موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالثُ: صَوْغُ "أفعَل" في التعَجُّبِ


يُصاغُ "أفعَل" من كل فعلٍ ثلاثيٍّ، متصَرِّفٍ، قابلٍ للتفاوُتِ، تامٍّ غيرِ ناقصٍ، مَبْنيٍّ للمعلومِ، ليس اسمُ الفاعِلِ منه على (أفعَل)، كأحمَرَ وأخضَرَ.
فلا يُصاغُ من غيرِ الثلاثيِّ؛ لأنَّه يؤدِّي إلى حَذفِ أحَدِ حُروفِه، ولا من الفِعْلِ الجامِدِ، مِثْلُ: عسى وليس ونِعْم وبِئس، ولا من الأفعالِ التي لا تفاوُتَ في معناها؛ كالموتِ، فلا يقالُ: ما أموَتَ فلانًا، ولا من الأفعال الناقصة كـ(كان) وأخواتها، ولا من المَبْنيِّ للمجهولِ، ولا ممَّا يلازِمُ النفي أبدًا، مِثلُ قَولِهم: ما عاجَ بهذا الدواءِ، أي: ما انتفع به، يلازم الفِعْل "عاج" النفي دائمًا.
فإذا لم يستوفِ فعلٌ الشروطَ فإنَّنا نأتي بفِعلٍ على وزن "أفعل" ملائمًا، وبَعْدَه المَصْدَرُ من ذلك الشَّيءِ منصوبًا بعد "ما أفعل" أو مجرورًا بعد "أفعِلْ بـ". تَقولُ: ما أسرَعَ دَحْرَجةَ الكُرةِ، ما أكثَرَ استخراجَ النِّفطِ من الجبالِ، ما أفجَعَ موتَ فلانٍ، ما أقرَبَ ألَّا يعجَّ فلان بهذا الدواءِ، ما أجدَرَ أن يُحمَدَ فلانٌ، وما أبهى خُضْرةَ النباتِ، ومِثْلُه: أسرِع بدحرجةِ الكرةِ، أكثِرْ باستخراجِ النِّفطِ، أفجِعْ بموتِ فُلانٍ ... ولا يأتي من الأفعالِ الجامدةِ؛ لأنَّه لا مَصْدَرَ لها.
فإذا كان الفِعْلُ ممَّا لم يستوفِ تلك الشُّروطَ، ومع ذلك جاء على "أفعَل"، فهو شاذٌّ أو نادرٌ لا حُكْمَ له، ولا يقاسُ عليه، ومنه قالوا: ما أخصَرَ الكِتابَ، من "اختَصَر"، وهو خماسيٌّ ومع ذلك جاء على أفعَل، ومنه أيضًا قولهم: ما أحمقَ فلانًا، وما أرعَنَه، وما أهوَجَه، مع أنَّ الفاعِلَ منه على أفعَل، وهو أحمَقُ وأرعَنُ وأهوَجُ، كأنهم قاسوا ذلك على: ما أجهَلَه.
وشذَّ كذلك قولهم: ما أعساه، وأعْسِ به، من الفِعْل الجامد "عسى". كذلك قالوا: "ما أذرَعَها" ببناء التعجُّبِ من وَصفٍ لا فِعلَ له، يقالُ: امرأةٌ ذراعٌ، أي: خفيفةُ اليدِ في الغَزلِ، كذلك قولهم: أقْمِن بكذا، مِن قَولِهم: قَمِنٌ بكذا، أي: جديرٌ به، ولا فِعْلَ له.

انظر أيضا: