موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ الكِبْرِ


1- الحرمانُ من النَّظَرِ والاعتبارِ:
أي أنَّ الأثَرَ الأوَّلَ الذي يتركُه التَّكبُّرُ على المسلمِ إنما هو الحرمانُ من النَّظرِ والاعتبارِ... ومَن حُرِم النَّظَرَ والاعتبارَ كانت عاقبتُه البوارَ والخُسرانَ المبينَ؛ لأنَّه سيبقى مقيمًا على عيوبِه وأخطائِه، غارقًا في أوحالِه، حتى تنتهيَ الحياةُ.
2- القَلَقُ والاضطرابُ النَّفسيُّ:
ذلك أنَّ المُتكَبِّرَ يحِبُّ إشباعًا لرغبةِ التَّرفُّعِ والتَّعالي أن يحنيَ النَّاسُ رؤوسَهم له، وأن يكونوا دومًا في رِكابِه، ولأنَّ أعزَّةَ النَّاسِ وكِرامَهم يأبَون ذلك، بل ليسوا مستعدِّين له أصلًا، فإنَّه يصابُ بخيبةِ أملٍ تكونُ عاقبتُها القَلَقَ والاضطرابَ النَّفسيَّ، هذا فضلًا عن أنَّ اشتغالَ هذا المُتكَبِّرِ بنفسِه يجعَلُه في إعراضٍ تامٍّ عن معرفةِ اللهِ وذِكرِه، وذلك له عواقِبُ أدناها في هذه الدُّنيا القَلَقُ والاضطرابُ النَّفسيُّ.
3- الملازمةُ للعُيوبِ والنَّقائِصِ:
وذلك أنَّ المُتكَبِّرَ لظنِّه أنَّه بلغ الكمالَ في كُلِّ شيءٍ لا يفتِّشُ في نفسِه؛ حتى يعرفَ أبعادَها ومعالِمَها، فيُصلِحَ ما هو في حاجةٍ منها إلى إصلاحٍ، ولا يقبَلُ كذلك نصحًا أو توجيهًا أو إرشادًا من الآخرين، ومثلُ هذا يبقى غارقًا في عيوبِه ونقائصِه، ملازمًا لها إلى أن تنقضيَ الحياةُ، ويدخُلَ النَّارَ مع الدَّاخلين.
4- الحرمانُ من الجنَّةِ واستحقاقُ العذابِ في النَّارِ:
وذلك أمرٌ بَدَهيٌّ؛ فإنَّ من يعتدي على مقامِ الألوهيَّةِ، ويظلُّ مقيمًا على عيوبِه ورذائلِه، ستنتهي به الحياةُ حتمًا، وما حصَّل خيرًا يستحقُّ به ثوابًا أو مكافأةً، فيُحرَمُ الجنَّةَ مؤبَّدًا أو مؤقَّتًا.
5- قلَّةُ كسبِ الأنصارِ بل والفُرْقةُ والتَّمزُّقُ، والشُّعورُ بالعُزلةِ:
ذلك أنَّ القلوبَ جُبِلت على حُبِّ من ألان لها الجانبَ، وخَفَض لها الجناحَ، ونظَر إليها من دونٍ لا مِن عَلٍ.
6- الحِرمانُ من العَونِ والتَّأييدِ الإلهيِّ:
ذلك أنَّ الحَقَّ سُبحانَه مضَت سنَّتُه أنَّه لا يُعطي عونَه وتأييدَه إلَّا لمن هضَموا نفوسَهم حتَّى استخرجوا حظَّ الشَّيطانِ من نفوسِهم، بل حَظَّ نفوسِهم من نفوسِهم، والمُتكَبِّرون قومٌ كَبُرت نفوُسهم، ومن كانت هذه صفتَه، فلا حَقَّ له في عونٍ أو تأييدٍ إلهيٍّ [5936] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (1/175) فما بعدها (بتصرف). .
7- استحقاقُ غَضبِ اللهِ والتَّعرُّضُ لسَخَطِه:
8- المُتكَبِّرُ يُحرَمُ كثيرًا من العلمِ؛ قال مجاهدٌ: (إنَّ هذا العلمَ لا يتعَلَّمُه مُستحٍ ولا مُتكَبِّرٌ) [5937] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (3/ 287). .
وقال النَّوويُّ: (قد قالوا: من لم يصبرْ على ذلِّ التَّعلُّمِ بقي عمُرَه في عمايةٍ الجهالةِ، ومن صبَر عليه آلَ أمرُه إلى عزِّ الآخرةِ والدُّنيا. ومنه الأثَرُ المشهورُ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: ذلَلْتُ طالبًا فعَزَزتُ مطلوبًا. وقد أحسَن من قال:
من لم يذُقْ طَعمَ المذَلَّةِ ساعةً
قطَع الزَّمانَ بأسْرِه مذلولًا) [5938] ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 42). .
9- المُتكَبِّرُ على من تحتَه يكونُ ذليلًا لمن فوقَه؛ قال الجاحظُ: (وشيءٌ قد قتَلْتُه عِلمًا، وهو أني لم أرَ ذا كِبرٍ قَطُّ على من دونَه، إلَّا وهو يَذِلُّ لمن فوقه بمقدارِ ذلك ووَزْنِه) [5939] ((الحيوان)) (6/ 353). .
10- المُتكَبِّرُ ينادي على نفسِه بالمهانةِ؛ قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنه: (ما وَجَد أحدٌ في نفسِه كبرًا إلَّا من مهانةٍ يجِدُها في نفسِه) [5940] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (3/ 294). .
11- قد يؤدِّي الكِبْرُ ببعضِ النَّاسِ إلى تَركِ الجُمَعِ والجماعاتِ، أو عَدَمِ إتمامِ الصُّفوفِ إن صلَّى في جماعةٍ؛ قال الذَّهبيُّ بعد أن ذكر ما يُروى عن حجَّاجِ بنِ أرطاةَ أنَّه قال: (لا تَتِمُّ مروءةُ الرَّجُلِ حتَّى يتركَ الصَّلاةَ في الجماعةِ): (قلتُ: لَعَن اللهُ هذه المروءةَ! ما هي إلَّا الحُمقُ والكِبْرُ؛ كي لا يزاحمَه السُّوقةُ! وكذلك تجِدُ رؤساءَ وعُلَماءَ يُصَلُّون في جماعةٍ في غيرِ صَفٍّ، أو تُبسَطُ له سجَّادةٌ كبيرةٌ حتَّى لا يلتَصِقَ به مسلِمٌ! فإنَّا للهِ!) [5941] ((سير أعلام النبلاء)) (7/ 72). .
12- قد يؤدِّي الكِبْرُ ببعضِ النَّاسِ إلى الكُفرِ:
ذُكِر أنَّ جَبَلةَ بنَ الأيهَمِ مَلِكَ غَسَّان أسلم، فبينما هو في سوقِ دِمَشقَ -في زمانِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ- إذ وطئَ رجلًا من مزينةَ، فوثب المُزَنيُّ فلَطَمه، فأُخِذ وانطُلِق به إلى أبي عُبَيدةَ بنِ الجرَّاحِ، فقالوا: هذا لَطَم جَبَلةَ، قال: فليَلطِمْه، قالوا: وما يُقتَلُ؟ قال: لا، قالوا: فما تُقطَعُ يَدُه؟ قال: لا، إنما أمر اللهُ تبارك وتعالى بالقَودِ، قال جَبَلةُ: أو تَرَونَ أني جاعِلٌ وجهي نِدًّا لوَجهِ جَدْيٍ جاء من عُمقٍ؟! بئس الدِّينُ هذا! ثمَّ ارتدَّ نصرانيًّا وترحَّل بقومِه حتى دخل أرضَ الرُّومِ. نعوذُ باللَّهِ من العُتُوِّ والكِبْرِ [5942] يُنظَر: ((نثر الدر)) للآبي (7/ 89)، ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 324)، ((التذكرة)) لابن حمدون (3/ 102). !
13- المُتكَبِّرُ (قد يحمِلُه الكِبْرُ على أن يتصَنَّعَ بما ليس عندَه من العِلمِ والعَمَلِ، والحسَبِ الشَّريفِ ونزاهةِ النَّفسِ وسلامةِ العِرضِ، وكذلك يحمِلُه على تركِ الاختلافِ إلى العُلَماءِ إظهارًا منه أنَّه مِثلُهم أو أفضلُ منهم، وأن يأنَفَ أن يتقَدَّمَ عليه غيرُه في الصَّلاةِ، كُلُّ ذلك تكبُّرًا أو خوفًا من سقوطِ منزلتِه عِندَ النَّاسِ) [5943] ((مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل)) للعز بن عبد السلام (ص: 148). .

انظر أيضا: