موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامِنًا: مَوانِعُ التَّحَلِّي بالصَّبرِ


على المُسلمِ الذي يُريدُ أنَّ يتَحلَّى بالصَّبرِ أن يحذَرَ مِنَ المَوانِعِ التي تَعتَرِضُ طَريقَه، ومِن هذه المَوانِعِ:
1- الاستِعجالُ: فالنَّفسُ مولَعةٌ بحُبِّ العاجِلِ، والإنسانُ عُجولٌ بطَبعِه، حتَّى جَعَل القُرآنُ العَجَلَ كأنَّه المادَّةُ التي خُلقَ الإنسانُ مِنها: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء: 37] ، فإذا أبطَأ على الإنسانِ ما يُريدُه نَفِدَ صَبرُه، وضاقَ صَدرُه، ناسيًا أنَّ للهِ في خَلقِه سُنَنًا لا تَتَبَدَّلُ، وأنَّ لكُلِّ شَيءٍ أجَلًا مُسَمًّى، وأنَّ اللهَ لا يَعجَلُ بعَجَلةِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، ولكُلِّ ثَمَرةٍ أوانٌ تَنضَجُ فيه، فيَحسُنُ عِندَئِذٍ قِطافُها، والاستِعجالُ لا يُنضِجُها قَبلَ وقتِها، فهو لا يملِكُ ذلك، وهي لا تَملِكُه، ولا الشَّجَرةُ التي تَحمِلُها، إنَّها خاضِعةٌ للقَوانينِ الكونيَّةِ التي تحكُمُها، وتَجري عليها بحِسابٍ ومِقدارٍ.
 2- الغَضَبُ: فقد يستَفِزُّ الغَضَبُ صاحِبَ الدَّعوةِ إذا ما رَأى إعراضَ المَدعوِّينَ عنه، ونُفورَهم مِن دَعوتِه، فيدفعُه الغَضَبُ إلى ما يليقُ به مِنَ اليأسِ مِنهم، أو النَّأيِ عنهم، مَعَ أنَّ الواجِبَ على الدَّاعيةِ أن يصبرَ على مَن يدعوهم، ويُعاوِدَ عَرضَ دَعوتِه عليهم مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ، وعَسى أن يتَفتَّحَ له قَلبٌ واحِدٌ يومًا، تُشرِقُ عليه أنوارُ الهدايةِ، فيكونَ خَيرًا له مِمَّا طَلعَت عليه الشَّمسُ وغَرَبَت.
وفي هذا يقولُ اللهُ لرَسولِه: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القلم: 48 - 50] .
 3- شِدَّةُ الحُزنِ والضِّيقِ مِمَّا يمكُرونَ، فليسَ أشَدَّ على نَفسِ المَرءِ المُخلصِ لدَعوتِه مِنَ الإعراضِ عنه، والاستِعصاءِ عليه. فضلًا عنِ المَكرِ به، والإيذاءِ له، والافتِراءِ عليه، والافتِنانِ في إعناتِه. وفي هذا يقولُ اللهُ لرَسولِه: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل: 127] ، ثُمَّ يُؤنِسُه بأنَّه في مَعيَّتِه سُبحانَه ورِعايتِه، فيقولُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النَّحل: 128] .
4- اليأسُ: فهو مِن أعظَمِ عَوائِقِ الصَّبرِ؛ فإنَّ اليائِسَ لا صَبرَ له؛ لأنَّ الذي يدفعُ الزَّارِعَ إلى مُعاناةِ مَشَقَّةِ الزَّرعِ وسَقيِه وتَعَهُّدِه هو أمَلُه في الحَصادِ، فإذا غَلبَ اليأسُ على قَلبِه، وأطفأ شُعاعَ أمَلِه، لم يَبقَ له صَبرٌ على استِمرارِ العَمَلِ في أرضِه وزَرعِه، وهَكذا كُلُّ عامِلٍ في مَيدانِ عَمَلِه...
ولهذا حَرَصَ القُرآنُ على أن يدفعَ الوَهمَ عن أنفُسِ المُؤمِنينَ، فبَذَرَ الأمَلَ في صُدورِهم: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 139-140] ، ولمَّا أمَرَ موسى قَومَه بالصَّبرِ إزاءَ طُغيانِ فِرعَونَ وتَهديدِه أضاءَ أمامَهم شُعلةَ الأمَلِ، فقال: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 128-129] [5602] ((الصبر في القرآن الكريم)) (ص: 109). ويُنظَر أيضًا: ((الرائد)) لمازن الفريح (ص: 166)، ((الصبر الجميل)) للهلالي (ص: 67). .

انظر أيضا: