موسوعة الأخلاق والسلوك

خصائِصُ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ


أوَّلًا: الأخلاقُ الإسلاميَّةُ رَبَّانيَّةُ المَصدَرِ
الأخلاقُ الإسلاميَّةُ مصدَرُها كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا مَدخَلَ فيها للآراءِ البَشَريَّةِ، أوِ النُّظُمِ الوضعيَّةِ، أوِ الأفكارِ الفلسَفيَّةِ.
ولذا اتَّسَمَتِ الأخلاقُ الإسلاميَّةُ بسِمةِ الخُلودِ والصِّدقِ والصِّحَّةِ.
ثانيًا: الشُّمولُ والتَّكامُلُ
من خَصائِصِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ: أنَّها شامِلةٌ ومُتَكامِلةٌ، وهي خاصِّيَّةٌ مُنبَثِقةٌ منَ الخاصِّيَّةِ الأولى، وهي الرَّبَّانيَّةُ؛ وذلك لأنَّها تُراعي الإنسانَ والمُجتَمَعَ الذي يَعيشُ فيه، وأهدافَ حَياتِه طِبقًا للتَّصَوُّرِ الإسلاميِّ، تُحَدِّدُ أهدافَ الحَياةِ وغايَتَها وما وراءَها، وتَشمَلُ كافَّةَ مَناشِطِ الإنسانِ وتَوجُّهاتِه، وتَستَوعِبُ حَياتَه كُلَّها من جَميعِ جَوانِبِها، ثمَّ هي أيضًا لا تَقِفُ عِندَ حَدِّ الحَياةِ الدُّنيا.
ثالثًا: الأخلاقُ الإسلاميَّةُ صالحةٌ لكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ
لمَّا كانتِ الأخلاقُ الإسلاميَّةُ رَبَّانيَّةَ المَصدَرِ، كانت صالحةً لجَميعِ النَّاسِ في كُلِّ زَمانٍ وفي أيِّ مَكانٍ، نَظَرًا لِما تَتَمَيَّزُ به من خَصائِصَ، فلا يَطرَأُ عليها أيُّ تَغييرٍ أو تَبديلٍ بسَبَبِ تَغَيُّرِ الظُّروفِ والأزمانِ؛ لأنَّها ليست نِتاجًا بَشَريًّا، بل هي وَحيٌ منَ اللهِ تعالى لنَبيِّه.
رابعًا: الإقناعُ العَقليُّ والوِجدانيُّ
تَشريعاتُ الإسلامِ تُوافِقُ العُقولَ الصَّحيحةَ، وتتواءمُ مَعَ الفِطَرِ السَّليمةِ، وتَحصُلُ القَناعةُ الكامِلةُ والانسِجامُ التَّامُّ مَعَ ما أتَت به الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ من نُظُمٍ أخلاقيَّةٍ.
فالأخلاقُ الإسلاميَّةُ بها يَقنَعُ العَقلُ السَّليمُ، ويَرضى بها القَلبُ، فيَجِدُ الإنسانُ ارتياحًا واطمِئنانًا تِجاهَ الحَسَنِ منَ الأخلاقِ، ويَجِدُ نُفرةً وقَلقًا تِجاهَ السَّيِّئِ منَ الأخلاقِ.
خامِسًا: المسؤوليَّةُ
الأخلاقُ الإسلاميَّةُ تَجعلُ الإنسانَ مسؤولًا عَمَّا يَصدُرُ منه في كُلِّ جَوانِبِ الحَياةِ، سَواءٌ كانت هذه المسؤوليَّةُ مسؤوليَّةً شَخصيَّةً أم مسؤوليَّةً جَماعيَّةً، ولا تَجعلُه اتِّكاليًّا لا يَأبَهُ بما يَدورُ حَولَه من أشياءَ، وهذه خاصِّيَّةٌ من خَصائِصِ أخلاقِنا انفرَدَت بها الشَّريعةُ الغَرَّاءُ.
ونَعني بالمسؤوليَّةِ الشَّخصيَّةِ أنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عَمَّا يَصدُرُ منه عن نَفسِه؛ إن كان خَيرًا فخَيرٌ، وإن كان شَرًّا فشَرٌّ، وفي هذا الصَّدَدِ يَقولُ اللهُ تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21].
ويقولُ تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ علَى نَفْسِهِ [النساء: 111] .
ويقولُ تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء: 36] .
فهذه الآياتُ وغَيرُها تُبَيِّنُ لنا مَدى المسؤوليَّةِ التي تَقَعُ على عاتِقِ الإنسانِ عَمَّا يَصدُرُ منه. ويَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإنَّ العَبدَ ليَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ من سَخَطِ اللَّهِ لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في جَهَنَّمَ)) [52]أخرجه من طرق: البخاري (6478) مطولًا واللفظ له، ومسلم (2988) بنحوه من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، يَقولُ ابنُ حَجَرٍ في شَرحِ الحَديثِ: ("لا يُلقي لها بالًا": أي: لا يَتَأمَّلُ بخاطِرِه، ولا يَتَفكَّرُ في عاقِبَتِها، ولا يَظُنُّ أنَّها تُؤثِّرُ شَيئًا) [53]((فتح الباري)) (11/311). ، فقَبل أن تَخرُجَ الكَلمةُ من فيك أعطِ نَفسَك فُرصةً للتَّفكيرِ، هل ما سَتَقولُه يُرضي اللهَ أم يُغضِبُه؟ هَل تَكونُ عاقِبَتُه خَيرًا أم شَرًّا؟ وطالما لم تَخرُجْ فأنتَ مالِكُها، فإذا خَرَجَت كُنتَ أسيرَها، وإذا كان هذا في الكَلامِ ففي سائِرِ التَّصَرُّفاتِ من بابِ أَولى.
ونَعني بالمسؤوليَّةِ العامَّةِ (الجَماعيَّةِ): تلك المسؤوليَّةَ التي تُراعي الصَّالحَ العامَّ للنَّاسِ، فلا يَكونُ الرَّجُلُ إمَّعةً مُتَكاسِلًا... أو سَلبيًّا، بل عليه أن يَأمُرَ بالمَعروفِ، وأن يَنهى عنِ المُنكَرِ: ((مَن رَأى منكُم مُنكَرًا فليُغَيِّرْه بيَدِه، فإن لم يَستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يَستَطِعْ فبقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ)) [54]أخرجه مسلم (49) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
سادِسًا: العِبرةُ بالظَّاهرِ والباطِنِ منَ الأعمالِ مَعًا
أخلاقُنا الإسلاميَّةُ لا تَكتَفي بالظَّاهرِ منَ الأعمالِ، ولا تَحكُمُ عليه بالخَيرِ والشَّرِّ بمُقتَضى الظَّاهرِ فقَط، بل يَمتَدُّ الحُكمُ ليَشمَلَ النَّوايا والمَقاصِدَ، وهي أمورٌ باطِنيَّةٌ؛ فالعِبرة إذًا بالنِّيَّةِ، يَقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى)) [55]رواه مطولًا البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) من حديثِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه. ... والنِّيَّةُ هي مَدارُ التَّكليفِ، وعلى ذلك فالإسلامُ يُراعي نيَّةَ الإنسانِ في الحُكمِ على عَمَلِه الظَّاهرِ.
سابعًا: الرَّقابةُ الدِّينيَّةُ
الرَّقابةُ: تَعني مُراقَبةَ المُسلمِ لجانِب مَولاه سُبحانَه في جَميعِ أمورِ الحَياةِ.
وعلى هذا فإنَّ الرَّقابةَ في أخلاقِنا الإسلاميَّةِ لها مَدلولُها المُستَقِلُّ والمُختَلِفُ عنِ الرَّقابةِ في مَصادِرِ الأخلاقِ الأخرى؛ حَيثُ تَكونُ رَقابةً خارِجيَّةً منَ الغَيرِ تَتَمَثَّلُ في رَقابةِ السُّلطةِ والأفرادِ.
أمَّا الرَّقابةُ في الإسلامِ فهي رَقابةٌ ذاتيَّةٌ في المَقامِ الأوَّلِ، وهي رَقابةٌ نابعةٌ منَ التَّربيةِ الإسلاميَّةِ الصَّحيحةِ، ومن إيقاظِ الضَّميرِ، فإذا كان المُسلمُ يَعلمُ أنَّ اللهَ مَعَه، وأنَّه مُطَّلعٌ على حَرَكاتِه وسَكَناتِه، فإنَّه يَكونُ رَقيبًا على نَفسِه، ولا يَحتاجُ إلى رَقابةِ الغَيرِ عليه؛ يَقولُ تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد: 4] ، ويقولُ سُبحانَه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7] ، ويقولُ عزَّ وجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ علَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1] ، فإذا قَرَأ المُسلِمُ هذه الآياتِ وعَرَف مَعناها فإنَّه حينَئِذٍ يَتَيَقَّنُ أنَّه إذا تَمَكَّنَ منَ الإفلاتِ من رَقابةِ السُّلطةِ، فإنَّه لن يَتَمَكَّنَ منَ الإفلاتِ من رَقابة اللَّهِ، وهذا في حَدِّ ذاتِه أكبَرُ ضَمانٍ لعَدَمِ الانحِرافِ والانسياقِ إلى الأخلاقِ المَذمومةِ.
ثامنًا: الأخلاقُ الإسلاميَّةُ تَرتَبطُ بالجَزاءِ الدُّنيَويِّ والأخرَويِّ
أخلاقُ الإسلامِ تَرتَبطُ ارتِباطًا وثيقًا بالجَزاءِ، سَواءٌ في الدُّنيا أوِ الآخِرةِ؛ لذا وُجِدَ الوعدُ والوعيدُ، والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ.
فالأخيارُ منَ النَّاسِ: جَزاؤُهم عَظيمٌ في الدُّنيا والآخِرةِ: ومن ذلك ما أعَدَّه اللهُ لهم في الآخِرةِ كما في قولِه تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 72] .
وكَذلك ما وعَدَهمُ اللهُ به في الدُّنيا منَ الجَزاءِ العاجِلِ؛ قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3] ، وقال أيضًا: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] .
وأمَّا الأشرارُ منَ النَّاسِ فقد تَوعَّدَهمُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ كما في قَولِه تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ *  كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج: 19-22] .
وأمَّا جزاؤهم في الدُّنيا فمثالُه قَولُه تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112] [56]ينظر: ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد المرسي (53-62)، ((نضرة النعيم)) (1/81). .

انظر أيضا: