موسوعة الأخلاق والسلوك

سادِسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ النَّظافةِ


1- النَّظافةُ اليوميَّةُ التي أمَر الشَّرعُ بها المُسلِمَ حينَ شَرَع الوضوءَ للصَّلَواتِ الخَمسِ في اليومِ واللَّيلةِ، بما فيها من تعهُّدٍ للأعضاءِ الظَّاهرةِ من الإنسانِ الأكثَرِ تعرُّضًا للتلوُّثِ، وجعَلَها شرطًا لقَبولِ الصَّلاةِ.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] .
وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا تُقبَلُ صلاةٌ بغيرِ طُهورٍ)) [9326] أخرجه مسلم (224) مطوَّلًا. .
قال القاضي عياضٌ: (هذا الحديثُ نَصٌّ وأصلٌ في وجوبِ الطَّهارةِ من السُّنَّةِ مع أمثالِه من الآثارِ، وهذا ممَّا لا خلافَ فيه بَيْنَ الأمَّةِ، وأنَّ الصَّلاةَ من شَرطِها الطَّهارةُ بإيجابِ اللهِ تعالى في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه، وإجماعِ أهلِ القِبلةِ على ذلك) [9327] ((إكمال المعلم)) (2/10). .
2- النَّظافةُ الأسبوعيَّةُ، وذلك بالغُسلِ والتَّنظيفِ كُلَّ سبعةِ أيَّامٍ، والأَولى أن يكونَ ذلك يومَ الجُمُعةِ، فهو يومُ اجتماعِ للمُسلِمين، وينبغي على المُسلِمِ أن يكونَ بَيْنَ إخوانِه نظيفًا؛ ولهذا شُرِع للمُسلِمِ الاغتسالُ في هذا اليومِ.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حَقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ أن يغتَسِلَ في كُلِّ سبعةِ أيَّامٍ يومًا، يغسِلُ فيه رأسَه وجَسَدَه)) [9328] أخرجه البخاري (897) واللفظ له، ومسلم (849). .
وعن الزُّهريِّ قال طاوسٌ: قُلتُ لابنِ عبَّاسٍ: ذكروا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اغتَسِلوا يومَ الجُمُعةِ واغسِلوا رؤوسَكم، وإن لم تكونوا جُنُبًا وأصيبوا من الطِّيبِ)) قال ابنُ عبَّاسٍ: أمَّا الغُسلُ فنَعَم، وأمَّا الطِّيبُ فلا أدري [9329] أخرجه البخاري (884) واللفظ له، ومسلم (848). .
وعن عائشةَ زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: ((كان النَّاسُ ينتابون يومَ الجُمُعةِ من منازلِهم والعوالي، فيأتون في الغُبارِ يُصيبُهم الغُبارُ والعَرَقُ، فيخرج منهم العَرَقُ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أنَّكم تطَهَّرْتُم ليومِكم هذا)) [9330] أخرجه البخاري (902) واللفظ له، ومسلم (847). .
و(ما ورد من تأكيدِ الأمرِ بالغُسلِ يومَ الجمُعةِ والطِّيبِ، ولُبسِ الثِّيابِ النَّظيفةِ؛ لأنَّه يومُ عيدِ الأسبوعِ، يجتَمِعُ النَّاسُ فيه على عبادةِ اللهِ تعالى، فيُطلَبُ فيه ما يُطلَبُ في عيدَيِ السَّنةِ، وورد في أسبابِ الأمرِ بالغُسلِ فيه خاصَّةً أنَّ بعضَ الصَّحابةِ كانوا يتركون فيه أعمالَهم قُبَيلَ وَقتِ الصَّلاةِ، فتُشَمَّ رائحةُ العَرَقِ منهم، ولا تكونُ أبدانُهم نظيفةً، وفي بعضِ هذه الرِّواياتِ أنَّهم كانوا يَلبَسون الصُّوفَ، فإذا عَرِقوا عَلَت رائحتُه حتى شَمَّها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّةً وهو يخطُبُ، فكان يأمُرُهم بالغُسلِ والطِّيبِ والثِّيابِ النَّظيفةِ لأجلِ هذا [9331] ((تفسير المنار)) (6/ 218). .
وقد اتَّفق الفُقَهاءُ على أنَّ الغُسلَ للجُمعةِ مطلوبٌ شرعًا، وذهب الجمهورُ إلى أنَّه سُنَّةٌ [9332] يُنظَر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (45/304). .
3- النَّظافةُ المشروعةُ في العيدينِ، وذلك بالغُسلِ ولُبسِ الثِّيابِ الحَسَنةِ؛ إذ هو يومُ اجتماعِ المُسلِمين، فينبغي أن يخرُجَ إليهم المُسلِمُ في أفضَلِ هيئةٍ نظيفةٍ، ويستحَبُّ في هذا اليومِ التَّنظُّفُ حتى لغيرِ الخارجِ إلى الصَّلاةِ، فهو يومُ زينةٍ.
قال ابنُ قدامةَ: لأنَّه يومٌ يجتَمِعُ النَّاسُ فيه للصَّلاةِ، فاستُحِبَّ الغُسلُ فيه، كيومِ الجُمُعةِ، وإن اقتَصَر على الوضوءِ أجزأه، ويستحَبُّ أن يتنظَّفَ، ويلبَسَ أحسَنَ ما يجِدُ، ويتطيَّبَ، ويتسَوَّكَ [9333] ينظر: ((المغني)) (2/274). .
(ويستوي في استحبابِ تحسينِ الثِّيابِ والتَّنظيفِ والتَّطيُّبِ وإزالةِ الشَّعرِ والرَّائحةِ الكريهةِ، الخارجُ إلى الصَّلاةِ والقاعِدُ في بيتِه؛ لأنَّه يومُ الزِّينةِ، فاستَوَوا فيه) [9334] ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (31/116). .
4- النَّظافةُ التي ينبغي على الحاجِّ أن يقومَ بها بعدَ وُقوقِه بعَرَفةَ ومُزدَلِفةَ، بإزالةِ الأوساخِ عن جِسمِه وتقليمِ أظفارِه وحَلقِ شَعرِه ونحوِ ذلك.
قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 29]
قال النَّيسابوريُّ: (وأجمع أهلُ التَّفسيرِ على أنَّ المرادَ هاهنا إزالةُ الأوساخِ والزَّوائِدِ، كقَصِّ الشَّارِبِ والأظفارِ، ونَتفِ الإبْطِ، وحَلقِ العانةِ) [9335] ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) (5/ 78). .
5- النَّظافةُ الخاصَّةُ بالفَمِ؛ عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((السِّواكُ مَطهَرةٌ للفَمِ، مَرضاةٌ للرَّبِّ)) [9336] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1934)، وأخرجه موصولًا النسائي (5)، وأحمد (24925).  صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (1067)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/133)، والنووي في ((المجموع)) (1/267)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/687). .
قال الصَّنعانيُّ: («مرضاةٌ للرَّبِّ» أي: محَلُّ رِضاءٍ له تعالى به أو سَبَبٌ لرضاه، وذلك لأنَّه تعالى يحِبُّ النَّظافةَ، وفيه حثٌّ على السِّواكِ) [9337] ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (6/480). .
(وعنايةُ الدِّينِ بتطهيرِ الفَمِ، وتجليةِ الأسنانِ، وتنقيةِ ما بينها، لا نظيرَ لها في وصايا الصِّحَّةِ القديمةِ والحديثةِ... والذي يَلحَظُ أمراضَ الفَمِ واللِّثةِ من إهمالِ تطهيرِهما يُدرِكُ سِرَّ مبالغةِ الإسلامِ في دَلكِ الأسنانِ بالموادِّ الحافظةِ لرونقِها وسلامتِها، دلكًا يزيلُ ما يعلوها وما يختفي حولَها) [9338] ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (ص: 142). .
وقال ابنُ الملقِّنِ في كتابِه (البدر المنير في تخريجِ الأحاديثِ والآثارِ الواقعةِ في الشَّرحِ الكبيرِ) بعد تخريجِه لأحاديثِ السِّواكِ: (هذا آخِرُ ما قصَدْتُه، وإبرازُ ما أرَدْتُه فيما يتعلَّقُ بالسِّواكِ، وهو مُهِمٌّ جِدًّا، وقد اجتمع -بحَمدِ اللهِ وعَونِه- من الأحاديثِ من حينِ شَرَع المصَنِّفُ في ذِكرِ السِّواكِ إلى هذا المكانِ زيادةٌ على مئةِ حديثٍ كُلُّها في السِّواكِ ومتعَلِّقاتِه، وهذا عظيمٌ جسيمٌ، فواعَجَبًا! سُنَّةٌ واحدةٌ تأتي فيها هذه الأحاديثُ ويُهمِلُها كثيرٌ من النَّاسِ، بل كثيرٌ من الفُقَهاءِ المُشتَغِلين! وهي خيبةٌ عظيمةٌ! نسألُ اللهَ المعافاةَ منها) [9339] ((البدر المنير)) (2/ 68). .
6- النَّظافةُ التي حثَّ عليها الإسلامُ ودعا إليها في جَسَدِ الإنسانِ، وجعَلها عائدةً إلى تطهيرِ ظاهرِه ونظافتِه، ودفعِ الأوساخِ والأقذارِ عنه، وقَرَنها بالفِطرةِ الصَّحيحةِ للإنسانِ، وهي من محاسِنِ الدِّينِ الإسلاميِّ؛ إذ هي كُلُّها تنظيفٌ للأعضاءِ، وتكميلٌ لها، لتتمَّ صِحَّتُها وتكونَ مُستعِدَّةً لكُلِّ ما يرادُ منها.
عن عائشةَ قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَشرٌ من الفِطرةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستِنشاقُ الماءِ، وقَصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البراجمِ، ونَتْفُ الإبْطِ، وحلقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ)). قال مُصعَبٌ أحَدُ رواةِ الحديثِ: ونَسيتُ العاشِرةُ إلَّا أن تكونَ المضمَضةَ [9340] أخرجه مسلم (261). .
قال السَّعديُّ: فأمَّا المضمضةُ والاستنشاقُ فإنَّهما مشروعانِ في طهارةِ الحَدَثِ الأصغَرِ والأكبَرِ بالاتِّفاقِ، وهما فرضان فيهما من تطهيرِ الفَمِ والأنفِ وتنظيفِهما؛ لأنَّ الفَمَ والأنفَ يتواردُ عليهما كثيرٌ من الأوساخِ والأبخرةِ ونحوِها، وهو مضطَرٌّ إلى ذلك وإزالتِه، وكذلك السِّواكُ يُطَهِّرُ الفَمَ؛ ولهذا يُشرَعُ كُلَّ وقتٍ، ويتأكَّدُ عِندَ الوضوءِ والصَّلاةِ والانتباهِ من النَّومِ، وتغيُّرِ الفَمِ، وصُفرةِ الأسنانِ، ونحوِها، وأمَّا قَصُّ الشَّارِبِ أو حفُّه حتى تبدوَ الشَّفةُ، فلِما في ذلك من النَّظافةِ، والتَّحرُّزِ ممَّا يخرجُ من الأنفِ؛ فإنَّ شَعرَ الشَّارِبِ إذا تدلَّى على الشَّفةِ باشر به ما يتناوَلُه من مأكولٍ ومشروبٍ، مع تشويهِ الخِلقةِ بوَفرتِه، وإن استحسَنَه من لا يُعبَأُ به. وهذا بخلافِ اللِّحيةِ؛ فإنَّ اللهَ جَعَلَها وقارًا للرَّجُلِ وجمالًا له؛ ولهذا يبقى جمالُه في حالِ كِبَرِه بوجودِ شَعرِ اللِّحيةِ، وأمَّا قصُّ الأظفارِ ونَتفُ الإبْطِ، وغَسلُ البراجِمِ، وهي مطاوي البدَنِ التي تجتمِعُ فيها الأوساخُ، فلها من التَّنظيفِ وإزالةِ المؤذياتِ ما لا يمكِنُ جَحدُه، وكذلك حَلقُ العانةِ، وأمَّا الاستنجاءُ - وهو إزالةُ الخارجِ من السَّبيلَينِ بماءٍ أو حَجرٍ- فهو لازمٌ وشرطٌ من شروطِ الطَّهارةِ، فعَلِمتَ أنَّ هذه الأشياءَ كُلَّها تُكَمِّلُ ظاهِرَ الإنسانِ وتُطَهِّرُه وتنظِّفُه، وتدفعُ عنه الأشياءَ الضَّارَّةَ والمستقبَحةَ، والنَّظافةُ من الإيمانِ [9341] ينظر ((بهجة قلوب الأبرار)) (1/52، 53). .
7- النَّظافةُ المتعَلِّقةُ بالمساجِدِ بيوتِ اللهِ سُبحانَه، ورعايتُها على أكمَلِ وَجهٍ، وتنظيفُها من أيِّ مَظهَرٍ من مظاهِرِ الأذى، كالبُصاقِ والرَّوائحِ الكريهةِ، والعَمَلُ على تطييبِها وتجميلِها
عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((البُزاقُ في المسجِدِ خطيئةٌ وكُفَّارتُها دَفْنُها)) [9342] أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552). .
قال الصَّنعانيُّ: (البُزاقُ في المسجِدِ حَرامٌ مُعاقَبٌ عليه؛ لأنَّه إهانةٌ للمسجِدِ، وتقذيرُه لحقِّ اللهِ. ودفنُه: أي: في تربةِ المسجِدِ يُكَفِّرُ ذلك تلك السَّيِّئةَ، قيل: هذا إذا كانت أرضُ المسجِدِ تُربةً، وأمَّا إذا كانت مُبَلَّطةً أو مرخَّمةً، فإنَّ دَلْكَها فيه ليس دَفنًا، بل زيادةُ تقذيرٍ له، فليَجْعَلْها في ثوبِه) [9343] ينظر ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (4/587). .
وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من أكَلَ مِن هذه البَقلةِ؛ الثُّومِ- وقال مرَّةً: من أكَلَ البَصَلَ والثُّومُ والكُرَّاثَ- فلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدَمَ)) [9344] أخرجه البخاري (854)، ومسلم (564) واللفظ له. .
قال ابنُ العطَّارِ: (فيه اعتزالُ الجماعةِ والمساجدِ لِمَن أكَل بَصَلًا أو ثُومًا أو نحوَهما ممَّا له رائحةٌ كريهةٌ، وذلك تصريحٌ بالنَّهيِ عن ذلك في كُلِّ مسجِدٍ، وهو مذهَبُ العُلَماءِ كافَّةً؛ لأنَّه مُعَلَّلٌ بتأذِّي النَّاسِ أو الملائكةِ الحاضِرين، وذلك قد يكونُ موجودًا في المساجِدِ كُلِّها) [9345] يُنظَر: ((العدة في شرح العمدة)) (1/589). .
8- النَّظافةُ المتعَلِّقةُ بالزَّوجَينِ:
أمَّا الزَّوجةُ فمِن صُوَرِ نظافتِها: نظافةُ البَدَنِ والبَشَرةِ، والعنايةُ بنظافةِ الأسنانِ ورائحةِ الفَمِ، وبتنقيةِ العينِ وتكحيلِها، وبتقليمِ الأظفارِ وتسويتِها، وكذلك نَتْفُ الإبْطِ وشَعرِ العانةِ [9346] ((هذه هي زوجتي)) لعصام بن محمد الشريف (ص: 67، 68). .
وقد قالت أُمامةُ بنتُ الحارِثِ في وصيَّتِها لابنتِها عِندَ الزِّفافِ:
(يا بُنَيَّةُ، احمِلي عنى خصالًا عَشرًا، تكُنْ لكِ ذُخرًا وذِكرًا: الصُّحبةُ بالقَناعة، والمُعاشَرةُ بحُسنِ السَّمعِ والطَّاعة، والتَّعهُّدُ لمَوقِعِ عَينِه، والتَّفقُّدُ لمَوضِعِ أنفِه؛ فلا تَقَعُ عَينُه مِنك على قَبيح، ولا يَشَمُّ مِنكِ إلَّا أطيَبَ رِيح، والكُحْلُ أحْسَنُ الحُسْنِ، والماءُ أطْيَبُ الطِّيبِ المَفْقودِ ...) [9347] ((الفاخر)) للمفضل بن سلمة (ص: 186). .
وكذلك ينبغي للرَّجُلِ أن يعتنيَ بنظافةِ نَفسِه، كما يحِبُّ ذلك من امرأتِه؛ قال ابنُ الجوزيِّ في محاسِنِ النَّظافةِ والتَّطيُّبِ: (إنَّه يُؤنِسُ الزَّوجةَ بتلك الحالِ؛ فإنَّ النِّساءَ شقائِقُ الرِّجالِ، فكما أنَّه يَكرَهُ الشَّيءَ منها، فكذلك هي تكرَهُه، وربَّما صبَرَ هو على ما يكرَهُ، وهي لا تصبِرُ) [9348] ((صيد الخاطر)) (ص: 105). .
وقال في ضَرَرِ إهمالِ النَّظافةِ: (يوجِبُ مِثلُ هذا نفورَ المرأةِ، وقد لا تستحسِنُ ذِكرَ ذلك للرَّجُلِ، فيُثمِرُ ذلك التِفاتَها عنه، وقد كان ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما يقولُ: إنِّي لأحِبُّ أن أتزَيَنَّ للمرأةِ كما أحِبُّ أن تتزَيَّنَ لي) [9349] ((صيد الخاطر)) (ص: 104). .
9- النَّظافةُ الخاصَّةُ بالصِّغارِ والأطفالِ، فيَجِبُ مراعاتُها والاهتمامُ بها.
  عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((خرجتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في طائفةٍ من النَّهارِ، لا يكَلِّمُني ولا أكَلِّمُه، حتى جاء سوقَ بني قَينُقاعٍ، ثمَّ انصرف، حتى أتى خباءَ فاطِمةَ، فقال: أثَمَّ لُكَعُ [9350] قولُه: "أثَمَّ لُكَعُ": يُريدُ الحَسَنَ بنَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما، سمَّاه لُكعًا لصِباه، و(لُكَعُ) تقالُ على معنيَينِ: أحدُهما: على معنى الاستِصغارِ، والآخَرُ: على معنى الذَّمِّ. يُنظَر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1037). ؟ أثَمَّ لُكَعُ؟ يعني حَسَنًا، فظَنَنَّا أنَّه إنما تحبِسُه أمُّه لأن تُغَسِّلَه وتُلبِسَه سِخابًا [9351] السِّخابُ: خيطٌ يُنظَمُ فيه خَرَزٌ ويَلبَسُه الصِّبيانُ والجواريُّ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (2/349). ، فلم يَلبَثْ أن جاء يسعى، حتى اعتَنَق كُلُّ واحدٍ منهما صاحِبَه)) [9352] أخرجه البخاري (2122)، ومسلم (2421) واللفظ له. .
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (فيه من الفِقهِ: المحافظةُ على النَّظافةِ، وعلى تحسينِ الصِّغارِ، وتزيينِهم، وخصوصًا عِندَ لقاءِ مَن يُعظَّمُ ويُحتَرَمُ) [9353] ((المفهم)) (6/299). .

انظر أيضا: