موسوعة الأديان

المطلب السادس: فلسفة الجينية من كتبهم المقدسة:


المصادر المقدسة لدى الجينيين هي خطب مهاويرا ووصاياه، ثم الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والعرفاء والرهبان والنساك الجينيين، وقد انتقل هذا التراث المقدس من جيل إلى جيل عن طريق المشافهة، ثم خيف ضياع هذا التراث أو ضياع بعضه أو اختلاطه بغيره، فاتجهت النية إلى جمعه وكتابته، واجتمع لذلك زعماء الجينية في القرن الرابع قبل الميلاد في مدينة (باطلي بترا) وتدارسوا هذا الأمر، وجمعوا بعض هذا التراث في عدة أسفار، ولكنهم اختلفوا بعضهم على بعض في المصادر، كما لم ينجحوا في جمع الناس حول ما اتفقوا عليه، ولذلك تأجَّلت كتابة القانون الجيني حتى سنة (57) م، فدوَّنوا آنذاك ما استطاعوا الحصول عليه بعد أن فقد كثير من هذا التراث بوفاة الحفاظ والعارفين، وفي القرن الخامس الميلادي عقدوا مجلسا آخر بمدينة (ولابهي) حيث تقرر الرأي الأخير حول التراث الجيني المقدس.
أما لغة هذا التراث فكانت اللغة المسماة (أردها مجدى)، فلما اتجهت النية إلى حفظه وتدوينه اختيرت اللغة السنسكريتية لهذا الغرض، وكانت لغة (أردها مجدى) هي لغة هذا التراث قبل الميلاد، أما اللغة السنسكريتية فقد حلَّت محلَّها في القرون الميلادية الأولى.
وسنختار من هذا التراث المقدس بعض نماذج تشرح لنا أهم اتجاهات الفلسفة الجينية:
اليواقيت الثلاثة:
يقول الجينيون: إن الحياة الدنيا تعاسة مستمرة وشقاء متصل، نعيمها زائل والعيش فيها باطل، نطمح فيها إلى الخير فننال شرا، ونبتغي السعادة فتصيبنا الشقاوة حتى نموت ولم تنته حسراتنا! ثم نحيا حياة قد كسبتها أيدينا، خيرها تهلكة فكيف بشرها، وتدوم عجلة الموت والحياة فيا لنا من خاسرين، ولا دواء إلا بأن ننزع عنها، ونزهد في الحياة وترفها، ولكن هنا شيء يجعلنا نتمسك بالحياة، ويزين لنا باطلها، ما هو ؟ إنه الغواية (Mittyaina) التي تخلق العقائد الفاسدة، والأخلاق السيئة، والجهل المشين، وهذه تكسو الروح بظلام، ويتراكم الظلام فتعمى الروح، وتسير على غير هدى، تحب الحياة وشهواتها، وتسير في طريق الضلال، وتظل الروح على هذا الوضع بين الموت والولادة، حتى ينبثق النور إما من أعمال الروح بطريق الصدفة أو الإلهام، وإما بقيادة العرفاء والمبشرين وهدايتهم، وليس هذا النور إلا السبيل المثلث أو اليواقيت الثلاثة التي من اتبعها وصل إلى بر السلامة، وهذه اليواقيت هي:
1- الياقوتة الأولى: الاعتقاد الصحيح، وهو رأس (النجاة)، ويقصدون به الاعتقاد بالقادة الجينيين الأربعة والعشرين، فإن ذلك هو المنهج المعبد والصراط السوي، ولا يكون الاعتقاد الصحيح إلا إذا تخلصت النفس من أدران الذنوب اللاصقة بها، والتي تحول دون وصول الروح إلى هذا الاعتقاد.
2- الياقوتة الثانية: العلم الصحيح، ويقصد به معرفة الكون من ناحيتيه المادية والروحية، والتفريق بين هذه وتلك، وتختلف درجة المعرفة باختلاف قوة البصيرة وصفاء الروح، ويستطيع الشخص الذي يفصل أثر المادة من قوته الروحية وإشراقها أن يرى الكون في صورته الحقيقية، وتنكشف لديه الحقائق، وترتفع عنه الحجب الكثيفة، فيميز الحق من الباطل، والظن من اليقين، ولا تشتبه عليه الأمور، ولا يكون العلم الصحيح إلا بعد الاعتقاد الصحيح.
3- الياقوتة الثالثة: الخلق الصحيح، ويقصد به التخلق بالأخلاق الجينية من التحلي بالحسنات، والتخلِّي عن السيئات، وعدم القتل وعدم الكذب وعدم السرقة، والتمسك بالعفة، والزهد في الملكية.
واليواقيت الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض، وإذا اكتملت في إنسان فإنه يجد لذة لا تعدلها لذة، وسعادة ليس مثلها سعادة.
المبادئ الأساسية لطهارة الروح:
وضع الجينيون سبعة أصول رئيسية لتطهير الروح، وتعتبر هذه الأصول أمهات المبادئ الجينية، وهي:
1- أخذ العهود والمواثيق مع القادة والرهبان، بأن يتمسك المريد بالخلق الحميد، ويقلع عن الخلق السيئ.
2- التقوى، وهي المحافظة على الورع، والاحتياط في الأقوال والأعمال، وفي جميع الحركات والسكنات، وتجنب الأذى والضرر لأي كائن حي مهما كان حقيرا.
3- التقليل من الحركات البدنية، ومن الكلام، ومن التفكير في الأمور الدنيوية الجسمانية، حتى لا تضيع الأوقات والأنفاس الثمينة في صغار الأمور.
4- التحلِّي بعشر خصال هي أمهات الفضائل ووسائل الكمال وهي: العفو، والصدق، والاستقامة، والتواضع، والنظافة، وضبط النفس، والتقشف الظاهري والباطني، والزهد، واعتزال النساء والإيثار.
5- التفكير في الحقائق الأساسية عن الكون وعن النفس، وبعض أمور الكون وأمور النفس يُتوصَّل لها بالحواس الخمسة المادية، وبعضها لا يُتوصَّل إليها بمنظار الذهن، ومن هنا لزم استعمال الحواس المادية، واستعمال الفكر كذلك.
6- السيطرة على متاعب الحياة وهمومها التي تنشأ من الأعراض الجسمانية أو المادية، كمشاعر الجوع والعطش والبرودة والحرارة، وسائر أنواع الشهوات المادية، وعليه أن يضرب حصنا متينا حوله؛ للتخلص من هذه الأعراض والحواس والتأثر بها.
7- القناعة الكاملة، والطمأنينة، والخلق الحسن، والطهارة الظاهرية والباطنية.
وتدَّعى الجينية أن هذه المبادئ تطلق الإنسان من الوثاق الذي يشده بالحياة، ويسلب عنه الراحة الذهنية والطمأنينة القلبية، وإذا اتصف أحد بهذه الصفات السبع فإنها تخرجه من الظلمات التي تحيط به بسبب هموم الدنيا ومشاكلها العديدة حتى تصير روحه حرة طليقة تنساب في سماء المعرفة والنور العلوي، وتحيط بالعلوم الربانية والكشف الباطني، فتكون في سرور دائم ولذة معنوية مطلقة، وهذه هي الطريقة الجينية للنجاة.
درجات العلم في الفلسفة الجينية:
تقسم الفلسفة الجينية العلم خمسة أقسام حسب مصادره، وتكثير الفلسفة الجينية من التفريعات لكل قسم، ولنكشف هنا بإيراد الأقسام الخمسة الرئيسية:
1- الإدراك بطريق الحواس أو بطريق الذهن، ويشتمل هذا الإدراك على طريق القياس والاستقراء المبنيين على المشاهدة، كما يشتمل على الفهم والحفظ والإحساس، ويستلزم هذا العلم حضور الأشياء المعلومة للحواس أولًا حتى يتمَّ إدراكها.
2- العلم عن طريق الوثائق المقدمة، ويُعرف هذا القسم بالعلم غير المباشر؛ لتوسط المستندات والوثائق بين من يعلم وما يعلم، وتدَّعي الجينية أن كتبهم المقدسة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة.
3- العلم بالوجدان المحدود، وهو إدراك ذي الصورة من الأشياء الموجودة بطريق الروح، فالمدرك هنا موجود يمكن أن يرى، ولكن لبعده مثلا لا تراه العين، وتراه الروح في هذه المرحلة من مراحل العلم. وللوصول إلى هذه المرحلة لابد من تطهير الروح من الأدران والأوساخ، والسمو بها عن الوساوس والأوهام.
4- العلم بالوجدان المحيط، وهو إدراك بطريق الروح لما ليست له صورة الآن، فهو إدراك يتخطَّى مسافات الأزمنة والأمكنة، يعلم ما في السماء وما في الأرض من ظاهر وباطن، وما كان فيهما، وهي مرحلة أعلى طبعا من سابقتها، وتستلزم مزيدا من الطهر والصفاء.
5- العلم بمخبآت الضمائر والتصورات في السرائر، فهو علم بما لم يوجد إلا من حيث إنه خاطر في الذهن، وهو أرقى درجات العلم، ولا يتمُّ إلا للذين هجروا الأهل والوطن، وطهَّروا أنفسهم بالرياضة الشاقة.
أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي- ص 121

 

انظر أيضا: