قراءة وتعريف

الاستبصار والتؤدة في عرض النوازل على قواعد المصلحة والمفسدة
book
حماد القباج
عنوان الكتاب: الاستبصار والتؤدة في عرض النوازل على قواعد المصلحة والمفسدة
النـاشر: السبيل - المغرب
الطبعة: الأولى
سنة الطبـع: 1433هـ/ 2012م
عدد الصفحات: 159

التعريف بموضوع الكتاب :

في ظلِّ كثرة الأحداث والمستجَدَّات والتطوُّرات، التي تتابعتْ على العالم الإسلاميِّ في هذه الآونة، وعلى رأسها تلك الثورات التي تموج موجَ البحر المتلاطم، وما انعكس على السياسة المتَّبعة في البلدان، ومنها بلاد المغرب، ممَّا أدَّى إلى قيام المغرب - ملكًا وشعبًا - بسلسلة من الإصلاحات، فكانت "المسألة الدستورية"، و"الانتخابات التشريعية"، و"مسألة التعاون"، ومسألة الاحتجاج والتظاهر، والإضرابات والاعتصامات، وبرز نجم السياسيِّين الإسلاميِّين، فقدْ تباينت المواقف الشرعيَّة حول هذه المسائل، والنوازل والمستجَدَّات، فجاء هذا الكتاب ليؤصِّل لكيفية التعامُل مع هذه النوازل وأمثالها عمومًا،وفي بلاد المغرب خصوصًا، موضِّحًا أنَّ هذا ينبني على قاعدة جلْب ما أمكن من المصالح، ودفْع ما يُستطاع دفعُه من المفاسد.

وقد تألَّف الكتاب من مقدِّمة طويلة، وثلاثة أبواب؛ أشار في المقدِّمة إلى الواقع الذي نحياه، وكثرة التطوُّرات والمستجدَّات فيه، ثم تكلَّم عن قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأنَّها من أدقِّ أبواب الفقه، ولا يكفي في هذا الباب مجرَّد التنظير العامِّ، بل لا بدَّ من التأصيل الرِّصين،والتنزيل الجيِّد على الواقع، مع التمكُّن في ذلك وإزالة كلِّ لبس، وحلِّ كلِّ إشكال. وألمح كذلك إلى مداخل الخطأ في الفَهم والحُكم، فذكر من هذه المداخل: الخلط بين مسائل الأصول الثابتة وبين مسائل الاجتهاد التي يطرأ عليها التغيير وتتغيَّر فيها الفتوى. ومنها: سؤال غير المؤهَّل للإفتاء في النوازل والمدلهِمَّات. ومنها: الخلط بين "فقه الفتن" و"فقه التدافع"؛وأنَّ الفتن تكون عند التنازُع وعدم تبيُّن المحِقِّ من المبطِل. وأنَّ من الخطأ الظاهر ترْكَ مواجهة أهل الشرك والإلحاد وتحريف الدِّين؛ تذرُّعًا باعتزال الفتن. ومنها: الخطأ في تنزيل فتوى الأئمَّة، كالاستشهاد بها مع تغيُّر المناط، أو الإعراض عنها مع تأكُّد المناط.

أمَّا الباب الأوَّل: فكان الحديث فيه عن قواعد المصلحة والمفسدة ومكمِّلاتها،فذكَر جملة من تلك القواعد بلغتْ خمس عشرة قاعدة، ذاكرًا مَن ذكرها وعبَّر عنها من أهل العلم، شارحًا ومستدلًّا لها؛ مِن تلك القواعد:

1- أنَّ الثواب والعقاب مرتبط بالمصالح والمفاسد لا بمشقَّة الأعمال.

2- أنَّه يلزم الأخْذُ بالمصلحة المرجوحة مع تعذُّر المصلحة الراجحة.

3- أنَّ السبب المشروع لمصلحة يَبقى مشروعًا إذا تخلَّفت المصلحة لأمر خارجيٍّ

4- لزوم تقديم المصلحة العامَّة على المصلحة الخاصَّة.

5- أنَّ الاعتماد في جلْب معظم المصالح ودفْع معظم المفاسد يكون على الظنِّ الغالب...إلخ.

ثم ذكر جماع قواعد المصلحة والمفسدة بما أسماه (فقه التزاحم والمعادلة)، ونقل كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة المشهور في ذلك وكأنَّه يتحدَّث عن عصرنا!

وأمَّا الباب الثاني: فقد خصَّه للحديث عن النوازل والمستجَدَّات السِّياسيَّة في الواقع الدعوي في المغرب؛ فعقَد فصلًا في الاستفادة من آليَّات الديمقراطيَّة، وبيَّن أنَّ هذه الديمقراطيَّة التي فُرضت على أكثر الدول الإسلاميَّة تغافلًا منها عن شريعة الله تعالى الكاملة من كل الوجوه -هذه الديمقراطيَّة اشتملت على أصول وتطبيقات فاسدة تصادم أحكامًا قطعيَّة في الكتاب والسُّنة، كما أنَّها تتضمَّن آلياتٍ ومبادئَ تُقرُّها الشريعة، بل تستحسنها. كما عقَد فصلًا لوسائل الاحتجاج الديمقراطيَّة كالوقفات والمظاهرات والاعتصامات والإضرابات، ورجَّح أنَّ هذه الوسائل إذا ثبَت الإذن فيها بالقانون، وأنَّ مفاسدها معدومة أو مغمورة في عِظم المصلحة المرجُوَّة منها، يقينًا أو بغلبة الظنِّ، فإنَّها – والحالة هذه - جائزة شرعًا، وذكَر ما يُستأنس به من الأدلَّة على ذلك. كذلك عقَد فصلًا للدستور والاستفتاء والانتخابات، وتحدَّث فيه عن المسألة الدستورية في المغرب، ذاكرًا البيان الصادر بشأنها، محلِّلًا جزئياته ومعلِّقًا عليها. ورجَّح مشروعية التصويت على هذا الدستور بـ(نعم)، والتصويت على الأصلح في الانتخابات، وذكَر فتاوى كبار مشايخ المغرب في ذلك.

والباب الثَّالث: ذكَر فيه فتاوى الأئمَّة المعاصرين في مشروعية الانتخاب والتصويت، أو الترشح ودخول البرلمان في ضوء النِّظام الديمقراطي؛ دفعًا لأشدِّ المفسدتينِ بأخفِّهما، وجلبًا لما أمكن من المصلحة؛ مبتدئًا بفتوى لشيخ الإسلام ابن تيميَّة متعلِّقة بمسألة شبيهة بمسألة الانتخابات وتولِّي الولايات. ثم ثنَّى بفتوى الشيخ ابن باز عن شرعية الترشُّح لمجلس الشعب وانتخاب الدُّعاة والمتدينين لدخول المجلس، والتي رجَّح فيها الشيخُ القولَ بالجواز؛ بناءً على قاعدة المصلحة والمفسدة، وكذلك الشيخ العثيمين، واللجنة الدائمة للإفتاء، والعلَّامة أحمد محمد شاكر،الذي جعلها وسيلة لتحكيم الشريعة حين تعذُّر تطبيقها بالطرق الأخرى التي ذكَرها في رسالته القيمة (الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر)، وكذا نقل فتوى بالجواز للشيخِ الألبانيِّ؛ تخفيفًا للشرِّ. وفتوى له أيضًا بجواز خروج النِّساء للتصويت بشرْط الاحتجاب وعدم الاختلاط بالرِّجال. ونقل أيضًا نصَّ القرارِ الصادر عن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي على مشروعية ذلك للمسلم في البلاد غير الإسلاميَّة. وهو نصُّ كلام العلَّامة السعديِّ أيضًا،كما ذكر ممن أفتى بالجواز الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر سابقًا. والشيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد، والشيخ عبد الرحمن البرَّاك. إذا ترتَّبت على ذلك مصلحة وفائدة وعُدمت وانتفت المضرَّة والمفسدة، أو خفَّت.

ثم ختم المؤلِّف كتابه ببيان فضْل الدعوة إلى الله تعالى، وبيان عالميَّة الدعوة وأنَّها للنَّاس كافَّة،وأنها تكون بالقول والعمل معًا، مع الإشارة إلى أنَّ الأُلفة بين الدُّعاة من أهمِّ المهمَّات التي يجب الحِرص عليها؛ امتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، كما أشار إلى أنَّ العلم والبصيرة مع حُسن الفَهم هو جماعُ الدعوة والأُلفة بين الدُّعاة.

والكتاب جيدٌ في بابه.