موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعَ عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ المدحِ


1- يتسرَّعُ بعضُ النَّاسِ في الثَّناءِ على من ظهَر صلاحُه، فيقولون: إنَّه تقيٌّ ووَرِعٌ وزاهِدٌ، وما يجري مجراه، مع أنَّ ذلك خَفِيٌّ؛ فلا ينبغي أن يُجزَمَ القولُ فيه إلَّا بعدَ خِبرةٍ باطنةٍ، وقد رُوِيَ: (أنَّ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه سمعَ رجُلًا يُثني على آخَرَ، فقال: أسافَرْتَ معه؟ قال: لا، قال: أخالَطْتَه في المبايعةِ والمعامَلةِ؟ قال: لا، قال: فأنت جارُه صباحَه ومساءَه، قال: لا، فقال: واللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو لا أراك تَعرِفُه) [552] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 160). .
وفي ذلك يقولُ الشَّاعِرُ:
إنِّي امرؤٌ قلَّما أُثني على أحَدٍ
حتَّى أرى بعضَ ما يأتي وما يَذَرُ
لا تحمَدَنَّ امرَأً حتى تجَرِّبَه
ولا تَذُمَّنَّ من لم يَبلُه الخَبَرُ [553] ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (3/ 446). .
2- ومِن الأخطاءِ الشَّائِعةِ: المُبالَغةُ في الثَّناءِ والتَّشجيعِ ووضعُهما في غَيرِ مَوضِعِهما؛ مِمَّا يوقِعُ المَمدوحَ في مَهاوي الغُرورِ والبَطالةِ؛ قال مُحَمَّد البَشيرُ الإبراهيميُّ في كلماتٍ واعِظةٍ للمُعَلِّمينَ: (هناك حُدودٌ مُشتَرَكةٌ بَينَ الضَّارِّ والنَّافِعِ مِن أعمالِكم، فتَبيَّنوها ثُمَّ اعمَلوا على قَدْرِها، ولا تَجاوِزوا حَدًّا إلى حَدٍّ، فتَضُرُّوا مِن حَيثُ قَصَدتُم إلى النَّفعِ، فمَدحُ المُجتَهدِ مِن تَلامِذَتِكم مُذْكٍ للنَّشاطِ، كما هو مَدعاةٌ إلى الغُرورِ، والفَصلُ بَينَهما رَهينُ لَفظةِ مَدحٍ مُقدَّرةٍ أو مُبالَغٍ فيها منكم، ولأن تَخمُدوا نَشاطًا خَيرٌ مِن أن تُشعِلوا غُرورًا في نَفسِ التِّلميذِ، إنَّ النَّشاطَ قد يُعاوِدُ، ولَكِنَّ الغُرورَ لا يُزايِلُ، وإنَّ الغُرورَ لأعضَلُ داءٍ في عَصرِكم، وإنَّ صِنفَكم لأكثَرُ الأصنافِ قابليَّةً لهذا الدَّاءِ؛ لِما فيه مِن إيهامٍ بالكمالِ في مَوضِعِ النَّقصِ، وتَمويهٍ للتَّخَلُّفِ بالتَّقدُّمِ، وتَغطيةٍ للسَّيِّئِ بالحَسَنِ، وهذه مُحسِّناتُ الغُرورِ في نُفوسِ المَغرورينِ، والغَرائِزُ ضاريةٌ، والتَّجارِبُ فَضَّاحةٌ، والصِّراعُ بَينَهما كان وما زالَ ولا يزولُ؛ فاحذَروا الزَّلَّةَ في هذا المَزلقِ، وحَذِّروا تَلامِذَتَكم منها بالقَولِ والعَمَلِ. رَبُّوهم على بناءِ الأُمورِ على أسبابِها، والنَّتائِجِ على مُقدِّماتِها عِلمًا وعَمَلًا) [554] ((آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي)) (3/ 272). .

انظر أيضا: