موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


أمَّا العُجْبُ في القُرآنِ الكريمِ فقد وردت فيه عدَّةُ آياتٍ تُبَيِّنُ خَطَرَه، وتُنَبِّهُ على أنَّه آفةٌ تَجُرُّ وراءَها آفاتٍ دُنيويَّةً وعُقوباتٍ أُخرويَّةً، فمِن تلك الآياتِ:
- قال اللَّهُ تبارك وتعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25] .
(قال جعفَرٌ: استِجلابُ النَّصرِ في شيءٍ واحدٍ، وهو الذِّلَّةُ والافتقارُ والعَجزُ... وحلولُ الخِذلانِ بشيءٍ واحدٍ، وهو العُجْبُ...) [4774] ((تفسير السلمي)) (1/272). .
- وقال اللَّهُ تبارك وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [الكهف: 32-36] .
قال ابنُ عاشورٍ: (ضَرَب مثلًا للفريقينِ؛ للمُشرِكين وللمُؤمِنين، بمَثَلِ رَجُلينِ، كان حالُ أحَدِهما معجَبًا مُؤنِقًا، وحالُ الآخَرِ بخِلافِ ذلك، فكانت عاقبةُ صاحبِ الحالِ المونِقةِ تبابًا وخَسارةً، وكانت عاقبةُ الآخَرِ نجاحًا؛ ليَظهَرَ للفريقينِ ما يجُرُّه الغرورُ والإعجابُ والجَبَروتُ إلى صاحِبِه من الإزراءِ، وما يلقاه المُؤمِنُ المتواضِعُ العارِفُ بسُنَنِ اللَّهِ في العالَمِ، من التَّذكيرِ، والتَّدبُّرِ في العواقِبِ، فيكونُ مُعَرَّضًا للصَّلاحِ والنَّجاحِ) [4775] ((التحرير والتنوير)) (15/315). .
- وقال اللَّهُ تبارك وتعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 37-38] .
يقولُ العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (زَجَره عن التَّطاوُلِ الذي لا يُدرِكُ به غَرَضًا، أو يريدُ: كما أنَّك لا تخرِقُ الأرضَ ولا تَبلُغُ الجِبالَ طُولًا، فلذلك لا تبلُغُ ما تريدُه بكِبرِك وعُجبِك، إياسًا له من بلوغِ إرادتِه) [4776] ((تفسير العز بن عبد السلام)) (2/219). .
- وقال اللَّهُ تبارك وتعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18] .
قال ابنُ كثيرٍ: (لا تُعرِضْ بوَجهِك عن النَّاسِ إذا كلَّمْتَهم أو كَلَّموك، احتقارًا منك لهم واستِكبارًا عليهم، ولكِنْ ألِنْ جانِبَك وابسُطْ وَجهَك إليهم... وقولُه تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ، أي: خُيَلاءَ مُتكَبِّرًا جبَّارًا عنيدًا، لا تفعَلْ ذلك، يبغِضُك اللَّهُ؛ ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، أي: مختالٍ مُعجَبٍ في نفسِه فَخُورٍ، أي: على غيرِه) [4777] ((تفسير القرآن العظيم)) (6/339). .
- وقال اللَّهُ تعالى: فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 49] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مخبِرًا عن الإنسانِ أنَّه في حالِ الضَّرَّاءِ يَضرَعُ إلى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، وينيبُ إليه ويدعوه، وإذا خوَّله منه نِعمةً بغى وطغى، وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ، أي: لِما يَعلَمُ اللَّهُ من استحقاقي له، ولولا أنِّي عِندَ اللَّهِ تعالى خصيصٌ لَما خوَّلني هذا) [4778] ((تفسير القرآن العظيم)) (7/105). .

انظر أيضا: