الموسوعة الحديثية


-  بَاعَ شَرِيكٌ لي دَرَاهِمَ في السُّوقِ نَسِيئَةً، فَقُلتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أيَصْلُحُ هذا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! واللَّهِ لقَدْ بعْتُهَا في السُّوقِ، فَما عَابَهُ أحَدٌ، فَسَأَلْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ، فَقَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونَحْنُ نَتَبَايَعُ هذا البَيْعَ، فَقَالَ: ما كانَ يَدًا بيَدٍ، فليسَ به بَأْسٌ، وما كانَ نَسِيئَةً فلا يَصْلُحُ، والْقَ زَيْدَ بنَ أرْقَمَ فَاسْأَلْهُ؛ فإنَّه كانَ أعْظَمَنَا تِجَارَةً، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بنَ أرْقَمَ فَقَالَ: مِثْلَهُ [وفي رِوايةٍ]: قَدِمَ عَلَيْنَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ ونَحْنُ نَتَبَايَعُ، وقَالَ: نَسِيئَةً إلى المَوْسِمِ أوِ الحَجِّ.
الراوي : البراء بن عازب وزيد بن أرقم | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 3939 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
لقدْ حذَّرَ الشَّرعُ الكَريمُ مِن الوُقوعِ في الرِّبا بكلِّ أنْواعِه، وبأيِّ شَكلٍ مِن الأشْكالِ؛ لأنَّه أكْلٌ لأمْوالِ النَّاسِ بالباطلِ، ويَمحَقُ البَرَكةَ مِن المالِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي التَّابِعيُّ أبو المِنْهالِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ مُطعِمٍ أنَّ شَريكًا له باعَ دَراهمَ –وهي النُّقودُ المَصْنوعةُ مِن الفِضَّةِ- في السُّوقِ نَسيئةً، أي: مُتأخِّرًا مِن غيرِ أنْ يَقبِضَ العِوَضَ، وهو إمَّا أنْ يكونَ ذَهَبًا أو فِضَّةً، ويُسمَّى بَيعَ الصَّرفِ، فقال له أبو المِنْهالِ مُتعجِّبًا: سُبحانَ اللهِ! أيصلُحُ هذا؟ فقال شَريكُه: سُبحانَ اللهِ! واللهِ لقدْ بِعْتُها في السُّوقِ، فما عابَه أحدٌ، وفي لفظِ مُسلِمٍ: «فلم يُنكِرْ ذلك عَلَيَّ أحدٌ».
فسَألْتُ البَراءَ بنَ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما عن ذلك، فذكَر أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَدِم المَدينةَ وهمْ يَتَبايَعون هذا البَيعَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما كان يَدًا بيَدٍ»، أي: يَتقابَضُ البائعُ والمُشْتَري في المَجلِسِ، «فليس به بأْسٌ، وما كان نَسيئةً»، أي: فيه تَأخيرُ أحَدِ النَّقدَينِ، فلا يَصلُحُ ولا يَجوزُ، ثمَّ إنَّ البَراءَ رَضيَ اللهُ عنه وجَّهَ أبا المِنهالِ أنْ يَلْقى زَيدَ بنَ أرقَمَ رَضيَ اللهُ عنه؛ ليَسألَه عن ذلك، وقال: فإنَّه كان أعظَمَنا تِجارةً، فسَأَلَ عبدُ الرَّحمنِ أبو المِنهالِ زَيدَ بنَ أرقَمَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال مِثلَ قَولِ البَراءِ رَضيَ اللهُ عنه، وهو أنَّه لا بدَّ في بَيعِ الدَّراهمِ بالدَّراهمِ مِن التَّقابُضِ في المَجلِسِ والحُلولِ، أي: عدَمِ ذِكرِ الأجَلِ ولو دَقيقةً.
وفي لفظٍ: «فقَدِم علينا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدينةَ ونحن نَتَبايَعُ، وقال: نَسيئةً إلى المَوسِمِ، أوِ الحَجِّ»، فزادَ في هذه الرِّوايةِ تَعْيينَ مدَّةِ النَّسيئةِ بأنَّها كانت إلى المَوسِمِ، أوِ الحَجِّ.
وفي الحَديثِ: ما كان عليه الصَّحابةُ مِن التَّواضُعِ، وإنْصافِ بَعضِهم بَعضًا، ومَعرِفةِ أحَدِهم حقَّ الآخَرِ.
وفيه: استِظْهارُ العالِمِ في الفُتْيا بنَظيرِه في العِلمِ.
وفيه: عَملُ الصَّحابةِ بالتِّجارةِ والتَّكسُّبِ.
وفيه: تَحرِّي الحَلالِ والحَرامِ في العَملِ والتِّجارةِ.
وفيه: اشْتِراطُ التَّقابُضِ فيما يَجْري فيه رِبا الفَضلِ.