مقالات وبحوث مميزة

صِفاتُ اللهِ صفاتٌ حَقيقيةٌ بدَلالةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ

والرَّدُّ على شُبُهاتِ المُتَكَلِّمينَ (الأشاعِرةِ)

علويُّ بنُ عبدِالقادِر السَّقَّاف

المشرفُ العام على مؤسَّسةِ الدُّررِ السَّنيَّة

28 شوال 1445هـ

تحميل المقال pdf

الحَمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيرِ الأنامِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، وعلى آلِه وصَحبِه الكِرامِ.

أمَّا بَعدُ:

فإنَّ مِن أكثَرِ ما أضَرَّ بهذه الأُمَّةِ وحَرَف المُسلمينَ عنِ النَّهجِ الصَّحيحِ، وتسَبَّب في تَفرُّقِهم وتشَتُّتِهم- بَلْوَيَينِ عَظيمَتَينِ: الغُلوُّ وعِلمُ الكَلامِ؛ أمَّا الغُلوُّ فقد سَلكَه الرَّافِضةُ والصُّوفيَّةُ والخَوارِجُ ومَن تَأثَّرَ بمَناهجِهم، وأمَّا عِلمُ الكَلامِ فقد سَلكَه المُعتَزِلةُ والأشاعِرةُ والماتُريديَّةُ وأشباهُهم، وفي هذا البَحثِ المُختَصَرِ(1) سأتَناولُ مَسألةً واحِدةً مِنَ المَسائِلِ التي تبَنَّاها الأشاعِرةُ وأثاروها كَثيرًا في كُتُبِهم وبُحوثِهم ومُنتَدَياتِهم ووسائِلِهمُ الإعلاميَّةِ التَّقليديَّةِ والحَديثةِ، وطَعَنوا بسَبَبِها في أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، ونَعَتوهم بأقبَحِ الصِّفاتِ المُكَفِّرةِ، كالمُشَبِّهةِ والمُجَسِّمةِ، وهي إثباتُ أهلِ السُّنَّة لصِفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ على الحَقيقةِ، لا المَجازِ -كَما يَزعُمونَ-؛ لتَأثُّرِهم بعِلمِ الكَلامِ القَبيحِ، ولَبَّسوا على العَوامِّ وأوهَموهم أنَّ مَن أثبَتَ حَقيقةَ الصِّفةِ فقد شَبَّهها بصِفاتِ المَخلوقينَ، وكأنَّه ليسَ هناكَ حَقيقةٌ إلَّا المَخلوقُ المُشاهَدُ، مَعَ أنَّ جَميعَ ما أخبَرَ اللَّهُ عنه مِنَ الغَيبيَّاتِ -سَواءٌ صِفاتُه سُبحانَه وتعالى، أو صِفاتُ أهوالِ يَومِ القيامةِ، أو صِفاتُ الجَنَّةِ ونَعيمِها، أوِ النَّارِ وجَحيمِها- كُلُّ ذلك على الحَقيقةِ لا شَكَّ في ذلك، وهو ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، كما سيَأتي.

والمَقصودُ بالحَقيقةِ: الشَّيءُ الثَّابتُ يَقينًا(2) المُستَعمَلُ في مَعناه الأصليِّ(3)، وخِلافُها وضِدُّها المَجازُ(4)، فلا يُمكِنُ إنكارُ الحَقائِقِ ولا نَفيُها، أمَّا المَجازُ فيَجوزُ نَفيُه؛ قال العَلَّامةُ الأمينُ الشِّنقيطيُّ: (كُلُّ مَجازٍ يَجوزُ نَفيُه)(5)، وحَكى إجماعَ القائِلينَ بالمَجازِ على ذلك(6).

أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ:

أثبَت اللَّهُ لنَفسِه في أكثَرَ مِن آيةٍ صِفةَ اليَدِ والوَجهِ والاستِواءِ والفوقيَّةِ، فقال سُبحانَه:

1- {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75].

2- {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115].

3- {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5].

4- {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50].

فأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ المُثبتونَ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ يَقولونَ كَما قال اللهُ تعالى: خَلقَ آدَم بيَدِه حَقيقةً، وله وَجهٌ حَقيقةً، واستَوى وارتَفعَ على العَرشِ حَقيقةً، وهو فَوقَنا حَقيقةً، وهكذا سائِرُ صِفاتِ اللهِ التي أثبَتَها لنَفسِه أو أثبَتَها له نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

أمَّا أهلُ الكَلامِ مِنَ الأشاعِرةِ وغَيرِهمُ الذينَ لا يُثبِتونَ صِفاتِ اللهِ على الحَقيقةِ فإنَّهم يَقولونَ: هذه كُلُّها مجازٌ؛ فليسَ للهِ يَدٌ حَقيقةً، وإنَّ اليَدَ هنا بمَعنى القُدرةِ، كَما أنَّهم لا يُثبِتونَ للهِ وَجهًا على الحَقيقةِ، ويَنفونَ الاستِواءَ، ويَقولونَ: استَوى على العَرشِ، يَعني: استَولى على العَرشِ، ولا يُثبِتونَ فوقِيَّتَه سُبحانَه وتعالى بذاتِه، ويَعُدُّونَ هذا مِنَ المَجازِ، وأنَّ الفوقيَّةَ هنا فوقيَّةُ عَظَمةٍ وشَأنٍ، ومَعنى ذلك أنَّهم يَنفونَ عنِ اللهِ صِفةَ اليَدِ والوَجهِ والاستِواءِ والفوقيَّةِ؛ لأنَّ المَجازَ يَجوزُ نَفيُه، وهكذا بَقيَّةُ الصِّفاتِ، فيَنفونَ عنِ اللهِ العُلوَّ والعَينَ والضَّحِكَ، والحُبَّ والبُغضَ، وسائِرَ الصِّفاتِ، فهم نُفاةٌ للصِّفاتِ، ولا يُثبِتون مِنها إلَّا سَبعَ صِفاتٍ، وهيَ: (الحَياةُ، والقُدرةُ، والعِلمُ، والإرادةُ، والسَّمعُ، والبَصَرُ، والكَلامُ). رَغمَ أنَّ القُرآنَ الكَريمَ والأحاديثَ الصَّحيحةَ في الصَّحيحينِ وغَيرِهما فيهما عَشَراتُ الصِّفاتِ للهِ تعالى، كُلُّها يَنفي الأشاعِرةُ حَقيقَتَها (تَأويلًا أو تَفويضًا) بحُجَّةِ المَجازِ! فالقَولُ بالمَجازِ في الصِّفاتِ الثَّابتةِ في الكِتابِ أوِ السُّنَّةِ ذَريعةٌ لنَفيِ كَثيرٍ مِن صِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ لله، وهذا مِن أعظَمِ وسائِلِ التَّعطيلِ.

وسَبَبُ تَعطيلِهم لصِفاتِ اللهِ هو أنَّهم حَكَّموا عُقولَهم في نُصوصِ الوَحيَينِ، وظَنُّوا أنَّ إثباتَ الصِّفاتِ حَقيقةً للهِ يَقتَضي التَّشبيهَ، مَعَ أنَّه ليسَ في هذا تَشبيهٌ البَتَّةَ، إنَّما التَّشبيهُ إذا قال الإنسانُ: له يَدٌ كيَدِنا، أو عَينٌ مِثلُ أعيُنِنا؛ قال الإمامُ الترمذيُّ صاحبُ السُّنن: قال إسحاقُ بنُ إبراهيم -يعني ابن راهَوَيهِ وهو من أعيانِ القرنِ الثَّالث (ت: 238هـ)-: (إنَّما يَكونُ التَّشبيهُ إذا قال: يَدٌ كَيدٍ أو مِثلُ يَدٍ، أو سَمعٌ كسَمعٍ أو مِثلُ سَمعٍ. فإذا قال: سَمعٌ كسَمعٍ أو مِثلُ سَمعٍ، فهذا التَّشبيهُ، أمَّا إذا قال كَما قال اللهُ تعالى: يَدٌ وسَمعٌ وبَصَرٌ، ولا يَقولُ: كَيف؟ ولا يَقولُ: مِثلُ سَمعٍ، ولا كسَمعِ، فهذا لا يَكونُ تَشبيهًا، وهو كَما قال اللهُ تعالى في كِتابِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11])(7).

ومَعَ ذلك فإنَّهم يُسَمُّونَ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعةِ المُثبِتينَ للصِّفاتِ على حَقيقتِها كَما أثبَتَها اللَّهُ ورَسولُه؛ مُشَبِّهةً! ومَن تَأمَّل صَنيعَهم هذا عَلِمَ أنَّهم همُ المُشَبِّهةُ؛ لأنَّهم ما نَفَوا عن هذه الصِّفاتِ حَقيقَتَها إلَّا أنَّهم لمَّا شَبَّهوها بصِفاتِ المخلوقينَ عَظُم هذا في نُفوسِهم، فأرادوا تَنزيهَ اللَّهِ عن هذا التَّشبيهِ، فنَفَوها! فهم شَبَّهوا في أذهانِهم ثُمَّ نَفَوا، فيَنطَبِقُ عَليهم أنَّهم مُشَبِّهةٌ نُفاةٌ؛ فكُلُّ تَعطيلٍ ناشئٌ عن تَشبيهٍ.

أمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ المُتَّبِعونَ للسَّلَفِ فإنَّهم يُثبِتونَ للهِ تعالى صِفاتٍ على الحَقيقةِ لا المَجازِ، ويُمِرُّونَها كما جاءَت دونَ تَمثيلٍ أو تَشبيهٍ، ويُفوِّضونَ كَيفيَّتَها، ويَقطَعونَ الطَّمَعَ عن إدراكِ تلك الكَيفيَّةِ، وعُمدتُهم في هذا الإثباتِ الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ.

الأدِلَّةُ مِنَ الكِتابِ:

الدَّليلُ الأوَّلُ:

مَن تَدَبَّر القُرآنَ الكَريمَ يَجِدُ أنَّ اللَّهَ تعالى وصَف نَفسَه في عَدَدٍ مِنَ الآياتِ بأنَّه يَهزَأُ بالكُفَّارِ والمُنافِقينَ ويَسخَرُ مِنهم، ويَمكُرُ بهم، ويَكيدُ لهم ويُخادِعُهم: مُقابِلَ هُزئِهم وسُخريَّتِهم ومَكرِهم وكَيدِهم وخِداعِهم بالمُؤمِنينَ، ومِن ذلك:

1- قَولُه تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(8) [البقرة: 14-15].

2- وقَولُه تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79].

3- وقَولُه تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]. وقوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50].

4- وقَولُه تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16].

5- وقَولُه تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]

فلمَّا كان استِهزاءُ الكُفَّارِ بالمُؤمِنينَ وسُخريَّتُهم ومَكرُهم وكَيدُهم وخِداعُهم حَقيقيًّا، دَلَّ ذلك على أنَّ استِهزاءَ اللهِ بهم ومَكرَه وكَيدَه لهم حَقيقيٌّ؛ إذ لا يَليقُ أن يَكونَ مجازيًّا لا أثَرَ له؟! والجَزاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ، والمَجازيُّ يَجوزُ نَفيُه، لكِنَّ استِهزاءَ هؤلاء وسُخريَّتَهم ومَكرَهم وكَيدَهم وخِداعَهم يَليقُ بهم، وصِفاتُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ تَليقُ به.

الدَّليلُ الثَّاني: (حُبُّ اللهِ لعِبادِه المُؤمِنينَ حُبًّا حَقيقيًّا)

قَولُه تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].

هؤلاء قَومٌ مُؤمِنونَ يُحِبُّونَ اللَّهَ حُبًّا حَقيقيًّا، فاللَّهُ -بلا شَكٍّ- يُحِبُّهم حُبًّا حَقيقيًّا يَليقُ به سُبحانَه، فكَيف يُحِبُّونَ اللَّهَ حَقيقةً ولا يُحِبُّهم سُبحانَه حَقيقةً؛ فالحُبُّ المَجازيُّ ليسَ حُبًّا في الواقِعِ.

الدَّليلُ الثَّالثُ: (كَلامُ اللَّه ونِداؤُه حَقيقيٌّ)

1- قَولُه تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].

قال النَّحاسُ: ({وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} مَصدَرٌ مُؤَكِّدٌ، وأجمَع النَّحويُّونَ على أنَّك إذا أكَّدتَ الفِعلَ بالمَصدَرِ لم يَكُنْ مَجازًا ... وجَبَ أن يَكونَ كَلامًا على الحَقيقةِ مِنَ الكَلامِ الذي يُعقَلُ)(9).

2- وقَولُه سُبحانَه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص:30].

فهذا نِداءٌ بصَوتٍ مَسموعٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لنَبيِّه موسى عَليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، سَمِعَه مِنه موسى، فكَيف لا يَكونُ نِداءً حَقيقيًّا؟! وهل النِّداءُ والكَلامُ المَجازيُّ الذي لا حَقيقةَ له يُسمَعُ؟!

والأدِلَّةُ مِن كِتابِ اللهِ كَثيرةٌ جِدًّا؛ فأكتَفي بهذه الأمثِلةِ خَشيةَ الإطالةِ.

الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:

الدَّليلُ الأوَّلُ: (وَجهُ اللهِ صِفةٌ ذاتيَّةٌ حَقيقيَّةٌ)

1- حَديثُ عَمَّارِ بنِ ياسِرٍ رَضِيَ الله عنه، مَرفوعًا: (اللَّهمَّ بعلمِكَ الغيبَ وقُدرتِكَ على الخَلقِ أحْيِني ما عَلِمتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا عَلِمتَ الوفاةَ خيرًا لي، وأسألُكَ خَشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ، وأسألُكَ كَلِمةَ الحقِّ في الرِّضا والغَضَبِ، وأسألُكَ القَصدَ في الفَقرِ والغِنى، وأسألُكَ نعيمًا لا يَنفَدُ، وأسألُكَ قُرَّةَ عينٍ لا تَنقَطِعُ، وأسألُكَ الرِّضاءَ بعدَ القَضاءِ، وأسألُكَ بَردَ العَيشِ بعدَ الموتِ، وأسألُكَ لذَّةَ النَّظرِ إلى وَجْهِكَ والشَّوقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضرَّاءَ مُضرَّةٍ ولا فِتنةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ، واجعَلْنا هُداةً مُهتَدينَ)(10).

2- وعن أُمِّ الدَّرداءِ، أن فَضالةَ بنَ عُبَيدٍ كان يَقولُ: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُك الرِّضا بعدَ القضاءِ، وبَرْدَ العَيشِ بعدَ الموتِ، ولذَّةَ النَّظَرِ إلى وَجهِك والشَّوقَ إلى لقائِك من غيرِ ضرَّاءَ مُضِرَّةٍ ولا فِتنةٍ مُضِلَّةٍ، وزَعَم أنَّها دَعَواتٌ كان يدعو بها النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ)(11).

فسُؤالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَبَّه أن يَرزُقَه النَّظَرَ إلى وَجهِه الكَريمِ دَليلٌ بَيِّنٌ على أنَّه وَجْهٌ حَقيقيٌّ يَليقُ به سُبحانَه، والمَجازُ مَعنَويٌّ لا يُنظَرُ إليه ولا يُشاهَدُ! ثُمَّ وَصفُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّظَرَ باللَّذَّةِ دَليلٌ آخَرُ على حَقيقَتِه، ودَليلٌ ثالثٌ أنَّه أتى بَعدَ سُؤالِه كَلِمةَ الحَقِّ في الرِّضا والغَضَبِ، والقَصدَ في الفَقرِ والغِنى، والرِّضا بَعدَ القَضاءِ، وبَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، وهذه كُلُّها حَقائِقُ.

ولا أدري: هل هؤلاء المُتَكَلِّمونَ مَحرومونَ مِن هذا الدُّعاءِ، أم أنَّهم يَسألونَ اللَّهَ أن ينظُروا إلى وَجهٍ مَجازيٍّ لا حَقيقةَ له، وأيُّ لذَّةٍ في هذا؟!

3- عن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه، في قَولِه تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: (النَّظَرُ إلى وَجهِ اللهِ تعالى)(12).

4- وعن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه، في قَولِه عَزَّ وجَلَّ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: (النَّظَرُ إلى وَجهِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ)(13).

فهذا الصَّحابيَّانِ الجَليلانِ يُفسِّرانِ الزِّيادةَ على الحُسنى -وهيَ الجَنَّةُ- بالنَّظَرِ إلى وَجهِ اللهِ الكَريمِ، والنَّظَرُ لا يَكونُ إلَّا إلى شَيءٍ حَقيقيٍّ.

الدَّليلُ الثَّاني: (حُبُّ اللهِ وبُغضُه حَقيقيَّانِ)

1- حَديثُ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ اللَّهَ تعالى إذا أحَبَّ عبدًا دَعا جِبريلَ، فقال: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأُحِبَّه، قال: فيُحِبُّه جِبريلُ، ثُمَّ يُنادي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السَّماءِ، قال ثُمَّ يوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ، وإذا أبغَضَ(14) عبدًا دَعا جِبريلَ، فيَقولُ: إنِّي أُبغِضُ فُلانًا فأبغِضْه، فيُبغِضُه جِبريلُ، ثُمَّ يُنادي في أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللَّهَ يُبغِضُ فُلانًا فأبغِضوه، فيُبغِضُه أهلُ السَّماءِ، ثُمَّ توضَعُ له البَغضاءُ في الأرضِ))(15).

في هذا الحَديثِ يَأمُرُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ جِبريلَ بحُبِّ عَبدٍ مِن عِبادِه، وأن يُناديَ أهلَ السَّماءِ -المَلائِكةَ- أن يُحِبُّوه، ولا شَكَّ أنَّه يَأمُرُهم أن يُحِبُّوه حُبًّا حَقيقيًّا، وذلك بَعدَ حُبِّ اللهِ له، فهَل يَكونُ حُبُّه سُبحانَه مَجازيًّا لا حَقيقيًّا، ثُمَّ يَأمُرُ مَلائِكَتَه بأن يُحِبُّوه حُبًّا حَقيقيًّا؟! كَيف يَستَقيمُ هذا في عُقولِ القَومِ؟! أم أنَّ اللَّهَ يَأمُرُ جِبريلَ ومَلائِكَتَه بحُبِّ هذا العَبدِ حُبًّا مَجازيًّا أيضًا؟! وهذا لا يَقولُه عاقِلٌ!

2- حَديثُ سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((... لأُعطيَنَّ الرَّايةَ غَدًا رَجُلًا يَفتَحُ اللهُ على يَدَيه، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّه اللهُ ورَسولُه...))(16).

فمُقابِلَ حُبِّ هذا الرَّجُلِ -وهو عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه- للهِ ولرَسولِه حُبًّا حَقيقيًّا يَليقُ به بوصفِه مَخلوقًا، يُحِبُّه اللهُ تعالى حُبًّا حَقيقيًّا يَليقُ به سُبحانَه، ولا يُجازي اللهُ مَن يُحِبُّه ويُحِبُّ رَسولُه حُبًّا حَقيقيًّا بحُبٍّ مَجازيٍّ.

3- حَديثُ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبدَ التَّقيَّ، الغَنيَّ، الخَفيَّ))(17).

ويُقالُ في هذا الحَديثِ ما قيلَ في سابقِه.

الدَّليلُ الثَّالثُ: (كَلامُ اللَّهِ ونِداؤُه بصَوتٍ حَقيقيٍّ)

1- حَديثُ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: ((إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتعالى يَقولُ لأهلِ الجَنَّةِ: يا أهلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لبَّيكَ رَبَّنا وسَعدَيك، فيَقولُ: هَل رَضيتُم؟ ...))(18).

2- وعنه رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: ((يَقولُ اللهُ: يا آدَمُ، فيَقولُ: لبَّيكَ وسَعدَيك، فيُنادى بصَوتٍ: إنَّ اللَّهَ يَأمُرُك أن تُخرِجَ مِن ذُرِّيَّتِك بَعثًا إلى النَّارِ))(19).

قال الإمامُ البُخاريُّ: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُنادي بصَوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُدَ كما يَسمَعُه مَن قَرُبَ، فليسَ هذا لغَيرِ اللهِ جَلَّ ذِكرُه، وفي هذا (يَعني: حَديثَ عَبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ، ذَكَرَه بَعدَ كَلامِه هذا) دَليلٌ أنَّ صَوتَ اللهِ لا يُشبِهُ أصواتَ الخَلقِ؛ لأنَّ صَوتَ اللهِ جَلَّ ذِكرُه يُسمَعُ مِن بُعدٍ كَما يُسمَعُ مِن قُربٍ، وأنَّ المَلائِكةَ يَصعَقونَ مِن صَوتِه، فإذا تَنادى المَلائِكةُ لم يَصعَقوا)(20).

في هَذَينَ الحَديثَينِ دَليلٌ صَريحٌ على أنَّ كَلامَ اللَّهِ ونِداءَه لأهلِ الجَنَّةِ ولآدَمَ كان حَقيقيًّا بصَوتٍ مَسموعٍ، فلو كان نِداءً مجازيًّا لا حَقيقةَ له لَمَا كان بصَوتٍ، ولَمَا سَمِعَه أهلُ الجَنَّةِ، ولَمَا سَمِعَه آدَمُ عليه السَّلامُ، ولَمَا رَدُّوا عليه سُبحانَه بقَولِهم: لبَّيكَ رَبَّنا وسَعْدَيك، فهل هناكَ أوضَحُ مِن هذا الدَّليلِ على أنَّه كَلامٌ ونِداءٌ حَقيقيٌّ؟!

الدَّليلُ الرَّابعُ: (سَمعُ اللَّهِ وبَصَرُه حَقيقيَّانِ)

1- حَديثُ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ اللَّهَ لا يَخفى عَليكُم، إنَّ اللَّهَ ليسَ بأعورَ «وأشارَ إلى عَينَيه»، وإنَّ المَسيحَ الدَّجَّالَ أعورُ عَينِ اليُمنى، كَأنَّ عَينَه عِنَبةٌ طافيةٌ))(21).

في إشارةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى عَينِه دَلالةٌ واضِحةٌ على أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُبصِرُ بعَينٍ حَقيقيَّةٍ تَليقُ به سُبحانَه، وليسَت مَجازًا.

2- وعن أبي يونُسَ سُلَيمِ بنِ جُبَيرٍ مولى أبي هرَيرةَ، قال: سَمِعتُ أبا هرَيرةَ يَقرَأُ هذه الآيةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهِا} إلى قَولِه تعالى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] قال: رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَضَعُ إبهامَه على أُذُنِه، والتي تَليها على عَينِه(22)، قال أبو هرَيرةَ: رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقرَؤُها ويَضَعُ إصبَعَيه(23). (قال ابنُ يونُسَ: قال المُقرِئُ: يَعني: إنَّ اللَّهَ سَميعٌ بَصيرٌ، يَعني أنَّ للهِ سَمعًا وبَصَرًا، قال أبو داودَ: وهذا رَدٌّ على الجَهميَّةِ). أي: الذينَ لا يُثبِتونَ للهِ سَمعًا وبَصَرًا حَقيقيَّينِ.

وليسَ في الإشارةِ إلى الأُذُنِ والعَينِ تَشبيهًا -حاشا أن يَكونَ هذا مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بل هو لإثباتِ حَقيقَتِهما، وأنَّ اللَّهَ يَسمَعُ بسَمعٍ، ويُبصِرُ ببَصَرٍ حَقيقيَّينِ.

3- حَديثُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها في قِصَّةِ المُجادِلةِ وقَولِها: ((الحَمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمعُه الأصواتَ))(24).

فالسَّمعُ الذي يَسمَعُ الأصواتَ أيكونُ مجازيًّا لا حَقيقةَ له؟!

ثُمَّ إنَّ قَولَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها كما في الحَديثِ: (لقد جاءَتِ المُجادِلةُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا في ناحيةِ البَيتِ، تَشكو زَوجَها، وما أسمَعُ ما تَقولُ، فأنزَل اللهُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا})، فهيَ لا تَسمَعُ ما تَقولُ، لكِنَّ اللَّهَ سَمِعَها وأنزَل قُرآنًا، هذا فيه دَليلٌ صَريحٌ أنَّ عائِشةَ تَتَحَدَّثُ عن سَمعٍ حَقيقيٍّ للهِ عَزَّ وجَلَّ.

الدَّليلُ الخامِسُ: (يَدُ اللهِ يَدٌ حَقيقيَّةٌ)

جاءَ وَصفُ يَدِ اللهِ في آياتٍ وأحاديثَ صحيحةٍ كَثيرةٍ بالقَبضِ(25) والبَسطِ(26)، والخَفضِ والرَّفعِ(27)، والمَسحِ(28)، والأخذِ(29) والإمساكِ(30)، والحَثْوِ(31)، والكتابةِ والخَطِّ(32)، والخَلقِ بيَدِه(33)، وطَيِّ السَّماءِ(34)، وأنَّهما يدانِ كِلتاهما يمينٌ(35)، وكُلُّ ذلك دليلٌ على أنَّها يدٌ حقيقةً لا مجازًا.

قال الإمامُ الشَّافِعيُّ المجتَهِدُ ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ: (... وذلك نحوُ إخبارِ اللهِ تعالى ذِكرُه إيَّانا أنَّه سميعٌ بصيرٌ، وأنَّ له يَدينِ بقَولِه: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}، وأنَّ له يمينًا بقَولِه: {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، وأنَّ له وَجهًا بقَولِه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وقَولِه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، وأنَّ له قَدَمًا؛ لقَولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حتَّى يَضَعَ الرَّبُّ قَدَمَه فيها))، يعني: جَهنَّمَ. وأنَّه يَضحَكُ إلى عَبدِه المؤمِنِ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للذي قُتِل في سبيلِ اللهِ: ((إنَّه لَقِيَ اللهَ عزَّ وجَلَّ وهو يَضحَكُ إليه))...)(36).

وقال ابنُ القَيِّمِ: (وورَدَ لفظُ اليدِ في القرآنِ والسُّنَّةِ وكلامِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ في أكثرَ مِن مِئةِ موضعٍ وُرودًا متنوِّعًا متصَرَّفًا فيه، مقرونًا بما يدلُّ على أنَّها يدٌ حقيقيَّةٌ؛ من الإمساكِ والطَّيِّ، والقَبضِ والبَسطِ... وأنَّه مَسَحَ ظهْرَ آدَمَ بيَدِه...)(37).

الدَّليلُ السَّادِسُ: (اللَّه يَفرَحُ فرَحًا حَقيقيًّا)

رَوى جَمعٌ مِنَ الصَّحابةِ حَديثَ مَن وجَدَ ضالَّتَه في فلاةٍ، وهو حَديثٌ مَشهورٌ، وفيه: ((للَّهُ أفرَحُ بتَوبةِ عَبدِه ...)) وفي لفظٍ: ((أشَدُّ فرَحًا))(38).

فهذا العَبدُ الذي أضاعَ ضالَّتَه وعليها زادُه ومَتاعُه، ثُمَّ وجَدَها بالفَلاةِ وفرِحَ بها فرَحًا حَقيقيًّا شَديدًا، يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللَّهَ يَفرَحُ بتَوبةِ عَبدِه أشَدَّ مِن فرَحِ هذا بدابَّتِه، فإذا كان فرَحُ العَبدِ فرَحًا حَقيقيًّا، أيكونُ فرَحُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ -وهو أشَدُّ مِن فَرَحِ هذا العَبدِ- مجازيًّا لا حَقيقةَ له؟!

بل هو فرَحٌ يَليقُ بذاتِه سُبحانَه لا يُشبِهُ فَرَحَ أحَدٍ مِن خَلقِه؛ لا في ذاتِه، ولا في كيفيَّتِه، ولا في أسبابِه، ولا في غاياتِه.

الدَّليلُ السَّابعُ: (يَضحَكُ اللهُ ضَحِكًا حَقيقيًّا يَليقُ بذاتِه سُبحانَه)

رَوى عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه حَديثَ آخِرِ مَن يَدخُلُ الجَنَّةَ، وفيه: (... أيُرضيك أن أُعطيَك الدُّنيا ومِثلَها مَعَها؟ قال: يا رَبِّ، أتَستَهزِئُ مِنِّي وأنتَ رَبُّ العالَمينَ؟ فضَحِك ابنُ مَسعودٍ، فقال: ألَا تَسألوني مِمَّ أضحَكُ؟ فقالوا: مِمَّ تَضحَكُ؟ قال: هكذا ضَحِكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: مِمَّ تَضحَكُ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: مِن ضَحِكِ رَبِّ العالَمينَ حينَ قال: أتَستَهزِئُ مِنِّي وأنتَ رَبُّ العالمينَ؟! فيَقولُ: إنِّي لا أستَهزِئُ مِنك، ولكِنِّي على ما أشاءُ قادِرٌ)(39).

فابنُ مَسعودٍ ضَحِكَ لضَحِكِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكِلاهما ضَحِك ضَحِكًا حَقيقيًّا يَليقُ بضَحِكِ المَخلوقينَ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضَحِكَ لضَحِكِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وفي هذا دَليلٌ ظاهرٌ على أنَّ ضَحِكَ اللهِ كان ضَحِكًا حَقيقيًّا يَليقُ بالخالِقِ سُبحانَه، ليسَ كضَحِكِ المَخلوقينَ.

والأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابتةِ الصَّحيحةِ لا تَكادُ تُحصى، وأكتَفي بهذه الأمثِلةِ خَشيةَ الإطالةِ.

الأدِلَّةُ مِنَ الإجماعِ:

لمَّا ظَهَرَتِ البِدَعُ ووُجِدَ مَن يَقولُ: إنَّ هذه الصِّفاتِ ليسَت على الحَقيقةِ بَل على المَجازِ -كَما هو قَولُ الجَهميَّةِ والمُعتَزِلةِ ومَن وافقَهم- تَكَلَّمَ السَّلفُ والأئِمَّةُ بما يُبَيِّنُ أنَّها على الحَقيقةِ لا على المَجازِ، وأجمَعوا على ذلك، ومِمَّن نَقَل الإجماعَ:

1- أبو بَكرٍ الكَلاباذيُّ الصُّوفيُّ الحَنَفيُّ (ت: 384هـ) قال: (أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوه)(40).

2- ومِنهمُ الإمامُ أبو عُمَرَ يوسُفُ ابنُ عبدِ البَرِّ المالكِيُّ (ت: 463هـ) قال: (أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الوارِدةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحَقيقةِ لا على المَجازِ، إلَّا أنَّهم لا يُكَيِّفونَ شَيئًا مِن ذلك، ولا يَحُدُّونَ فيه صِفةً مَحصورةً، وأمَّا أهلُ البِدَعِ والجَهميَّةُ والمُعتَزِلةُ كُلُّها والخَوارِجُ فكُلُّهم يُنكِرُها، ولا يَحمِلُ شَيئًا مِنها على الحَقيقةِ، ويَزعُمونَ أنَّ مَن أقَرَّ بها مُشَبِّهٌ، وهم عِندَ مَن أثبَتَها نافونَ للمَعبودِ، والحَقُّ فيما قاله القائِلونَ بما نَطَقَ به كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه، وهم أئِمَّةُ الجَماعةِ. والحَمدُ للَّهِ)(41).

3- وقال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ الحنبليُّ (ت: 728هـ): (مِنَ المَعلومِ باتِّفاقِ المُسلِمينَ أنَّ اللَّهَ حَيٌّ حَقيقةً، عَليمٌ حَقيقةً، قديرٌ حَقيقةً، سَميعٌ حَقيقةً، بَصيرٌ حَقيقةً، إلى غَيرِ ذلك مِن أسمائِه وصِفاتِه)(42).

4- وقال الحافِظُ ابنُ القَيِّمِ الحنبليُّ (ت:751هـ): (تنازَع الصَّحابةُ في كثيرٍ مِن مسائِلِ الأحكامِ، وهم ساداتُ المؤمِنينَ، وأكمَلُ الأُمَّةِ إيمانًا، ولكِنْ بحَمدِ اللهِ لم يتنازَعوا في مسألةٍ واحدةٍ مِن مسائِلِ الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ، بل كُلُّهم على إثباتِ ما نطَق به الكِتابُ والسُّنَّةُ كَلِمةً واحِدةً، من أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يَسُوموها تأويلًا، ولم يُحَرِّفوها عن مواضِعِها تبديلًا، ولم يُبْدوا لشَيءٍ منها إبطالًا، ولا ضَرَبوا لها أمثالًا، ولم يَدفَعُوا في صُدورِها وأعجازِها، ولم يَقُلْ أحَدٌ منهم: يجِبُ صَرْفُها عن حقائقِها، وحَمْلُها على مجازِها، بل تَلَقَّوها بالقَبولِ والتَّسليمِ، وقابَلوها بالإيمانِ والتَّعظيمِ، وجَعَلوا الأمرَ فيها كُلِّها أمرًا واحِدًا، وأجْرَوها على سَنَنٍ واحِدٍ، ولم يَفعَلوا كما فَعَل أهلُ الأهواءِ والبِدَعِ؛ حيث جَعَلوها عِضِينَ، وأقَرُّوا ببَعْضِها، وأنكَروا بَعضَها من غيرِ فُرقانٍ مُبينٍ، مع أنَّ اللَّازِمَ لهم فيما أنكَروه كاللَّازِمِ فيما أقَرُّوا به وأثبَتوه)(43).

وتَعجَبُ إذا عَلِمتَ أنَّ أوَّلَ مَن قال: إنَّ صِفاتِ اللهِ على الحَقيقةِ لا على المَجازِ، هو أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ نَفسُه، وتَبعَه تِلميذُه ابنُ مُجاهِدٍ الطَّائيُّ!

وهذه جُملةٌ مِن أقوالِ أئِمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ وغَيرِهم، على أنَّ صِفاتِ اللهِ حَقيقيَّةٌ لا مَجازيَّةٌ(44):

1- قال إمامُ الأشاعِرةِ ومُؤَسِّسُ المَذهَبِ الأشعَريِّ أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ (ت:260هـ): (حُكمُ كَلامِ اللَّهِ تعالى أن يَكونَ على ظاهِرِه وحَقيقَتِه، ولا يَخرُجُ الشَّيءُ عن ظاهرِه إلى المَجازِ إلَّا بحُجَّةٍ. ... كذلك قَولُه تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} على ظاهِرِه أو حَقيقَتِه مِن إثباتِ اليَدَينِ، ولا يَجوزُ أن يُعدَلَ به عن ظاهرِ اليَدَينِ إلى ما ادَّعاه خُصومُنا(45) إلَّا بحُجَّةٍ. ... بَل واجِبٌ أن يَكونَ قَولُه تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} إثباتَ يَدينِ للهِ تعالى في الحَقيقةِ غَيرِ نِعمَتَينِ؛ إذ كانتِ النِّعمتانِ لا يَجوزُ عِندَ أهلِ اللِّسانِ أن يَقولَ قائِلُهم: فعَلتُ بيَديَّ، وهو يَعني النِّعمتَينِ)(46).

2- وقال الإمامُ عُثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّارِميُّ (ت:280 هـ): (ونَحنُ قد عَرَفْنا بحَمدِ اللهِ تعالى مِن لُغاتِ العَرَبِ هذه المَجازاتِ التي اتَّخَذتُموها دُلْسةً وأُغلوطةً على الجُهَّالِ، تَنفونَ بها عنِ اللهِ حَقائِقَ الصِّفاتِ بعِلَلِ المَجازاتِ، غَيرَ أنَّا نَقولُ: لا يُحكَمُ للأغرَبِ مِن كَلامِ العَرَبِ على الأغلَبِ، ولكِنْ نَصرِفُ مَعانيَها إلى الأغلَبِ حتَّى تَأتوا ببُرهانٍ أنَّه عنى بها الأغرَبَ، وهذا هو المَذهَبُ الذي إلى العَدلِ والإنصافِ أقرَبُ، لا أن نعتَرِضَ صِفاتِ اللهِ المَعروفةَ المَقبولةَ عِندَ أهلِ البَصَرِ فنَصرِفَ مَعانيَها بعِلَّةِ المَجازاتِ إلى ما هو أنكَرُ)(47).

3- وقال الإمامُ أبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ (ت:310 هـ): (فإن قال لنا قائِلٌ: فما الصَّوابُ في مَعاني هذه الصِّفاتِ التي ذُكِرَت، وجاءَ ببَعضِها كِتابُ اللهِ عَزَّ جَلَّ ووَحيُه، وجاءَ ببَعضِها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قيل: الصَّوابُ مِن هذا القَولِ عِندَنا: أن نُثبِتَ حَقائِقَها على ما نَعرِفُ مِن جِهةِ الإثباتِ ونَفيِ التَّشبيهِ، كَما نَفى عن نَفسِه جَلَّ ثَناؤُه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ})(48).

4- وقال ابنُ مُجاهدٍ الطَّائيُّ تِلميذُ الإمامِ أبي الحَسَنِ الأشعَريِّ (ت: 324هـ): (إذا كان اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مَوصوفًا بجَميعِ هذه الأوصافِ في صِفةِ الحَقيقةِ وجَبَ إثباتُ الصِّفاتِ التي أوجَبَت هذه الأوصافَ له في الحَقيقةِ، وإلَّا كان وَصفُه بذلك مَجازًا)(49).

5- وقال الإمامُ أبو أحمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ الكَرجيِّ المَعروفِ بالقَصَّابِ (ت:360هـ) في كِتابِ "السُّنَّةِ": (كُلُّ صِفةٍ وَصَف بها نَفسَه، أو وصَفَه بها نَبيُّه، فهيَ صِفةٌ حَقيقيَّةٌ لا صِفةُ مَجازٍ)(50)، وورَدَت هذه العِبارةُ نَفسُها في الاعتِقادِ القادِريِّ(51).

6- وقال الإمامُ الحافِظُ أبو عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ بنِ مَنْدَه (ت: 395هـ) في إثباتِ صِفةِ اليَدَينِ للهِ تعالى: (إنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَزَّ خَلَق آدَمَ عَليه السَّلامُ بيَدَينِ حَقيقةً)(52).

7- وقال الحافظُ أبو بَكرٍ التُّجيبيُّ المالِكيُّ (ت: 406هـ) في صِفةِ استِواءِ اللهِ على عَرشِه: (فلمَّا أيقَنَ المُنصِفونَ إفرادَ ذِكرِه بالاستِواءِ على عَرشِه بَعدَ خَلقِ سَمواتِه وأرضِه وتَخصيصه بصِفةِ الاستِواءِ، عَلِموا أنَّ الاستِواءَ هنا غَيرُ الاستيلاءِ ونَحوِه؛ فأقَرُّوا بوصفِه بالاستِواءِ على عَرشِه، وأنَّه على الحَقيقةِ لا على المَجازِ؛ لأنَّه الصَّادِقُ في قيلِه، ووقَفوا عن تَكييفِ ذلك وتَمثيلِه؛ إذ ليسَ كَمِثلِه شَيءٌ)(53).

8- وقال الإمامُ أبو عُمَرَ أحمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّلَمَنْكيُّ (ت: 429هـ): (قال أهلُ السُّنَّةِ في قَولِ اللهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه 5]: إنَّ الاستِواءَ مِنَ اللهِ على عَرشِه المَجيدِ على الحَقيقةِ لا على المَجازِ)(54).

9- وقال الإمامُ أبو عُمَرَ يوسُفُ ابنُ عبدِ البَرّ المالِكيُّ (ت: 463هـ): (مِن حَقِّ الكَلامِ أن يُحمَلَ على حَقيقَتِه، حتَّى تَتَّفِقَ الأُمَّةُ أنَّه أُريدَ به المَجازُ؛ إذ لا سَبيلَ إلى اتِّباعِ ما أُنزِل إلينا مِن رَبِّنا إلَّا على ذلك، وإنَّما يُوَجَّهُ كَلامُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إلى الأشهَرِ والأظهَرِ مِن وُجوهِه، ما لم يَمنَعْ مِن ذلك ما يَجِبُ له التَّسليمُ. ولو ساغَ ادِّعاءُ المَجازِ لكُلِّ مُدَّعٍ ما ثَبَتَ شَيءٌ مِنَ العِباراتِ، وجَلَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عن أن يُخاطِبَ إلَّا بما تَفهَمُه العَرَبُ في مَعهودِ مُخاطَباتِها مِمَّا يَصِحُّ مَعناه عِندَ السَّامِعينَ، والاستِواءُ مَعلومٌ في اللُّغةِ ومَفهومٌ، وهو العُلوُّ والارتِفاعُ على الشَّيءِ والاستِقرارُ والتَّمكينُ فيه)(55).

وقال أيضًا: (جَلَّ مَن تَسَمَّى بالغَفورِ الرَّحيمِ الرَّؤوفِ الحَكيمِ أن تَكونَ صِفاتُه إلَّا حَقيقةً، لا إلهَ إلَّا هو لا يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وهم يُسأَلونَ)(56).

10- وقال الإمامُ أبو القاسِمِ إسماعيلُ الأصبَهانيُّ الشَّافِعيُّ (قِوامُ السُّنَّةِ) (ت: 535هـ): (مَن حَمَل اللَّفظَ على ظاهرِه وعلى مُقتَضى اللُّغةِ حَمَله على حَقيقَتِه، ومَن تَأوَّله عَدَل به عنِ الحَقيقةِ إلى المَجازِ، ولا يَجوزُ إضافةُ المَجازِ إلى صِفاتِ اللهِ تعالى)(57).

وقال: (مَذهَبُ مالِكٍ، والثَّوريِّ، والأوزاعيِّ، والشَّافِعيِّ، وحَمَّادِ بنِ سَلَمةَ، وحَمَّادِ بنِ زَيدٍ، وأحمَدَ، ويَحيى بنِ سَعيدٍ القَطَّانِ، وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهديٍّ، وإسحاقَ بنِ راهَوَيهِ: أنَّ صِفاتِ اللهِ التي وصَف بها نَفسَه ووصَفَه بها رَسولُه مِنَ السَّمعِ والبَصَرِ والوَجهِ واليَدَينِ وسائِرِ أوصافِه إنَّما هيَ على ظاهِرِها المَعروفِ المَشهورِ مِن غَيرِ كَيفٍ يُتَوهَّمُ فيها ولا تَشبيهٍ ولا تَأويلٍ؛ قال ابنُ عُيَينةَ: كُلُّ شَيءٍ وصَف اللَّهُ به نَفسَه فقِراءَتُه تَفسيرُه ... أي: هو هو على ظاهرِه، لا يَجوزُ صَرفُه إلى المَجازِ بنَوعٍ مِنَ التَّأويلِ)(58).

11- وقال الحافظُ أبو عَبدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ أحمَدَ القُرطُبيُّ المالِكيُّ (ت: 671هـ): (لم يُنكِرْ أحَدٌ مِنَ السَّلفِ الصَّالحِ أنَّه استَوى على عَرشِه حَقيقةً. وخُصَّ العَرشُ بذلك؛ لأنَّه أعظَمُ مَخلوقاتِه، وإنَّما جَهِلوا كَيفيَّةَ الاستِواءِ؛ فإنَّه لا تُعلمُ حَقيقَتُه)(59).

12- وقال الحافظ علاء الدِّين ابن العطار الشَّافِعيُّ (60) (ت: 724هـ): (فإذا نَطَق الكتابُ العزيزُ ووَرَدت الأخبارُ الصَّحيحةُ بإثباتِ السَّمعِ، والبَصَرِ، والعَينِ، والوَجهِ، والعِلمِ، والقُوَّةِ، والقُدرةِ، والعَظَمةِ، والمَشيئةِ، والإرادةِ، والقَولِ، والكلامِ، والرِّضا والسَّخَطِ، والحُبِّ والبُغضِ، والفَرَحِ والضَّحِكِ؛ وَجَب اعتقادُ حقيقتِه من غيرِ تشبيهٍ لشَيءٍ من ذلك بصِفاتِ المَربوبينَ المخلوقينَ)(61).

13- وقال الحافِظُ شَمسُ الدِّينِ الذَّهَبيُّ الشَّافِعيُّ (ت: 748هـ): (لو كانتِ الصِّفاتُ تُرَدُّ إلى المَجازِ لبَطَل أن تَكونَ صِفاتٌ للَّهِ، وإنَّما الصِّفةُ تابعةٌ للمَوصوفِ، فهو مَوجودٌ حَقيقةً لا مَجازًا، وصِفاتُه ليسَت مَجازًا، فإذا كان لا مِثلَ له ولا نَظيرَ لزِمَ أن تَكونَ لا مِثلَ لها)(62).

وقال في تَعليقِه على كَلامِ ابنِ عبدِ البَرِّ السَّابقِ: (صَدَق واللَّهِ؛ فإنَّ مَن تَأوَّل سائِرَ الصِّفاتِ، وحَمَل ما ورَدَ مِنها على مَجازِ الكَلامِ، أدَّاه ذلك السَّلبُ إلى تَعطيلِ الرَّبِّ، وأن يُشابهَ المَعدومَ، كَما نُقِل عن حَمَّادِ بنِ زَيدٍ أنَّه قال: مَثَلُ الجَهميَّةِ كقَومٍ قالوا: في دارِنا نَخلةٌ. قيل: لها سَعَفٌ؟ قالوا: لا. قيل: فلها كَرَبٌ؟ قالوا: لا. قيل: لها رُطَبٌ وقِنوٌ؟ قالوا: لا. قيل: فلها ساقٌ؟ قالوا: لا. قيل: فما في دارِكُم نَخلةٌ!

قُلتُ: كذلك هؤلاء النُّفاةُ؛ قالوا: إلهُنا اللَّهُ تعالى، وهو لا في زَمانٍ ولا في مَكانٍ، ولا يرى ولا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ ولا يَتَكَلَّمُ، ولا يَرضى ولا يَغضَبُ، ولا يُريدُ ولا ولا! وقالوا: سُبحانَ المُنَزَّهِ عنِ الصِّفاتِ!

بَل نَقولُ: سُبحانَ اللَّهِ العَليِّ العَظيمِ، السَّميعِ البَصيرِ المُريدِ، الذي كَلَّمَ موسى تَكليمًا ....)(63).

14- وقال المُلَّا عَليُّ بنُ سُلطانَ القاريُّ الحَنَفيُّ (ت: 1014هـ): (إنَّ الغَضَبَ والرِّضا الذي يوصَفُ اللَّهُ به مُخالِفٌ لِما يوصَفُ به العَبدُ، وإن كان كُلٌّ مِنهما حَقيقةً)(64).

15- وقال العَلَّامةُ الشِّنقيطيُّ (ت: 1393هـ): (مِنَ المَعلومِ أنَّ هذه الصِّفاتِ لو كان يُقصَدُ بها شَيءٌ آخَرُ مِنَ المَجازاتِ التي يَحمِلُها عَليها المُؤَوِّلونَ لبادَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى بَيانِه؛ لأنَّه لا يَجوزُ في حَقِّه -صَلواتُ اللهِ عليه وسَلامُه- تَأخيرُ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ إليه، ولا سيَّما في العَقائِد، والمُحَقِّقونَ مِن عُلماءِ الأُصولِ ذَكَروا أنَّ تَأخيرَه -صَلَّى اللَّه عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ- البَيانَ عن وقتِ الحاجةِ لا يَجوزُ في حَقِّه، وشَذَّت طائِفةٌ فجَوَّزَته، والجَميعُ مُتَّفِقونَ عَلى عَدَمِ وُقوعِه)(65).

وقال: (إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتعالى مَوصوفٌ بتلك الصِّفاتِ حَقيقةً لا مَجازًا؛ لأنَّا نَعتَقِدُ اعتِقادًا جازِمًا لا يَتَطَرَّقُ إليه شَكٌّ أنَّ ظَواهرَ آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِها لا تَدُلُّ البَتَّةَ إلَّا على التَّنزيهِ عن مُشابَهةِ الخَلقِ، واتِّصافِه تعالى بالكَمالِ والجَلالِ. وإثباتُ التَّنزيهِ والكَمالِ والجَلالِ للهِ حَقيقةً لا مَجازًا لا يُنكِرُه مُسلِمٌ، ومِمَّا يَدعو إلى التَّصريحِ بلفظِ الحَقيقةِ ونَفيِ المَجازِ كَثرةُ الجاهِلينَ الزَّاعِمينَ أنَّ تلك الصِّفاتِ لا حَقائِقَ لها، وأنَّها كُلَّها مَجازاتٌ. وجَعَلوا ذلك طَريقًا إلى نَفيِها؛ لأنَّ المَجازَ يَجوزُ نَفيُه، والحَقيقةَ لا يَجوزُ نَفيُها، فقالوا مَثَلًا: اليَدُ مَجازٌ، يُرادُ به القُدرةُ والنِّعمةُ أوِ الجودُ؛ فنَفَوا صِفةَ اليَدِ لأنَّها مَجازٌ. وقالوا: "على العَرشِ استَوى" مَجازٌ؛ فنَفوا الاستِواءَ لأنَّه مَجازٌ)(66).

وقال أيضًا: (اعلَمْ أنَّ ما ذَكَرنا مِن أنَّ ما وَصَف اللَّهُ به نَفسَه مِنَ الصِّفاتِ فهو مَوصوفٌ به حَقيقةً لا مَجازًا، على الوَجهِ اللَّائِقِ بكَمالِه وجَلالِه، وأنَّه لا فرقَ البَتَّةَ بَينَ صِفةٍ يُشتَقُّ مِنها وَصفٌ، كالسَّمعِ والبَصَر والحَياةِ. وبَينَ صِفةٍ لا يُشتَقُّ مِنها، كالوَجهِ واليَدِ)(67).

وقال أيضًا: (إثباتُ الحَقيقةِ ونَفيُ المَجازِ في صِفاتِ اللهِ هو اعتِقادُ كُلِّ مُسلمٍ طاهِرِ القَلبِ مِن أقذارِ التَّشبيهِ؛ لأنَّه لا يَسبِقُ إلى ذِهنِه مِنَ اللَّفظِ الدَّالِّ على الصِّفةِ -كصِفةِ اليَدِ والوَجهِ- إلَّا أنَّها صِفةُ كَمالٍ مُنَزَّهةٌ عن مُشابَهةِ صِفاتِ الخَلقِ. فلا يَخطُرُ في ذِهنِه التَّشبيهُ الذي هو سَبَبُ نَفيِ الصِّفةِ وتَأويلِها بمَعنًى لا أصلَ له)(68).

هذا، وقد صرَّح كَثيرٌ مِن عُلَماءِ السَّلَفِ بأنَّ استِواءَ اللهِ على عَرشِه استِواءٌ بذاتِه، وهذه مِن أصرَحِ الأقوالِ على أنَّه استِواءٌ حَقيقيٌّ، إذ كيف يكون بذاتِه مجازًا؟!.

1- قال الإمامُ إسماعيلُ بنُ يَحيى المُزَنيُّ الشَّافِعيُّ (ت: 264هـ) في مُسرَدِ مُعتَقَدِه عنِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: (... عالٍ على عَرشِه في مَجدِه بذاتِه، وهو دانٍ بعِلمِه مِن خَلقِه، أحاطَ عِلمُه بالأُمورِ، وأنفَذَ في خَلقِه سابِقَ المَقدورِ، وهو الجَوادُ الغَفورُ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ})(69).

ثُمَّ قال ناقِلًا الإجماعَ على هذا: (هذه مَقالاتٌ وأفعالٌ اجتَمَعَ عليها الماضونَ الأوَّلونَ مِن أئِمَّةِ الهدى، وبتَوفيقِ اللهِ اعتَصَمَ بها التَّابعونَ قُدوةً ورِضًا، وجانَبوا التَّكَلُّفَ فيما كُفُوا، فسُدِّدوا بعَونِ اللهِ ووُفِّقوا، لم يَرغَبوا عنِ الاتِّباعِ فيُقَصِّروا، ولم يُجاوِزوه تَزيُّدًا فيَعتَدوا؛ فنَحنُ باللهِ واثِقونَ، وعَليه مُتَوكِّلونَ، وإليه في اتِّباعِ آثارِهم راغِبونَ)(70).

فتَأمَّلْ نَقْلَه الإجماعَ على أنَّ اللَّهَ عالٍ على عَرشِه بذاتِه، وهل يَكونُ هذا إلَّا عُلوًّا واستِواءً على العَرشِ حَقيقيًّا يَليقُ به سُبحانَه؟!

2- وقال الإمامُ أبو زَيدٍ القَيرَوانيُّ المالِكيُّ (ت: 386هـ) في وصفِ اللهِ تعالى: (وأنَّه فوقَ عَرشِه المَجيدِ بذاتِه، وهو في كُلِّ مَكانٍ بعِلمِه، خَلَق الإنسانَ ويَعلمُ ما توسوِسُ به نَفسُه، وهو أقرَبُ إليه مِن حَبلِ الوريدِ)(71).

وكَلامُه هنا شَبيهٌ بكَلامِ المُزَنيِّ الشَّافِعيِّ المُتَقدِّمِ، فكيف يَكونُ فوقَ عَرشِه بذاتِه مَجازًا؟!

3- وقال أبو زَكَريَّا يَحيى بنُ عَمَّارٍ السِّجِستانيُّ (ت: 422هـ): (لا نَقولُ كَما قالتِ الجَهميَّةُ: إنَّه تعالى مُداخِلٌ للأمكِنةِ ومُمازِجٌ بكُلِّ شَيءٍ ولا نَعلمُ أينَ هو، بَل نَقولُ: هو بذاتِه على العَرشِ، وعِلمُه مُحيطٌ بكُلِّ شَيءٍ، وعِلمُه وسَمعُه وبَصَرُه وقُدرَتُه مُدرِكةٌ لكُلِّ شَيءٍ) (72).

4- وقال الشَّيخُ عَبدُ القادِرِ الجيلانيُّ الحنبليُّ (ت: 561 هـ): (ويَنبَغي إطلاقُ صِفةِ الاستِواءِ مِن غَيرِ تَأويلٍ، وأنَّه استِواءُ الذَّاتِ على العَرشِ، وكَونُه سُبحانَه وتعالى على العَرشِ مَذكورٌ في كُلِّ كِتابٍ أُنزِل على كُلِّ نَبيٍّ أُرسِل، بلا كَيفٍ)(73).

شُبُهاتٌ ورُدودٌ:

إنَّ النَّاظِرَ إلى شُبُهاتِ القَومِ يَجِدُها كُلَّها تدورُ إلى ما ذُكِر آنِفًا من أنَّهم يُشَبِّهون ثمَّ يَنفون، فمِن شُبُهاتِهم قَولُهم: إنَّ إثباتَكم للهِ يدًا حقيقيَّةً، وعَينًا حقيقيَّةً، وضَحِكًا حقيقيًّا، وغَضَبًا حقيقيًّا؛ فيه تشبيهٌ بالمخلوقِ، فلا توجَدُ يَدٌ حقيقيَّةٌ وعينٌ حقيقيَّةٌ إلَّا الجاِرحةُ المعروفةُ؛ فاليدُ الحقيقيَّةُ هي التي يُمسِكُ بها الإنسانُ ويَبطِشُ ويأكُلُ، والعَينُ الحقيقيَّةُ هي العَينُ التي يُبصِرُ بها الإنسانُ والحيوانُ، والغَضَبُ هو فَوَرانُ الدَّمِ، وقُلْ مِثلَ ذلك في بقيَّةِ الصِّفاتِ، فوجَب تأويلُها؛ لذلك نقولُ: هي مجازٌ. (هذا قَولُهم).

فهذه الشُّبهةُ مِثالٌ واضِحٌ لذلك؛ فأصحابُها شَبَّهوا في أذهانِهم يَدَ اللهِ وعَينَ اللهِ وضَحِكَه وغَضَبَه وسائِرَ صفاتِه بصفاتِ المخلوقينَ، فاستعظَموا أن تكونَ له يدٌ كيدِ المخلوقِ، وعينٌ كعَينِه، واستبعَدوا أن تكونَ هناك صفاتٌ حقيقيَّةٌ إلَّا صفاتِ المخلوقِ، فنَفَوا صفاتِ اللهِ زاعِمين أنَّهم يُثبِتونها مجازًا، والواقِعُ أنَّ مُثبِتَ المجازِ هو نافٍ للحقيقةِ.

قال أبو عُمَرَ الطَّلَمَنْكيُّ المالِكيُّ (ت: 429 هـ) في كتابِه "الوصولُ إلى معرفةِ الأصولِ": (قال قومٌ من المُعتَزِلةِ والجَهميَّةِ: لا يجوزُ أن يُسَمَّى اللهُ عزَّ وجَلَّ بهذه الأسماءِ على الحقيقةِ، ويُسَمَّى بها المخلوقُ؛ فنَفَوا عن اللهِ الحقائِقَ من أسمائِه، وأثبَتوها لخَلقِه، فإذا سُئِلوا: ما حمَلَهم على هذا الزَّيغِ؟
قالوا: الاجتماعُ في التَّسميةِ يوجِبُ التَّشبيهَ .... فنسألُهم: أتقولونَ: إنَّ اللهَ موجودٌ؟ فإن قالوا: نعم، قيلَ لهم: يلزَمُكم على دعْواكم أن يكونَ مُشبِهًا للموجودينَ، وإن قالوا: موجودٌ ولا يوجِبُ وُجودُه الاشتِباهَ بَينَه وبَينَ الموجوداتِ، قُلْنا: فكذلك هو حيٌّ عالمٌ قادِرٌ مُريدٌ سميعٌ بصيرٌ متكَلِّمٌ، ولا يَلزَمُ اشتِباهُه بمن اتَّصَف بهذه الصِّفاتِ(74).

وما تقولُه الأشاعرةُ عن صفاتِ اللهِ شَبيهٌ بما تقولُه المُعتَزِلةُ والجَهميَّةُ عن أسمائِه، فنقولُ لهم: هل اللهُ موجودٌ حقيقةً أم مجازًا؟ قطعًا سيقولون: حقيقةً، فنقولُ لهم: والمخلوقُ موجودٌ حقيقةً، لكِنْ وُجودُ المخلوقِ الضَّعيفِ لائقٌ به، ووجودُ الرَّبِّ العظيمِ لائقٌ به سُبحانَه وتعالى، وكذلك سائِرُ صِفاتِه.

قال العلَّامةُ الأمينُ الشِّنقيطيُّ: (فإن قيل: يلزَمُ من إثباتِ صِفةِ الوَجهِ واليَدِ والاستواءِ ونحوِ ذلك مُشابَهةُ الخَلقِ؟

فالجوابُ: أنَّ وَصفَه بذلك لا يَلزَمُه مُشابهةُ الخَلقِ، كما لم يَلزَمْ مِن وَصفِه بالسَّمعِ والبَصَرِ مشابَهةُ الحوادثِ التي تَسمَعُ وتُبصِرُ، بل هو تعالى متَّصِفٌ بتلك الصِّفاتِ المذكورةِ التي هي صفاتُ كمالٍ وجلالٍ، كما قال، من غَيرِ مُشابَهةٍ للخَلقِ البتَّةَ؛ فهي ثابتةٌ له حقيقةً على الوَجهِ اللَّائِق بكَمالِه وجَلالِه، كما أنَّ صِفاتِ المخلوقينَ ثابتةٌ لهم حقيقةً على الوَجهِ المناسِبِ لهم، فبينَ الصِّفةِ والصِّفةِ مِن تنافي الحقيقةِ ما بينَ الذَّاتِ والذَّاتِ.

فإن قيل: بَيِّنوا كيفيَّةَ الاتِّصافِ بها لنَعقِلَها. قُلْنا: أعَرَفتُم كيفيَّةَ الذَّاتِ المتَّصِفةِ بها؟ فلا بُدَّ أن يقولوا: لا.
فنقولُ: مَعرِفةُ كيفيَّةِ الصِّفاتِ مُتوَقِّفةٌ على معرفةِ كيفيَّةِ الذَّاتِ، فإن قال الخَصمُ: هو ذاتٌ لا كالذَّواتِ، قُلْنا: وموصوفٌ بصفاتٍ لا كغَيرِها من الصِّفاتِ!

فسُبحانَ من أحاط بكُلِّ شَيءٍ ولم يُحِطْ به شيءٌ! {يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [سورة طه: 110](75).

وقال العلَّامةُ الأمينُ الشِّنقيطيُّ أيضًا: (إنَّما قُلْنا: حقيقةً لا مجازًا؛ لقَطْعِنا وجَزمِنا بأنَّ تلك الصِّفاتِ التي مدَح اللهُ بها نَفسَه صفاتُ كَمالٍ وجلالٍ مُنزَّهةٌ عن مُشابهةِ صِفاتِ الخَلقِ، كتَنزيهِ ذاتِه عن مُشابهةِ ذَواتِهم. وجميعُ العُقلاءِ إذا راجَعوا عُقولَهم تحقَّقوا أنَّ الظَّاهِرَ المتبادِرَ لكُلِّ مُسلمٍ هو مخالَفةُ اللهِ لخَلقِه، وتنزيهُه عن مُشابهتِهم في صِفاتِهم وذواتِهم وأفعالِهم؛ فالظَّاهِرُ المتبادِرُ من صِفةِ الاستواءِ والوَجهِ واليَدِ -مثلًا- أنَّها صفاتُ كمالٍ وجلالٍ مُنزَّهةٌ عن كُلِّ ما يخطُرُ في قُلوبِ الجَهَلةِ من مُشابهةِ صفاتِ الخَلقِ. وإذا كان ظاهِرُها المتبادِرُ منها التَّنزيهَ وعَدَمَ المشابَهةِ، فإثباتُها حقيقةً لا محذورَ فيه؛ لأنَّ إثباتَ الكَمالِ والتَّنزيهِ للهِ لا محذورَ فيه البتَّةَ)(76).

ومِن شُبَهِهم التي يُثيرونها أنَّ الأمورَ الغَيبيَّةَ ليس شيءٌ منها يُشبِهُ ما في الدُّنيا إلا الأسماءُ، ويَسَتشهِدون بقَولِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (ليس في الجنَّةِ شيءٌ ممَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ(77)، فيقولونَ: صِفاتُ اللهِ، كاليَدِ والعَينِ والحُبِّ والبُغضِ وغَيرِها، وقال بعضُهم: وكذا ما في الجَنَّةِ مِن خَمرٍ وأنهارٍ وعِنَبٍ ونَخلٍ ورُمَّانٍ: كُلُّ ذلك ما هو إلَّا تشابُهٌ في الأسماءِ، كما قال ابنُ عَبَّاسٍ، وليست هي على الحقيقةِ؛ لأنَّها لو كانت على الحقيقةِ لأشبَهَت المخلوقاتِ، فليس هناك يدٌ أو عينٌ إلَّا ما نَعرِفُه، كما أنَّه ليس هناك عِنَبٌ ورُمَّانٌ ونَخلٌ إلَّا ما نُشاهِدُه في الواقعِ.

وهذا يؤكِّدُ أنَّهم يُشَبِّهون ثمَّ يُعَطِّلون، وأمَّا قولُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (ليس في الجنَّةِ شيءٌ ممَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ)، فليس معناه نفيَ حقيقةِ هذه الأسماءِ، فكُلُّ ما ذُكِر من نعيمِ الجنَّةِ من قُصورٍ وخيامٍ ولؤلؤٍ وزَعفرانٍ وعِنَبٍ ونَخلٍ ورُمَّانٍ وخَمرٍ وأنهارٍ وألبانٍ؛ كُلُّ ذلك حقيقةٌ لا شَكَّ فيه، وأكبَرُ دليلٍ على ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمَّاها فاكهةً، كما في حديثِ: (العَجوةُ مِن فاكِهةِ الجَنَّةِ)78، وحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: (إنِّي أُرِيتُ الجَنَّةَ، فتَنَاوَلتُ منها عُنقُودًا، ولو أخَذْتُه لَأكَلتُم منه ما بَقِيَتِ الدُّنيا(79)، والقرآنُ الكريمُ مَليءٌ بالآياتِ التي تَصِفُ فواكِهَ الجنَّةِ من نخيلٍ وعِنَبٍ ورُمَّانٍ وغيرِ ذلك.

أمَّا قَولُهم: إنَّ لفظةَ "حقيقيَّة" محدَثةٌ، وإنَّ أوَّلَ مَن أحدَثها ابنُ تيميَّةَ وتَبِعَه مَن تَبِعَه، فما تقدَّم من أقوالٍ يَدحَضُ هذا القولَ؛ فقد ثبَت أنَّ وَصفَ صفاتِ اللهِ بالحقيقيَّةِ قال به عُلَماءُ من القَرنِ الثَّالثِ، كأبي الحَسَنِ الأشعَريِّ، وعُثمانَ الدَّارِميِّ، وحُكيَ فيه الإجماعُ من القَرنِ الرَّابعِ، حكاه الكَلاباذيُّ الحَنَفيُّ، وهو من أعيانِ القَرنِ الرَّابعِ، وحكاه ابنُ عبدِ البَرِّ، وهو من أعيانِ القَرنِ الخامِسِ، وبَينَهم وبَينَ ابنِ تَيميَّةَ (المتوفَّى سنةَ 728هـ) مئاتُ السِّنينَ!

أسألُ اللهَّ عزَّ وجَلَّ أن يَهديَ ضالَّ المُسلِمينَ، ويَهديَنا سواءَ السَّبيلِ.

وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحبِه أجمعينَ

--------------------

(1) البحثُ هنا مقْتصِرٌ على إثباتِ لفْظَةِ (حقِيقيَّة) ولا يتطرق بتوسُّعٍ إلى مسألةِ المجازِ والتَّأويلِ والتَّفويضِ عند الأشاعرة.

(2) يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 90)، ((المعجم الوسيط (ص: 194،152).

(3) يُنظر: ((الصاحبي في فقه اللغة)) لابن فارس (ص: 149)، ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/ 37)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 144)، ((تاج العروس)) للزبيدي (25/ 182).

(4) يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (ص: 268)، ((مختار الصحاح)) (ص: 77)، ((تاج العروس)) (25/ 171).

(5) ((منع جواز المجاز)) للشنقيطي (ص: 8).

(6) ((منع جواز المجاز)) للشنقيطي (ص:6-7).

(7) يُنظر: ((سُننُ الترمذي)) (حديث رقم 662).

(8) قال ابنُ جَريرٍ الطَّبريُّ في تفسيرِ الآيةِ: (معنى الاستهزاءِ في كلامِ العرَبِ: إظهارُ المُستَهزِئِ للمستَهْزَأِ به مِن القولِ والفعلِ ما يُرضيه ظاهِرًا، وهو بذلك مِن قِيلِه وفِعلِه به مُورِّثُه مَساءَةً باطنًا، وكذلك معنى الخِداعِ والسُّخريَّةِ والمَكْرِ... وأمَّا الَّذين زعَموا أنَّ قولَ اللهِ تعالى ذِكرُه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} إنَّما هو على وَجهِ الجوابِ، وأنَّه لم يكُنْ مِن اللهِ استهزاءٌ ولا مَكْرٌ ولا خديعةٌ- فنافُونَ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ ما قد أثبَتَه اللهُ عزَّ وجلَّ لنَفسِه وأوجَبَه لها، وسواءٌ قال قائلٌ: لم يكُنْ مِن اللهِ جلَّ ذِكرُه استهزاءٌ ولا مَكرٌ ولا خديعةٌ ولا سُخريَّةٌ بمَن أخبَرَ أنَّه يستهزِئُ ويسخَرُ ويمكُرُ به، أو قال: لم يخسِفِ اللهُ بمَن أخبَرَ أنَّه خسَفَ به مِن الأُمَمِ، ولم يُغرِقْ مَن أخبَرَ أنَّه أغرَقَه منهم.

ويُقالُ لقائلِ ذلك: إنَّ اللهَ جلَّ ثناؤُه أخبَرَنا أنَّه مكَرَ بقومٍ مضَوا قَبلَنا لم نَرَهم، وأخبَرَنا عن آخَرينَ أنَّه خسَفَ بهم، وعن آخَرينَ أنَّه أغرَقَهم، فصدَّقْنا اللهَ تعالى ذِكرُه فيما أخبَرَنا به مِن ذلك، ولم نُفرِّقْ بينَ شيءٍ منه؛ فما بُرهانُك على تفريقِك ما فرَّقْتَ بينَه، بزَعمِكَ: أنَّه قد أغرَقَ وخسَفَ بمَنْ أخبَرَ أنَّه أغرَقَه وخسَفَ به، ولم يمكُرْ بمَن أخبَرَ أنَّه قد مكَرَ به؟!).

(9) ((إعراب القرآن)) (ص: 251).

(10) أخرجه النسائي (1305)، وابن حبان (1971) واللفظ لهما، والحاكم (1923) باختلافٍ يسيرٍ، وأخرجه من طريقٍ آخرَ: النسائي (1306)، وأحمد (18325) بلفظ: "ولذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهِكَ".

وهو حديثٌ صحيحٌ.

(11) أخرجه ابنُ أبي عاصم في ((السنة)) (427) باختلاف يسير، والطبراني (18/319) (825)، واللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (847) واللفظ لهما.

وهو حديثٌ صحيحٌ أيضًا.

(12) أخرجه ابنُ أبي عاصم في ((السنة)) (1/206)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/450) واللفظ له، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (666).

وهو أثرٌ صحيحٌ.

(13) أخرجه ابنُ أبي شيبة (35952)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/450) واللفظ لهما، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (666).

وهو أثَرٌ صحيحٌ.

(14) قال الأزهَريُّ: (قال اللَّيثُ: البُغضُ: نَقيضُ الحُبِّ). ((تهذيب اللغة)) (8/17).

(15) أخرجه مسلم (2637).

(16) أخرجه البخاري (3009)، ومسلم (2405).

(17) أخرجه مسلم (2965).

(18) أخرجه البخاري (7518)، ومسلم (2829).

(19) أخرجه البخاري (7483).

(20) ((خلق أفعال العباد)) (ص: 149).

(21) أخرجه البخاري (7407).

(22) ليسَ في الحَديثِ إثباتُ الأُذُنِ للهِ عَزَّ وجَلَّ، بَل فيه أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يَسمَعُ بسَمعٍ ويُبصِرُ ببَصَرٍ حَقيقيَّينِ، أمَّا العَينُ فهيَ ثابتةٌ في أكثَرَ مِن آيةٍ وحَديثٍ، مِنها حَديثُ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه السَّابقُ.

(23) أخرجه أبو داود (4728) واللَّفظُ له، وابن حبان (265)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (9334).

وهو حَديثٌ صحيحٌ قَوَّى إسنادَه على شَرطِ مُسلمٍ: ابنُ حَجَرٍ في ((فتح الباري)) (13/385).

(24) أخرجه البخاري تعليقًا (13/372)، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، ووصَله الحافِظُ ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) = =(5/339) وصَحَّحَه، وصَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3460)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1583).

(25) قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67].

وعن عبدِ اللهِ بنِ مِقسَمٍ أنَّهُ نَظَرَ إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ كيفَ يَحكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، قال) :يَأخُذُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَواتِه وأرَضيه بيَدَيه، فيَقولُ: أنا اللهُ، ويَقبِضُ أصابِعَه ويَبسُطُها، أنا المَلِكُ، حتَّى نَظَرتُ إلى المِنبَرِ يَتَحَرَّكُ مِن أسفَلِ شيءٍ منه، حتَّى إنِّي لأقولُ: أساقِطٌ هو برَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ؟ وفي روايةٍ: رَأيتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّم على المِنبَرِ وهو يقولُ: يَأخُذُ الجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ سَماواتِه وأرَضِيه بيَدَيه). أخرجه مسلم (2788).

فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هنا قَبَض يدَه ليُبَيِّنَ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يَقبِضُ الأرضَ والسَّمَواتِ قَبضًا حقيقيًّا بيَدٍ حَقيقيَّةٍ، وليس في هذا تشبيهُ قَبضِ اللهِ بقَبضتِه، حاشاه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

(26) ((إنَّ اللهَ تعالى يَبسُطُ يَدَه باللَّيلِ ليتوبَ مُسيءُ النَّهارِ، ويَبسُطُ يدَه بالنَّهارِ ليتوبَ مسيءُ اللَّيلِ، حتى تَطلُعَ الشمسُ مِن مَغربِها)) أخرجه مسلم (2760) من حديث أبي موسى الأشعريِّ رضِيَ اللهُ عنه.

(27) حديثُ: ((يدُ اللهِ ملْأَى لا يَغيضُها نَفَقةٌ... وبيَدِه الأخرى الميزانُ، يَخفِضُ ويَرفَعُ)) أخرجه البخاري (7411)، ومسلم (993).

(28) حديثُ أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهرَه، فسَقطَ مِن ظهرِه كلُّ نَسَمةٍ هو خالقُها مِن ذُرِّيَّتِه إلى يومِ القِيامةِ ...)) أخرجه الترمذي (3076)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (205)، والحاكم (2/354).

قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.

(29) حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنهما مرفوعًا: ((يأخُذُ اللهُ عزَّ وجلَّ سمواتِه وأرَضيه بيدَيه، فيقولُ: أنا اللهُ «ويَقبِضُ أصابِعَه ويبسُطُها، أيِ: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، أنا المَلِكُ)) أخرجه مسلم (2788- 25و26).

(30) حديثُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عنه: أنَّ يهوديًّا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا مُحمَّدُ، إنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمواتِ على إِصبَعٍ، والأرَضينَ على إِصبَعٍ، والجبالَ على إِصبَعٍ، والشَّجَرَ على إِصبَعٍ، والخلائقَ على إِصبَعٍ، ثمَّ يقولُ: أنا المَلِكُ، فضَحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى بَدَتْ نواجِذُه، ثمَّ قرَأَ: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]، وفي روايةٍ: فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعجُّبًا وتصديقًا له. أخرجه البخاري (7414) واللَّفظُ له، ومسلم (2786).

(31) حديثُ أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِي اللهُ عنه مرفوعًا: ((وعَدَني ربِّي أن يُدخِلَ الجنَّةَ مِن أمَّتي سبعينَ ألفًا لا حسابَ عليهم ولا عذابَ، مع كلِّ ألفٍ سبعونَ ألفًا، وثلاثُ حَثَيَاتٍ مِن حَثَيَاتِ ربِّي)). أخرجه أحمد (5/268)، والترمذي (2437)، وابن ماجه (4286).

حسَّنه ابنُ حَجَر في ((تخريج المشكاة)) (5/172)، وقال الذهبي في ((السير)) (16/460): إسنادُه قويٌّ. وجوَّد إسنادَه ابنُ كثيرٍ في ((التفسير)) (2/82).

(32) حديثُ أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((لَمَّا قضَى اللهُ الخَلقَ كتَب في كتابِه فهو عِندَه فوقَ عَرشِه: إنَّ رحمَتي تَغلِبُ غَضَبي)) أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751)، وأخرجه الترمذي (2808)، وابن ماجه (4295)، بلفظ: ((... لَمَّا خَلَق الخَلقَ كتَب بيَدِه على نَفسِه ...)).

وحديثُ احتجاجِ موسى وآدَمَ عليهما السَّلام، وفيه قولُ آدمَ لموسى: ((أنتَ موسى الذي اصطفاكَ اللهُ برِسالتِه وبكَلامِه، وأعطاكَ الألواحَ فيها تِبيانُ كلِّ شيءٍ، وقَرَّبَك نجيًّا؛ فبكمْ وَجَدتَ اللهَ كتَبَ التَّوراةَ قبلَ أن أُخلَقَ؟...)) أخرجه البخاري (6614)، ومسلم (2652). وفي رواية صحيحة عن أبي داود (4701) وابن ماجه (80): ((وخَطَّ لكَ التَّوراةَ بِيَدِه ...)).

(33) حديثُ الشَّفاعةِ، وفيه: ((... فيأتونه فيقولون: يا آدَمُ، أنتَ أبو البَشَرِ، خلقَكَ اللهُ بِيَدِه، ونفَخ فيكَ مِن رُوحِه...)) أخرجه البخاري (3340)، ومسلم (194).

(34) حديثُ أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((... ويَطوي السَّماءَ بيَمِينِه ...)) أخرجه البخاري (7382)، ومسلم (2787).

(35) حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: ((إنَّ المُقسِطينَ عندَ اللهِ على منابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ، وكِلتا يَديهِ يَمينٌ ...)) أخرجه مسلم (1827).

(36) ((التبصير في معالم الدين)) (134)

(37) ((مختصر الصواعق المرسلة)) لابن الموصلي (2/171).

(38) أخرجه البخاري (6308 و6309)، ومسلم (4927-4933) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ، وأنَسِ بنِ مالكٍ، وأبي هُرَيرةَ، والنُّعمانِ بنِ بَشيرٍ، والبَراءِ بنِ عازِبٍ، رَضِيَ اللهُ عنهم.

(39) أخرجه مسلم (187).

(40) ((التعرف لمذهب أهل التصوف)) له (ص: 35).

(41) ((التمهيد)) (7/145).

(42) ((مجموع الفتاوى)) (3/218).

(43) يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (2 /91).

(44) قد يُشكِّكُ البعضُ في الإجْماع -وهو ثابتٌ يقِينًا- فدُونه هذه النقولات.

(45) يَعني المُعتَزِلةَ.

(46) ((الإبانة)) لأبي الحسن الأشعري (ص: 141).

(47) ((نقض الإمام الدارمي على بشر المريسي)). (ص: 332)، ط: المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة.

(48) ((التبصير في معالم الدين)) (ص 141-145).

(49) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (123).

(50) يُنظر: ((طبقات علماء الحديث)) لابن عبد الهادي الصالحي (3/132)، وكتاب ((تذكرة الحفاظ)) للذهبي (3/101) ثُمَّ عَلَّقَ الذَّهَبيُّ بقَولِه: (قُلتُ: نَعَم، لو كانت صِفاتُه مَجازًا لتَحَتَّمَ تَأويلُها، ولقيل: مَعنى البَصَرِ كَذا، ومَعنى = = السَّمعِ كَذا، ومَعنى الحَياةِ كَذا، ولفُسِّرَت بغَيرِ السَّابقِ إلى الأفهامِ، فلمَّا كان مَذهَبُ السَّلفِ إمرارَها بلا تَأويلٍ عُلمَ أنَّها غَيرُ مَحمولةٍ على المَجازِ، وأنَّها حَقٌّ بَيِّنٌ).

(51) نِسبةً لأميرِ المُؤمِنينَ القادِرِ باللهِ العَبَّاسيِّ المُتَوفَّى سَنةَ 422هـ، قال الذَّهَبيُّ في كِتاب ((العلو)) (ص: 245): (له مُعتَقَدٌ مَشهورٌ قُرِئَ ببَغدادَ بمَشهَدٍ مِن عُلمائِها وأئِمَّتِها، وأنَّه قَولُ أهل ِالسُّنَّةِ والجَماعةِ، وفيه أشياءُ حَسَنةٌ، مِن ذلك: ... وكُلُّ صِفةٍ وَصَف بها نَفسَه أو وَصَفه بها رَسولُه فهيَ صِفةُ حَقيقةٍ لا صِفةُ مَجازٍ).

(52) ((الرد على الجهمية)) (ص: 34).

(53) نِسبةً لأميرِ المُؤمِنينَ القادِرِ باللهِ العَبَّاسيِّ المُتَوفَّى سَنةَ 422هـ، قال الذَّهَبيُّ في كِتاب ((العلو)) (ص: 245): (له مُعتَقَدٌ مَشهورٌ قُرِئَ ببَغدادَ بمَشهَدٍ مِن عُلمائِها وأئِمَّتِها، وأنَّه قَولُ أهل ِالسُّنَّةِ والجَماعةِ، وفيه أشياءُ حَسَنةٌ، مِن ذلك: ... وكُلُّ صِفةٍ وَصَف بها نَفسَه أو وَصَفه بها رَسولُه فهيَ صِفةُ حَقيقةٍ لا صِفةُ مَجازٍ). كَتَبَ عليها أبو الحَسَنِ بنُ القزوينيِّ الشَّافِعيُّ (ت: 442 هـ) بخَطِّه: ((هذا قَولُ أهلِ السُّنَّةِ، وهو اعتِقادي، وعليه اعتِمادي))، ثُمَّ تَبعَه أبو يَعلى، والقاضي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَريِّ، وآخَرونَ. يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (2/198).

(54) يُنظر: ((العلو)) للذهبي (ص: 246).

(55) ((التمهيد)) (7/131).

(56) ((الاستذكار)) (3/114).

(57) ((الحجة في بيان المحجة)) (1/482).

(58) أورده الذهبي في ((العلو)) (ص263).

(59) ((الجامع لأحكام القرآن)) (7/219).

(60) وهو من أخصِّ تلاميذ الإمام النَّوويِّ. ترجَم له ترجمةً ضافية في كتابه: (تحفةُ الطَّالبين في ترجمة الإمام مُحيي الدِّين).

(61) ((الاعتقاد الخالص)) له (ص: 132).

(62) ((العلو)) (239).

(63) ((العلو)) (250).

(64) ((شرح الفقه الأكبر)) (ص71).

(65) ((رحلة الحج إلى بيت الله الحرام)) (ص:63).

(66) ((أضواء البيان)) (7/278)

(67) ((أضواء البيان)) (7/280).

(68) ((أضواء البيان)) (7/286)

(69) ((شرح السنة)) (ص: 75).

(70) المصدر السابق (ص: 89).

(71) ((الرسالة)) (ص: 5).

(72) انظر: ((العلو)) للذهبي (ص: 245).

(73) ((كتاب العرش)) للذهبي (2/471).

(74) ((العلو)) للذهبي (ص: 246).

(75) ((منع جواز المجاز)) (ص:44-45).

(76) ((المعين والزاد)) (ص: 43).

(77) أخرجه أبو نعيم في ((صفة الجنة)) (124) باختلاف يسير، والبيهقي في ((البعث والنشور)) (332)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1194) واللفظ لهما، وهو أثرٌ ثابتٌ صحيحٌ.

(78) أخرجه أحمد (22938)، من حديثِ بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وإسنادُه صحيحٌ.

(79) أخرجه البخاري (748) واللفظ له، ومسلم (907).