قراءة ونقد

مدخل إلى القرآن الكريم
book
محمد عابد الجابري
عنوان الكتاب: مدخل إلى القرآن الكريم
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: 2007م
عدد الصفحات: 456
عرض ونقد: القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية

تألف كتاب محمد عابد الجابري (مدخل إلى القرآن الكريم) من جزأين، تناول في الجزء الأول التعريف بالقرآن الكريم، وأما الجزء الثاني ففي ترتيب القرآن بحسب النزول، وسيكون مدار حديثنا عن الجزء الأول المتعلق بتعريف القرآن مستعرضين مباحثه وأهم موضوعاته، وموضحين أهم ما وجه إلى الكتاب من انتقادات.

عرض الكتاب :
قسم المؤلف كتابه عدة أقسام:
القسم الأول قراءات في محيط القرآن الكريم
وتضمن خمسة فصول:
الأول: حول وحدة الأصل في الديانات السماوية
الثاني : الدعوة المحمدية وعلاقاتها الخارجية
الثالث : النبي الأمي هل كان يقرأ ويكتب
الرابع : حدث الوحي وإثبات النبوة
الخامس : حقيقة النبوة وآراء في الإمامة والولاية
القسم الثاني القرآن مسار الكون والتكوين
فاشتمل على أربعة فصول
وهي الفصل السادس : القرآن... الكتاب وإعادة ترتيب العلاقات
السابع : الأحرف والقراءات والمعجزات
الثامن : قرآن عربي في أم الكتاب وترتيب العلاقة مع أهل الكتاب
التاسع : جمع القرآن ومسألة الزيادة والنقصان
العاشر : ترتيب المصحف وترتيب النزول
القسم الثالث القصص في القرآن
فمهد له بالحديث عن خصوصية هذه الدراسة
القصص في القرآن المكي
القصص في القرآن المدني
ثم خاتمة بعنوان: القصص القرآني بيان وبرهان
وبعدها خاتمة وصلة النبي والقرآن علاقة حميمية

نقد الكتاب
يشعر عنوان الكتاب- الذي يفترض أن يكون في التعريف بالقرآن- أنه يشتمل على مباحث تحيط القارئ علمًا بالقرآن وعلومه، ومع ذلك فالكتاب كان قاصرًا، ولم يتعرض لكثير من المباحث المهمة في التعريف بالقرآن الكريم، وأنه إنما ردد كثيرًا مما ذهب إليه المستشرقون وأتباعهم من المسلمين، وأنه عرض لكثير من الشبهات والشكوك، وإلا فلماذا- على سبيل المثال- اتجه الدكتور الجابري إلى البحث عن أدلة احتمال نقص القرآن، ولم يتجه إلى الأدلة اليقينية الدالة على كماله.
وسوف نعرض لبعض المؤاخذات التي أخذت على الكتاب ومنها:
أولا: ادعاؤه انتشار التوحيد في الجزيرة العربية قبل بعثة النبي صلى الله عليه، كما في الفصل الأول والثاني.
ويجاب عن هذا الادعاء بعدد من الأمور منها:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم صوَّر لنا حال البشر قبل بعثته، فقال فيما يرويه عن ربه: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان... [صحيح مسلم].
- كذلك ما قرره علماء السير وأصحاب التواريخ في بيان حال الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يدينون به من ديانات، تخالف ما يفهم من كلام المؤلف، فالبشرية آنذاك كانت في أشد الحاجة إلى بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: تحريفه معنى (الأمي) وادعاؤه معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة والكتابة، كما في الفصل الثالث ص77 .
قام الجابري بلي أعناق النصوص لتوافق رأيه، ورتب على هذا أن الأمية ليست علامة على معجزة، كما في (ص 92).
ولا شك أن هذا الادعاء الذي لم يقم عليه دليل معتبر هو ترويج لفكر المستشرقين، والذي أرادوا به أن يوجدوا طريقًا للطعن في القرآن، والقول بإمكانية أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ونقل من كتب قديمة سبقته.
ثالثًا: تشكيكه في النص القرآني واحتمال ضياع شيء منه:
فيقول متسائلًا (ص 223) : هل المصحف الإمام الذي جُمع زمن عثمان يضم القرآن كله: جميع ما نزل من آيات وسور، أم أنه سقطت منه أو رُفعت منه أشياء حين جمعه ؟ وأجاب عن ذلك بقوله: إن جميع علماء الإسلام من مفسرين ورواة حديث وغيرهم يعترفون بأن ثمة آيات وربما سُورا قد سقطت، ولم تدرج في نص المصحف، بمعنى أن الله رفعها ثم أخذ يذكر أنواع والنقص كما في (ص 223) وهذا لاشك من التلبيس والتضليل، فالنسخ ليس نقصًا، وقد أجمعت الأمة أن القرآن الذي نزل ولم ينسخ لا ينقص منه حرف واحد.
ثم يقول في ختام المبحث ص 232: و خلاصة الأمر ليس ثمة أدلة قاطعة على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن كما هو في المصحف بين أيدي الناس منذ جمعه زمن عثمان . و أما قبل ذلك فالقرآن كان مُفرقا في صُحف و في صدور الصحابة ، و من المؤكد أنه ما كان يتوفر عليه هذا الصحابي أو ذاك من القرآن مكتوبا أو محفوظا ، كان يختلف عما كان عند غيره كما و ترتيبا. و من الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه زمن عثمان أو قبل ذلك . فالذين تولّوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين ، و قد وقع تدارك بعض النقص كما ذُكر في مصادرنا
ومفهوم قوله: وقع تدارك بعض النقص كما في مصادرنا. أنه قد ضاعت من القرآن الكريم آيات لم تُستدرك.
رابعا: نقد موقفه من قصص القرآن الكريم
- اعتباره القص القرآنـي نوعـاً من ضرب المثـل:
يقول كما في ص 257: ..إن قصصه على الرغم من أنها قصص أنبياء فعلا فإن حكيه لا يخضع لمسار حياة الأنبياء الذين يورد قصصهم بل يعرض في كل مرة ما يناسب الدعوة المحمدية في مرحلة من المراحل القصص القرآني هو نوع من ضرب المثل.
ثم يقول: فكما أننا لا نسأل عن صحة القصة التي وراء الأمثال، فكذلك القصص القرآني في نظرنا، والصدق في هذا المجال لا يُلتمس في مطابقة أو عدم مطابقة شخصيات القصة والمثل للواقع التاريخي، بل الصدق فيه مرجعه مخيال المستمع ومعهوده.
ثم يقول: الغرض من المثل والقصص في القرآن غرض واحد. اهـ.
فقصر أهداف قصص القرآن على الموعظة وضرب المثل واستخلاص العبرة.
- زعم أن الأصالة و الإبداع في قصص القرآن تتمثلان في طريقة عرض القرآن لها مع إغفاله الجوانب الأخرى، فقال ص 423: والحق أن الأصالة والإبداع في القرآن وفي القص خاصة هما في طريقته الخاصة في عرض القصص.
- جعله علاقة قصص القرآن بقصص التوراة علاقة تصديق، وحكاية، ومطابقة إلى حد كبير، فيقول ص422: إن علاقة القرآن بالتوراة والإنجيل علاقة تصديق بصورة عامة بل يمكن القول إنها في مجال القصص علاقة حكاية بمعنى أن القرآن يحكي ما ورد في التوراة من أخبار بني إسرائيل. ويقول ص 260: القرآن يحكي ما ورد في التوراة من أخبار أنبياء بني إسرائيل.
ويقول ص 259: والواقع أن جُلَّ الحوادث التاريخية التي يحكيها قصص القرآن عن أنبياء بني إسرائيل يتطابق إلى حدٍّ كبير مع ما جاء في التوراة والإنجيل.
خامسًا : التقليل من شأن كتب التفسير
يقول: (لا تحاول هذه الدراسة، بل لا تريد، أن تكمل، أو تفسر القصص القرآني بما ورد في الإسرائيليات أو غير ذلك من الموروث القديم). ثم عاد في الهامش فاستدرك فقال: (قد نضطر إلى أن نذكر في الهامش ما هو ضروري لشرح كلمةٍ أو بيان مسألةٍ مما ذكره المفسرون من مخايلهم وموروثهم الثقافي؛ ليس لأن ما ذكروه صحيح، بل لكونه يعبر عن فهم العرب، والقرآن خاطب العرب حسب معهودهم، وأراد منهم أن يفهموا في إطار ما يخاطبهم به) ومع ذلك قد أخذ من الإسرائيليات كما في المأخذ التالي.
سادسًا: نقله من الإسرائيليات في بيان الآيات، فيما لا حاجة له.
ومن أمثلة ذلك:
فسَّر النعجة في قصة داود في سورة (ص) بالمرأة فقال (ص273): قيل: سوَّلت له نفسه أَخْذَ تلك المرأة.
ذكر عن ملكة اليمن أن سليمان تزوَّجها وكان يزورها في كل شهر مرة، يقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط، ثم أمر الجن فبنوا له ثلاثة قصور... . كما في ص 275. إلى غير ذلك

سابعًا: دعوة المؤلف إلى ترتيب المصحف حسب النزول وإبراز أهميته. وهذه دعوة استشراقية قديمة، وكل محاولة لإعادة ترتيب القرآن كله حسب النزول فإنها ستبوء بالفشل.

ثامنًا: ما يفهم منه الانتقاص من القرآن
ويفهم ذلك من أمرين، أحدهما تسويته القرآن بالتوراة والإنجيل ، فقد قال ص 194: لا يتميز القرآن عن حقيقة التوراة والإنجيل لا بمصدره و لا بمحتواه ، وإنما يتميز بكونه نزل بلسان عربي مبين.
والثاني التقليل من قدر المعجزة القرآنية فقد ادعى أن الإعجاز ليس محصورا في المعجزة القرآنية وإنما يشمل أيضا أعمالا إبداعيه من الشعراء والكتاب الكبار. فقال ص 94 : وهل يستطيع اليوم أمهر الكتاب وأعلاهم شأنا أن يأتي بمثل القرآن، أو بمثل سورة من سوره، بل لا أحد من الشعراء اليوم يمكن أن يأتي بشعر يُماثل شعر المتنبي، ولا بخطبة مماثلة لخطبة قس بن ساعدة، أو بمقامة من جنس مقامات الهمذاني أو الحريري ، بل لا بقصائد تتطابق مع قصائد نزار قباني. ذلك لأن الإبداع في القول كما في الرسم و النحت ، كما في الفكر و الفلسفة ، لا يمكن تقليده بسبب بسيط هو أن التقليد بالتعريف : غير الإبداع. و الوحي المحمدي – القرآن- إذا نُظر إليه من المنظور الأدبي فهو قمة البلاغة و الإبداع . و أما من المنظر الديني فهو تجربة روحية فريدة.
تاسعًا : وقوعه في أخطاء منهجية:
- من الأخطاء المنهجية أن كثيرًا من آراء الجابري ومقرراته بناها على روايات تاريخية بلا تمحيص ولا تحقيق ولا نظر في أسانيدها ومتونها، ومعرفة الصحيح منها والمردود . وكثير منها لا يصح، ومع ذلك دعم بها شبهاته وشذوذاته وأخطائه.
- من الأخطاء المنهجية: تسوية الجابري بين مصادره ، فكل ما يجده في التراث فهو في درجة سواء، لذا يقول ص25: من الناحية المبدئية لا نستثني أي مصدر عربيا كان أو غير عربي إسلاميا كان أو غير إسلامي المهم عندنا هو ما يقدمه لنا هذا المصدر من معلومات تكون لها فائدة في بحثنا.
- من الأخطاء المنهجية تساهله في قبول روايات شاذة وغريبة ومنكرة ، وجعلها من المحتملات، مع رفض بعض الأحاديث الصحيحة التي أوردها.
عاشرًا: ادعاؤه أن عيسى عليه السلام لم يأت بكتاب
يقول الجابري عن دعوة عيسى عليه السلام ص 40: ((وكما ذكرنا قبل ، كانت دعوته شفوية ، فهو لم يأت بكتاب مُنزل، و إنما كان يقوم بعظات متنقلا من مكان إلى آخر من فلسطين)). و هو قال بهذا مجاريا لقول مؤرخي الدين النصراني الغربيين من أن عيسى لم يترك كتابًا منزلًا.

هذه بعض الأباطيل المبثوثة في هذا الكتاب، وقد استعرضناها بصورة مختصرة، وإلا فهناك ردود مطولة تناولتها.
والحمد لله رب العالمين