موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ الشَّراهةِ


للشَّراهةِ آثارٌ سيِّئةٌ؛ منها:
1- وُقوعُ المصائِبِ والبلايا؛ قال ابنُ المُقفَّعِ: (وجَدْنا البَلايا في الدُّنيا إنَّما يسوقُها إلى أهلِها الحِرصُ والشَّرَهُ) [4223] ((الأدب الصغير)) لابن المقفع (ص: 72). .
2- تورِثُ المرضَ، وتُضعِفُ البَدنَ؛ قال الرَّازيُّ: (والذين يَشْرَهونَ إلى أطعمةٍ كثيرةٍ...، فإنَّه يكونُ بهم دائِمًا سوءُ هَضمٍ) [4224] ((الحاوي في الطب)) لأبي بكر الرازي (3/ 418). . وقد رُوِي عن الحَسنِ أنَّ لُقمانَ قال لابنِه: (يا بُنيَّ، لا تأكُلْ شِبَعًا على شِبَعٍ؛ فإنَّه رُبَّ أكلةٍ قد أورثَت صاحِبَها داءً) [4225] ((الجوع)) لابن أبي الدنيا (ص: 185). ، فكفى بالمرءِ عارًا أن يكونَ صريعَ مأكَلِه، وقتيلَ أنامِلِه! فكم لُقمةٍ أكلَتْ نَفسَ حُرٍّ، وأكلةٍ منعَت أكَلاتِ دَهرٍ [4226] ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (5/ 51). ! وقد قيل: (ثلاثةٌ تورِثُ ثلاثةً: النَّشاطُ يورِثُ الغِنى، والكسلُ يورِثُ الفَقرَ، والشَّراهةُ تورِثُ المرضَ) [4227] ((مجاني الأدب في حدائق العرب)) لرزق الله بن يوسف (1/ 18). ؛ لذا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديثِ المِقدامِ: ((ما ملأ آدَميٌّ وعاءً شرًّا مِن بَطنٍ، بحسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه، وثُلثٌ لشرابِه، وثُلثٌ لنَفَسِه)) [4228] أخرجه الترمذي (2380)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6769)، وابن ماجه (3349)، وأحمد (17186). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وحسَّنه البغويُّ في ((شرح السنة)) (7/293)، وقال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (4/189): فيه إسماعيلُ بنُ عيَّاشٍ: مختَلَفٌ فيه، ويجب أن يقالَ لحديثه: حَسَنٌ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2380). ، وكذلك ممَّا يوهِنُ البَدنَ ويُضعِفُه كثرةُ الجِماعِ والشَّراهةُ فيه [4229] ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (4/ 375). .
3- يتولَّدُ منها الحِرصُ على الدُّنيا والعَملُ لها لا للهِ؛ قال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ: (الشَّرِهُ يُحِبُّ ألَّا يفوتَه شيءٌ؛ فيكونُ له إلى هذا حاجةٌ، وإلى هذا حاجةٌ، فمَن أحَبَّه للدُّنيا سلَّم عليه إذا مرَّ به، وعاده إذا مرِض، ولم يفعَلْ للهِ) [4230] ((الإلماع)) للقاضي عياض (ص: 231). ؛ لذا قال حُصَينُ بنُ القاسِمِ: (سمعْتُ عبدَ الواحِدِ بنَ زيدٍ يحلِفُ باللهِ تعالى: لَحِرصُ المرءِ على الدُّنيا أخوَفُ عليه عندي مِن أعدى أعدائِه) [4231] ((ذم الدنيا)) لابن أبي الدنيا (ص: 78) (149). .
4-قسوةُ القلبِ، فلا يكادُ ينتفِعُ بموعِظةٍ؛ قال مالِكُ بنُ دينارٍ: (إنَّ البدَنَ إذا سَقِم لم يَنجَعْ فيه طعامٌ ولا شرابٌ ولا نومٌ ولا راحةٌ، وكذلك القلبُ إذا عَلِقه حُبُّ الدُّنيا لم تَنجَعْ فيه الموعِظةُ) [4232] ((حلية الأولياء)) (2/ 363)، ((الزهد الكبير)) للبيهقي (251). .
5-ذهابُ المُروءةِ، قيل: (وعلامةُ عفَّتِه أن يقتصِدَ في مآرِبِ بَدنِه حتَّى لا يحمِلَه الشَّرَهُ على ما يضُرُّ جِسمَه، أو يهتِكُ مُروءتَه) [4233] ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (2/ 499). .
6- الشَّرَهُ يُؤدِّي إلى عَددٍ مِن الموبِقاتِ؛ منها: مَنعُ الحُقوقِ، وأكلُ السُّحتِ، وفِعلُ الحرامِ، والوُقوعُ في الفَحشاءِ والمُنكَرِ.
7- الشَّرَهُ يجعَلُ الإنسانَ ذليلًا، وقد قيل: (لا تشرَهَنَّ؛ فإنَّ الذُّلَّ في الشَّرَهِ) [4234] ((روضة العقلاء)) لابن حبان (ص: 61). .
8-فَقرُ النَّفسِ وعَدمُ القناعةِ والرِّضا؛ قال الماوَرديُّ: (الشَّرِهُ لا يقنَعُ بما أُوتي وإن كان كثيرًا؛ لأجْلِ شَرَهِه) [4235] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 326). .
9- مَن استولى عليه شَرهُ النَّفسِ والكِبرُ فإنَّه يرضى لنَفسِه ما لا يرضى للمُسلِمينَ، ولا يُمكِنُه أن يُقلِعَ عن الحَسدِ والحِقدِ، ولا يُمكِنُه كَظمُ الغَيظِ، فيكونُ أبَدَ الدَّهرِ في عِبادةِ نَفسِه وإصلاحِ أمرِه، ولا يستغني عن الكَذِبِ والنِّفاقِ [4236] ((مفيد العلوم)) لأبي بكر الخوارزمي (ص: 238). .
10-تضييعُ الآخِرةِ؛ قال عبدُ الواحِدِ بنُ زيدٍ: (الحِرصُ حِرصانِ؛ فحِرصٌ فاجِعٌ، وحِرصٌ نافِعٌ، فأمَّا النَّافِعُ فحِرصُ المرءِ على طاعةِ اللهِ، وأمَّا الفاجِعُ فحِرصُ المرءِ على الدُّنيا، مُتعذِّبٌ مشغولٌ لا هو يُسَرُّ، ولا يَلَذُّ بجَمعِه لشُغلِه، ولا يفرُغُ مِن محبَّتِه للدُّنيا لآخِرتِه، كدًّا كدًّا لِما يفنى، وغَفلةً عمَّا يدومُ ويبقى!) [4237] ((ذم الدنيا)) لابن أبي الدنيا (ص: 78) (149). .
11- أنَّه سببُ المَذمَّةِ؛ حتَّى قيل في ترجمةِ أحدِهم: (كان مِن الشَّرَهِ في جمعِ المالِ على حالةٍ قبيحةٍ، لا يُبالي بما أخَذ، ولا مِن أين أخَذ، معَ الشُّحِّ والبُعدِ عن جميعِ العُلومِ، رضِي مِن دينِه بجمعِ المالِ، حتَّى كان كما قيل: جنى وَصلَها غَيري، وحمَلْتُ عارَها!) [4238] ((الضوء اللامع)) للسخاوي (9/ 40). .
12- الشَّرَهُ يُفوِّتُ المقصودَ؛ قال ابنُ الجَوزيِّ: (رأَيتُ الشَّرَهَ في تحصيلِ الأشياءِ يُفوِّتُ الشَّرَهُ عليه مقصودَه!) [4239]  ((صيد الخاطر)) (ص: 206). .
13- الشَّرَهُ يُؤدِّي إلى النَّدمِ؛ قال ابنُ الجَوزيِّ: (كم قد سمِعْنا عن سُلطانٍ وأميرٍ وصاحِبِ مالٍ أطلَق نَفسَه في شَهواتِها، ولم ينظُرْ في حلالٍ وحرامٍ، فنزَل به مِن النَّدمِ وقتَ الموتِ أضعافُ ما التذَّ، ولو كان هذا فحسْبُ لكفى حزنًا، كيف والجزاءُ الدَّائِمُ بَينَ يَدَيه؟!) [4240] ((صيد الخاطر)) (ص: 188). .

انظر أيضا: