موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ النَّاسِ، قال: وقد فَزِع أهلُ المدينةِ ليلةً سَمِعوا صوتًا، قال: فتلقَّاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على فَرَسٍ لأبي طَلحةَ عُرْيٍ [5414] عُرْيٌ: أي ليس عليه سَرجٌ ولا أداةٌ، ولا يقالُ في الآدميِّينَ، إنما يقالُ: عُرْيانٌ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/70). ، وهو متقَلِّدٌ سيفَه، فقال: لم تُراعُوا [5415] لم تراعُوا: هي كَلِمةٌ تقالُ عند تسكينِ الرَّوعِ؛ تأنيسًا وإظهارًا للرِّفقِ بالمخاطَبِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/457). ، لم تراعُوا، ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وجَدْتُه بَحرًا [5416] بحرًا: أي: واسِعَ الجَريِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/68). ، يعني الفَرَسَ)) [5417] رواه البخاري (3040) واللفظ له، ومسلم (2307). .
قال أبو العبَّاسٍ القُرطبيُّ: (في هذا الحديثِ ما يدُلُّ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان قد جُمع له من جودةِ رُكوبِ الخيلِ، والشَّجاعةِ والشَّهامةِ، والانتهاضِ الغائيِّ في الحُروبِ، والفروسيَّةِ وأهوالِها، ما لم يكُنْ عند أحَدٍ من النَّاسِ؛ ولذلك قال أصحابُه عنه: إنَّه كان أشجَعَ النَّاسِ، وأجرَأَ النَّاسِ في حالِ الباسِ؛ ولذلك قالوا: إنَّ الشُّجاعَ منهم كان الذي يلوذُ بجنابِه إذا التَحمَت الحروبُ، وناهيك به! فإنَّه ما ولَّى قطُّ منهَزِمًا، ولا تحدَّث أحدٌ عنه قطُّ بفِرارٍ) [5418] ((المفهم)) (6/100). .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا رأى من النَّاسِ إدبارًا، قال: اللَّهُمَّ سَبعٌ كسَبعِ يوسُفَ [5419] سبعٌ كسَبعِ يوسُفَ: أي: اجعَلْ سِنِيهم سبعًا، أو ليكُنَّ سَبعًا، ويروى سبعٌ بالرَّفعِ، وارتفاعُه على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أي: البلاءُ المطلوبُ عليهم سبعُ سنينَ، كالسِّنينَ السَّبعِ التي كانت في زمَنِ يوسُفَ، وهي السَّبعُ الشِّدادُ التي أصابَهم فيها القحطُ، أو يكونُ المعنى: المدعوُّ عليهم قحطٌ كقَحطِ يوسُفَ. يُنظَر: ((عمدة القاري)) لبدر الدين العيني (7/28). ، فأخذَتْهم سَنةٌ حَصَّت [5420] حصَّت: أي: استأصَلَت. يُنظَر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (17/141). كُلَّ شيءٍ، حتى أكلوا الجُلودَ والمَيتةَ والجِيَفَ [5421] الجِيَفُ: جمعُ جيفةٍ، وهي الميِّتُ إذا أنتَنَ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/101). ، وينظُرُ أحَدُهم إلى السَّماءِ فيرى الدُّخانَ من الجوعِ، فأتاه أبو سفيانَ، فقال: يا محمَّدُ، إنَّك تأمُرُ بطاعةِ اللَّهِ، وبصِلةِ الرَّحِمِ، وإنَّ قومَك قد هلكوا؛ فادْعُ اللهَ لهم)) [5422] رواه البخاري (1007) واللفظ له، ومسلم (2798). .
وفي روايةٍ: ((فقيل: يا رسولَ اللهِ، استَسْقِ اللهَ لمُضَرَ؛ فإنَّها قد هلَكَت! قال: لِمُضَرَ؟ إنَّك لجريءٌ! فاستسقى فسُقُوا، فنَزَلت إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان: 15] فلمَّا أصابتهم الرَّفاهيةُ عادوا إلى حالِهم حينَ أصابَتْهم الرَّفاهيةُ، فأنزل اللهُ عزَّ وجَلَّ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان: 16] قال: يعني يومَ بَدرٍ)) [5423] أخرجها البخاري (4821) واللفظ له ومسلم (2798). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: فقيل: يا رسولَ اللهِ، استَسْقِ اللهَ لمُضَرَ؛ فإنهَّا قد هلَكَت. إنَّما قال: لمُضَرَ؛ لأنَّ غالِبَهم كان بالقُربِ من مياهِ الحِجازِ، وكان الدُّعاءُ بالقَحطِ على قُرَيشٍ، وهم سُكَّانُ مكَّةَ، فسَرى القَحطُ إلى مَن حولهم، فحَسُن أن يَطلُبَ الدُّعاءَ لهم، ولعَلَّ السَّائِلَ عدَلَ عن التَّعبيرِ بقُرَيشٍ؛ لئلَّا يذكُرَهم فيُذكِّرَ بجُرمِهم، فقال: لِمُضَرَ؛ ليندَرِجوا فيهم، ويشيرَ أيضًا إلى أنَّ غيرَ المدعوِّ عليهم قد هلكوا بجَريرتِهم، وقد وقع في الرِّوايةِ الأخيرةِ: وإنَّ قومَك هلكوا. ولا منافاةَ بينهما؛ لأنَّ مُضَرَ أيضًا قَومُه...، قولُه: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لِمُضَرَ؟ إنَّك لجريءٌ! أي: أتأمُرُني أن أستسقيَ لمُضَرَ مع ما هم عليه من المعصيةِ والإشراكِ به؟!) [5424] ((فتح الباري)) (8/571). .
فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَغمَ عداوةِ قُرَيشٍ وإيذائِها للمؤمِنين، لَمَّا جاءه أبو سفيانَ يَطلُبُ منه الاستسقاءَ لم يَرفُضْ؛ لحُسنِ خُلُقِه، وشهامتِه، ورغبتِه في هدايتِهم، بل دعا اللهَ لهم.
- وعن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((على كُلِّ مُسلمٍ صَدَقةٌ، فقالوا: يا نبيَّ اللَّهِ، فمَن لم يَجِدْ؟ قال: يعمَلُ بيَدِه، فيَنفَعُ نَفسَه ويتصَدَّقُ، قالوا: فإن لم يجِدْ؟ قال: يُعينُ ذا الحاجةِ الملهوفَ، قالوا: فإن لم يجِدْ؟ قال: فلْيَعمَلْ بالمعروفِ، ولْيُمسِكْ عن الشَّرِّ؛ فإنَّها له صَدَقةٌ)) [5425] أخرجه البخاري (1445) واللفظ له، ومسلم (1008). .
قال القاريُّ: («ذا الحاجةِ الملهوفَ»: ... أي: المتحَيِّرَ في أمرِه الحزينَ أو الضَّعيفَ، أو المظلومَ المستغيثَ، ثمَّ إنَّه يحتَمِلُ أن تكونَ الإعانةُ بالفعلِ أو بالمالِ أو بالجاهِ، أو بالدَّلالةِ أو النَّصيحةِ أو الدُّعاءِ) [5426] ((مرقاة المفاتيح)) (4/1337). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نفَّس عن مُسلِمٍ كُربةً مِن كُرَبِ الدُّنيا نفَّس اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يسَّر على مُعسِرٍ في الدُّنيا يسَّر اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن ستَر مُسلِمًا في الدُّنيا ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخِرةِ، واللهُ في عَونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه)) [5427] أخرجه مسلم (2699). .
قال ابنُ رَجَبٍ: (الكُربةُ: هي الشِّدَّةُ العظيمةُ التي توقِعُ صاحِبَها في الكَربِ، وتنفيسُها أن يخفِّفَ عنه منها، مأخوذٌ من تنفيسِ الخِناقِ، كأنَّه يُرخي له الخِناقَ حتَّى يأخُذَ نَفَسًا، والتَّفريجُ أعظَمُ من ذلك، وهو أن يزيلَ عنه الكُربةَ، فتُفَرَّجَ عنه كُربتُه، ويزولَ هَمُّه وغَمُّه؛ فجزاءُ التَّنفيسِ التَّنفيسُ، وجزاءُ التَّفريجِ التَّفريجُ) [5428] ((جامع العلوم والحكم)) (2/286). .
- وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ للهِ أقوامًا اختصَّهم بالنِّعَمِ لمنافِعِ العبادِ، يُقِرُّهم فيها ما يَبذُلونها، فإذا منعوها نزَعَها منهم فحَوَّلها إلى غيرِهم)) [5429] أخرجه الطبراني (13/206) (13925)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/115)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7662). حسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2164)، وحسَّنه لشواهده في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1692)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/343): لو قيل بتحسينِ سَنَدِه لكان ممكِنًا. .

انظر أيضا: