موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ مِن البِرِّ عِندَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم


- أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ وبِرُّه بأبيه وحِرصُه على إسلامِه بَينَ يَدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قالت: ((لمَّا وقف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذي طُوًى، قال أبو قُحافةَ لابنةٍ له مِن أصغَرِ وَلَدِه: أي  بُنَيَّةُ، اظهَري بي على أبي قُبَيسٍ. قالت: وقد كُفَّ بَصَرُه. قالت: فأشرَفْتُ به عليه، فقال: يا بُنَيَّةُ، ماذا تَرَينَ؟ قالت: أرى سوادًا مجتَمِعًا، قال: تلك الخَيلُ، قالت: وأرى رجُلًا يسعى بَينَ ذلك السَّوادِ مقبِلًا ومُدبِرًا، قال: يا بُنَيَّةُ، ذلك الوازِعُ -يعني: الذي يأمُرُ الخيلَ ويتقَدَّمُ إليها- ثمَّ قالت: قد واللهِ انتشر السَّوادُ، فقال: قد واللهِ إذًا دُفِعَتِ الخيلُ؛ فأسرِعي بي إلى بيتي، فانحطَّت به، وتلقَّاه الخيلُ قبل أن يَصِلَ إلى بيتِه، وفي عُنُقِ الجاريةِ طَوقٌ لها مِن وَرِقٍ، فتلقَّاها رجُلٌ، فاقتَلَعه من عنُقِها. قالت: فلمَّا دخل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّةَ، ودخل المسجِدَ، أتاه أبو بكرٍ بأبيه، فلمَّا رآه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: هلَّا ترَكْتَ الشَّيخَ في بيتِه حتَّى أكونَ أنا آتيه فيه!. قال أبو بكرٍ: يا رسولَ اللَّهِ، هو أحَقُّ أن يمشيَ إليك من أن تمشيَ أنت إليه، قال: فأجلَسَه بَينَ يَدَيه، ثمَّ مَسَح صَدْرَه، ثمَّ قال له: أسلِمْ، فأسلَمَ)) [1226] أخرجه أحمد (26956)، وابن حبان (7208)، والطبراني (24/88) (236). صحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (4363)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1527)، وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((الإصابة)) (2/461)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (3/1124). .
- عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه يحرِصُ على صِلةِ من كان يَصِلُه أبوه قَبلَ مَوتِه:
عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رَجُلًا من الأعرابِ لَقِيه بطريقِ مكَّةَ، فسَلَّم عليه عبدُ اللَّهِ، وحمَله على حمارٍ كان يركَبُه، وأعطاه عِمامةً كانت على رأسِه، فقال ابنُ دينارٍ: فقُلْنا له: أصلحَك اللهُ، إنَّهم الأعرابُ، وإنَّهم يَرضَونَ باليسيرِ! فقال عبدُ اللَّهِ: إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ أبَرَّ البِرِّ صِلةُ الوَلَدِ أهلَ وُدِّ أبيه)) [1227] أخرجه مسلم (2552). .
- أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه وحِرصُه على أمِّه وبِرُّه بها:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ أدعو أمِّي إلى الإسلامِ وهي مُشرِكةٌ، فدعوتُها يومًا، فأسمعَتْني في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أكرَهُ! فأتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أبكي، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ إنِّي كنتُ أدعو أمِّي إلى الإسلامِ، فتأبى عليَّ، فدعوتُها اليومَ فأسمعَتْني فيك ما أكره، فادْعُ اللهَ أن يهدِيَ أمَّ أبي هُرَيرةَ، فقال: اللهمَّ اهْدِ أمَّ أبي هُرَيرةَ، فخرجتُ مُستبشِرًا بدعوةِ نَبيِّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا جِئتُ فصِرْتُ إلى البابِ، فإذا هو مُجافٌ [1228] مجافٌ: أي: مُغلَقٌ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 594). ، فسمعَتْ أمِّي خَشْفَ قَدَميَّ [1229] خَشْفَ قَدَميَّ، أي: صوتَهما في الأرضِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 52). ، فقالت: مكانَك يا أبا هُرَيرةَ، وسمعتُ خَضخَضةَ الماءِ، قال: فاغتسلَتْ، ولبسَتْ دِرْعَها، وعَجِلَت عن خمارِها، ففتَحَت البابَ، ثُمَّ قالت: يا أبا هُرَيرةَ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُه ورَسولُه! فرجعتُ إلى رَسولِ اللهِ فأتيتُه وأنا أبكي من الفَرَحِ! قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أبشِرْ، قد استجاب اللهُ دعْوَتَك، وهدى أمَّ أبي هُرَيرةَ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، وقال خَيرًا)) [1230] أخرجه مسلم (2491). .
وعن أبي حازمٍ (أنَّ أبا مُرَّةَ، مولى أمِّ هانئٍ ابنةِ أبي طالبٍ أخبَرَه أنَّه ركِبَ مع أبي هُرَيرةَ إلى أرضِه بالعقيقِ، فإذا دخل أرضَه صاح بأعلى صوتِه: عليكِ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه يا أمَّتاه، تقولُ: وعليك السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبَركاتُه، يقولُ: رَحِمَكِ اللهِ ربَّيتِني صغيرًا، فتقولُ: يا بُنَيَّ، وأنت فجزاك اللهُ خيرًا ورَضِيَ عنك كما بَرِرْتَني كبيرًا) [1231] أخرجه من طرقٍ: الحسين بن حرب في ((البر والصلة)) (30)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (14) واللفظ له، وابن أبي الدنيا في ((مكارم الأخلاق)) (228). حسَّن إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (11). .
- أسامةُ بنُ زيدٍ وبِرُّه بأمِّه:
قال محمَّدُ بنُ سِيرينَ: (بلَغَت النَّخلةُ على عَهدِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ ألفَ دِرهَمٍ، قال: فعَمَد أسامةُ إلى نخلةٍ فنَقَرَها وأخرج جمَّارَها فأطعَمَها أمَّه! فقالوا له: ما يحمِلُك على هذا وأنت ترى النَّخلةَ قد بلَغَت ألفَ دِرهَمٍ؟ قال: إنَّ أمِّي سألَتْنِيه، ولا تسأَلُني شيئًا أقدِرُ عليه إلَّا أعطَيتُها) [1232] يُنظَر: ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (4/ 65)، ((مكارم الأخلاق)) لابن أبي الدنيا (225). .
- حارِثةُ بنُ النُّعمانِ منِ أبَرِّ النَّاسِ بأمِّه:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نمتُ فرأيتُني في الجنَّةِ، فسَمِعتُ صَوتَ قارئٍ يقرَأُ، فقُلتُ: من هذا؟ فقالوا: هذا حارِثةُ بنُ النُّعمانِ،  فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كذلك البِرُّ، كذلك البِرُّ! وكان أبَرَّ النَّاسِ بأمِّه)) [1233] أخرجه أحمد (25337) واللفظ له، وابن حبان (7015)، والحاكم (7247). صحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط الشَّيخينِ، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3371)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1536)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7015). .

انظر أيضا: