موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ المُداهَنةِ


1- الشَّجاعةُ في مواجهةِ أهلِ الباطِلِ بلا ترَدُّدٍ ولا خوفٍ ولا وَجَلٍ، وأمرُهم بالمعروفِ ونَهْيُهم عن المُنكَرِ.
2- اليقينُ بأنَّ الذي يملِكُ الضُّرَّ والنَّفعَ والموتَ والحياةَ والرِّزقَ هو اللَّهُ؛ قال سُبحانَه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: 31] .
3- بَذلُ النَّصيحةِ للعامَّةِ والخاصَّةِ، وعَدَمُ مداهنتِهم وتملُّقِهم؛ فعن تميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: الدِّينُ النَّصيحةُ. قُلْنا: لِمَن؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرَسولِه ولأئمَّةِ المُسلِمين وعامَّتِهم)) [6633] أخرجه مسلم (55). .
4- مِن واجِبِ أساتذةِ التَّربيةِ ودُعاةِ الإصلاحِ أن يُعْنَوا بجهادِ هذا الخُلُقِ المشؤومِ حتَّى يَنفوه من بلادِ المُسلِمين، وتكونَ أوطانُنا ومدارسُنا منابِتَ نَشءٍ يميِّزون المُداهَنةَ من المداراةِ، فيخاطِبون النَّاسَ في رِقَّةٍ وأدَبٍ وشجاعةٍ، ويحتَرِمون من لا يُلَوِّثُ أسماعَهم بالمَلَقِ، ولا يَكتُمُهم الحقائِقَ متى اتَّسع المقامُ لأن يحَدِّثَهم بصراحةٍ [6634] ((سوء الخلق)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص: 166). .
5- الإعراضُ عن أهلِ الكُفرانِ والضَّلالِ إذا أصَرُّوا على كُفرِهم وباطِلِهم، فلا يقعُدْ معهم، ولا يستأنِسْ بحديثِهم، بل عليه الإنكارُ وإلَّا فالإعراضُ.
قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام: 68] .
قال القُرطبيُّ: (قولُه تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا بالتَّكذيبِ والرَّدِّ والاستهزاءِ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، ... ودَلَّ بهذا على أنَّ الرَّجُلَ إذا عَلِم من الآخَرِ مُنكَرًا وعَلِم أنَّه لا يَقبَلُ منه، فعليه أن يُعرِضَ عنه إعراضَ مُنكِرٍ، ولا يُقبِلَ عليه) [6635] يُنظَر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (7/12). .
6- ألَّا يَثِقَ المُؤمِنُ بغيرِ المُؤمِنِ مهما أظهَرَ من المودَّةِ وأبدى من النُّصحِ.
قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء: 89] .
قال ابنُ كثيرٍ: (أي: هم يودُّون لكم الضَّلالةَ لتَستووا أنتم وإيَّاهم فيها، وما ذاك إلَّا لشِدَّةِ عداوتِهم وبُغضِهم لكم) [6636] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/371). .
وقال سُبحانَه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120] .
قال الواحِديُّ: (قال المفَسِّرون: كانت اليهودُ والنَّصارى يسألون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهُدْنةَ، ويُطمِعونه، ويُرونَه أنَّه إن هادَنَهم وأمهَلَهم اتَّبَعوه؛ فأنزل اللَّهُ هذه الآيةَ، وأخبَرَ أنَّه لا يُرضيهم إلَّا ما يستحيلُ وُجودُه، وما لا سبيلَ إليه؛ لأنَّ اليهودَ لا ترضى عنه إلَّا بالتَّهوُّدِ، والنَّصارى إلَّا بالتَّنصُّرِ، ويستحيلُ الجمعُ بَيْنَهما، فإذا استحال إرضاؤهم فهم لا يرضَون عنه أبدًا) [6637] ((التفسير البسيط)) (3/283، 284). .
7- النَّظَرُ في سِيَرِ السَّلَفِ والصَّالحين، ومجاهرتِهم بالحَقِّ، وشِدَّةِ حَذَرِهم من المُداهَنةِ.
ومنهم أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فعن عُبادةَ بنِ الوليدِ بنِ عُبادةَ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (بايَعْنا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على السَّمعِ والطَّاعةِ في العُسرِ واليُسرِ، والمَنشَطِ والمَكْرَهِ، وعلى أَثَرةٍ علينا، وعلى ألَّا ننازِعَ الأمرَ أهلَه، وعلى أن نقولَ بالحَقِّ أينما كُنَّا، لا نخافُ في اللَّهِ لومةَ لائمٍ) [6638] أخرجه البخاري (7199) مختصَرًا، ومسلم (1709) واللفظ له. .
ومن الأمثلةِ أيضًا ما جاء عن الأوزاعيِّ أنَّه قال: (ما ‌داهَنَ ابنُ شِهابٍ -الزُّهريُّ- مَلِكًا من الملوكِ قَطُّ إذا دَخَل عليه، ولا أدركَتْ خِلافةُ هِشامِ بنِ عَبدِ الملِكِ أحَدًا من التَّابعينَ أفقَهَ منه) [6639] ((المقفى الكبير)) للمقريزي (7/ 135). .
وعن المأمونِ أنَّه كان يقولُ: (ما حابى طاهِرُ- بنُ الحُسَينِ- في جميعِ ما كان فيه أحدًا ولا مالأَ أحَدًا، ولا ‌داهَنَ، ولا وَهَنَ، ولا وَنى، ولا قَصَّر في شيءٍ، وفَعَل في جميعِ ما ركَنَ إليه ووَثِقَ به فيه أكثَرَ ممَّا ظنَّ به وأمَّلَه...) [6640] ((كتاب بغداد)) لابن طيفور (ص: 69). .

انظر أيضا: