موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ الحَسَدِ


 ذَكَر العُلَماءُ وسائِلَ للحاسِدِ الذي يريدُ النَّجاةَ من مغبَّةِ هذا الخُلُقِ الذَّميمِ، ويوَدُّ الخلاصَ من آفتِه التي أقضَّت [2697] أقضَّ، أي: صار على مَضجَعِه قَضَضٌ، وهو الحصى الصِّغارُ. وأقَضَّه اللهُ -أي: المضجَعَ- جعَلَه كذلك. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (19/26). مَضجَعَه، ومن تلك الوسائِلِ [2698] يُنظَر: ((سلامة الصدر)) لسعيد بن وهف القحطاني (ص: 18). :
1- قَطعُ النَّظَرِ عن النَّاسِ، وتعليقُ قلبِه باللَّهِ سُبحانَه وتعالى، وسؤالُه من فَضلِه.
2- المنافَسةُ في الأعمالِ الصَّالحةِ لا في أمورِ الدُّنيا.
3- التَّربيةُ منذُ الطُّفولةِ على حُبِّ الخيرِ للنَّاسِ.
4- أن يُدَرِّبَ نفسَه على قولِ: ما شاء اللَّهُ لا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ، والدُّعاءُ بالبَرَكةِ إذا أعجَبَه شيءٌ.
5- الدُّعاءُ للمحسودِ بالزِّيادةِ مِن فَضلِ اللَّهِ تعالى إذا وَجَد في نفسِه شيئًا من الحَسَدِ المذمومِ.
6- الرِّضا بقضاءِ اللَّهِ وقَدَرِه، والتَّسليمُ لحُكمِه؛ فهو الذي يُعطي النِّعَمَ ويَسلُبُها، قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:32] .
7- التَّفكُّرُ في نتائِجِ الحَسَدِ، والنَّظَرُ في عواقِبِه الوخيمةِ عليه وعلى مَن حولَه؛ فهو يتألَّمُ بحسَدِه ويتنغَّصُ في نفسِه، فيبقى مغمومًا محرومًا مُتشَعِّبَ [2699] متشَعِّبٌ: متفَرِّقٌ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 499). القلبِ، ضَيِّقَ الصَّدرِ، قد نزل به ما يَشتَهيه الأعداءُ له، ويشتهيه لأعدائِه؛ قال تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43] .
8- أن يحذَرَ نُفورَ النَّاسِ منه، وبُعدَهم عنه، وبُغضَهم له؛ لأنَّ الحَسَدَ يَظهَرُ في أعمالِ الجوارِحِ؛ قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: 118] ، فيخافُ عداوتَهم له وملامتَهم إيَّاه، فيتألَّفُهم بمعالجةِ نفسِه، وسلامةِ صَدرِه.
9- أن يَعمَلَ بنقيضِ ما يأمُرُه به الحَسَدُ؛ فإنْ حمَلَه الحَسَدُ على القَدحِ في محسودِه كَلَّف لسانَه المدْحَ له والثَّناءَ عليه، وإنْ حَمَله على التَّكبُّرِ عليه ألزَمَ نفسَه التَّواضُعَ له والاعتذارَ إليه، وإنْ بَعَثه على كَفِّ الإنعامِ عليه ألزَم نفسَه الزِّيادةَ في الإنعامِ عليه.
10- أن يَصرِفَ شهوةَ قلبِه في مرضاةِ اللَّهِ تعالى: فقد جَعَل اللَّهُ في الطَّاعةِ والحلالِ ما يملأُ القلبَ بالخيرِ، وما من صفةٍ من الصِّفاتِ إلَّا وجَعَل لها مصرِفًا ومحلًّا ينفُذُها فيه، فجعل لصفةِ الحَسَدِ مَصرِفًا وهو المنافَسةُ في فعلِ الخيرِ، والغِبطةُ عليه، والمسابقةُ إليه، وجَعَل لصِفةِ الكِبرِ التي تؤدِّي للحَسَدِ مَصرِفًا، هو التَّكبُّرُ على أعداءِ اللَّهِ تعالى وإهانتُهم، وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمن رآه يختالُ بَيْنَ الصَّفَّينِ في الحربِ: ((إنَّها لمِشيةُ يُبغِضُها اللَّهُ إلَّا في هذا الموطِنِ)) [2700] رواه ابنُ إسحاق في ((السيرة)) (505)، والطبري في ((التاريخ)) (11/294). ، وجعَل لقُوَّةِ الحِرصِ مَصرِفًا، وهو الحِرصُ على ما ينفَعُ، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((احرِصْ على ما ينفَعُك)) [2701] يُنظَر: ((أدب الدنيا والدين)) (1/269، 270)، و((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/196-199)، و((التبيان في أقسام القرآن)) لابن قيم الجوزية (ص: 415). والحديث رواه مسلم (2664) مطوَّلًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
11- أنَّه إذا خَطَرت له خَطرةُ الحَسَدِ، ودعاه الشَّيطانُ إليه، فينبغي أن يَكرَهَ ذلك أشَدَّ الكراهةِ لِما يؤدِّي إليه مِن السَّعيِ في مضارَّةِ المحسودِ [2702] ((مقاصد الرعاية لحقوق الله عزَّ وجَلَّ)) للعز بن عبد السلام (ص: 154). .
12- أن يَعلَمَ أنَّ الحاسِدَ لم يحِبَّ لأخيه المُسلِمِ ما أحَبَّ لنفسِه، وأنَّه شارَك الشَّيطانَ في عداوةِ أخيك المُسلِمِ، وسَخِطَ ما أعطاه اللَّهُ عبادَه [2703] ((مقاصد الرعاية لحقوق الله عزَّ وجَلَّ)) للعز بن عبد السلام (ص: 153). .
13- أن يجاهِدَ نفسَه على تخليصِ قلبِه من كُلِّ مَرَضٍ، ومن ذلك داءُ الحَسَدِ؛ حتَّى يكونَ قلبًا سليمًا؛ قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشَّعراء: 88 - 89] .
والقلبُ السَّليمُ هو الذي سَلِم من الشِّركِ الجَليِّ والخَفيِّ، ومن الأهواءِ والبِدَعِ، ومن الفُسوقِ والمعاصي؛ كبائِرِها وصغائِرِها، الظَّاهِرةِ والباطنةِ، كالرِّياءِ، والعُجبِ، والغِلِّ، والغِشِّ، والحِقدِ، والحَسَدِ، وغيرِ ذلك [2704] يُنظَر: ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص: 121)، ((مجموع رسائل ابن رجب)) (1/354). .

انظر أيضا: