الموسوعة العقدية

الفَصلُ الخامِسُ: حُكمُ أهلِ الفَترةِ

أهلُ الفَترةِ هم الأُمَمُ الكائِنةُ بين أزمِنَةِ الرُّسُلِ الذين لم يُرسَلْ إليهم الأوَّلُ، ولا أدركوا الثَّانيَ، كالأعرابِ الذين لم يُرسَلْ إليهم عيسى، ولا لحِقوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. والفَترةُ بهذا التفسيرِ تشمَلُ ما بين كُلِّ رَسولَينِ، والفُقَهاءُ إذا تكَلَّموا في الفترةِ فإنَّما يَعْنُون التي بين عيسى عليه السَّلَامُ ومحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [927] يُنظر: ((الحاوي للفتاوي)) للسيوطي (2/253). .
ويُطلَقُ مُصطلَحُ أهلِ الفترةِ عند كثيرٍ مِن العُلَماءِ على كُلِّ من لم تبلُغْهم الدَّعوةُ، بما فيهم أطفالُ المشركينَ [928] بعضُ أهلِ العِلمِ يُفَرِّقُ بين حُكمِ أطفالِ المُشرِكين وغيرِهم ممَّن لم تَبلُغْهم الدَّعوةُ؛ لورودِ أدِلَّةٍ خاصَّةٍ بهم. .
وقال الألوسي: (الفترةُ عند جميعِ المفَسِّرين: انقِطاعُ ما بين الرَّسولينِ) [929] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (3/ 274). .
أقوالُ العُلَماءِ في حُكمِ أهلِ الفَترةِ:
اختلف العُلَماءُ في ذلك على عِدَّةِ أقوالٍ، من أشهَرِها:
=القَولُ الأوَّلُ:!= أنَّ من مات ولم تبلُغْه الدَّعوةُ مات ناجيًا.
وقد نصَّ بعضُ العلماء على دخول أطفال المشركين الجنة -دون غيرهم من أهل الفترة- منهم: ابنُ حَزمٍ [930] يُنظر: ((الفصل)) (3/ 74). ، والنَّوويُّ [931] يُنظر: (شرح مسلم) (16/208). ، والقُرطبيُّ [932] يُنظر: (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)) (2/ 231). ، وابنُ حَجَرٍ، وذكر أنَّه ترجيحُ البخُاريِّ [933] يُنظر: ((فتح الباري)) (3/246). .
=القَولُ الثَّاني:!= أنَّ من مات ولم تبلُغْه الدَّعوةُ فهو في النَّارِ.
قال ابنُ القَيِّمِ: (هو قَولُ جماعةٍ من المتكَلِّمين، وأهلِ التفسيرِ، وأحَدُ الوجهَينِ لأصحابِ أحمَدَ، وحكاه القاضي نَصًّا عن أحمَدَ، وغَلَّطه شيخُنا) [934] يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) (2/ 1092). ، وهو قَولُ جماعةٍ من أصحابِ أبي حنيفةَ [935] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيميَّةَ (2/ 296). .
=القَولُ الثَّالثُ:!= أنَّهم يُمتَحَنون في عَرَصاتِ القيامةِ بنار ٍيأمُرُهم اللهُ سُبحانَه وتعالى بدُخولِها، فمن دخلها كانت عليه بَرْدًا وسَلامًا، ومن لم يَدخُلْها فقد عصى اللهَ تعالى؛ فهو من أهلِ النَّارِ.
وهذا قَولُ جُمهورِ السَّلَفِ، حكاه الأشعريُّ عنهم [936] يُنظر: ((الإبانة)) (ص: 34). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (24/373)، ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (2/ 1139). ، وممن قال به: البيهقيُّ [937] يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 187). ، وابنُ تيميَّةَ [938] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (2/ 298)، ((مجموع الفتاوى)) (24/372). ، وابنُ القَيِّم [939] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 399). ، وابنُ كثيرٍ [940] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 53). ، وغيُرهم.
قال ابنُ تيميَّةَ: (من لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ في الدُّنيا بالرِّسالةِ؛ كالأطفالِ، والمجانينِ، وأهلِ الفَتَراتِ؛ فهؤلاء فيهم أقوالٌ؛ أظهرُها: ما جاءت به الآثارُ؛ أنَّهم يُمتَحَنون يومَ القيامةِ، فيَبعَثُ إليهم من يأمُرُهم بطاعتِه، فإن أطاعوه استحَقُّوا الثَّوابَ، وإن عَصَوه استحَقُّوا العَذابَ) [941] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (2/ 298)، ((مجموع الفتاوى)) (24/372). .
وقال ابنُ القَيِّمِ بعد حكايتِه للأقوالِ في أطفالِ المُشرِكين وأدِلَّتِها: (المذهَبُ الثَّامِنُ: أنَّهم يُمتَحَنون في عَرصةِ القيامةِ، ويُرسَلُ إليهم هناك رَسولٌ، وإلى كُلِّ من لم تبلُغْه الدَّعوةُ، فمن أطاع الرَّسولَ دخل الجنَّةَ، ومن عصاه أدخَلَه النَّارَ، وعلى هذا فيكونُ بعضُهم في الجنَّةِ، وبعضُهم في النَّارِ، وبهذا يتألَّفُ شَملُ الأدِلَّة كُلِّها، وتتوافَقُ الأحاديثُ) [942] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 396). ، ثمَّ ساق أدِلَّةً لهذا القولِ، وقال: (فهذه الأحاديثُ يَشُدُّ بعضُها بعضًا، وتشهَدُ لها أصولُ الشَّرعِ وقواعِدُه، والقَولُ بمضمونِها هو مَذهَبُ السَّلَفِ والسُّنَّةِ، نقله عنهم الأشعريُّ رحمه اللهُ) [943] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 399). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (اختلف الأئمَّةُ -رحمهم اللهُ تعالى- فيها قديمًا وحديثًا، وهي الوِلدانُ الذين ماتوا وهم صِغارٌ وآباؤهم كُفَّارٌ ماذا حُكمُهم؟ وكذا المجنونُ، والأصَمُّ، والشَّيخُ الخَرِفُ، ومن مات في الفترةِ ولم تَبلُغْه الدَّعوةُ، وقد ورد في شأنِهم أحاديثُ أنا ذاكِرُها لك بعَونِ اللهِ وتوفيقِه) [944] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 53). ، ثمَّ ساق عَشَرةَ أحاديثَ في هذه المسألةِ، ثمَّ أشار إلى الأقوالِ في المسألةِ، ورَجَّح أنَّهم يُمتَحَنون يومَ القيامةِ؛ حيثُ قال: (وهذا القَولُ يجمَعُ بين الأدِلَّة كُلِّها، وقد صَرَّحت به الأحاديثُ المتقَدِّمةُ المتعاضِدةُ، الشَّاهِدُ بَعضُه لبَعضٍ) [945] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 58). .
وقال الشِّنقيطي بَعْدَما رجَّح هذا القولَ: (إنَّ الجَمعَ بين الأدِلَّةِ واجِبٌ متى ما أمكَنَ بلا خِلافٍ؛ لأنَّ إعمالَ الدليلينِ أَولى من إلغاءِ أحَدِهما، ولا وَجْهَ للجَمع ِبين الأدِلَّةِ إلَّا هذا القَولُ بالعُذرِ والامتحانِ) [946] يُنظر: ((أضواء البيان)) (3/ 75). .
ومِن أهَمِّ أدِلَّتِهم على هذا القَولِ دليلانِ:
الدَّليلُ الأوَّلُ: عمومُ الآياتِ الدَّالَّةِ على نَفيِ التَّعذيبِ قَبلَ بُلوغِ الحُجَّةِ.
كقَولِه تعالى عن أهلِ النَّارِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا [الملك: 8، 9].
وقَولِه سُبحانَه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15]، وغيرِها من الآياتِ الدَّالَّةِ على عُذرِ أهلِ الفَترةِ بأنَّهم لم يأتِهم نَذيرٌ.
قال السعديُّ في تفسيرِه لهذه الآيةِ: (اللهُ تعالى أعدَلُ العادِلينَ، لا يُعَذِّبُ أحدًا حتى تقومَ عليه الحُجَّةُ بالرِّسالةِ، ثمَّ يعانِدُ الحُجَّةَ، وأمَّا من انقاد للحُجَّةِ، أو لم تَبلُغْه حُجَّةُ اللهِ تعالى؛ فإنَّ اللهَ تعالى لا يُعَذِّبُه، استُدِلَّ بهذه الآيةِ على أنَّ أهلَ الفَتراتِ، وأطفالَ المُشرِكين، لا يُعَذِّبُهم اللهُ، حتى يَبعَثَ إليهم رَسولًا؛ لأنَّه مُنَزَّهٌ عن الظُّلمِ) [947] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 455). .
الدَّليلُ الثَّاني: آثار مُصَرِّحةِ بأنَّ أهلَ الفَترةِ ومن لم تَبلُغْه الدَّعوةُ يُمتَحَنونَ يومَ القيامة.
فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: (إذا كانَ يومُ القيامةِ جَمعَ اللَّهُ أَهلَ الفَترةِ والمعتوهَ , والأصمَّ , والأبكمَ والشِّيوخَ الَّذينَ لم يدرِكوا الإسلامَ ، ثمَّ أرسلَ إليهِم رسولًا أنِ ادخُلوا النَّارَ ، فيقولونَ : كيفَ ولَم يأتِنا رُسُلٌ ؟ قالَ : وأَيْمُ اللَّهِ لو دخلوها لَكانت عليهم بردًا وسلامًا , ثُمَّ يرسِلُ إليهِم رسولًا فيطيعُه مَن كانَ يريدُ أن يطيعَهُ ثُمَّ قالَ أبو هُريرةَ : اقرَأوا إن شِئتُم وَمَا كُنَّا مَعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [948] أخرجه عبدالرزاق في ((التفسير)) (1541) واللفظ له، والطبري في ((التفسير)) (17/402)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (13551) ذكر ثبوته ابن تيمية في ((درء التعارض)) (8/399)
قال ابنُ تيميَّةَ: (وهذا التفصيلُ يُذهِبُ الخُصوماتِ التي كَرِهَ الخَوضَ فيه لأجْلِها من كَرِهَه؛ فإنَّ من قَطَع لهم بالنَّارِ كُلِّهم، جاءت نصوصٌ تَدفَعُ قَولَه، ومن قَطَع لهم بالجنَّةِ كُلِّهم، جاءت نصوصٌ تَدفَعُ قَولَه) [949] يُنظر: ((درء التعارض)) (8/401). .
وقال الشِّنقيطي بعد ترجيحِه لهذا القَولِ: (هذا ثبَتَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وثُبوتُه عنه نَصٌّ في محَلِّ النِّزاعِ، فلا وَجْهَ للنِّزاعِ البتَّةَ مع ذلك) [950] يُنظر: ((أضواء البيان)) (3/ 73). .
وردُّوا على ما ذَكَر بَعضُ العُلَماءِ؛ كالحليميِّ، وابنِ عبدِ البَرِّ، والقرطبيِّ، بأنَّ هذه الأحاديثَ لا تَصِحُّ، وأنَّها مخالِفةٌ لأصول المُسلِمين؛ لأنَّ الآخِرةَ ليست بدارِ امتحانٍ [951] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 157 - 159) للحليمي، ((التمهيد)) لابن عبد البر (18/130)، ((التذكرة)) للقرطبي (2/ 228). بما يلي:
1- أنَّ هذه الأحاديثَ صحيحةٌ، وَرَدت من طُرُقٍ مُختَلِفةٍ.
2- قال ابنُ تيميَّةَ: (التكليفُ إنَّما ينقَطِعُ بدُخولِ دارِ الجَزاءِ، وهي الجنَّةُ والنَّارُ، وأمَّا عَرَصاتُ القيامةِ فيُمتَحَنونَ فيها كما يُمتَحَنونَ في البَرْزخِ، فيقالُ لأحَدِهم: من رَبُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟ وقال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: 42-43] ) [952] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (4/ 303). .
وقال الطيبي: (الدُّنيا وإن كانت دارَ ابتلاءٍ فقد يتحَقَّقُ الجزاءُ في بعضِ الأحوالِ، كما قال اللهُ تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30] فهكذا الآخِرةُ، وإن كانت دارَ جَزاءٍ فقد يقَعُ فيها الابتِلاءُ، بدليلِ أنَّ القَبْرَ وهو أوَّلُ مَنِزٍل مِن مَنازِلِ الآخِرة يَجري فيه الابتلاءُ) [953] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (11/ 3527). .
وقال ابنُ القَيِّمِ مُلَخِّصًا الرَّدَّ على ذلك: (فإن قيل: فالآخِرةُ دارُ جَزاءٍ، وليست دارَ تكليفٍ، فكيف يُمتَحَنون في غيرِ دارِ التكليفِ؟ فالجوابُ: أنَّ التكليفَ إنَّما ينقَطِعُ بعد دُخولِ دارِ القَرارِ، وأمَّا في البَرْزخِ وعَرَصاتِ القيامةِ فلا ينقَطِعُ، وهذا معلومٌ بالضَّرورةِ مِنَ الدِّينِ مِن وُقوعِ التكليفِ بمسألةِ الملَكَينِ في البَرْزخِ وهي تكليفٌ، وأمَّا في عرصةِ القيامةِ، فقال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: 42] ، فهذا صريحٌ في أنَّ اللهَ يَدعو الخلائِقَ إلى السُّجودِ يومَ القيامة، وأنَّ الكُفَّارَ يُحالُ بينهم وبين السُّجودِ إذ ذاك) [954] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 400). ، وذكروا أحاديثَ على جوازِ التَّكليفِ في الآخِرةِ، ذكَرَها ابنُ القَيِّمِ، وابنُ كثيرٍ، وغيرُهما [955] يُنظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف)) للوهيبي (1/294). .
قال ابنُ باز: (إذا مات غيرُ المكَلَّفِ بين والِدَينِ كافِرَينِ فحُكمُه حُكمُهما في أحكامِ الدُّنيا؛ فلا يُغَسَّلُ، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدفَنُ في مقابرِ المُسلِمين، أمَّا في الآخِرةِ فأمْرُه إلى اللهِ سُبحانَه، وقد صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لَمَّا سُئِلَ عن أولادِ المُشرِكين قال: ((اللهُ أعلَمُ بما كانوا عاملين )) [956] أخرجه البخاري (1384)، ومسلم (2658) مطولاً من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقد ذهب بعضُ أهلِ العِلْم إلى أنَّ عِلمَ اللهِ سُبحانَه فيهم يَظهَرُ يومَ القيامةِ، وأنَّهم يُمتَحَنون كما يُمتَحَنُ أهلُ الفَترةِ ونحوُهم، فإن أجابوا إلى ما يُطلَبُ منهم دَخَلوا الجنَّةَ، وإن عَصَوا دخلوا النَّارَ، وقد صَحَّت الأحاديثُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في امتحانِ أهلِ الفترةِ يومَ القيامةِ، وهم الذين لم تَبلُغْهم دعوةُ الرُّسُلِ، ومن كان في حُكمِهم كأطفالِ المُشرِكين؛ لقَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وهذا القَولُ هو أصَحُّ الأقوالِ في أهلِ الفَترةِ ونحوِهم ممَّن لم تبلُغْهم الدَّعوةُ الإلهيَّةُ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ، وتلميذِه العَلَّامةِ ابنِ القَيِّمِ، وجماعةٍ مِن السَّلَفِ والخَلَفِ، رحمةُ اللهِ عليهم جميعًا) [957] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/163). .
وقال ابنُ باز أيضًا: (فالخُلاصةُ: أنَّ من لم تَبلُغْه الدَّعوةُ، كالذين في أطرافِ الدُّنيا، أو في أوقاتِ الفَتَراتِ، أو كان بلَغَتْه وهو مجنونٌ ذاهِبُ العَقلِ، أو هَرِمٌ لا يَعقِلُ؛ فهؤلاء وأشباهُهم مِثلُ أولادِ المُشرِكين الذين ماتوا وهم صِغارٌ؛ فإنَّ أولادَ المُشرِكين الذين لم يبلُغوا الحُلُمَ كُلُّهم أمرُهم إلى اللهِ، فاللهُ يَعلَمُ بما كانوا عامِلين، كما أجاب بذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِمَن سأله عنهم، ويَظهَرُ عِلمُه فيهم سُبحانَه يومَ القيامةِ بالامتحانِ، فمن نجَحَ منهم دخل الجنَّةَ، ومن لم ينجَحْ دَخَل النَّارَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ) [958] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/51). .
وقال ابنُ عثيمين: (الصَّحيحُ أنَّ أهلَ الفَترةِ قِسمان:
القِسمُ الأوَّلُ: من قامت عليه الحُجَّةُ، وعَرَف الحَقَّ، لكِنَّه اتَّبَع ما وجد عليه آباءَه، وهذا لا عُذرَ له فيكونُ مِن أهلِ النَّارِ.
القِسمُ الثَّاني: من لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فإنَّ أمْرَه للهِ عزَّ وجَلَّ، ولا نعلَمُ عن مصيرِه، وهذا ما لم يَنُصَّ الشَّارعُ عليه، أمَّا من ثبت أنَّه في النَّارِ بمُقتضى دليلٍ صحيحٍ فهو في النَّارِ) [959] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (2/48). .
وقال أيضًا: (إذا مات أطفالُ الكُفَّارِ وهم لم يَبلُغوا سِنَّ التَّمييزِ وكان أبواهم كافِرَينِ، فإنَّ حُكمَهم حُكمُ الكُفَّارِ في الدُّنيا، أي: لا يُغَسَّلون، ولا يُكَفَّنون، ولا يُصَلَّى عليهم، ولا يُدفَنون مع المُسلِمين؛ لأنَّهم كُفَّارٌ بوالِديهم. هذا في الدُّنيا، أمَّا في الآخِرةِ فاللهُ أعلَمُ بما كانوا عامِلين، وأصحُّ الأقوالِ فيهم أنَّ الله سُبحانَه وتعالى يختَبِرُهم يومَ القيامةِ بما يشاءُ من تكليفٍ، فإن امتَثَلوا أدخَلَهم اللهُ الجَنَّةَ، وإن أبَوا أدخَلَهم النَّارَ، وهكذا نقولُ في أهلِ الفَترةِ، ومن لم تبلُغْهم الرِّسالاتُ؛ فاللهُ أعلَمُ بما كانوا عامِلين، يُختَبَرون ويُكَلَّفون بما يشاءُ اللهُ عزَّ وجَلَّ، وما تقتضيه حِكْمَتُه؛ فإن أطاعوا دخَلوا الجنَّةَ، وإن عَصَوا دَخَلوا النَّارَ) [960] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (17/443). .



انظر أيضا: