موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ الإطراءِ


ويمكِنُ التَّخَلُّصُ من هذه الصِّفةِ بأن:
1- يعالجَ المادحُ لسانَه، فلا يتكلَّمَ إلَّا بخيرٍ [463] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 565). ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ)) [464] أخرجه البخاري (6475)، ومسلم (47) مطولا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2-يعوِّدَ نفسَه على تركِ الغُلُوِّ في الأمرِ كُلِّه في المدحِ وغيرِه، قال ابنُ القَيِّمِ:
كلَّا ولم نَغْلُ الغُلُوَّ كما نهى
عنه الرَّسولُ مخافةَ الكُفرانِ
للهِ حَقٌّ لا يكونُ لغيرِه
ولعَبدِه حقٌّ هما حقَّانِ
لا تجعَلوا الحقَّينِ حقًّا واحدًا
من غيرِ تمييزٍ ولا فُرقانِ [465] ((النونية)) لابن القيم (ص: 249). .
3-يُكثِرَ النَّظرَ في سيرةِ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ ليقِفَ على هَدْيِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في المدحِ.
4- يَبعُدَ عن المدَّاحينَ ويُنكِرَ عليهم، وقد رحل طالبُ علمٍ إلى أبي الوقتِ السجزيِّ، فقال: (كان قصدي إليكَ، ومعوَّلي بعدَ اللهِ عليكَ، وقد كتبْتُ ما وقع إليَّ من حديثِك بقَلَمي، وسعيتُ إليك بقَدَمي؛ لأدرِكَ بركةَ أنفاسِك، وأحظى بعُلُوِّ إسنادِك، فقال: وفَّقك اللهُ وإيَّانا لمرضاتِه، وجعل سعْيَنا له، وقَصْدَنا إليه، لو كنتَ عرَفْتَني حقَّ معرفتي لمَّا سلَّمتَ عليَّ، ولا جلَسْتَ بين يَدَيَّ، ثمَّ بكى بكاءً طويلًا، وأبكى من حضره، ثمَّ قال: اللهمَّ استُرْنا بسَترك الجميلِ، واجعَلْ تحتَ السِّترِ ما ترضى به عنَّا) [466] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (20/ 307). .
وممَّا يستعانُ به على ذلك: أن يسترشِدَ الممدوحُ إخوانَ الصِّدقِ؛ فإنَّهم ينبِّهونَه على مساوئِه، عِوَضًا عن الافتتانِ بإطراءِ مدَّاحيه [467] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 241). .
أن يعلَمَ أنْ لا عبرةَ بمدحِ النَّاسِ، وإنما العِبرةُ بتزكيةِ اللهِ تعالى له؛ قال الغزاليُّ: (وإنما كرِهوا المدحَ خيفةَ أن يفرَحوا بمدحِ الخَلقِ وهم ممقوتون عندَ الخالِقِ، فكان اشتغالُ قلوبِهم بحالِهم عندَ اللهِ تعالى يُبَغِّضُ إليهم مدْحَ الخَلقِ) [468] ((الإحياء)) للغزالي (3/ 290). .وقال عامرٌ الشَّعبيُّ: (كتبَت عائشةُ إلى معاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أمَّا بعدُ؛ فإنَّ العبدَ إذا عمِلَ بمعصيةِ اللهِ عاد حامِدُه من النَّاِس ذامًّا) [469] ((الزهد)) لوكيع (ص: 844) رقم (523). .
أن يعلَمَ أنَّ المدحَ لا يستجلِبُ رِزقًا ولا يبسُطُ أجلًا؛ قال الغزاليُّ: (ومهما عَلِم أنَّ الأرزاقَ والآجالَ بيدِ اللهِ تعالى قلَّ التفاتُه إلى مدحِ الخَلقِ وذَمِّهم، وسقط من قَلبِه حُبُّ المدحِ، واشتغل بما يُهِمُّه من أمرِ دينِه) [470] ((الإحياء)) للغزالي (3/ 290). .
أن يعرفَ الممدوحُ نفسَه؛ قال سفيانُ بنُ عُيَينةَ: (قالت العُلَماءُ: المدحُ لا يغُرُّ من عرَف نفسَه) [471] ((حلية الأولياء)) (7/ 302). ، ويتأمَّلَ ما في خطَرِ الخاتمةِ ودقائِقِ الرِّياءِ وآفاتِ الأعمالِ؛ فإنَّه يعرِفُ من نفسِه ما لا يعرِفُه المادحُ، ولو انكشف له جميعُ أسرارِه وما يجري على خواطِرِه لكفَّ المادحُ عن مدحِه، وعليه أن يُظهِرَ كراهةَ المدحِ بإذلالِ المادِحِ [472] ((الإحياء)) للغزالي (3/ 161). .

انظر أيضا: