قراءة وتعريف

فضاءات الحرية (بحث في مفهوم الحرية في الإسلام وفلسفتها وأبعادها وحدودها)
book
سلطان بن عبد الرحمن العميري
عنوان الكتاب: فضاءات الحرية (بحث في مفهوم الحرية في الإسلام وفلسفتها وأبعادها وحدودها)
النـاشر: المركز العربي للدراسات الإنسانية – القاهرة
الطبعة: الأولى
سـنة الطبع: 2013م
عدد الصفحات: 608

التعريف بموضوع الكتاب :

 استحوذ الحديث عن الحرية على مساحة كبيرة من إنتاج المفكِّرين المعاصرين، وأكثروا من إطرائها، والتغنِّي برونقها وجمالها، ولم تتَّفق كلمة المفكِّرين المعاصرين على قضيَّة - على ما بينهم من اختلاف منهجي وأيديولوجي - كما اتَّفقت على التأكيد على أهميَّة الحريَّة والدعوة إليها، وقد تكاثرت الكتابات عنها، حتى جاوزت العشرات إلى المئات! إلَّا أنَّ الحديث عنها جاء متلبِّسًا بإشكاليات منهجيَّة، واضطرابات شديدة في التصورات والرؤى المطروحة؛ فجاء هذا الكتاب ليجلِّي الصورة واضحة، ويكشف عن معالم تلك الاضطرابات.

وقد كشف الكاتب عن معالم هذه الاضطرابات من خلال مؤشِّرات خمسة:

الأوَّل: الخلط الكبير بين المكوِّنات المختلفة للحريَّة والتنقُّلات العشوائيَّة فيما بينها.

الثاني: الارتباك الشديد في الاستدلال بالنُّصوص الشرعيَّة.

الثالث: الانتقائية في الاستدلال.

الرابع: الاستعانة بالحجج المخرومة، والاعتماد على مصادر غير معتمدة.

الخامس: الاعتماد على التأثيرات العاطفية. ثم ذكر أسباب اهتمامه ببحث قضية الحريَّة؛ ومنها: أن الحرية تُعدُّ مطلبًا من أهم المطالب الإنسانية، وأُمنية من أغلى الأمنيات، وضرورة من أكثر الضروريات؛ عمقًا وتأثيرًا في حياة الإنسان، ومنها: أنها غدَتْ شأنًا عالميًّا ضخمًا يُتحدَّث عنه في العالم كله، ومنها: امتلاء عقول كثير من الشباب المتطلِّع للمعرفة والفكر بالأسئلة عن قضية الحرية، ومنها: أنَّ موضوعها كان - وما زال - من أشد الموضوعات التي يشغِّب بها أعداء الإسلام والحاقدون عليه. وذكر أنَّ هدف بحثه: هو إعطاء تصوُّر كلِّي ومجمَل عن معالم الحرية في التصوُّر الإسلامي، وعن فلسفتها وحدودها الكليَّة، والكشف عن الأسس المنهجيَّة التي يقوم عليها هيكلها، وليس القصدُ مناقشةَ التفاصيل؛ فهذا أمره يطول جدًّا. كما نبَّه إلى الفرق بين النظرية والتطبيق، وأنَّه لا بدَّ من مراعاة الشروط المعتبَرة في التطبيقات العملية. وأشار إلى المنهجيَّة والآليَّة التي سار عليها في البحث، وتتلخَّص في:

1- الانطلاق من النصوص الشرعية، مع محاولة الجمع بينها، ودراستها وتحليلها، واستخراج مدلولاتها، ومِن ثَمَّ الاستدلال بما تضمَّنته دَلالاتها الواضحة على الموقف الذي تقتضيه.

2- التكامل في الاستدلال والبناء.

3- الفصل التام بين المرجعيَّات والأصول والتي مِن أكثرها تصارعًا (المرجعيَّة الإسلاميَّة والمرجعيَّة الغربيَّة الوضعيَّة).

4- التمييز بين الأقسام المتقاربة.

5- التوجُّه نحو الأفكار دون الأشخاص، ومحاكمتها إلى المصادر المعتمَدة لدينا في الشريعة الإسلاميَّة.

6- الوقوف مع أبرز الإشكالات والاعتراضات المخالفة للرؤية الصحيحة لمفهوم الحريَّة، والجواب عنها بطريقة علميَّة برهانيَّة.

وقد تألف الكتاب من قِسمين:

القِسم الأوَّل: البناءات النظرية لمفهوم الحريَّة، وقد ذكر فيه ثلاثة بناءات:

البناء الأول: تحدَّث عن الحرية والبحث عن المفهوم والكشف عن المسار،وأشار إلى الغموض الذي يكتنف ذلك المفهوم، وأسبابه، وعرَض لمفاهيم الحرية ومساراته؛ في المجال الغربي وفي المجال الإسلامي، وخلُص بنتيجة مفادها: أنَّ التوصُّل إلى مفهوم عام شامل جامع مانع سالم من المعارضة، يستوعب كلَّ المكوِّنات المندرجة ضمن الحرية، متعسِّر أو متعذِّر، إلَّا أن أقرب التعريفات لهاهو تعريف د. طه عبد الرحمن: (الحرية هي أن تتعبَّد الخالق باختيارك، وأنْ لا يستعبدك الخلْق في ظاهرك أو باطنك).

أمَّا البناء الثاني ، فخصَّه للحديث عن مفهوم الحرية في التصوُّر الإسلامي؛ الخصائص والأُسس، مشيرًا إلى ضرورة الاحتفاظ بالخصوصيات الحضارية، ذاكرًا أسسًا  كثيرة من الأساسات المنهجية لمفهوم الحرية في التصور الإسلام؛ من ذلك: الشُّمول الكياني، والمعيار المتوازن، والحدود الضابطة، والضمانات المساعدة... وغير ذلك. ثم تحدَّث في البناء الثالث عن موضع الحرية من خريطة الإسلام، والأصول التي تأسَّست عليها مكانة الحريَّة في الإسلام، وعلاقتها بقضية التوحيد، والكرامة الإنسانيَّة، وقضية عمارة الأرض، مشيرًا إلى المواقف الخاطئة في تقدير منزلة الحريَّة في الإسلام، ومِن تلك المواقف الخاطئة: القول بأنَّ الحرية هي محور دعوة الرُّسل، والقول بأنَّ الحرية تكون قبل تطبيق الشريعة، ومنها:الزعم والافتراء بأنَّ الإسلام لم يهتمَّ بالحرية.

أمَّا القسم الثاني: فقد كان للحديث عن المكوِّنات الأساسية لمفهوم الحريَّة في الإسلام، وقد بدَأه بتوطئة عن تصنيف الحريَّات وترتيبها، ثم دلَف بالحديث إلى مكوِّنات مفهوم الحريَّة،فذكر ستَّة مكوِّنات، وتحت كلِّ مكوِّن يذكُر الأسس والاعتراضات عليه، ثم يجيب عنها، وقد أجاد وأحسَن الباحث في هذا أيَّما  إحسان، خصوصًا تلك المفاهيم التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وانطلت كثير من الأباطيل على عموم الناس، وكثُر تَرداد كثير من الكتَّاب والمثقَّفين لها، ونذكر مِن ذلك نموذجًا واحدًا من الكتاب،وهو المكوِّن الرابع:الحرية الدينيَّة، فقد جلَّى مفهوم هذه الحرية بوضوح، وأطال جدًّا في هذا المبحث (من ص:240 إلى ص: 422)، لكنَّها إطالة ممدوحة؛ لكثرة الإشكالات في هذه القضيَّة وانتشار الأسئلة المتعلِّقة بها، مع كثرة الخلط والخبط في مفاهيمِها، فذكر أنَّ البحث فيها متعلِّق بشكل أساسي بقَبول أصل دِين الإسلام أو رفضه، أمَّا تفاصيل الآراء والمواقف الدينية بعدما يدخُل المرء في الإسلام، فلها مجال آخَر وهو حرية التعبير (المكون الخامس). مشيرًا إلى خلط الكتَّاب بين المستويين أمثال عبد المتعال الصعيدي، وثروت بدوي. والواجب هو الفصل بين المستويين؛ فالإسلام لا يُكرِه أحدًا على الدخول فيه، [وهذا لا يعني إطلاق العِنان للكفر بالرَّحمن، أو أنَّ عدم الدخول في الإسلام يسَعُ أحدًا كائنًا مَن كان، بل كلُّ من لم يَقبل الدِّين الحق فهو متوعَّد بالنِّيران، وإنْ كان يُقَرُّ على دِينه ولا يُكره على الدخول في الإيمان]، ثم ذكر أُسس الحرية الدينيَّة في الإسلام، وهي الأسس الكبيرة التي يرتكز عليها هيكل الدِّين الإسلامي كلُّه؛ فالأوَّل: أنَّ حقيقة التعبُّد قائمة على الحب والخوف والرجاء، ولا إكراه فيها، والثاني: أنَّ كمال براهين الإسلام وقوَّة أدلَّته توجب الإيمانَ به، ولا تحتاج إلى إكراه، والثالث: أنَّ حقيقة الإسلام عقدٌ بين العبد وبين ربِّه، يُشترط فيه الرِّضا والإقرار من العبد، وأوجب الله تعالى بفضله على نفسه الوفاء بما وعد به عباده. ثم أحسن في الجواب عن أشهر اعتراضين على هذه القضيَّة، وهما: قضية الجهاد في سبيل الله، ومسألة عقوبة المرتدِّ؛ فتكلَّم عن مراحل تشريع الجهاد، وأثبت أنَّ جهاد الطلب والدعوة مشروع، وذكر أدلَّته وأقوال أهل العلم وإجماعهم على ذلك، كما ذكر الفرق بين علَّة القتل وعلَّة القتال، وأنَّ هذا غير منافٍ للعدالة ولا للحريَّة، وأنَّ الجهاد ليس من مقاصده الإكراه أو إجبار الناس على الدخول في الإسلام، وناقش الاتجاه الإسلامي المعاصر المنكِر لجهاد الطلب، وردَّ على حُججهم، وفنَّد شبههم تفنيدًا جيدًا. كما ردَّ على الذين يُنكرون حدَّ الردَّة من المعاصرين، وأثبت أنَّ عقوبة الردَّة جائزة وثابتة في الإسلام، وأنَّها غير منافية للعدالة أو الحريَّة..., والكتاب في مجمله جيِّد وننصح بقراءته رغم وجود مسائل ذكرها في المكون السادس بحاجة إلى تحرير أكثر، والله الموفق للصواب.