الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: تعريفُ توحيدِ الأُلوهيَّةِ

توحيدُ الأُلوهيَّةِ هو: إفرادُ اللهِ عزَّ وجَلَّ بالعِبادةِ في جميعِ أنواعِها [443] يُنظر: ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: 53)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (7/ 62). .
قال اللهُ تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163] .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَقال اللهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل: 51] .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِل [لقمان: 30] .
قال ابنُ عثيمين: (توحيدُ الأُلوهيَّةِ: ويُقالُ له: توحيدُ العِبادةِ باعتبارَينِ: فباعتبارِ إضافتِه إلى اللهِ يُسَمَّى توحيدَ الأُلوهيَّةِ، وباعتبارِ إضافتِه إلى الخَلْقِ يُسَمَّى توحيدَ العِبادةِ، وهو إفراد الله عزَّ وجَلَّ بالعِبادةِ، فالمستحِقُّ للعِبادةِ هو اللهُ تعالى؛ قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان: 30] ) [444] يُنظر: ((القول المفيد)) (1/ 14). .
والعِبادةُ لها شَرْطانِ:
1- الإخلاصُ لله تعالى فيها.
2- المتابَعةُ فيها، أي: أن تكونَ وَفْقَ ما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
قال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخ: (أوجَبُ الواجِباتِ إخلاصُ العَمَلِ للهِ وَحْدَه، وتجريدُ المتابعةِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنكَرُ المنكَراتِ الشِّرْكُ باللهِ، والابتِداعُ في الدِّينِ بشَرعِ ما لم يأذَنْ به اللهُ) [445] يُنظر: ((فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم)) (13/ 178). .
وقال ابنُ باز: (الأعمالُ لا تُقبَلُ إلَّا بالأمرَينِ: الإخلاصُ لله، والمتابَعةُ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [446] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 186). .
وقال ابنُ عثيمين: (لا يكونُ العَمَلُ صالِحًا إلَّا بأمرَينِ: الإخلاصُ لله عزَّ وجَلَّ، والمُتابعةُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والدَّليلُ على ذلك قَولُ الله تعالى في الحديثِ القُدُسيِّ: ((أنا أغنى الشُّرَكاءِ عن الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشرَكَ فيه معيَ غيري، تركْتُه وشِرْكَه )) [447] أخرجه مسلم (2985) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. . وهذا فُقِدَ فيه الإخلاصُ، وقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من عَمِلَ عمَلًا ليس عليه أمْرُنا فهو رَدٌّ))) [448] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (7350)، وأخرجه موصولاً مسلم (1718) من حديث عائشةَ رَضِيَ الله عنها. .
وقال أيضًا: (شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ تستلزِمُ الإخلاصَ، وشهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ تَستلزِمُ الاتِّباعَ، وكُلُّ عمَل ٍيُتقَرَّبُ به إلى اللهِ لا يُقبَلُ إلَّا بهذينِ الشَّرْطينِ: الإخلاصُ للهِ، والمتابَعةُ لرَسولِ اللهِ) [449] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 23). .
وهذا هو معنى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وتمامُ تحقيقِها بشَهادةِ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [450] يُنظر: ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: 16). .
وهذا التَّوحيدُ يُسَمَّى باعتبارِ إضافتِه إلى اللهِ تعالى بـ (توحيدِ الأُلوهيَّةِ).
ويُسَمَّى باعتبارِ إضافتِه إلى الخَلْقِ بـ (توحيدِ العِبادةِ)، و(توحيدِ العَمَلِ)، و(توحيدِ القَصْدِ)، و(توحيدِ الإرادةِ والطَّلَبِ) [451] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان آل الشيخ (ص: 21)، ((القول السديد)) للسعدي (ص: 19)، ((القول المفيد)) لابن عثيمين (1/14). .
قال الزَّجَّاجي: (معنى الإلهِ في الحقيقةِ: هو ذو الأُلوهيَّةِ، أي: المستحِقُّ للأُلوهيَّةِ والعِبادةِ) [452] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 30). .
وقال الطُّرْطُوشِي: (فإذا قُلتَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، نَفَيتَ ما لا يجوزُ في صِفَتِه من شَريكٍ في عبادتِه، مع الإقرارِ بأنَّه الإلهُ وَحْدَه) [453] يُنظر: ((الدعاء المأثور وآدابه)) (ص: 109). .  
وقال العِزُّ بنُ عبد السَّلامِ: (الأُلوهيَّةُ ترجِعُ إلى استِحقاقِ العُبوديَّةِ... وإنَّما استحَقَّ العُبوديَّةَ؛ لِما وَجَب له من أوصافِ الجَلالِ ونُعوتِ الكَمالِ) [454] يُنظر: ((رسائل العز بن عبد السلام في التوحيد)) (ص: 14). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (توحيدُ الأُلوهيَّةِ أن يَعبُدَ اللهَ ولا يُشرِكَ به شَيئًا، فيُطيعَه ويُطيعَ رسُلَه، ويَفعَلَ ما يُحِبُّه ويَرضاه) [455] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (2/ 421). .
وقال السَّفاريني: (توحيدُ الإلَهيَّةِ: إفرادُه -تقَدَّس وتعالى- بالعِبادةِ والتَّأَلُّه له، والخُضوعِ والذُّلِّ، والحُبِّ والافتقارِ، والإقبالِ والتوَجُّهِ إليه تعالى) [456] يُنظر: ((لوائح الأنوار السنية)) (1/ 257). .
وقال الصَّنعاني: (توحيدُ العِبادةِ، ومعناه: إفرادُ اللهِ وَحْدَه بجَميعِ أنواعِ العِباداتِ) [457] يُنظر: ((تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد)) (ص: 50). .
وقال محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (هو توحيدُ اللهِ تعالى بأفعالِ العِبادِ؛ كالدُّعاءِ، والنَّذرِ والنَّحرِ، والرَّجاء والخَوفِ والتَّوكُّل، والرَّغْبة والرَّهبةِ والإنابةِ) [458] يُنظر: ((الرّسالة المفيدة)) (ص: 41). .
وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخ: (توحيدُ الإلَهيَّةِ المبنيُّ على إخلاصِ التَّأَلُّهُ لله تعالى، من المحبَّةِ والخَوفِ، والرَّجاءِ والتَّوكُّلِ، والرَّغْبة والرَّهبةِ، والدُّعاءِ للهِ وَحْدَه، وينبني على ذلك إخلاصُ العِباداتِ كُلِّها -ظاهِرِها وباطِنِها- للهِ وَحْدَه لا شَريكَ له، لا يَجعَلُ فيها شيئًا لغَيرِه، لا لمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مُرسَلٍ، فضلًا عن غَيرِهما... ويُسَمَّى هذا النَّوعُ: توحيدَ الإلَهيَّةِ؛ لأنَّه مبنيٌّ على إخلاصِ التَّأَلُّهِ، وهو أشَدُّ المَحَبَّةِ لله وَحْدَه، وذلك يستلزِمُ إخلاصَ العِبادةِ. وتوحيدَ العِبادةِ لذلك. وتوحيدَ الإرادةِ؛ لأنَّه مبنيٌّ على إرادةِ وَجهِ اللهِ بالأعمالِ. وتوحيدَ القَصْدِ؛ لأنَّه مبنيٌّ على إخلاصِ القَصْدِ المُستَلزمِ لإخلاصِ العِبادةِ لله وَحْدَه. وتوحيدَ العَمَلِ؛ لأنَّه مبنيٌّ على إخلاصِ العَمَلِ للهِ وَحْدَه) [459] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 19 - 21). .
وقال محمود شكري الألوسي: (توحيدُ الرُّبوبيَّةِ هو الذي أقرَّت به الكُفَّارُ جميعُهم ولم يخالِفْ منهم أحَدٌ في هذا الأصلِ إلَّا الثَّنَويَّةُ وبعضُ المجوسِ، وأمَّا غيرُهما من سائِرِ فِرَقِ الكُفرِ والشِّركِ فقد اتَّفَقوا على أنَّ خالِقَ العالَمِ ورازِقَهم ومُدَبِّرَ أمْرِهم ونافِعَهم وضارَّهم ومُجيرَهم واحِدٌ... كما قال سُبحانَه وتعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25] ، قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّه [المؤمنون: 84، 85]،  قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: 31]، وأمَّا توحيدُ الألوهيَّةِ فهو إفرادُ العبادةِ لله الواحِدِ الصَّمَدِ؛ لأنَّ الإلهَ مَن يُقصَد للعبادةِ... إذا عَلِمْتَ هذا تبيَّن لك أنَّ المعركةَ بين أهلِ التوحيدِ والمُشرِكين في الألوهيَّةِ فقط) [460] يُنظر: ((فتح المنان)) (ص: 292). .

انظر أيضا: