قراءة ونقد

التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق إسلامه
book
الشريف حاتم بن عارف العوني
عنوان الكتاب: التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق إسلامه
الناشر: دار الصميعي - الرياض
سنة الطبع: 1429هـ
عرض ونقد: القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية
ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الكتب التي تدعو إلى التقريب بين أهل السنة وأهل البدع، وتحاول من باب التأليف أن تزيل أوجه الخلاف بين أهل السنة وغيرهم من أهل البدع، أو تخفف من حدة الخلاف بينهم، وكتاب هذا الشهر يقترب من هذه الدعوات لكن من باب آخر، وهو ما قد يفهم منه إذابة الفروق بين أهل السنة والمبتدعة في المعاملة، بدعوى أنهم مسلمون، ولهم حقوق الأخوة الإسلامية، وقد عنونه مؤلفه بـــ (التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق إسلامه)، والكتاب عليه بعض الاستدراكات والمؤاخذات، سنعرضها، مع عرض محتويات الكتاب. 

 

أولًا: عرض الكتاب

على صغر حجم الكتاب، إلا أنه تكلم في مسائل عدة وبعضها شائك، ويحتاج إلى تفصيل كبير، ومن أهم المسائل التي تطرق لها المؤلف، ما يلي:

- تقسيم البدع إلى ثلاثة أنواع: كفرية تناقض صريح الشهادتين، وكفرية تعارض أمرًا مقطوعًا به في الدين، وغير كفرية.

- بيان أن الكتاب مخصوص بمن كانت بدعته غير كفرية أصلًا، أو كانت كفرية لكنها لا تناقض دلالة الشهادتين.

- الإجماع على وجوب الردِّ على البدعة قدر الإمكان، والتفريق بين ردِّ البدعة ومعاملة المبتدع.

- للمبتدع حقوق الإسلام.

- عقوبة المبتدع حكم مصلحي خلاف الأصل في التعامل معه.

- تعظيم السلف لمن تلبس ببدعة من أهل العلم.

- عدم جواز التقديم المطلق للفساق على أهل البدع.

- تقسيم أهل القبلة إلى سني وبدعي تقسيم مصلحي اعتباري.

- منازل الناس من الإسلام وعدمه وموضع المبتدع منها.

- إطلاق القول بتفسيق أهل البدع وتوجيهه.

- قبول شهادة المبتدعة، ودلالته على عدالتهم، وعدم فسقهم.

- قبول فتاوى أهل البدع.

- بيان موقف الصحابة من الخوارج مع غلظ بدعتهم.

- قد يكون المبتدع مستحقًّا للعقوبة في الدنيا، وهو خير عند الله من بعض أهل السنة.

- نماذج من المواقف المنصفة لأئمة السنة مع أهل البدع.

- ليس كل رد على أهل البدع يكون محمودًا.

- أن المبتدع قد يكون أقرب إلينا وأحب من بعض أهل السنة، وبيان ضابط ذلك.

- مذهب السلف لا يصح أخذه من بعض أقوالهم.

- عدم صحة إطلاق القول بأن البدعة شر من المعصية من كل وجه.

 

ثانيًا: نقد الكتاب

إن البدع لها خطر عظيم على الدِّين، لذا فإن المتأمل لحال السلف مع أهل البدع، يجد أنهم اتخذوا موقفًا صارمًا منهم، سواء من الناحية العملية، أو في مصنفاتهم، ومن ذلك عقدهم أبوابًا في مصنفاتهم، تبين موقفهم من أهل البدع، فأبو داود يعقد في سننه (باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم) و(باب ترك السلام على أهل الأهواء) وفي (الترغيب والترهيب) للمنذري (الترهيب من حب الأشرار وأهل البدع) وفي الأذكار للنووي ( باب التبري من أهل البدع والمعاصي ) وكذلك في كتب العقيدة ففي كتاب الاعتقاد للبيهقي (باب النهي عن مجالسة أهل البدع) وفي كتاب اللالكائي (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة) إلى غير ذلك، بل إن بعض الأئمة من أهل السنة كان يُمدح لشدته على أهل البدع، كما في ترجمة غير واحد من السلف، والمؤلف قد اتخذ مسلكًا آخر، فجعل ما سبق خلاف الأصل، وخلافنا مع المؤلف ليس في كل ما ذكره في الكتاب، فبعضه حقٌّ وصواب، وقد قال به بعضٌ من علماء السلف، لكن خلافنا ونقدنا هو لتقريراته التي أوردها في الكتاب، وزعمه ما ليس أصلاً أنه هو الأصل، دون دليل أو بينة، ومشكلة كثير من الكتاب المعاصرين- وخاصة المتقهقرين منهم- اللجوء إلى طرفٍ مقابلَ طرفٍ آخر غير مرضي، فمسألة التعامل مع المبتدع -بدعة غير مكفرة- من المسائل التي تطرَّف فيها بعض الدعاة، وساووها بمسألة التعامل مع الكافر، أو لم يفرقوا بين درجات البدع، فجاء هذا الكتاب في الطرف الآخر ليهوِّن من مسألة التعامل مع المبتدع، وزعم أنه لا فرق بين التعامل مع المبتدع والسني،  فطالما أن المبتدع لم يأت ببدعة مكفرة فهو مسلمٌ، والأصل فيه أن يعامل كأي مسلم، بل ذهب المؤلف إلى أبعد من ذلك –وهو أخطر ما في الكتاب- وهو أن المبتدع بدعة كفرية لا تناقض دلالة الشهادتين ولم تقم عليه الحجة يعامل معاملة السني ولو كان عنده مبتدعاً، وقد أقام كتابه على هذا حيث قال (ص:9): (وسأخص هذا المقال بالمبتدع المسلم، وهو من كانت بدعته غير كفرية أصلًا، أو من كانت بدعته كفرية، لكنها لا تناقض دلالة الشهادتين)، وقبلها مثَّل بما يناقض الشهادتين بـ (إنكار وجود الخالق، أو جعل غير الله إلهًا، أو دعاء إله مع الله ... أو تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به، أو اعتقاد أنه لا طاعة له، أو بغضه صلى الله عليه وسلم)، ومقتضى هذا الكلام: المساواة في التعامل بين السني والخارجي الذي يكفر بالمعصية، كالأباضي مثلاً، والمساواة بين السني والرافضي شاتم الصحابة وأمهات المؤمنين، وبين السني والجهمي المعطل لصفات الله، وسنكتفي هنا بعرض مسائل ثلاث أوردها المؤلف خشية الإطالة:

 

1- دعوى المؤلف أن الأصل في معاملة المبتدع اللين والرفق كأي مسلم سني.

    يذهب المؤلف إلى أن الأصل  في معاملة المبتدعة في مذهب أهل السنة هو اللين والرفق، وأن العقوبة لا تشرع لهم إلا عند استشراء مفسدتهم، أو خوف شرهم.

يقول المؤلف (ص10): (الأصل عدم التشديد عليه...)  وقال في (ص:13): (وخلاصة ذلك أن عقوبة المبتدع خلاف الأصل...). و قال أيضًا ( ص : 31 ) : (التشديد مع أهل البدع خلاف الأصل فيهم).

وهذا الذي قرَّره المؤلف لا دليل عليه، بل سبق ذكر مسالك بعض السلف تجاه المبتدعة، وننقل هنا بعض أقوال أهل العلم، التي تفنِّد هذا الأصل الذي ذهب إليه، ومنها:

- قول ابن عبد البر في فوائد حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في الذين خلفوا: (وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع، وهجرته، وقطع الكلام عنه) (التمهيد 4/87).

- قول البغوي معلقًا على حديث كعب بن مالك:(وقد مضت الصحابة والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا، مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم) ( شرح السنة 1/227)

- قول الشاطبي: (إن فرقة النجاة، و هم أهل السنة، مأمورون بعداوة أهل البدع، والتشريد بهم، والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم، ونحن مأمورون بمعاداتهم، وهم مأمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة) (الاعتصام1/158).

فأنت ترى أن ابن عبدالبر، والبغوي، نقلوا إجماع الصحابة والتابعين على مقاطعة، ومجانبة، وهجر، ومعاداة، أهل البدع، فهل خالفوا بذلك الأصل الذي يزعمه المؤلف؟!

ففرق بين أن نقول: الأصل في التعامل مع المبتدع؛ اللين وفي كل الأحوال، وبين أن يكون ذلك رجاء مصلحة كالسعي لهدايته ودعوته واستمالته لأهل السنة، كما أن هناك فرقًا بين سني وقع في بدعة، ومبتدع غارق في بدعته، وبين مبتدع وداعٍ إلى بدعته، وبين مبتدع بدعة مغلظة، كبدعة الخوارج، والرافضة، وغلاة الصوفية، ومن وقع في تأويل بعض الصفات، وما شابه ذلك، أمَّا المؤلف فقد جعل هذا أصلًا حتى مع من وقع في بدعة كفرية، لكنها لا تناقض الشهادتين !!.

 

2- تسويته بين المسلم المبتدع والمسلم السني في الهجر:

قال (ص:11) (بل الذي ينبغي علينا أن لا نغفل عنه أبدًا تجاه المبتدع الذي لم يكفُر، أي: الذي لم يخرج عن دائرة الإسلام- أن حقوق المسلم على المسلم تشمله، وله فيها ما لغيره من جميع المسلمين). ثم قال ( ص : 13 ) : ( سأضرب مثلًا بأحد أظهر الحقوق، التي يظنُّ أنها منتقصة من الحقوق الإسلامية للمبتدع، ألا وهو تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام ). وذكر أنَّ أقوال أهل العلم متعارضة في هذا الباب؛ زاعماً أنه قام بتحريرها كما في (ص 14-17)، فتحريرها عنده : ( هجر المبتدع كهجر السني سواء بسواء ). زاعماً أن هذا هو قول ابن تيمية رحمه الله، ويعني بالمبتدع هنا من وقع في بدعة، ولو كانت مكفرة لكن لا تناقض الشهادتين، فهذا عنده هجره كهجر السني سواء بسواء!.

ولا شك أن المبتدع طالما أنَّه لم يأت ببدعة مكفرة فهو مسلم، لكن من الخطأ التسوية بينه وبين المسلم الذي لم يتلبس ببدعة، فالهجر محرم فوق ثلاثة أيام لكن يشرع لمصلحة دينية، والمصلحة الدينية متحققة في هجر المبتدع، وبخاصة إذا كانت بدعته مكفرة، ولو لم تناقض الشهادتين، قال النووي رحمه الله: (والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه، ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائمًا). (شرح مسلم 13/106).

ويقول البغوي: (والنهي عن الهجران فوق ثلاث، فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة، دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا). (شرح السنة 1/224).

وقال الحافظ ابن حجر: (وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث، فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه). (فتح الباري 9/608) .

لكن قد يُعدل عن ذلك إن كان يترتب عليه مفسدة، قال ابن تيمية: (فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة، وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي . وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم . فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس). (مجموع الفتاوى 28/212).

والمصلحة المترتبة على الهجر إما تأديب المبتدع وزجره وتحذير غيره عن فعله، وإما لخشية حصول الضرر والفتنة بمجالسته، فيمكن أن يفرق في هذا الباب بين من يتمكن من العلم، ويستطيع رد شبهات أهل البدع، بل يرجى من مجالسته لهم أن يرجعوا إلى الحق، وبين غير العالم الذي يُخشى عليه من مجالسة أهل البدع.

ونحن نتفق مع المؤلف في أن هجر المبتدع خاضع للمصلحة، لكن خلافنا معه هو: هل الأصل هجرانه –خاصة إذا كانت بدعته مغلظة- تأديبًا له إلا إن كان في ذلك مفسدة- وهذا مسلك أهل السنة مع المبتدعة؟ أم الأصل عدم هجرانه فوق ثلاث، أسوة بالسني غير المبتدع، كما قرَّره المؤلف، وخالف فيه مسلك أهل السنة مع المبتدعة؟!

 

3- انتقاده القول بأن البدعة شر من المعصية، وأن المبتدع أعظم شرًا من الفاسق.

قال المؤلف (ص:79): (ومن الخطأ المنتشر بيننا تصوُّرُ أنَّ شرَّ المبتدع مطلقًا أعظم من شرِّ الفاسق) . اهـ، ثم علق في الحاشية (ص:75) بما مضمونه أن لشيخ الإسلام في كتاب الاستقامة كلامًا، إذا جمعناه مع كلامه المشهور عنه بأنَّ شر المبتدع مطلقًا أعظم من شرِّ الفاسق يتضح لنا بأنَّ الإطلاق غير مراد.

وإذا تأملنا النقلين عن شيخ الإسلام وجدنا أنهما يتآلفان، على خلاف ما فهم المؤلف، يقول شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى) (28/470): (ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلّظة شرٌّ من الذنوب التي يعتقدُ أصحابُها أنها ذنوب). ويقول أيضًا (20/103) : (إنَّ أهل البدع شرٌّ من أهل المعاصي الشهوانية, بالسنة والإجماع)

أما كلامه في كتاب الاستقامة (1/455) فهو: (وكان السلف يحذرون من هذين النوعين: من المبتدع في دينه، والفاجر في دنياه، كلٌّ من هذين النوعين، وإن لم يكن كفرًا محضًا، فهذا من الذنوب والسيئات التي تقع من أهل القبلة . وجنس البدع وإن كان شرًّا، لكن الفجور شر من وجه آخر، وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرًّا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض، لكن مقرونًا باعتقاده لتحريمه، وتلك حسنة في أصل الاعتقاد، وأمَّا المبتدع فلا بدَّ أن تشتمل بدعته على حقٍّ وباطل، لكن يعتقد أنَّ باطلها حقٌّ أيضًا ففيه من الحسن ما ليس في الفجور، ومن السيئ ما ليس في الفجور، وكذلك بالعكس، فمن خلص من الشهوات المحرمة والشهوات المبتدعة وجبت له الجنة، وهذه هي الثلاثة: الكلام المنهي عنه، والطعام المنهي عنه، والنكاح المنهي عنه، فإذا اقترن بهذه الكبائر استحلالها كان ذلك أمرا، فكيف إذا جعلت طاعة وقربة وعقلًا ودينًا).اهـ.

ويدلُّ على هذا الفرق بين الفاسق والمبتدع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل شارب الخمر: ((لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله)) رواه البخاري (6780). وقال في الخوارج: (شر قتلى تحت أديم السماء) رواه أحمد (5/256) والترمذي (3000).

ومرة أخرى نجد من يتطرَّف في هذه المسألة –والإنصاف عزيز- فمن الدعاة -هداهم الله- من جعل من وقع في بدعة- ولو صغيرة- أكثر ضررًا من كبار الفجار والفساق، حتى أنهم حذَّروا من دعاة أهل السنة؛ لأنهم أهل بدعة -في زعمهم- مستشهدين بأقوال بعض السلف، كقول سعيد بن جبير: ( لأن يصحب ابني فاسقًا، شاطرًا، سنيًّا، أحب إلي من أن يصحب عابدًا مبتدعًا)، وقول أحمد بن سنان: (( لأن يجاورني صاحب طنبور، أحب إلي من أن يجاورني صاحب بدعة، لأنَّ صاحب الطنبور أنهاه، وأكسر الطنبور، والمبتدع يفسد الناس والجيران والأحداث).

وفي الطرف المقابل نرى من يهوِّن من أمر المبتدع وشرِّه، وصواب ذلك أن يقال: جنس الابتداع أعظم من جنس المعاصي، وفي كلٍّ من البدعة والمعصية كبير وصغير، ومغلَّظ وغير مغلَّظ، لذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلَّظة شرٌّ من الذنوب التي يعتقدُ أصحابُها أنها ذنوب) (مجموع الفتاوى 28/470).  

وقال ابن تيمية: (واحذر أن تغتر بزهد الكافرين والمبتدعين؛ فإن الفاسق المؤمن الذي يريد الآخرة ويريد الدنيا خير من زهاد أهل البدع وزهاد الكفار إما لفساد عقدهم وإما لفساد قصدهم وإما لفسادهما جميعا) (مجموع الفتاوى 20/152).

فالعاصي الذي يريد الآخرة خير من المبتدع الضال، ومن وقع في بدعة غير مغلظة مجتهدًا أو مقلدًا غير مصرٍّ على بدعته خيرٌ من العاصي الفاجر المكابر، والمستتر ببدعته غير المغلظة خير من المجاهر بكبائر الذنوب، وهكذا ...، لكن يظل جنس البدع أسوا من جنس المعاصي و((شر الأمور محدثاتها)).

هذا بعض ما أخذ على الكتاب، ويرجع في مجمله إلى أن الكتاب رغم ما فيه من حقٍّ وصواب، لا نختلف مع المؤلف فيه، إلا أنه قائمٌ على عدم التفريق بين المبتدع، -ولو بدعة مكفرة لا تناقض الشهادتين-؛ والسني الموحِّد في التعامل، واتهام أهل السنة بخطأ ممارستهم، وتعاملهم مع المبتدع، لذلك كان عنوان الكتاب: (التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق إسلامه – تصحيح لممارساتنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم السلف).

وخطر هذا التصور يكمن في الأمثلة:

فالخوارج والرافضة الشاتمة يعَدُّون عند المؤلف ممن وقع في بدعة، وقد تكون مكفرة لكن لا تناقض الشهادتين، فكيف نعاملهم حسب هذا المقياس؟ يضرب المؤلف مثلًا بالرافضة فيقول (ص:68) :

((وقال يعقوب بن يوسف المطوِّعي –وهو أحد تلاميذ أحمد الثقات الأثبات- كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضيًّا، وكان يغشى أحمد بن حنبل، فيقرّبه ويدنيه. فقيل له: يا أبا عبد الله، عبد الرحمن رافضي، فقال: سبحان الله! رجلٌ أحب قومًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، نقول له: لا تحبهم؟! هو ثقة)).

ثم قال: ((ولما أنكر خلف بن سالم على يحيى بن معين ذهابَه إلى هذا الراوي (عبد الرحمن بن صالح الأزدي)، قال له ابن معين: اغْرُبْ، لا صلّى الله عليك ! عنده والله سبعون حديثًا، ما سمعت منها شيئًا. وقال عنه ابن معين مّرّةً أخرى: ثقةٌ صدوقٌ شيعيٌّ، لأن يخرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يكذب في نصفِ حرفٍ) انتهى كلامه.

ويجاب أن المؤلف قال (ص: 14): (أنه يجب علينا ألا نأخذ من كلام العالم ما نؤيد به رأينا فقط، ونغفل ونتعامى عن غيره لأننا لا نرتضيه)، ولذلك ننقل له عن الإمام أحمد نفسه نصًّا آخر في هذه المسألة، قال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدثهم قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبدالله، ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصبًا ؟ قال أبو عبدالله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس ) . فكيف بمن يطعن في أبي بكر وعمر وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين.

والإمام أحمد هو الذي يقول أيضًا: (وليست الرافضة من الإسلام في شيء). وقال: (من شتم أخاف عليه الكفر مثل الروافض)، وقال: (من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نأمن أن يكون مرق عن الدين). بل جاء عنه أن من سب رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كفر.

ويمكن أن يجاب عن النقل الأول- إن ثبت- بأن الإمام أحمد لم يرَ من الرجل رفضًا، وإنما رأى منه تعظيمًا لبعض أهل البيت فقط.

نسأل الله الهداية والتوفيق لنا وللمؤلف، ولكل مبتدع وفاسق.