موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من غَيْرةِ الصَّحابةِ


نماذِجُ من غَيْرةِ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
لقد كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يَغارونَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد ضَرَبوا أروَعَ الأمثلةِ في محبَّتِه وطاعتِه ونُصرتِه، ومن أمثلةِ الغَيْرةِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
- غَيْرةُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بَينَما نحن عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقسِمُ قَسمًا أتاه ذو الخُوَيصرةِ -وهو رجُلٌ مِن بَني تميمٍ- فقال: يا رسولَ اللهِ، اعدِلْ، فقال: وَيلَك! ومَن يعدِلُ إذا لم أعدِلْ؟! قد خِبْتَ وخسِرْتَ إنْ لم أكنْ أعدِلُ! فقال عُمرُ: يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي فيه فأضرِبَ عُنقَه، فقال: دَعْه؛ فإنَّ له أصحابًا يحقِرُ أحدُكم صلاتَه معَ صلاتِهم، وصِيامَه معَ صِيامِهم، يقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ تراقيَهم، يمرُقونَ مِن الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّميَّةِ، ينظُرُ إلى نَصلِه فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ ينظُرُ إلى رِصافِه فما يوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ ينظُرُ إلى نَضِيِّه -وهو قِدحُه- فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ ينظُرُ إلى قُذَذِه فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، قد سبَق الفَرْثَ والدَّمَ، آيتُهم رجُلٌ أسوَدُ إحدى عَضُدَيه مِثلُ ثَديِ المرأةِ، أو مِثلُ البَضعةِ تَدَرْدَرُ، ويخرُجونَ على حينِ فُرقةٍ مِن النَّاسِ)) [7150] رواه البخاري (3610) واللفظ له، ومسلم (1064). .
- غَيْرةُ عائشةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((استأذَن رَهطٌ من اليهودِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: السَّامُ عليك، فقُلتُ: بل عليكم السَّامُ واللَّعنةُ! فقال: يا عائِشةُ، إنَّ اللهَ رَفيقٌ يحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه. قُلتُ: أولَم تسمَعْ ما قالوا؟! قال: قُلتُ: وعليكم)) [7151] رواه البخاري (6024)، ومسلم (2165) واللفظ له. .
- غَيْرةُ ابنِ عُمَرَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
مرَّ ابنُ عُمَرَ براهِبٍ، فقيل: إنَّ هذا سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (لو سَمِعتُه لضَرَبتُ عنُقَه، إنَّا لم نُعطِهم العَهدَ على أن يَسُبُّوا نبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [7152]  رواه الحارث في ((المسند)) (510). .
- غَيْرةُ حَسَّانَ بنِ ثابتٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن عائِشةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اهجُوا قُرَيشًا؛ فإنَّه أشَدُّ عليها من رَشقٍ بالنَّبلِ. فأرسَل إلى ابنِ رَواحةَ، فقال: اهجُهم. فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسَل إلى كَعبِ بنِ مالكٍ، ثمَّ أرسَل إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ، فلمَّا دخل عليه قال حَسَّانُ: قد آن لكم أن تُرسِلوا إلى هذا الأسَدِ الضَّارِبِ بذَنَبِه! ثمَّ أدلَعَ لِسانَه فجَعَل يُحَرِّكُه، فقال: والذي بعَثَك بالحَقِّ لأفرينَّهم بلساني فَرْيَ الأديمِ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَعجَلْ؛ فإنَّ أبا بكرٍ أعلَمُ قُرَيشٍ بأنسابِها، وإنَّ لي فيهم نَسَبًا، حتَّى يُلخِّصَ لك نَسَبي. فأتاه حسَّانُ، ثمَّ رجَع فقال: يا رسولَ اللهِ، قد لخَّص لي نسَبَك، والذي بعَثَك بالحَقِّ، لأَسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشَّعَرةُ من العَجينِ. قالت عائشةُ: فسَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لحَسَّانَ: إنَّ رُوحَ القُدُسِ لا يزالُ يُؤَيِّدُك ما نافَحْتَ عن اللهِ ورسولِه! وقالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: هجاهم حسَّانُ، فشفى واشتفى. قال حسَّانُ:
هَجَوتَ محمَّدًا فأجَبْتُ عنه
وعندَ اللهِ في ذاك الجزاءُ
هَجَوتَ محمَّدًا بَرًّا حنيفًا
رسولَ اللهِ شيمتُه الوَفاءُ
فإنَّ أبي ووالِدَه وعِرْضي
لعِرْضِ محمَّدٍ منكم وِقاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتي  إنْ لم تَرَوها
تُثيرُ النَّقعَ مِن كَنَفَيْ كَدَاءِ [7153] كَنَفَيْ كَدَاءِ: أي: جانِبَي كَداءٍ، وكَدَاءُ: ثَنِيَّةٌ على بابِ مكَّةَ، وهي التي يُقالُ لها الحَجُونُ، وعلى هذه الرِّوايةِ: في هذا البيتِ إقواءٌ مخالِفٌ لباقيها، وفي بعضِ النُّسَخِ: غايتُها كَداءُ، وفي بعضِها: موعِدُها كَداءُ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/50). 
يُبارينَ الأعِنَّةَ مُصعِداتٍ [7154] مُصعِداتٍ: أى: مُقبِلاتٍ إليكم متوجِّهاتٍ. يُنظر: ((إكمال المُعْلِم)) للقاضي عياض (7/531). 
على أكتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ [7155]الأسَلُ: الرِّماحُ، والظِّماءُ: الرِّقاقُ أو العاطِشةُ بدماءِ الأعادي. يُنظر: ((إكمال المعْلم)) للقاضي عياض (7/531). 
تَظَلُّ جِيادُنا مُتمَطِّراتٍ [7156] مُتَمَطِّراتٍ: أي: سِراعًا يُسابِقُ بَعضُها بعضًا. يُنظر: ((إكمال المعْلم)) للقاضي عياض (7/531). 
تُلَطِّمُهنَّ بالخُمُرِ النِّساءُ [7157] أي: تمسحُهنَّ النساءُ بخُمُرِهنَّ (جمعُ خِمارٍ): أي: يُزِلْنَ عنهنَّ الغُبارَ، وهذا لعزَّتِها وكرامتِها عندَهم. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/51). 
فإنْ أعرَضْتُمو عنَّا اعتمَرْنا
وكان الفَتحُ وانكَشَف الغِطاءُ
وإلَّا فاصبِروا لضِرابِ يومٍ
يُعِزُّ اللهُ فيه مَن يشاءُ
وقال اللهُ: قد أرسَلْتُ عبدًا
يقولُ الحَقَّ ليس به خَفاءُ
وقال اللهُ: قد يسَّرْتُ جُندًا
همُ الأنصارُ عُرْضَتُها [7158] عُرضَتُها: أي: مقصودُها ومَطلوبُها. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/51).  اللِّقاءُ
لنا في كُلِّ يومٍ مِن مَعَدٍّ [7159] يعني بمَعَدٍّ: قُرَيشًا، نسَبهم لمَعَدِّ بنِ عدنانَ. يُنظر: ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للمازَري (6/430). 
سِبابٌ أو قِتالٌ أو هِجاءُ
فمَن يهجو رسولَ اللهِ منكم
ويمدَحُه وينصُرُه سَواءُ
وجِبريلٌ رَسولُ اللهِ فينا
ورُوحُ القُدْسِ ليس له كِفاءُ [7160] كِفاءُ: أي: مُماثِلٌ ومُقاوِمٌ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/51). )
[7161] رواه مسلم (2490).
- نماذِجُ أُخرى من غَيْرةِ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن ابنِ عباسٍ: ((أنَّ أعمى كانت له أمُّ وَلدٍ تشتِمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتقَعُ فيه، فيَنهاها فلا تَنتهي، ويزجُرُها فلا تنزجِرُ، قال: فلمَّا كانت ذاتَ ليلةٍ جعَلَت تقَعُ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتشتِمُه، فأخَذ المِغوَلَ فوضَعه في بَطنِها، واتَّكأ عليها، فقتَلها، فوقَع بَينَ رِجلَيها طفلٌ، فلطَّخَت ما هناك بالدَّمِ، فلمَّا أصبَح ذُكِر ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجمَع النَّاسَ، فقال: أنشُدُ اللهَ رجُلًا فعَل ما فعَل، لي عليه حقٌّ إلَّا قام، فقام الأعمى يتخطَّى النَّاسَ وهو يَتزلزَلُ حتَّى قعَد بَينَ يدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أنا صاحِبُها، كانت تشتِمُك وتقعُ فيك، فأنهاها فلا تَنتهي، وأزجُرُها فلا تنزجِرُ، ولي منها ابنانِ مِثلُ اللُّؤلُؤتَينِ، وكانت بي رفيقةً، فلمَّا كان البارِحةَ جعَلَت تشتِمُك وتقعُ فيك، فأخذْتُ المِغوَلَ فوضَعْتُه في بَطنِها، واتَّكأْتُ عليها حتَّى قتَلْتُها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألا اشهَدوا أنَّ دَمَها هَدَرٌ)) [7162] أخرجه أبو داود (4361) واللفظ له، والنسائي (4070). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4361)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (8044)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4361)، وجوَّده محمد بن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (4/620)، ووثَّق رواتَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (363). .
- عن هِشامِ بنِ زَيدِ بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ، قال: سمِعتُ أنَسَ بنَ مالكٍ يقولُ: ((مَرَّ يهوديٌّ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: السَّامُ عليك. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليك. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتدرونَ ما يقولُ؟ قال: السَّامُ عليك. قالوا: يا رسولَ اللهِ، ألَا نقتُلُه؟ قال: لا، إذا سَلَّم عليكم أهلُ الكتابِ فقولوا: وعليكم)) [7163] رواه البخاري (6926) واللفظ له، ومسلم (2163). .
- نماذِجُ أُخرى في الغَيْرةِ:
غَيْرةُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه:
- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ: ((أنَّ نفَرًا من بني هاشِمٍ دخلوا على أسماءَ بنتِ عُمَيسٍ، فدَخل أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، وهي تحتَه يومَئذٍ، فرآهم، فكَرِه ذلك، فذَكَر ذلك لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: لم أرَ إلَّا خيرًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللهَ قد برَّأها من ذلك. ثمَّ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المِنبَرِ، فقال: لا يدخُلَنَّ رجُلٌ بعدَ يومي هذا على مُغِيبةٍ [7164] هي التي غاب عنها زوجُها. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/ 54). إلَّا ومعه رجُلٌ أو اثنانِ)) [7165] رواه مسلم (2173). .
غَيْرةُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه:
- كان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه من أعظَمِ الصَّحابةِ غَيْرةً على النِّساءِ، وقد ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غَيرتَه في الرُّؤيا التي رأى فيها قَصْرَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ في الجنَّةِ؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بَينا نَحنُ عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ قال: بَينا أنا نائِمٌ رَأيتُني في الجَنَّةِ، فإذا امرَأةٌ تَتَوَضَّأُ إلى جانِبِ قَصْرٍ، فقُلتُ: لِمَن هَذا القَصْرُ؟ فقالوا: لِعُمَرَ، فذَكَرْتُ غَيرَتَه فولَّيتُ مُدبِرًا. فبَكى عُمَرُ وقال: أعليكَ أغارُ يا رَسولَ اللَّهِ؟!)) [7166] رواه البخاري (3242) واللفظ له، ومسلم (2395). .
- وعن ابنِ عُمَرَ قال: ((كانت امرأةٌ لعُمَرَ تَشهَدُ صلاةَ الصُّبحِ والعِشاءِ في الجماعةِ في المسجِدِ، فقيل لها: لمَ تخرُجينَ وقد تعلَمينَ أنَّ عُمَرَ يَكرَهُ ذلك ويَغارُ؟ قالت: وما يمنَعُه أن ينهاني؟ قال: يمنَعُه قولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تمنَعوا إماءَ اللهِ مَساجِدَ اللهِ)) [7167] رواه البخاري (900) واللفظ له، ومسلم (442). .
- وقد أشار على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن يحجُبَ نِساءَه، ثمَّ نزل القرآنُ مُوافِقًا له، فعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (قال عُمَرُ: وافَقتُ رَبِّي في ثلاثٍ: فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا من مقامِ إبراهيمَ مُصَلًّى، فنَزَلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] ، وآيةُ الحِجابِ، قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو أمَرْتَ نساءَك أن يحتَجِبْنَ؛ فإنَّه يُكَلِّمُهنَّ البَرُّ والفاجِرُ، فنَزَلت آيةُ الحِجابِ، واجتمع نساءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الغَيْرةِ عليه، فقُلتُ لهنَّ: عسى ربُّه إن طلَّقَكنَّ أن يُبدِلَه أزواجًا خيرًا مِنكنَّ، فنزلت هذه الآيةُ) [7168] رواه البخاري (402) واللفظ له، ومسلم (2399). .
غَيْرةُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها:
- فعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّثَت أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَج مِن عندِها ليلًا. ((قالت: فغِرتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنَعُ. فقال: ما لكِ يا عائِشةُ، أغِرْتِ؟ فقُلتُ: وما لي لا يَغارُ مِثلي على مِثلِك؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أقد جاءَكِ شَيطانُكِ؟ قالت: يا رسولَ اللهِ! أوَ معي شيطانٌ؟ قال: نعم. قُلتُ: ومع كُلِّ إنسانٍ؟ قال: نعم. قُلتُ: ومعك يا رسولَ اللهِ؟ قال: نعم، ولكِنَّ رَبِّي أعانني عليه حتَّى أسلَمَ)) [7169] رواه مسلم (2815). .
- وعنها أيضًا رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا خرج أقرَع بَيْنَ نسائِه، فطارت القُرعةُ على عائشةَ وحَفصةَ فخَرَجَتا معه جميعًا، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان باللَّيلِ سار مع عائشةَ يتحَدَّثُ معها، فقالت حفصةُ لعائشةَ: ألَا تركَبينَ اللَّيلةَ بعيري وأركَبُ بعيرَكِ فتنظُرينَ، وأنظُرُ؟ قالت: بلى. فرَكِبَت عائشةُ على بعيرِ حَفصةَ، ورَكِبَت حفصةُ على بعيرِ عائشةَ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جَمَلِ عائشةَ وعليه حَفصةُ، فسَلَّم، ثمَّ صار معها حتَّى نَزلوا، فافتقدَتْه عائشةُ فغارت، فلمَّا نزلوا جعَلَت تجعَلُ رِجلَيها بَيْنَ الإذْخِرِ، وتقولُ: يا رَبِّ، سَلِّطْ علَيَّ عَقربًا أو حيَّةً تَلدَغُني، رَسولُك ولا أستطيعُ أقولُ له شيئًا!) [7170] رواه البخاري (5211)، ومسلم (2445) واللفظ له. .
- وعنها رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحِبُّ العَسَلَ والحَلواءَ، وكان إذا انصَرَف من العَصرِ دَخَل على نسائِه، فيدنو من إحداهنَّ، فدخل على حفصةَ بنتِ عُمَرَ، فاحتَبَس أكثَرَ ما كان يحتَبِسُ، فغِرتُ، فسألتُ عن ذلك، فقيل لي: أهدَتْ لها امرأةٌ من قومِها عُكَّةً مِن عَسَلٍ، فسَقَت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منه شَربةً، فقُلتُ: أمَا واللهِ لنحتالَنَّ له، فقُلتُ لسَودةَ بنتِ زَمعةَ: إنَّه سيدنو منكِ، فإذا دنا منكِ فقولي: أكَلْتَ مغافيرَ؟! فإنَّه سيقولُ لك: لا، فقولي له: ما هذه الرِّيحُ التي أجِدُ منك؛ فإنَّه سيقولُ لك: سَقَتْني حَفصةُ شَربةَ عَسَلٍ، فقولي له: جَرَسَت نَحلُه العُرْفُطَ! وسأقولُ ذلكِ، وقولي أنت يا صفيَّةُ ذاكِ، قالت: تقولُ سَودةُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن قام على البابِ، فأرَدْتُ أن أباديَه بما أمَرْتِني به فَرَقًا منكِ، فلمَّا دنا منها قالت له سودةُ: يا رسولَ اللهِ، أكَلْتَ مغافيرَ؟ قال: لا. قالت: فما هذه الرِّيحُ التي أجِدُ منك؟ قال: سقَتْني حَفصةُ شَربةَ عَسَلٍ. فقالت: جرَسَت نَحلُه العُرفُطَ! فلما دار إليَّ قُلتُ له نحوَ ذلك، فلمَّا دار إلى صفيَّةَ قالت له مِثلَ ذلك، فلمَّا دار إلى حفصةَ قالت: يا رسولَ اللهِ، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجةَ لي فيه. قالت: تقولُ سودةُ: واللهِ لقد حَرَمْناه، قُلتُ لها: اسكُتي)) [7171] رواه البخاري (5268) واللفظ له، ومسلم (1474). .
غَيْرةُ سَعدِ بنِ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عنه:
- وقال سَعدُ بنُ عُبادةَ رَضِيَ اللهُ عنه: (لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي لضَربْتُه بالسَّيفِ غيرَ مُصْفِحٍ ، فبلَغ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: تعجَبونَ من غَيْرةِ سعدٍ؟! واللهِ لأنا أغيَرُ منه، واللهُ أغيَرُ منِّي، مِن أجلِ غَيرةِ اللهِ حَرَّم الفواحشَ ما ظهَر منها وما بطَن) [7172] رواه مطوَّلًا البخاري (7416) واللفظ له، ومسلم (1499). .
غَيْرة الزَّبير رَضِيَ اللهُ عنه:
- وعن أسماء رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((تزَوَّجني الزُّبَيرُ وما له في الأرضِ من مالٍ ولا مملوكٍ ولا شيءٍ غيرِ ناضحٍ وغيرِ فَرَسِه، فكنتُ أعلِفُ فَرَسَه، وأستقي الماءَ، وأخرِزُ غَرْبَه، وأعجِنُ، ولم أكُنْ أُحسِنُ أخبِزُ، وكان يخبِزُ جاراتٌ لي من الأنصارِ، وكُنَّ نِسوةَ صِدقٍ، وكنتُ أنقُلُ النَّوى من أرضِ الزُّبيرِ -التي أقطَعَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على رأسي، وهي منِّي على ثُلُثَي فَرسَخٍ، فجئتُ يومًا والنَّوى على رأسي، فلَقِيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومعه نفرٌ من الأنصارِ، فدعاني، ثمَّ قال: إخْ إخْ؛ ليَحمِلَني خَلْفَه، فاستَحْيَيتُ أن أسيرَ مع الرِّجالِ، وذكَرْتُ الزُّبَيرَ وغَيرتَه -وكان أغيَرَ النَّاسِ- فعَرَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي قد استحيَيتُ، فمضى، فجِئتُ الزُّبَيرَ، فقُلتُ: لَقِيَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعلى رأسي النَّوى، ومعه نَفَرٌ من أصحابِه، فأناخ لأركَبَ، فاستحيَيتُ منه، وعرَفْتُ غَيرتَك، فقال: واللهِ لحَمْلُك النَّوى كان أشَدَّ عَلَيَّ من ركوبِك معه. قالت: حتَّى أرسل إليَّ أبو بكرٍ بعدَ ذلك بخادمٍ تكفيني سياسةَ الفَرَسِ، فكأنَّما أعتَقَني)) [7173] رواه البخاري (5224) واللفظ له، ومسلم (2182). .
غَيْرةُ ابنِ عُمَرَ:
عن المُطعِمِ بنِ المِقْدامِ الصَّنعانيِّ، قال: (كتَب الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: بلغَني أنَّك طلَبْتَ الخلافةَ، وإنَّ الخِلافةَ لا تَصلُحُ لعَييٍّ ولا بخيلٍ ولا غَيُورٍ! فكتَب إليه ابنُ عُمَرَ: أمَّا ما ذكَرْتَ من الخلافةِ أنِّي طلَبْتُها، فما طلَبْتُها وما هي من بالي، وأمَّا ما ذكَرْتَ مِن العِيِّ والبُخلِ والغَيْرةِ، فإنَّ مَن جمع كتابَ اللهِ فليس بعَييٍّ، ومَن أدَّى زكاةَ مالِه فليس ببخيلٍ، وأمَّا ما ذكَرْتَ من الغَيْرةِ فإنَّ أحَقَّ ما غِرتُ فيه ولدي أن يَشرَكَني فيه غَيري) [7174] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (1/ 293). .

انظر أيضا: