مقالات وبحوث مميزة


سبعون خاطرةً وتغريدةً لِمُرتادي مَعرِضِ الكِتاب

الشيخ د./ علي بن محمد العمران

 

 

 

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
 

الحمدُ لله..

هذه مجموعةٌ مِنَ الخواطرِ أُقيِّدُها لِمُرتادي مَعرِضِ الكِتابِ؛ بمناسبةِ افتتاحِهِ اليَومَ الثلاثاء 3/5/1435، كنتُ كتبتُ بَعضَها في مناسباتٍ سابقةٍ، أضَفتُ إليها الآنَ نَحوَ ثلاثين خاطرةً، وزاوَجتُ بيْنَ الجميعِ، فإليكموها:
 

أولًا: قبْلَ زيارةِ الـمَعرضِ.. أو في التمهيدِ له:

1. تقديرُ موازنةٍ للشِّراء حتى لا تضرَّ بالتزاماتِكَ الأُخرى، فالكُتُبُ تستهلكُ الـمالَ لو فسَحَ الواحدُ منَّا شهيَّتَه لِلشراءِ!

2. حاوِلْ أن تُحسِنَ تدبيرَ الـمالِ الذي اعتمَدتَه لِشراءِ الكُتُبِ، قَسِّمْه على أيَّامِ الـمَعرضِ، ولا تُنفِقْه في أوَّلِه؛ لِئَّلَّا تَقعُدَ في آخِرِه مُعدِمًا، ورُبَّما اضطُرِرتَ إلى الاستِدانةِ، أو فاتَكَ بعضُ الـمُهم!

3. استعراضُ الـمكتبةِ الشَّخصيةِ؛ منعًا لتَكرار الكُتُبِ.

4. تحديدُ احتياجاتِك: فما هوَ الـمجالُ الأكثرُ أهميةً لك؟ وما هيَ الكتبُ التي تريدها في تخصُّصِك؟ ومَنِ الذي تحرِصُ على كُتُبِه مِنَ الـمُؤلِّفين؟ وأيُّ الدُّورِ أكثَرُ أهميَّةً؟ وغيرُ ذلك.

5. تصفُّحُ موقعِ الـمَعرضِ على الشبكة، أو دليلِ الـمَعرضِ إن كان مَطبوعًا. مع مُلاحظةٍ أنَّ كثيرًا مِنَ الـمعلوماتِ لم تُحدَّثْ، أو قديمةٌ، أو مَحذوفٌ منها بعضُ الكُتُبِ، لِأسبابٍ لا تَخفى. وعنِّي شخصيًّا لم أتعنَّ النظرَ فيه.

6. مُشاهدةُ خريطةِ الـمعرضِ لِلوصولِ إلى مواقعِ الـمَكتباتِ بسُهولةٍ. وهذه مُهمةٌ، وهناك خرائطُ تُوزَّعُ، فاقتَنِ نُسخةً منها طوالَ مُدَّةِ الـمَعرِض.

7. معرفةُ جدولِ الفعالياتِ، وحضورُ الـمُفيدِ منها.

8. اختيارُ أنسبِ أوقاتِ الـمَعرضِ، ومِن أحسَنِ الأوقاتِ لِزيارتِه: مِن بدايةِ وَقتِ الافتتاحِ س 10ص - 5 عصرًا، فهو مُريحٌ مِن كُلِّ الـمُنغِّصاتِ (عدا كثرة طُلابِ الـمَدارِسِ لكنَّها أهوَنُ مِن غَيرِها)، وتستطيع بقيةَ اليَومِ تفَحُّصَ ما اقتنَيت.
 

ثانيًا: نصائِحُ

9. مَعرِضُ الكِتابِ مع كَونِه فُرصةً لِانتقاءِ الجيِّدِ والجديدِ مِنَ الكُتُبِ والطَّبْعاتِ والأسعارِ؛ إلا أنه فُرصةٌ أيضًا لتنفيقِ الرَّديءِ، وبَهرَجةِ الجديدِ، والغَبَنِ في الأسعارِ!

10. ليس معرِضُ الكِتابِ مَكانًا مُناسبًا لِلتعرُّفِ على الـمشايخِ وطُلَّابِ العِلْمِ، فكُلٌّ جاء لِقضاءِ غَرَضٍ مُعيَّنٍ في وَقتٍ مُحدَّدٍ، فليُراعَ هذا الأمْرُ، وإن كان لا بدَّ فليكُنْ باقتصادٍ.

11. فكرةُ التنقلِ بيْنَ دُورِ النشرِ مع صديقٍ ليست فكرةً عمليَّةً، تفرَّقا، واتَّفِقا على مَوعِدٍ تلتقيان فيه؛ لِلرَّاحةِ وتبادُلِ الـمعلوماتِ عنِ الكُتُب.

12. ليستْ كُلُّ النصائحِ التي تَسمَعونها أو تَقرَؤونها بمناسَبةِ الـمَعرضِ تَصلُحُ لكُلِّ الناسِ، خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بمَدحِ كُتُبٍ بعَينِها، أو مُؤلِّفين بأعيانهم. خُذْ ما يَصلُحُ لك، وَفْقَ جَداوِلِكَ وخُطَطِك.

13. يَحسُنُ بطالبِ العِلْمِ أنْ يُكوِّنَ مَكتبةً (فيها أُمَّات الكُتُبِ)؛ لِيصحَّ أنْ يُقالَ فيه: إنَّ لَديه اكتفاءً ذاتيًّا، ثم لِينزِلْ إلى مَرتَبةِ الحاجيَّاتِ فالتَّحسينيَّات.

14. إذا أرَدتَ أنْ تُكوِّنَ مَكتبةً، فنصيحَتي أنْ يَكونَ الـمَعرضُ لِمَا لم تَجِدْه مِنَ الطَّبعاتِ في الـمَكتباتِ التجاريةِ، أو لِفَرقِ ما بَينَهما مِنَ السِّعرِ مثلًا.

15. مَن يملِكِ "المالَ والمَكانَ الـمُناسِبَ" فقد تهيَّأتْ له مُقوِّماتُ تكوينِ الـمَكتبةِ التي يُريدُ، بَقيَ عليه حُسنُ اختيارِ الطَّبعاتِ وتَقديمُ الأُصولِ والأُمَّات.

16. احرِصْ أولًا على زيارةِ الدُّورِ الناشرةِ، أي التي لها إصداراتٌ، أمَّا الـمَكتباتُ التي تَجمَعُ إصداراتِ الغير فهي كأيِّ مَكتبةٍ خارجَ الـمَعرضِ، لا فَرقَ.

17. احرِصْ على زِيارةِ الـمَعرضِ في أوَّلِه ووَسَطِه وآخِرِه؛ في أوَّلِه لِئَلَّا تَنفَدَ بعضُ الكُتُبِ الـمُهمَّةِ، وفي وَسَطِه لِأنَّ بعضَ الباعةِ يُؤجِّلُ شيئًا مِنَ العَناوينِ، فلا يَطرَحُها أوَّلَ الـمَعرضِ؛ وذلك لِإعادةِ جَذبِ الزبائنِ، وفي آخِرِه حيث تَرخُصُ الأسعارُ.

18. لا بُدَّ مِن دَفترٍ صغيرٍ، وقَلَمٍ، وأنت تَمخُرُ عُبابَ بَحرِ الكُتُبِ الـمُتلاطِمِ، قيِّدْ فيه ما يَلفِتُ نَظرَكَ، وليس ضِمنَ قائمةِ مُشترياتِكَ؛ لِتعودَ إليه إنْ بَقيَ معكَ فَضلُ مال.

19. قد يُعجَبُ أحَدُنا في مُقتَبَلِ عُمُرِه بشخصيةٍ مُعيَّنةٍ؛ فيَدعوه ذلك إلى تَقليدِه فيما يَقرَأُ، وكيف يَقرَأُ، ولِمَن يَقرَأُ... وهذا خَطأٌ.. استَفِدْ مِنَ التجاربِ، ولا تَكُنْ إمَّعةً.

20. كثيرٌ مِنَ الشبابِ يتتبَّعون الكُتُبَ الجديدةَ والدِّراساتِ الـمُعاصرةَ... وما عَلِموا أنَّ مِنَ القديمِ ما هو أقوى بحثًا وأحسَنُ لُغةً، وأصفى منهجًا.

21. لا يَكُنْ هَمُّكَ (في ابتداءِ أمرِك) البحثَ عنِ النادِرِ مِنَ الكُتُبِ، فكَثيرٌ مِنَ النادِرِ لن تَحتاجَه إلَّا في النادِرِ، عليكَ بما ستَقرَؤُه أو تَدرُسُه في الـمَدى القريب.

22. لا تَغُرَّكَ مَقولةُ: "الكِتابُ مِن عُنوانِه"؛ فكثيرٌ مِنَ الدُّورِ أوِ الـمُؤلِّفين قدِ استَغَلُّوا هذه الـمَقولةَ أسوأَ استِغلالٍ في تَنميقِ العنوانات؛ لِتضليلِ القُرَّاءِ..فتَنَبَّه.

23. في مَعرضِ الكِتابِ يَختلِطُ حابِلُ الكُتُبِ بنابِلِها، جيِّدُها برَديئِها، فاضِلُها بمَفضولِها، فمَن لم يَكُنْ ذا بَصيرةٍ أو يَسألُ ذا بَصيرةٍ، غُبِنَ غَبَنًا فاحِشًا في القيمَتَيْنِ!

24. إذا رأيتَ تَجمهُرَ الناسِ في الـمَعرِضِ في مَكتبةٍ، أو على كِتابٍ، فلا تَحرِصْ كثيرًا على التَّجمهُرِ؛ لِأنَّه غالبًا ما يَغرُّكَ شِراءُ النَّاسِ لِلشيءِ، وإنْ لم يَكُنْ ذا قيمة!

25. أجِّلْ شِراءَ الكُتُبِ ذواتِ الأجزاءِ إلى آخِرِ أيَّامِ الـمَعرضِ، فهي في الغالب لا تَنفَدُ.

26. احرِصْ على شِراءِ الطَّبعاتِ الحديثةِ :1431هـ - 1435هـ؛ فكَثيرٌ مِنَ الطَّبعاتِ القديمةِ ستجِدُه على رُفوفِ الـمَكتباتِ طوالَ السَّنةِ.

27. يَعمَدُ بعضُ أصحابِ دُورِ النشرِ إلى وَضعِ نُسخةٍ أو نُسخَتَيْنِ مِنَ الكِتابِ على الطاوِلةِ؛ لِيُوهِمَ بأنَّها كُلُّ ما تبقَّى مِن كميةِ الكِتابِ، لا تَنخَدِعْ؛ فالأمْرُ ليس كذلك -في الغالب - ولا سيَّما في أوَّلِ أيَّامِ الـمَعرضِ.

28. عُد لِدارِ النَّشرِ أكثَرَ مِن مرَّةٍ، لِأنَّكَ في كُلِّ مرَّةٍ تَعودُ إليها ستَرى كُتُبًا لم تَرَها مِن قَبلُ؛ بسببِ الاستِعجالِ في استِعراضِ الكُتُبِ، أو لِتوفيرهم كُتُبًا نَفِدَتْ أو وصلَتْ حَديثًا.

29. السؤالُ الـمُتكرِّرُ مِنَ الإخوةِ الذين أُقابِلُهم في الـمَعرضِ: "ما هو الجديدُ؟" وقُلْنا مِرارًا: ليس بالضَّرورةِ أنْ يَكونَ الجَديدُ بالنسبةِ لِغيرِكَ هو الـمُناسِبَ لكَ، كما أنَّ الجديدَ أيضًا مُتفاوِتٌ، فبعضُ الناسِ جَديدُه ما صدَرَ قبْلَ شَهرٍ، وبعضُهم ما صدَرَ قبْلَ عامٍ، ويَختلِفُ أيضًا بحسبِ الناسِ وتتَبُّعِهم لِشؤونِ الكُتُبِ، وفي تباعُدِ البُلدانِ أيضًا عامِلٌ آخَرُ في التفاوت.

30. الكُتُبُ الجديدةُ كَثيرًا ما تبالِغُ الـمَكتباتُ في أسعارِها حالَ نُزُولِها.. تريَّثْ في اقتِنائِها فلرُبَّما أخَذتَها بعْدَ حينٍ بنِصفِ ثَمَنِها، وهذا مُجرَّب.

31. وليس مِنَ التدبيرِ الحَسَنِ أنْ تَقتَنيَ كُلَّ كُتُبِ أو تحقيقات شَخصٍ بعينِه ؛ لِأنَّ عَمَلَ البَشرِ يتفاوَتُ قُوةً وضَعفًا. إلَّا إنْ كُنتَ مَعنيًّا بدراسةِ نِتاجِه.

32. وليس مِنَ التدبيرِ الحَسَنِ أنْ تَقتَنيَ كُلَّ إصداراتِ مَكتبةٍ ما، أو مَركَزٍ ما، لا بُدَّ مِنَ الانتقاءِ والاصطِفاءِ، فما كُلُّ إصداراتِ الناشرِ بسواء.

33. ليس بالضرورةِ أنْ تَقتَنيَ ما يَقتَنيَ رِفاقُكَ في الـمَعرضَ، فلِكُلٍّ اهتمامٌ واختيارٌ وتخصُّصٌ وذَوقٌ وقُدرةٌ مُتفاوِتةٌ على التمييزِ والانتقاء.

34. في الـمعرض إذا وجَدتَ كِتابًا جديدًا باهظَ الثمنِ قد تَجدُه أقلَّ بكثيرٍ خارجَه، حصلَ لي أنْ وجَدتُ كِتابًا في الـمَعرضِ بـ 50 ريالًا، ووجَدتُه في اليَومِ نَفْسِه خارجَه بـ 32 ريالًا.

35. لا تلتَفِتْ إلى دِعاياتِ تَوقيعِ الكُتُبِ مِنَ الـمُؤلِّفينَ.. فالقضيةُ تَسويقٌ مَحضٌ، وتَذكُرونَ قِصةَ الكِتابِ الفارِغِ مِن أيِّ شيءٍ!!

36. شيءٌ مِنَ الوَعي: بَعضُ الشبابِ معه قائمةٌ: (العُمدةُ، الرَّوضُ، الرِّياضُ، الأربعون..) ويَدخُلُ إحْدَى الدُّورِ التي غالب كُتُبِها ممَّن "لا يذكرون اللهَ إلَّا قليلًا" ويَبدأُ في السَّردِ: عِندَكَ (العُمدةُ و.. و.. و..) لا تُشمِتوا بنا هؤلاء!

37. قد يُسهِمُ بَعضُ رُوَّادِ الـمَعرضِ في غَبَنِ أنْفُسِهم بأنْفُسِهم، فتَجِدُهم يَحتَشِدون في مَكتبةٍ ما، أو على كِتابٍ ما.. فيُغرون صاحِبَها بزيادةِ السِّعرِ، أو إلغاءِ التَّخفيضِ!

 

ثالثًا: تنبيهاتٌ:

38. تأكَّدْ حالَ شِرائِكَ لِلكِتابِ أنَّه كامِلٌ، فقد تُطبَعُ بعضُ الكُتُبِ ناقصةً، وليس على غُلافِها ما يُوحي بذلك، مثلَ "تَلبيسُ إبليسَ"، مدارُ الوطن 3 مج، ولا تزال ناقصة!

39. إذا اقتَنَيتَ كِتابًا فاحرِصْ أنْ يَكونَ في طَبعَتِه الثانيةِ أو الأخيرةِ، فغالبًا ما  يَكونُ فيها تعديلاتٌ وإصلاحاتٌ ومُراجعاتٌ.

40. لا يَكفي أنْ تَرى تَحقيقًا جديدًا لِلكتابِ لِتُسارِعَ في اقتناءِ طَبعَتِه الثانيةِ أو الجديدةِ، دَقِّقْ في مُقدمةِ الـمُحَقِّقِ وما الجديدُ في طَبعَتِه وما مَيزاتُها وما دواعي الإعادةِ.

41. شِعارُ "مَزيدةٌ ومُنقَّحةٌ" أصبَحَ شِعارًا لِبعضِ دُورِ النشرِ (ورُبَّما الـمُؤلِّفين) لِلتسويقِ بلا أمانةٍ! فلا تَنبَهرْ به!

42. بعضُ الكُتُبِ مُجرَّدُ إعادةِ تَرتيبٍ لِكُتُبٍ أُخرى، مِثلَ ترتيباتِ التمهيدِ، لابنِ عَبدِ البَرِّ، أذكُرُ منها أربعةً أو خمسةً، يَكفيكَ تَرتيبٌ جيِّدٌ، والبقيةُ لا قيمةَ لها!

43. لا تتردَّدْ في شراءِ الكِتابِ الذي تحتاجُ إليه في دِراستِكَ، أو تُريدُ قِراءَتَه، أو تَخشى مِن نَفادِ نُسَخِه، أو أوصاك به ثِقَةٌ مُطَّلِعٌ.

44. لا تتعجَّلْ في اقتِناءِ الـموسوعاتِ الضخمةِ، لِأنَّها تَستَهلِكُ الـميزانيةَ، والمَكانَ، وأغلبُها مَوجودٌ بعِدَّةِ صيغٍ إلكترونيةٍ يُمكِنُ تَصَفُّحُها والبَحثُ فيها هناك.

45. الرسائلُ الصغيرةُ غالبًا ما تَضيعُ في زحمةِ الـمُجلَّداتِ، فتوجَّهَتْ بَعضُ الدُّورِ إلى ضَمِّها في مجاميعَ، مِثلَ: لِقاء العَشرِ الأواخِرِ، رَسائل ابنِ حَزمٍ، رَسائلُ ابنِ رَجَبٍ، رَسائل الغَزاليِّ، رسائلُ ابنِ عبدِالهادي، رسائلُ الجاحظِ، نوادِرُ الـمَخطوطاتِ (جمع هارون)، آثارُ ابنِ الـمقفع.. وغيرها.

46. احرِصْ على اقتِناءِ الكُتُبِ الجامعةِ لِمقالاتِ عَلَمٍ ما، وقد صدَرَت مجاميعُ ممتازةٌ، كمقالاتِ الأخوَيْنِ أحمد ومحمود شاكر، والطناحي (في مجموعتَيْنِ)، والمَعصومي، والدالي، والميمني، والسيد صقر..

47. لا ينبغي أنْ تَخلُوَ مَكتبةُ طالبِ العِلْمِ مِنَ الكُتُبِ الوصفيةِ لِلفنونِ وتطَوُّرِها، ومِن الكُتُبِ الـمُعَرِّفةِ بالفُنونِ ومُؤلفاتِها، ككَشفِ الظُّنونِ، وأبجد العلوم.. وغيرهما.

48. الكُتُبُ الـمكَشِّفةُ غنيمةٌ باردةٌ... ومع ذلك فلا تَصُدَّنَك الفهارسُ عن قراءةِ الكِتابِ، فلكَ ذَوقٌ واهتِماماتٌ مُختلفةٌ عن الـمُفهرَسِ.. ومَن جَرَّبَ عَرَفَ.

49. العُلومُ الشرعيةُ آخِذٌ بَعضُها برِقابِ بَعضٍ، فاقتَنِ كِتابَيْنِ إلى ثلاثةٍ مِنَ الأمَّات في كُلِّ فَنٍّ، كمرحلةٍ تأسيسيةٍ، ومَن فُتِحَ عليه فليستَكثِرْ ما شاءَ، كما يشاءُ.

50. لا يَفوتَنَّكَ اقتِناءُ جُملةٍ صالِحةٍ مِنَ الـمَعاجِمِ الـمُتخَصِّصةِ في الفُنونِ، كمُعجَمِ البلاغةِ لمطلوب، والمُعجمِ الفَلسَفيِّ لصليبا، والمعجَمِ الأدبيِّ لجبور عبدالنور.

51. أكثَرُ الكُتُبِ "الساقطةِ" فِكْرًا وأخلاقًا ولُغةً إنَّما طُبِعتْ عِدَّةَ طَبعاتٍ بسبَبِ دِعايةِ مَنعِها وسَحبِها مِنَ الأسواقِ، فلا تُسهِمْ في الدعايةِ لها باقتِناءٍ أو تجَمهُرٍ على محلِّ بَيعٍ، ولا دلالةِ أحَدٍ!

52. ابتَعِدْ عنِ الكُتُبِ التي فيها مَساسٌ بمُقدَّساتِكَ؛ فإنَّه لا خَيرَ فيها.
 

رابعًا: مُواصفاتٌ وعلامات:

53. إذا اجتَمَع في الكِتابِ الـمُحقَّقِ أربعةُ أُمورٍ:

أ- عُنوانٌ صحيحٌ.

ب- مُقدمةٌ كاشفةٌ.

ج- نَصٌّ سليمٌ مُعتَنًى به.

د- فهارِسُ كاشفةٌ = فقدِ اكتُمِلَ حُسْنُه.

54. البَعضُ يَظُنُّ أنَّ مِقياسَ جَودةِ التَّحقيقِ مِن عَدَمِها في طُولِ حواشي الـمُحقِّقِ، وهذا ميزانٌ فاسِدٌ، إنَّما جَودةُ التحقيقِ في أداءِ الكِتابِ أقرَبُ إلى ما تركَ الـمُؤلِّفُ.

55. إذا اقتنَيتَ كِتابًا فلا بُدَّ مِنَ الـمُرورِ على خَمسةِ أُمورٍ:

1- غُلافِ الكِتابِ.

2- مُقدمةِ التَّحقيقِ.

3- مُقدمةِ الـمُؤلِّفِ.

4- تَصَفُّحٍ سريعٍ لِلكتابِ.

5- فهارِسُ الكِتابِ.

56- إذا وجَدتَ في الكِتابِ صفحةً بَيضاءَ، فاعلَمْ أنَّها ليست الوحيدةَ، بل معها 7 صفحاتٍ أُخرى، فتفحَّصْ كِتابَك؛ لِئَلَّا تَقتَنيَ كِتابًا ككِتابِ "كيف تَربَحُ بأقَلِّ مَجهودٍ".

57- أفضَلُ أوقاتِ تصَفُّحِ مُقتنياتِ الـمَعرضِ: بعْدَ وصولِكَ إلى البَيتِ مباشرةً (تجربة شخصية)، تَعرِفُ عُيوبَ الطبعِ إنْ وُجِدتْ، تُفيدُ الآخرينَ بما وجَدتَ، وغير ذلك.
 

خامسًا: عن دُور النشر وما إليها:

58- أصحابُ الـمكتباتِ ودُورِ النشرِ أغلبُهم تُجَّارٌ، بل كُلُّهم (وليس ذاك عيبًا إذا توَخَّوُا الأمانةَ في الاختيارِ والتعامُلِ)، فلا تَظُنَّنَّهم جمعيةً خيريةً قد أشرَعَتْ أبوابَها لِلتوزيع!

59- لا تَظُنَّ أنَّكَ تتفَضَّلُ على دارِ النشرِ أو صاحِبِ الكِتابِ بشراءِ كِتابِه، بلِ الفَضلُ لهم بتكَلُّفِهم عناءَ التأليفِ والتحقيقِ والطبعِ؛ لِتأخُذَ الكِتابَ على طَبقٍ مِن ذَهَبٍ!

60- عُرِفَ عَدَدٌ مِن دُورِ النشرِ بالجَودةِ في الاختيارِ والطباعةِ، ممَّا أغرَى الكثير باقتناءِ مَطبوعاتِهم بلا تردُّدٍ، وهذا مَعقولٌ في الجُملةِ، لكنْ قد يَعثُرُ الجَوادُ، فلا بُدَّ مِن فَحصٍ، ولو سريعٍ، حتى لا يُغبَنَ الشخصُ بمُجرَّدِ ثِقتِه الزائدةِ. وأذكُرُ مِثالًا صارخًا، وهو كِتابُ عوالي مالِكٍ 4مج - دار الغرب، فالكِتابُ كان يمكنُ أنْ يُطبَعَ في جُزءٍ في 150 صفحة، لكنَّ الـمُحقِّقَ نقَلَ تهذيبَ ابنِ حَجَرٍ برُمَّتِه إلى الحَواشي، وهنا يَصدُقُ القَولُ: مَن قرَأ الحواشي، ما حوى شَي!! وأذكُرُ مَرَّةً أنِّي التقَيتُ بصاحِبِ دارِ الغربِ، الحاج الحبيب اللمسي، فسألتُه: ما الكتابُ الذي ندِمتَ على طِباعَتِه؟ فتردَّدَ، فقُلتُ له: عوالي مالك! فقال: نعم!!

61- اجتنِبْ مطبوعاتِ بعضِ الدُّورِ التي عُرِفتْ بالنشرِ السيِّئِ وسَلْخِ التحقيقاتِ.. ولا أظُنُّها تَخفَى على الأكثرِ، إلَّا في نطاقٍ مَحدودٍ خرجَ عنِ القاعدة.

62- دار الكُتُبِ العلميةِ مِثالٌ على الدُّورِ السالِفِ ذِكرُها، لكِنَّها صوَّرتْ بعضَ الطَّبعاتِ القديمةِ، فهذه تُستَثْنى مِنَ القاعدةِ، ومِثلُها التحقيقاتُ الجيدةُ على نُدْرَتِها! أوِ الكُتُبُ التي انفرَدَتْ بطِباعَتِها.

63- الدُّورُ اللبنانية تمتازُ بجَمالِ الإخراجِ وجَودةِ التَّجليدِ، مع غلاءٍ في الأسعارِ.. الجَمالُ يُغري بالشِّراءِ.. لكنَّ الحَصيفَ يَنتَقي كما يَنتَقي الغُرابُ تَمْرَتَه.

64- ليس جمالُ الإخراجِ والوَرَقِ ولا جَودةُ التجليدِ دَليلًا على جَودةِ الكِتابِ.. وإنْ كان مُؤشِّرًا عليه فلا يَستَروِحَنَّ الـمُشتري فيُغرِيَه الجَمالُ الظاهِرُ عنِ الجَمالِ الباطِنِ، ويا سَعدَنا إنِ اجتَمَعا!

65- مِن أحسَنِ الدُّورِ الـمِصريةِ جَودةً: مصورات بولاق، دار الكتب الـمصرية، دار الـمعارف، الهيئة العامة الـمصرية، دار السلام، دار الخانجي.. وغيرها.

66- الدُّورُ الـمِصريةُ تَنقَسِمُ كُتُبُها (ذاتُ الطَّبعاتِ القديمةِ والمُعادةُ) إلى الآتي:

1- مصوَّرات عنِ القديمِ، فهذه يُنظَرُ فيها إلى الكِتابِ نَفْسِه مِن جهةٍ، وإلى دِقَّةِ التصويرِ وجَودَتِه.. أغلبُه رَديءٌ.

2- إعادةُ صَفٍّ مِن جَديدٍ، فهذه أغلبُها في غايةٍ مِنَ السُّوءِ مِن حيث الوَرَقُ والتجليدُ والخَطُّ.. فيُنتَقى منها بعنايةٍ، أو يُقتَصَرُ على ما يَحتاجُه الباحِثُ فقط.

67- هناك أعلامٌ أيضًا لِلعَبَثِ بالتُّراثِ، منهم: كمال الحوت، ومحمد الجمل، وعبدالأمير الأعسم، وعادل عبدالموجود، وعلي معوض، وعويضة، وعبدالرحيم علي، وأُمم مجاهيلُ لم نسمعْ بهم، وأخشَى أنَّه لا وُجودَ لهم في الخارج!

68- مِن أسماءِ هذا الضَّربِ أيضًا: د. محمد زينهم عزب، وانظروا تحقيقاتِه على طبقاتِ الشافعيةِ لابنِ كثيرٍ، وشيوخِ مالك، لابن خلفون، والألقاب للجياني.. ستقِفون على عجائبَ، وستَبكون على هذا التُّراثِ الـمُستَباحِ العِرْضِ!!

69- وعليه إذا رأيتَ اسمَ أحدٍ مِن هؤلاء على اسمِ كِتابٍ مُحقَّقٍ، ففِرَّ منه فِرارَكَ مِنَ الأسدِ، فقد أتَوْا على كثيرٍ مِنَ الكُتُبِ الـمهمَّةِ مَسخًا وتَحريفًا!!

70- وبالـمُقابِلِ هناك أعلامٌ إنْ وُجِدَتْ أسماؤُهم على كِتابٍ فخُذْه وأنتَ مُطمَئِنٌّ غالبًا: فمِنَ الـمُحقِّقين: أحمد شاكر، وأخوه محمود، وعبد السلام هارون، والطناحي، والحلو، وشعيب الأرناؤوط، وزهير الناصر، وأيمن السيد، ومِنَ الـمُؤلِّفين: الـمعلمي، والألباني، وبكر أبو زيد، وابن عثيمين، والخضر حسين، وعبدالكريم بكار، وطه عبدالرحمن وغيرهم كثير.