موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: من أخبارِ الحَمقى


هذه بعضُ أخبارِ الحَمقى ذكَرْناها لثلاثِ فوائِدَ:
(الأوَّلُ: أنَّ العاقِلَ إذا سمع أخبارَهم عرَف قَدْرَ ما وُهِب له ممَّا حُرِموه، فحثَّه ذلك على الشُّكرِ.
والثَّاني: أنَّ ذِكرَ المغفَّلين يحثُّ المتيقِّظَ على اتِّقاءِ أسبابِ الغفلةِ إذا كان ذلك داخلًا تحتَ الكَسبِ، وعامِلُه فيه الرِّياضةُ، وأمَّا إذا كانت الغفلةُ مجبولةً في الطِّباعِ فإنها لا تكادُ تَقبَلُ التَّغييرَ.
والثَّالِثُ: أن يُرَوِّحَ الإنسانُ قَلبَه بالنَّظَرِ في سِيَرِ هؤلاء المبخوسين حظوظًا يومَ القِسمةِ؛ فإنَّ النَّفسَ قد تَمَلُّ من الدُّؤوبِ في الجِدِّ، وترتاحُ إلى بعضِ المباحِ من اللَّهوِ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحنظلةَ: "ساعةٌ وساعةٌ" [3900] رواه مسلم (2750) مطوَّلًا من حديثِ حنظلةَ بنِ حذيمٍ الحَنَفيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .) [3901] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (14). .
- عن أبي عثمانَ المازنيِّ أنَّه قال: قَدِم أعرابيٌّ على بعضِ أقاربِه بالبصرةِ، فدفعوا له ثوبًا ليقطَعَ منه قميصًا، فدفع الثَّوبَ إلى الخيَّاطِ فقَدَر عليه ثمَّ خَرَق منه، قال: لمَ خرَقتَ ثوبي؟ قال: لا يجوزُ خياطتُه إلَّا بتخريقِه، وكان مع الأعرابيِّ هِراوةٌ [3902] الهِراوةُ: العصا الضَّخمةُ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (6/ 2535(. من أَرْزَنٍ [3903] الأَرْزَنُ: شَجَرٌ صُلبٌ تُتَّخَذُ منه العِصيُّ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (5/ 2123). فشَجَّ بها الخيَّاطَ، فرمى بالثَّوبِ وهَرَب، فتَبِعه الأعرابيُّ وأنشد يقولُ:
ما إنْ رأيتُ ولا سمِعتُ بمِثلِه
فيما مضى من سالِفِ الأحقابِ
مِن فِعلِ عِلجٍ جِئتُه ليَخيطَ لي
ثوبًا فخَرَقه كفِعلِ مُصابِ
فعلوتُه بهِراوةٍ كانت معي
فسعى وأدبَرَ هاربًا للبابِ
أيشقُّ ثوبي ثمَّ يقعُدُ آمِنًا
كلَّا ومُنزِلِ سورةِ الأحزابِ [3904] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (121).
- وكان رجلٌ من الأعرابِ يعمَلُ في مَعمَلٍ للذَّهَبِ فلم يُصِبْ شيئًا، فأنشأ يقولُ:
يا رَبِّ قَدِّرْ لي في حماسي
وفي طِلابِ الرِّزقِ بالتِماسِ
صفراءَ تجلو كَسَلَ النُّعاسِ
فضربَتْه عَقربٌ صَفراءُ، سهَّرَتْه طولَ اللَّيلةِ! وجعل يقولُ: يا رَبِّ، الذَّنبُ لي إذ لم أُبَيِّنْ لك ما أريدُه، اللَّهُمَّ لك الحَمدُ والشُّكرُ، فقيل له: ما تصنَعُ؟ أمَا سَمِعتَ قولَ اللهِ تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7] . فوَثَب جَزَعًا وقال: لا شُكرًا، لا شُكرًا [3905] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (123). !
- تذاكَرَ قومٌ قيامَ اللَّيلِ وعندَهم أعرابيٌّ، فقالوا له: أتقومُ باللَّيلِ؟ قال: إي واللهِ. قال: فما تصنعُ؟ قال: أبولُ وأرجِعُ أنامُ [3906] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (126). .
- وعن أبي العيناءِ قال: كان المدنيُّ في الصَّفِّ من وراءِ الإمامِ، فذكر الإمامُ شيئًا فقطع الصَّلاةَ، وقدَّم المدنيَّ ليَؤُمَّهم، فوقف طويلًا، فلمَّا أعيا النَّاسُ سَبَّحوا له، وهو لا يتحَرَّكُ فنحَّوْه وقدَّموا غيرَه، فعاتبوه فقال: ظنَنْتُه يقولُ لي: احفَظْ مكاني حتَّى أجيءَ [3907] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (119). !
- من أخبارِ هبنقةَ واسمُه يزيدُ بنُ ثروانَ، من حُمقِه أنَّه جعل في عنقِه قِلادةً مِن ودعٍ وعظامٍ وخزفٍ، وقال: أخشى أن أضِلَّ نفسي ففعَلْتُ ذلك لأعرِفَها به! فحُوِّلَت القِلادةُ ذاتَ ليلةٍ من عنُقِه لعُنُقِ أخيه، فلمَّا أصبح قال: يا أخي أنت أنا، فمَن أنا [3908] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (43). ؟
- وأضلَّ بعيرًا فجعَل ينادي: من وجَدَه فهو له. فقيل له: فلم تَنشُدُه؟ قال: فأين حلاوةُ الوِجْدانِ [3909] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (43). ؟!
- واختَصَمت طفاوةُ وبنو راسِبٍ في رجلٍ ادَّعى كُلُّ فريقٍ أنَّه في عرافتِهم [3910] يقالُ: عرَفَ فلانٌ على أصحابِه يَعْرُفُ عِرافةً: إذا صار عريفَهم، والعريفُ هو القَيِّمُ بأمورِ القبيلةِ أو الجماعةِ من النَّاسِ يلي أمورَهم ويتعَرَّفُ الأميرُ منه أحوالَهم. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/ 766)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 218). ، فقال هبنقةُ: حُكمُه أن يُلقى في الماءِ، فإن طفا فهو من طفاوةَ، وإن رَسَب فهو من راسِبٍ! فقال الرَّجُلُ: إن كان الحُكمُ هذا فقد زَهِدتُ في الدِّيوانِ [3911] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (43). .
- ومنهم عِجلُ بنُ لُجَيمٍ، مِن حُمقِه أنَّه قيل له: ما سَمَّيتَ فَرَسَك؟ فقام إليه ففَقَأ إحدى عينيه وقال: سَمَّيتُه الأعوَرَ.
قال العنزيُّ:
رَمَتْني بنو عِجلٍ بداءِ أبيهِمُ
وأيُّ امرئٍ في النَّاسِ أحمقُ مِن عِجلِ
أليس أبوهم عارَ عَينِ جوادِه
فصارت به الأمثالُ تُضرَبُ بالجَهلِ [3912] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (45). .
- وعن الأصمعيِّ أنَّه قال: حَجَّ أعرابيٌّ فدخل مكَّةَ قبلَ النَّاسِ، وتعلَّق بأستارِ الكعبةِ وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي قبلَ أن يَدهمَك النَّاسُ [3913] ((أخبار الحمقى والمغفلين)) لابن الجوزي (122). !

انظر أيضا: