موسوعة الأخلاق والسلوك

سادِسًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَرْكِ الجَفاءِ


1- التَّزوُّدُ بالإيمانِ، والتَّضَلُّعُ من العِلمِ النَّافِعِ؛ فإنَّهما كفيلانِ بترقيقِ الطَّبعِ، وتحسينِ الخُلُقِ.
2- الاقتداءُ بسَيِّدِ الخَلقِ أجمعينَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كيفيَّةِ مُعاملتِه للنَّاسِ، وحِرصِه عليهم، ورِفقِه بهم.
3- الاختِلاطُ بالنَّاسِ والصَّبرُ على أذاهم، وكُلَّما بَعُد الإنسانُ عن النَّاسِ وتجمُّعاتِهم غَلُظ طبعُه، وقسا قَلبُه، وساء خُلُقُه؛ لعَدَمِ وُجودِ من يعاشِرُه، ويتعَلَّمُ منه ويصبِرُ عليه، كما هو الحالُ في أهلِ الباديةِ.
4- التَّناصُحُ بَيْنَ الإخوانِ والعِتابُ بَيْنَهم بالحُسنى كفيلٌ بأن يُهَذِّبَ الطِّباعَ، ويُذهِبُ الجَفاءَ، وقد قال الشَّاعِرُ:
لستُ ممَّن يُماذِقُ [2562] المَذْقُ: اللَّبَنُ قد خُلِط به الماءُ، فاستعاره للمودَّةِ. يُنظَر: ((شرح ديوان الحماسة)) للمرزوقي (ص: 1261). الصَّاحِبَ ال
ودَّ إذا أظهَر الجَفاءَ الصَّريحَا
أنا أنهاه ما استطَعْتُ فإن لجَّ [2563] اللَّجَاجُ: التَّمادي في الخُصومةِ. وقيل: هو الاستِمرارُ على المعارَضةِ في الخِصامِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (6/ 179).
أعرتُ الفؤادَ يأسًا مُريحَا
غيرَ أنِّي على القطيعةِ لا أُظ
هِرُ هَجرًا ولا أقولُ قبيحَا [2564] ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (2/725).
وقال أعرابيٌّ لصاحبٍ له: (لستُ أقتضي الوفاءَ بكثرةِ الإلحاحِ فأُثقِلَ عليك، ولا أقابِلُ الجَفاءَ بتركِ العِتابِ فأغتَنِمَ القطيعةَ منك) [2565] ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان التوحيدي (8/ 60). .
وقال بعضُ الحُكَماءِ: (العِتابُ علامةُ الوفاءِ، وسلاحُ الأكْفاءِ، وحاصِدُ الجَفاءِ) [2566] ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/726). .
وعن الأصمَعيِّ قال: قال أعرابيٌّ: (عاتِبْ من ترجو رُجوعَه) [2567] ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/726)، ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 304). .
5- أن يَعلَمَ من ابتُليَ بهذا الخُلُقِ أنَّه قد يُعَرِّضُ نفسَه للعُقوبةِ والعذابِ إن داومَ على سوءِ الخُلُقِ، وقَسوةِ القَلبِ.
6- أن يَعلَمَ أنَّه قد يخسَرُ كُلَّ أصدقائِه وأحبابِه.
7- أن يَعلَمَ أنَّه متَّصِفٌ ببعضِ صِفاتِ الجبَّارين الذين يُبغِضُهم اللهُ تبارك وتعالى.
8- أن يَعلَمَ أنَّه بقَسوتِه وجَفائِه قد يَظلِمُ مَن حَولَه فيأثَمُ، وربَّما يدعو عليه المظلومون فلا تخطِئُه تلك الدَّعَواتُ؛ فيَخسَرُ دُنياه وآخِرتَه.
9- أن يَصبِرَ على جفاءِ الإخوانِ ولا يُقابِلَهم بالمِثلِ؛ فإنَّه مأجورٌ مُثابٌ على صَبرِه، وقد يكونُ صَبرُه هذا سَبَبًا لتركِهم الجَفاءَ وبُعدِهم عنه، وهو من جانبٍ آخَرَ أسلَمُ له؛ قال ابنُ حِبَّانَ: (العاقِلُ يتفَقَّدُ تَركَ الجَفاءِ مع الإخوانِ، ويراعي محوَها إن بدَت منه، ولا يجِبُ أن يستَضعِفَ الجفوةَ اليسيرةَ؛ لأنَّ مَن استصغر الصَّغيرَ يوشِكُ أن يَجمَعَ إليه صغيرًا، فإذا الصَّغيرُ كبيرٌ، بل يبلُغُ مجهودَه في محوِها) [2568] ((روضة العقلاء)) (ص: 89). . وقال أيضًا: (ولَأن يَصبِرَ المرءُ على حرارةِ الجَفاءِ ومَرارتِها أَولى من الانتقامِ ممَّا يَستجلِبُ عليه بما هو أحَرُّ وأمَرُّ ممَّا مضى؛ لأنَّ من الكلامِ ما هو أشَدُّ من الحَجَرِ، وأنفَذُ من الإبَرِ، وأمَرُّ من الصَّبرِ، ولقد أحسَنَ الذي يقولُ:
لقد أسمَعُ القولَ الذي كاد كلَّما
تُذَكِّرُنيه النَّفسُ قَلبي تصَدَّعُ
فأُبدي لمن أبداه منِّي بشاشةً
كأنِّي مسرورٌ بما منه أسمَعُ
وما ذاك عن عَجزٍ به غيرَ أنَّني
أرى أنَّ تَرْكَ الشَّرِّ للشَّرِّ أقطَعُ [2569] ((روضة العقلاء)) (ص: 171).
ولْيَعلَمْ هذا الفاضِلُ أنَّ أفضَلَ طريقةٍ يخَتبرُ فيها حُسنَ خُلُقِه هي الصَّبرُ على جفاءِ الجُفاةِ، واحتِمالُ الأذى؛ قال الغَزاليُّ: (وأَولى ما يُمتحَنُ به حُسنُ الخُلُقِ: الصَّبرُ على الأذى، واحتِمالُ الجَفاءِ) [2570] ((إحياء علوم الدين)) (3/70). .
وعليه أن يتَّهِمَ نفسَه إذا رأى جفاءً من إخوانِه؛ فرُبَّما كان هذا الجَفاءُ بسَبَبِ ذَنبٍ ارتكَبه، أو خطيئةٍ أتى بها. قال بكرُ بنُ عبدِ اللهِ المُزَنيُّ: (وإن رأيتَ إخوانَك المُسلِمين من يكرمونَك، ويُعَظِّمونك ويَصِلونك، فقُلْ أنت: هذا فَضلٌ أخذوا به، وإن رأيتَ منهم جفاءً وانقباضًا، فقُلْ: هذا ذنبٌ أحدَثْتُه) [2571] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/226). .

انظر أيضا: