؤلِّفُ عن مفهوم التجسيم عند الفارابي، مبيِّنًا أنَّه قد فصَّل القول في مفهوم الجِسم، حتى وصل حديثه إلى طبيعة الجِسم ومكوِّناته, وذكر أنَّ ملخص ما أراده الفارابيُّ في حديثه عن الجسم، هو أنَّ كلَّ ما هو موجود طبيعي، فهو مكوَّن من مادة وصورة؛ إذن فهو جسم؛ لأنَّ ما كُوِّن من مادَّة وصورة، فهو جسم, ثم تناول مذهبه في الصِّفات، وذكر أنَّ أبرز صفة يُثبتها الفارابي هي صفة الوحدانية، التي من خلالها يُنزّه الله عن أنواع التركيب وصِفات الأجسام, كما أنَّه لا يُثبت لله أيَّ صفة مما ورد ذِكرُه في كتاب أو سُنَّة, ويخلُص المؤلِّف إلى أنَّ الفارابي حاول الجمْع بين الدِّين والولاء لمعلِّمه أرسطو، عن طريق القول بالعِلم الكُلي، الذي يحصُل بعِلم الله لذاته, كما ذكر أنَّ ابن سينا كان أكثرَ وضوحًا منه في هذه المسألة.

انتَقل المؤلِّف في المبحث الثالث للحديث عن مفهوم التجسيم عند المتكلِّمين, متبدئًا بالمعتزلة، موضِّحًا باختصارٍ مذهبهم في الصفات لِما له من علاقة مباشرة بمسألة التَّجسيم, ثم تحدَّث عن مفهوم الجسم عندهم ونقَل نقولاتٍ عن بعض علمائهم، أظهرت الخلافَ بينهم في الجسم، وعدد أجزائه، وهو ما عدَّه المؤلِّف خلافًا جوهريًّا أصيلًا, وذكر أنَّ هناك ما هو أهمُّ من ذلك، وهو خلافهم الدائر حول هذه الأجزاء المكوِّنة للجسم، وهو ما يُسمَّى بالجوهر الفرد، أو الجزء الذي لا يتجزَّأ.

ثم تناول المؤلِّفُ مفهومَ التجسيم عند مذهب آخَر من مذاهب المتكلِّمين، وهو المذهب الأشعري, فابتدأ بالتعريف بمذهبهم في الصِّفات من حيث الجملةُ, من خلال الحديث عن مجموعةٍ من علمائهم كأبي الحَسَن الأشعري, وعليِّ بن محمد الطبريِّ, والباقلَّانيِّ, وغيرهم. ثم تحدَّث عن مفهوم الجسم عندهم، مبيِّنًا أنَّ الخلاف في مفهومه قد تبلور وبات أكثرَ عمقًا وجوهريَّة في مرحلة الصِّراع الفلسفي الأشعري. وذكر أنَّ الخلاف في الجسم الموجود عند المعتزلة غيرُ موجود عند الأشاعرة؛ إذ يَعُدُّ الأشاعرة الجسم أنَّه المؤلَّف أو المركَّب من جوهرين فصاعدًا.

بعدَ ذلك - في المبحث الرابع من مباحث هذا الكتاب - تَحدَّث المؤلِّف عن نشأة مقالة التجسيم في الأديان السابقة، وعند فِرَق المسلمين, فبدأ بالحديث عن التشبيه عند اليهود، ونقل مجموعةً من النقولات التي وردت في كتُبهم تشبِّه الله -والعياذ بالله- بخَلْقه, وبيَّن أنَّ خلل التشبيه والتجسيم عند اليهود جاء من نفوسهم الوثنيَّة المادية، التي لم تستطعِ استيعاب النصوص وحمْلَها على التنزيه, وجَعلها الصِّفات التي وُصِف بها الإلهُ مِثل صِفات الإنسان.
ثم تحدَّث عن التجسيم عند النَّصارى، موضِّحًا أنَّ موضوع التشبيه والتجسيم عندهم يختلِف عن اليهود إذ إنَّ النصارى يوجد لديهم بعضُ الصِّفات التنزيهيَّة التي يُضيفونها للإله, ومع هذا التنزيه إلَّا أنهم آمنوا بقضية تُعدُّ مناقضةً، ومخالفةً لكلِّ ما ذكروه من تلك الصفات وهي قضية التجسيد المتمثِّلة في ظهور الله للبشر في صورةٍ ما من صور المخلوقات, وهو أشنعُ أنواع التشبيه.
انتقَل بعد ذلك للحديث عن مقالة التجسيم عند فِرَق المسلمين، وهنا ذكَر المؤلِّف الفِرَق التي هي على النقيض من مذهب الفلاسفة والمتكلِّمين, وذكَر مِن تلكم الفِرق الشِّيعة الذين أكَّد الفخر الرازي أنَّ بَدء ظهور التشبيه كان منهم, ثم عدَّد مجموعةً من طوائف الشِّيعة التي قالت بالتجسيم. ثم انتَقل إلى فِرقة أخرى من الفِرق الإسلاميَّة التي وقعتْ في التجسيم، وإن كانت أقلَّ تشبيهًا وتجسيمًا من الشِّيعة وهي الكراميَّة.

ثم جاء الفصل الثاني: ليتحدَّث فيه عن موقف ابن تيميَّة من عقيدة التجسيم والتفويض, وقد تألَّف هذا الفصل من ثلاثة مباحث:
في المبحث الأوَّل: تناول بالحديث مفهومَ التجسيم عند ابن تيميَّة، وموقفه من أصحاب هذه العقيدة, فبيَّن أنَّ المفهوم اللُّغوي للجِسم عند شيخ الإسلام يتَّضح من خلال رفْضه للمفهوم اللُّغوي الذي ذكَره المتكلِّمون للجسم, وأنَّه يرى أنَّ الجسم عند أهل اللُّغة هو الجسَد، ومن المعروف في اللُّغة أنَّ هذا اللفظ يتضمَّن الغِلظ والكَثافة, وبناءً عليه، فإنَّه لا يَعتبِر أنَّ الأشياء القائمة بنفسها إذا كانت لطيفة كالهواء ورُوح الإنسان تُسمَّى جسمًا. كما قرَّر أنَّ مفهوم الجِسم الاصطلاحيِّ عند ابن تيميَّة هو نفْسه المفهوم اللُّغوي.

ثم تحدَّث عن موقف شيخ الإسلام من المفهوم الاصطلاحي للجِسم عند الفِرق, كالفلاسفة والمتكلِّمين, حيث خلَص المؤلِّف إلى أمور منها:
أولًا: عد اقتناع ابن تيميَّة بمسلك نفْي الجسميَّة كطريقةٍ لتنزيه الله عن النقائص والعيوب، ووصفه بصِفات الكمال.
ثانيًا: الطريقة التي استخدَمها المتكلِّمون - في نظر ابن تيميَّة - طريقة متناقِضة لا تُثبِت حقًّا، ولا تَنفي باطلًا, بل تفرِّق المتماثلات.
ثالثًا: لقد أدَّت هذه الأصول بأصحابها إلى أن يلتزموا لوازمَ - جِدّ خطيرة - كالقول بأنَّ ظواهر الكتاب والسُّنة كُفرٌ, وأنَّ الله قد خاطَب الناس بما ظاهره التجسيم والتشبيه؛ لأنَّ عقولَ الناس لا تحتمل حقيقة التوحيد.
رابعًا: أنَّ ابن تيمية قد تجاوز عقبةً أتعبت المتكلِّمين، وكانت سببًا لجلْب كثير من الإلزامات المخالِفة لنصوص الوحي، وهي مسألة تعارُض العقل والنقل.
خامسًا: كيف نَحكُم على ابن تيميَّة بأنه مجسِّم مشبِّه، وغاية ما في الأمْر أنَّه رفَض الطريق التي سلَكها المتكلِّمون لتنزيه الله عزَّ وجلَّ، واعتبرها طريقةً قاصرة لا تُتثبت حقًّا ولا تَنفي باطلًا.
ثم استعرَض المؤلِّف مجموعةً من النُّصوص عن ابن تيمية تدلُّ على رفْضه لعقيدة التجسيم، وبراءته من هذا المذهب وأهله.
وفي المبحث الثاني من مباحث هذا الفصل تكلَّم المؤلِّف عن مذهب ابن تيمية في المسائل التي فيها شُبهة التجسيم كالحيِّز, والجِهة, والحَدّ, والحركة, والتركيب, مبيِّنًا أنَّ موقف شيخ الإسلام مع هذه الألفاظ موقفٌ واضحٌ، ومماثلٌ لموقفه من لفْظ الجسم، حيث رفَض المعاني الباطلة التي يُطلقون عليها هذه الألفاظ، وأكَّد أنَّ هذه الألفاظ بهذه المعاني الباطلة لا تَلزمُ مُثبتةَ الصِّفات.
أمَّا المبحث الثالث، فكان للحديث عن مفهوم التفويض عندَ السَّلف كما قرَّره المتكلِّمون وابن تيميَّة, فبيَّن حقيقة هذا التفويض المنسوب للسَّلف, وذكر أدلَّة المتكلِّمين الذين نسبوا هذه العقيدة لهم, ثم ناقَش هذه الأدلَّة وردَّ عليها.
ثم جاء المبحث الرابع الذي ذكَر فيه المؤلِّف الذين نسبوا التجسيم لشيخ الإسلام ابن تيميَّة من المتقدِّمين، مع بيان أدلَّتهم عرضًا ونقدًا, فذكر مِن هؤلاء تقيَّ الدِّين علي بن عبد الكافي السُّبكي, وتقيَّ الدِّين أبا بكر محمَّد الحصني, وأحمد شِهاب الدِّين بن حَجر الهيثمي.
وفي المبحث الخامس ذكَر المؤلِّف الذين نسَبوا التجسيمَ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة مِن المعاصرين، مع بيان أدلَّتهم عرضًا ونقدًا, وكان ممَّن ذكرهم: محمَّد زاهد الكوثري, وسعيد فودة.

ثمَّ ختَم كتابه بخاتمةٍ ذكَر فيها خُلاصَة بحثِه وما توصَّل إليه.

 والكتاب فريدٌ في بابه.