موسوعة اللغة العربية

الفَصْلُ الخامِسُ: مَصادِرُ الأدَبِ


المَصادِرُ الأدَبيَّةُ هي الكُتُبُ والمَوْسوعاتُ الَّتي حَوَتْ كلَّ ما يَتَّصِلُ بالأدَبِ العَربيِّ مِن عُلومٍ وفُنونٍ، والَّتي يَستمِدُّ مِنها الباحِثُ في الأدَبِ العَربيِّ مادَّةَ بَحْثِه، ويَجِدُ طالِبُ العِلمِ فيها بُغْيتَه.
والمَكتبةُ الأدَبيَّةُ العَربيَّةُ تَحْوي كمًّا هائِلًا مِنَ المَصادِرِ الأدَبيَّةِ، الَّتي يَجِدُ فيها كلُّ مَن يَبحَثُ عن أيِّ فَرْعٍ مِن فُروعِ الأدَبِ بُغْيتَه، ومِن أشْهَرِ هذه المَصادِرِ ما يأتي:
1- كُتُبُ الدَّواوينِ والأعْمالِ الشِّعريَّةِ: سواءٌ كانَتْ جامِعةً لشِعرِ شاعِرٍ بعَيْنِه؛ جاهِليًّا كان؛ كامْرِئِ القَيْسِ وزُهَيْرٍ وعَنْتَرةَ والأَعْشى وغَيْرِهم، أو مُخَضْرَمًا؛ كحَسَّانَ بنِ ثابِتٍ وكَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ، أو إسلاميًّا؛ كجَريرٍ والفَرَزْدَقِ، أو عبَّاسيًّا؛ كالمُتَنبِّي وابنِ الرُّوميِّ والبُحْتُريِّ وأبي تَمَّامٍ، أو مُحْدَثًا، مِثلُ: شَوقي والبارودي وحافِظٍ وجُبْرانَ وغيْرِهم.
ورُبَّما كانَتْ جامِعةً لعِدَّةِ شُعَراءَ، مِثلُ ديوانِ الهُذَليِّينَ الَّذي يَجمَعُ شِعْرَ شُعَراءِ قَبيلةِ هُذَيلٍ، وعلى رأسِهم أبو ذُؤَيبٍ الهُذَليُّ، ومِثلُ المُعَلَّقاتِ الَّتي حَوَتْ قَصائِدَ مِن عُيونِ الشِّعرِ الجاهِليِّ.
2- كُتُبُ الاخْتِياراتِ الأدَبيَّةِ:
وهي تلك الكُتُبُ الَّتي اخْتارَ أصْحابُها عُيونًا مِنَ الشِّعرِ والأدَبِ، سواءٌ في الشِّعرِ الجاهِليِّ أو ما بعْدَه، وحَظِيتْ بإعْجابِ الرُّواةِ وعُمومِ النَّاسِ، وعَمَدَ أصْحابُ تلك الكُتُبِ إلى ذِكْرِها وشَرْحِها.
ومِن تلك الكُتُبِ:
(أ) المُفَضَّليَّاتُ: للمُفضَّلِ بنِ مُحمَّدِ بنِ يَعْلى بنِ سالِمٍ الضَّبِّيِّ، المُتَوفَّى سَنةَ 168هـ. وهو مِن أقْدَمِ الكُتُبِ الَّتي وصَلَتْنا في الشِّعرِ الجاهِليِّ. اخْتارَ فيها المُفضَّلُ بعضًا مِن نَوادِرِ الشِّعْرِ العَربيِّ، ثم شرَحه أبو بكرِ بنُ الأنباري المتوفَّى (328هـ)، كما شرَحه أيضًا الأستاذانِ أحمد شاكِر وعبد السلام هارُون في تحقيقِهما له.
(ب) الأصْمَعيَّاتُ: لأبي سَعيدٍ عبْدِ المَلِكِ بنِ قُرَيبٍ الأصْمَعيِّ، المُتَوفَّى سَنةَ (216هـ)، وقدِ اسْتَكمَلَ في كِتابِه هذا جُهْدَ المُفضَّلِ الضَّبِّيِّ، وأتى بما أخَلَّ به ممَّا يَراه الأصْمَعيُّ مِن عُيونِ الشِّعرِ العَربيِّ وأجْوَدِه كذلك.
(ج) العِقْدُ الفَريدُ: لأبي عُمَرَ، شِهابِ الدِّينِ أحْمَدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ عبْدِ رَبِّه، المُتَوفَّى سَنةَ (328هـ)، ذكَرَ فيها أيَّامَ العَربِ ووَقائِعَهم، وما قيلَ في ذلِك مِن شِعْرٍ، وأصَّلَ لبعضِ القَصائِدِ الجاهِليَّةِ، فذَكَرَ مُناسَبتَها وما قيلَتْ فيه، كما ذَكَرَ قِصةَ "دارةِ جُلْجُل" معَ امْرِئِ القَيْسِ، وغَيْرَها، واعْتَنى بذِكْرِ ما وقَعَ بيْنَ الأُدَباءِ مِنَ المُلَحِ والنَّوادِرِ.
3- كُتُبُ تَراجِمِ الأُدَباءِ والشُّعَراءِ:
وهي تلك الكُتُبُ الَّتي اعْتَنتْ بطَبَقاتِ الشُّعَراءِ، وذِكْرِ أخْبارِهم وسِيَرِهم، وتَرْجمةِ حَياتِهم، معَ انْتِخابِ أفْضَلِ أشْعارِهم، ومِن ذلِك:
(أ) جَمْهَرةُ أشْعارِ العَربِ: لأبي زَيْدٍ، مُحمَّدِ بنِ أبي الخَطَّابِ القُرَشيِّ [28] مختَلَف في تاريخ وفاته، وسيأتي ذكر ذلك. ؛ حيثُ وقَفَ فيه على أخْبارِ بعضِ الشُّعَراءِ الكِبارِ؛ كزُهَيرٍ وامْرِئِ القَيْسِ، والأعْشى ولَبيدٍ، وعَمْرِو بنِ كُلْثومٍ وغيْرِهم، وتَناوَلَ شيئًا مِن أشْعارِهم ممَّا انْتَقاه بنفْسِه مِن أفْضَلِ ما قالوا، وتَناوَلَ تَبايُنَ الرُّواةِ والعُلَماءِ في أفْضَلِ الشُّعَراءِ، ثُمَّ ذَكَرَ المُعَلَّقاتِ، ثُمَّ اخْتارَ بعضًا مِن عُيونِ الشِّعرِ، سمَّى بعضَها المُجَمْهَراتِ، وبعضَها المُذَهَّباتِ، وبعضَها المَراثيَ، وبعضَها المَشوباتِ، وأُخرى المَلْحَماتِ.
(ب) طَبَقاتُ فُحولِ الشُّعَراءِ: لأبي عبْدِ اللهِ، مُحمَّدِ بنِ سَلَّامٍ الجُمَحيِّ، المُتَوفَّى سَنةَ (232هـ)، وقد قام بانْتِخابِ الشُّعَراءِ واخْتِبارِ شِعْرِهم، حتَّى جعَلَهم على طَبَقاتٍ ومَراتِبَ، فجعَلَ لشُعَراءِ الجاهِليَّةِ عَشْرَ طَبَقاتٍ، في كلِّ طَبَقةٍ أرْبَعةُ شُعَراءَ، وكذا جعَلَ لشُعَراءِ الإسلامِ؛ فجعَلَ في الطَّبَقةِ الأُولى لشُعَراءِ الجاهِليَّةِ امْرَأَ القَيْسِ، وزُهَيْرَ بنَ أبي سُلْمى، والأعْشى، والنَّابِغةَ الذُّبْيانيَّ، وفي الطَّبَقةِ الأُولى لشُعَراءِ الإسلامِ جَريرًا، والفَرَزْدَقَ، والأخْطَلَ، والرَّاعيَ النُّمَيريَّ. وذَكَرَ أفْضَلَ ما قالَه كلُّ شاعِرٍ مِنَ الشُّعَراءِ، كلٌّ في مَوضِعِه وطَبَقتِه.
(ج) الشِّعرُ والشُّعَراءُ: لأبي مُحمَّدٍ، عبْدِ اللهِ بنِ مُسلِمِ بنِ قُتَيْبةَ الدِّينَوَريِّ، المُتَوفَّى سَنةَ (276هـ)، عُنِيَ ابنُ قُتَيْبةَ بذِكْرِ تَراجِمِ الشُّعَراءِ، فتَرْجَمَ لمِئَتَي شاعِرٍ وسِتَّةِ شُعَراءَ، يَذكُرُ أسْماءَهم وأنْسابَهم وأخْبارَهم ووَفاتَهم، ويَنتخِبُ مِن أشْعارِهم.
4- كُتُبُ التَّاريخِ الأدَبيِّ:
وهي تلك الكُتُبُ الَّتي اسْتَعرَضَتْ تاريخَ الأدَبِ مِن العَصْرِ الجاهِليِّ، وتَدرَّجَتْ به عَبْرَ العُصورِ، ووقَفَتْ على أبْرَزِ رِجالِه، وأبْرَزِ أعْمالِهم، ومِن أبْرَزِ هذه الكُتُبِ مَوْسوعةُ شَوقي ضَيف في تاريخِ الأدَبِ العَربيِّ، وكذا مَوْسوعةُ لويس شيخو في تاريخِ الأدَبِ العَربيِّ.
5- كُتُبُ البَلاغةِ والنَّقْدِ:
وهي مادَّةٌ خِصبةٌ تُوقِفُ الدَّارِسَ على أدَواتِ الأديبِ، وما يَنْبغي أن يُحصِّلَه ليَتَمكَّنَ مِنَ الإبْداعِ الأدَبيِّ، ومِن أبْرَزِ هذه الكُتُبِ:
(أ) البَيانُ والتَّبْيينُ: لأبي عُثْمانَ، عَمْرِو بنِ بَحْرِ بنِ مَحْبوبٍ الكِنانيِّ، المَشْهورِ بالجاحِظِ، المُتَوفَّى سَنةَ 255هـ. وهو مِن أشْهَرِ الكُتُبِ في اللُّغةِ والأدَبِ، وقد تَحدَّثَ فيه الجاحِظُ عن مَفْهومِ البَيانِ وأنْواعِه، وآفاتِ اللِّسانِ، والبَلاغةِ والفَصاحةِ، ودعَّمَ ذلك بعَرْضِ مُقْتَطَفاتٍ مِنَ الخُطَبِ والرَّسائِلِ والأشْعارِ والأحاديثِ، وتَكلَّمَ على أصْلِ اللُّغةِ وقيمةِ الشِّعرِ، وغيْرِ ذلِك.
(ب) الكامِلُ في اللُّغةِ والأدَبِ: لأبي العبَّاسِ، مُحمَّدِ بنِ يَزيدَ المُبَرِّدِ، المُتَوفَّى (285هـ)، وقد تَناوَلَ في الكِتابِ مُلَحًا مِن أخْبارِ الأُدَباءِ وأشْعارِهم، استَهلَّ الكِتابَ ببعضِ بَلاغاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ شيئًا مِن كِتاباتِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين وخُطَبِهم، وما فيها مِنَ البَلاغةِ والفَصاحةِ.
(ج) كِتابُ الصِّناعتَينِ: الكِتابة والشِّعْر: لأبي هِلالٍ، الحَسَنِ بنِ عبْدِ اللهِ بنِ سَهْلٍ، العَسْكَريِّ، المُتَوفَّى سَنةَ (395هـ). ألَّفَ العَسْكَريُّ الكِتابَ ليكونَ جامِعًا لمَعاييرِ الكِتابةِ وطُرُقِها وشُروطِها، شِعْرًا كانَتْ أو نَثْرًا، ثُمَّ دَلَّلَ على كَلامِه وأكَّدَه بذِكْرِ مُقْتَطَفاتٍ بَليغةٍ مِن الأدَبِ العَربيِّ على مَرِّ عُصورِه.
(د) المَثَلُ السَّائِر في أدَبِ الكاتِبِ والشَّاعِرِ: لأبي الفَتْحِ، ضِياءِ الدِّينِ، نَصْرِ اللهِ بنِ مُحمَّدِ بنِ الأثيرِ، المُتَوفَّى سَنةَ (637هـ)، وقد وضَعَ كِتابَه ليكونَ مَرجِعًا في عُلومِ الكِتابةِ والبَلاغةِ والإنْشاءِ والشِّعرِ، ووضَعَ فيه ألوانَ المُحسِّناتِ، وصُوَرَ التَّشْبيهاتِ والمَجازِ، ونَحْوَ ذلك، وبَرْهَنَ على كلٍّ بما في جَعْبتِه مِن الآياتِ والأحاديثِ والشِّعرِ والنَّثْرِ.
6- المَعاجِمُ اللُّغويَّةُ:
وهي أساسٌ لمَعْرفةِ دَلالاتِ الألفاظِ، وفَهْمِ مَعاني الجُمَلِ والتَّراكيبِ، إلى جانِبِ ما حَوَتْه مِن أشْعارِ الشُّعَراءِ، وأقوالِ الأُدَباءِ بوَجْهٍ عامٍّ، ومِن أمْثِلتِها: لِسانُ العَربِ لابنِ مَنْظورٍ، ومَقاييسُ اللُّغةِ لابنِ فارِسٍ، والقاموسُ المُحيطُ للفَيْروزاباديِّ، وغيْرُ ذلك.
7- الكُتُبُ المُتَرجَمةُ:
وهي مُتَنوِّعةٌ وكَثيرةٌ؛ فبعضُها كُتُبٌ في الأدَبِ العَربيِّ، مِثلُ: تاريخِ الأدَبِ العَربيِّ لكارل بُروكْلمان، وقد تَرجَمَ الأجْزاءَ الثَّلاثةَ الأُولى مِنه الدُّكتورُ عبْدُ الحَليمِ مَحْمود -رَحِمَه اللهُ-. وإلى جانِبِ ذلك تُوجَدُ كُتُبٌ أدَبيَّةٌ كُتِبتْ في آدابِ اللُّغاتِ الأخرى، وهذه تُفيدُ في التَّعرُّفِ على التُّراثِ الأدَبيِّ للأُمَمِ الأخرى، وتَقِفُ القارِئَ على عَظَمةِ الأُمَّةِ العَربيَّةِ في أبْوابِ الأدَبِ.

انظر أيضا: