قراءة وتعريف

فقه الاعتكاف
book
خالد بن علي المشيقح
عنوان الكتاب: فقه الاعتكاف
الناشـر: دار أصداء المجتمع - القصيم
سنة الطبع: بدون
عدد الصفحات: 360

التعريف بموضوع الكتاب:
تتنوع العبادة في شهر رمضان المبارك, وتجتمع فيه من القربات ما لا تجتمع في شهر سواه, فهو متجر رابح لأهل الإيمان, يتاجرون فيه مع الله تبارك وتعالى, ويجنون فيه ثمار جدهم واجتهادهم في أيامه ولياليه المباركة, وإن من أعظم العبادات في رمضان عبادة الاعتكاف و(الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه فى محل هموم القلب وخطراته، فيستولى عليه بدلَها, ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلًا عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور، حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم). [(زاد المعاد) لابن القيم (2/82 )].

ولما كانت هذه العبادة لها من الفضل المكانة ما لها آثرنا أن يكون كتاب هذا الأسبوع أحد الكتب التي تناولت فقهها, وبيَّنت أحكامها, ووضحت مسائلها، وهو كتاب (فقه الاعتكاف) للشيخ خالد المشيقح.
بادئ ذي بدء مهَّدَ المؤلف لكتابه بتمهيد بيَّن فيه حقيقة الاعتكاف اللغوية والشرعية, حيث عرَّفه بأنه: لزوم مسجد لعبادة الله تعالى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة. كما بيَّن حكمة شرعيته, وحكمة تخصيصه بالعشر الأواخر في رمضان.
ثم شرع المؤلف في فصول كتابه والتي كان مجموعها ستة فصول وهاك أخي القارئ الكريم بيانها:

الفصل الأول:
في هذا الفصل سرد المؤلف أدلة مشروعية الاعتكاف، من كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وآثار الصحابة, والإجماع الذي نقله غير واحد من أهل العلم, وأوضح أن الأدلة متضافرة على مشروعية هذه الشعيرة العظيمة, والعبادة الجليلة, ومن ثمَّ تناول الحكم، وبيَّن حكمه لغير المرأة وحكمه لها, وأنه سنَّة في حق المرأة كالرجل؛ لأنَّ الأصل أن ما ثبت في حق الرجل ثبت في حقِّ المرأة إلا لدليل, أما بالنسبة لحكمه في غير رمضان والعشر الأواخر منه فقد رجح المؤلف ما ذهب إليه الجمهور من شرعية الاعتكاف كل وقت. كما تناول في هذه الفصل أيضاً أقسام الاعتكاف وزمنه.

الفصل الثاني:
وتناول في هذا الفصل شروط صحة الاعتكاف, وأركانه, فأما شروطه فذكر ثمانية من شروطه، منها المتفق عليها بين أهل العلم كالإسلام, والعقل, والتمييز. ومنها المختلف فيها كشرط الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة, والصوم.
وأما عن أركانه فذكر المؤلف اختلاف الفقهاء في تعدادها, وبيَّن أن القول الأقرب هو ما ذهب إليه الحنفية, وهو أن ركن الاعتكاف اللبث في المسجد, وما عداه فشروط خارجة عن ماهية الاعتكاف.

الفصل الثالث:
في هذا الفصل تحدث المؤلف عن مسألة الخروج من المسجد للمعتكف, وأن هذا الخروج أقسام، لكل قسم منها حكم يخصه, تكلم عنها بتفصيل, وذكر من هذه الأقسام: خروج المعتكف ببعض البدن, وخروجه بجميعه بلا عذر, وخروجه لعذر معتاد شرعاً أو طبعاً, أو غير معتاد, وخروجه لقربة من القرب. ثم أتبعه بالحديث عن مبطلات الاعتكاف، وعددها في أحد عشر مطلباً, فذكر من المبطلات على سبيل المثال لا الحصر: الجماع, ومباشرة الزوجة ونحوها, وإنزال المني, وطروء الحيض والنفاس, والإغماء والجنون, وغيرها, وفي كل هذه المبطلات يذكر الأدلة, ويستعرض أقوال العلماء وخلافهم إن وجد, ويناقش الأدلة المعروضة, ويبين ما ترجَّح له فيها, كما أنه تحدث عن شروط هذه المبطلات, واختلاف العلماء رحمهم الله تعالى فيما يشترط لمن تلبس بمبطل من مبطلات الاعتكاف، حسب خلافهم في اعتباره مبطلاً، أو عدم اعتباره. مرجحاً ما ذهب إليه الشافعية, بأن الاعتكاف لا يبطل مع النسيان, والإكراه, والجهل. ولأن هذه المحظورات من باب التروك، وما كان من باب التروك يعذر فيه بالجهل والنسيان.

الفصل الرابع:
وفيه تناول المؤلف بالذكر ما يشرع للمعتكف، وما يباح لـه، وما ينهى عنه, فذكر مما يشرع له: العبادات المحضة, والمتعدية, وأخذ ما يحتاج إليه من ثياب ونحوها, واتخاذ حجرة أو خباء يستتر به المعتكف, وغيرها.
وبالنسبة لما يباح للمعتكف فذكر المؤلف منها الأكل والشرب والنوم في المسجد, ولزوم بقعة بعينها, ولبس الثياب الحسنة والطيب, وغسل الرأس وتسريحه ودهنه, والالتزام بسنن الفطرة من قص شارب ونتف إبط ونحو ذلك.
أما ما ينهى عنه المعتكف فذكر منه: كل ما يؤدي إلى إبطال الاعتكاف بلا عذر، أو يخل بمقصوده وحكمته, ومن المنهيات أيضا للمعتكف عقود المعاوضات, والتكسب بالصنائع، وغيرها.

الفصل الخامس:
هذا الفصل خصصه المؤلف لمسألة نذر الاعتكاف, وذكر أنَّ النذر منه ما يقيده صاحبه بوصف, سواء قيده بصلاة أو قيده بصيام, ورجح المؤلف في هذه المسألة وجوب الجمع بين الصلاة والاعتكاف إن نذر أن يعتكف مصليا ووجوب الجمع بين الصوم والاعتكاف إن نذر أن يعتكف صائمًا.
ومنه ما يقيده صاحبه بزمان, كأن ينذر اعتكافاً مطلقاً, أو اعتكاف يوم, أو يومين أو أكثر, أو اعتكاف شهر أو ليلة, وتكلم المؤلف عن أحكام هذه المسائل، وما ترجح لديه فيه من أقوال أهل العلم.
ومنه ما يقيده بمكان, كأن ينذر الاعتكاف بأحد المساجد الثلاثة, وفي هذه الحالة رجح المؤلف قول جمهور أهل العلم, وهو أنه إذا عين الفاضل لم يجزئ المفضول، ولا عكس. فإذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجزئ في المسجد النبوي والمسجد الأقصى، وإذا نذر الاعتكاف في المسجد النبوي لم يجزئ المسجد الأقصى، وإذا نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى أجزأ في المساجد الثلاثة كلها.
أما إذا نذر الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة فرجح المؤلف ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنه لا يتعين المسجد بتعيينه بالنذر إلا إن كان لـه مزية شرعية, ككثرة جماعة، أو كونه جامعاً فيتعين، ما لم يلزم من ذلك شد رحل.

الفصل السادس:
وتناول في المؤلف قضاء الاعتكاف, فبيَّن أن الاعتكاف إما مستحب أو واجب على الحي, أو واجب على الميت:
أما الاعتكاف المستحب فرجح عدم وجوب قضائه لمن خرج منه بعد الشروع فيه؛ إذ الأصل براءة الذمة.
وأما الاعتكاف الواجب عن الحي فبيَّن أنَّه متى ما أفسده المعتكف وجب عليه استئنافه بصفته ؛ لعدم براءة ذمته منه، إلا إذا كان أياماً لا يشترط فيها التتابع فما مضى منها صحيح ، ويقضي ما بقي، وإن كان أياماً متتابعة فيلزمه الاستئناف لإمكانه أن يأتي بالمنذور على صفته ، وإن كانت أياماً معينة لزمته كفارة يمين لتفويت الزمن.

وأما الاعتكاف الواجب عن الميت فرجَّح المؤلف ما ذهب إليه الحنابلة من مشروعية قضاء الولي الاعتكاف الواجب عن الميت.
الكتاب يتميَّز بحسن تبويبه وتقسيمه, واستيعابه للمسائل الخلافية، وذكر الأقوال وقائليها في كل مسألة، واستعراض الأدلة, وما ورد عليها من مناقشة، وما أجيب به عنها, كما يتميز بالتوفيق بين الأقوال، أو الترجيح بناء على قوة الأدلة، وبما يتمشى مع قواعد الشريعة، ومقاصدها العامة، مع تخريج الأحاديث والحكم عليها نقلا عن المحدثين فإن لم يجد لهم حكما اجتهد في النظر في الأسانيد والحكم عليها.

ويعد هذا الكتاب من أفضل ما أُلِّف في باب الاعتكاف، مع سهوله في الأسلوب، وجمال في العرض، فجزى الله مؤلفه خيرًا، وأجزل له المثوبة.